الفصل السادس

الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تَغْفُو

أَحْكَمُ النَّاسِ سَيَقَعُونَ فِي الْخَطَأِ، وَلَكِنْ إِنْ كَانُوا بِالْفِعْلِ حُكَمَاءَ فَسَيَسْتَفِيدُونَ مِنْهُ.

الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ

يُوجَدُ قَوْلٌ بَيْنَ أَهْلِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ عَلَى غِرَارِ مَا يَلِي:

عَلَيْكَ أَنْ تَبْقَى مُسْتَيْقِظًا دَائِمًا بِلَا نَوْمٍ؛
حَتَّى تُشَاهِدَ الْجَدَّةَ ثعلبة وَقَدْ غَلَبَهَا النَّوْمُ.

بِالطَّبْعِ هَذَا يَعْنِي أَنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ فِي غَايَةِ الذَّكَاءِ وَالْبَرَاعَةِ، وَدَائِمًا فِي حَالَةِ يَقَظَةٍ، حَتَّى إِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ شَدِيدَ الذَّكَاءِ مَنْ يَخْدَعُهَا أَوْ يَتَفَوَّقُ عَلَيْهَا. إِنَّ ريدي ذَكِيٌّ، حَقًّا ذَكِيٌّ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِ ذَكَاءِ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ. كَمَا تَرَوْنَ، لَمْ يَعِشْ طَوِيلًا مِثْلَهَا؛ لِذَا بِالطَّبْعِ يُوجَدُ الْكَثِيرُ مِنَ الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مُخْتَزَنَةٍ فِي عَقْلِ الْجَدَّةِ لَا يَعْرِفُ ريدي سِوَى الْقَلِيلِ عَنْهَا.

وَلَكِنْ مِنْ حِينٍ إِلَى حِينٍ أَذْكَى النَّاسِ يَغْفُونَ. أَجَلْ يَا عَزِيزِي، هَذَا يَحْدُثُ. سَيَكُونُونَ مُسْتَهْتِرِينَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ. هَذَا مَا حَدَثَ مَعَ الْجَدَّةِ. مَعَ كُلِّ ذَكَائِهَا وَبَرَاعَتِهَا وَحِكْمَتِهَا كَانَتْ مُسْتَهْتِرَةً، فَإِنَّ الذَّكَاءَ وَالْبَرَاعَةَ وَالْحِكْمَةَ لَا شَيْءَ إِنْ كَانَ مَنْ يَمْتَلِكُهَا مُسْتَهْتِرًا.

كَمَا تَرَوْنَ، لَقَدِ اعْتَادَتِ الْجَدَّةُ أَنْ تَظُنَّ فِي نَفْسِهَا أَنَّهَا أَذْكَى مِنْ أَيِّ شَخْصٍ آخَرَ، مَا لَمْ يَكُنِ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ، حَتَّى إِنَّهَا اعْتَقَدَتْ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ عَلَى قَدْرٍ كَافٍ مِنَ الذَّكَاءِ حَتَّى يُبَاغِتَهَا. أَجَلْ يَا عَزِيزِي، لَقَدْ ظَنَّتْ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ. وَالْآنَ، تَعْرِفُونَ حِينَ يَصِلُ شَخْصٌ إِلَى مَرْحَلَةٍ يَظُنُّ فِيهَا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ آخَرُ فِي الْعَالَمِ الْكَبِيرِ فِي مِثْلِ ذَكَائِهِ، هَذَا الشَّخْصُ مِثْلُ الْأَرْنَبِ بيتر حِينَ اسْتَعَدَّ يَوْمًا مَا فِي أَحِدِ الْأَشْتِيَةِ لِكَيْ يَقْفِزَ عَلَى جَلِيدِ الْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ الرَّقِيقِ، الَّذِي سَيَهْوِي بِهِ فِي الْمِيَاهِ. هَكَذَا كَانَ الْأَمْرُ مَعَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ.

لِأَنَّهَا عَاشَتْ بِالْقُرْبِ مِنْ بَيْتِ الْمُزَارِعِ براون فَتْرَةً طَوِيلَةً، وَكَثِيرًا مَا لَاحَقَهَا ابْنُ الْمُزَارِعِ براون وَكَلْبُ الصَّيْدِ باوزر، كَانَتِ الْفِكْرَةُ الْمُسَيْطِرَةُ عَلَيْهَا هِيَ أَنَّهَا مَهْمَا فَعَلَتْ فَلَنْ يَسْتَطِيعُوا اللَّحَاقَ بِهَا؛ لِذَا أَصْبَحَتْ مُؤَخَّرًا مُسْتَهْتِرَةً. أَجَلْ يَا عَزِيزِي، أَصْبَحَتْ مُسْتَهْتِرَةً. وَهَذَا شَيْءٌ لَا يَقْوَى أَيُّ ثَعْلَبٍ أَوْ شَخْصٍ عَلَى تَحَمُّلِ نَتَائِجِهِ.

وَالْآنَ، عَلَى حَافَةِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ تُوجَدُ رَبْوَةٌ مُشْمِسَةٌ دَافِئَةٌ، وَهِيَ — كَمَا تَعْلَمُونَ — مِثْلُ تَلٍّ صَغِيرٍ. كَانَتْ تُطِلُّ عَلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، وَكَانَتْ أَكْثَرَ الْأَمَاكِنِ سِحْرًا وَرَاحَةً يُمْكِنُ أَنْ تَقْضِيَ فِيهَا أَهْنَأَ قَيْلُولَةٍ تَحْتَ الشَّمْسِ. عَلَى الْأَقَلِّ، هَذَا مَا ظَنَّتْهُ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ. كَثِيرًا مَا كَانَتْ تَأْخُذُ قَيْلُولَةً هُنَاكَ. كَانَتْ مَكَانَهَا الْمُفَضَّلَ لِلرَّاحَةِ. حِينَ كَانَ كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر يَتَعَقَّبُ آثَارَهَا وَيُطَارِدُهَا حَتَّى تَتْعَبَ مِنَ الْجَرْيِ، وَتَكُونَ قَدْ أَدَّتْ كُلَّ الْمُنَاوَرَاتِ الَّتِي تَحْتَاجُهَا أَوْ تُرِيدُهَا، كَانَتْ تَقُومُ بِإِحْدَى أَمْهَرِ حِيَلِهَا الَّتِي بِهَا تَجْعَلُ باوزر يَفْقِدُ أَثَرَهَا. ثُمَّ كَانَتْ تَذْهَبُ إِلَى الرَّبْوَةِ؛ حَيْثُ تَسْتَرِيحُ وَتَبْتَسِمُ ابْتِسَامَةً عَرِيضَةً مِنْ ذَكَائِهَا.

حَدَثَ وَأَنَّهَا فَعَلَتْ هَكَذَا يَوْمًا مَا حِينَ هَطَلَ ثَلْجٌ مِنْ جَدِيدٍ عَلَى الْأَرْضِ. بِالطَّبْعِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَتْ تَضَعُ قَدَمَهَا عَلَى الْأَرْضِ، كَانَتْ تَتْرُكُ أَثَرًا فِي الثَّلْجِ. وَحَيْثُ عَقِصَتْ تَحْتَ الشَّمْسِ، تَرَكَتْ أَثَرًا لِجِسْمِهَا. كَانَتِ الْآثَارُ وَاضِحَةً تَمَامًا لِلنَّظَرِ، وَرَآهَا ابْنُ الْمُزَارِعِ براون.

لَقَدْ كَانَ يَتَنَزَّهُ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ فِي وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ، وَبِمَحْضِ الصُّدْفَةِ عَبَرَ بِجَانِبِ آثَارِ أَقْدَامِ الْجَدَّةِ. لِلْمُتْعَةِ فَقَطْ تَتَبَّعَ تِلْكَ الْآثَارَ، وَبِذَلِكَ أَتَى إِلَى مَكَانِ الرَّبْوَةِ الْمُشْمِسَةِ. كَانَتِ الْجَدَّةُ قَدْ غَادَرَتْهُ مُنْذُ فَتْرَةٍ، وَلَكِنْ بِالطَّبْعِ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَأْخُذَ أَثَرَهَا مَعَهَا. ظَلَّ أَثَرُهَا فِي الثَّلْجِ، وَرَآهُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون وَعَرَفَ عَلَى الْفَوْرِ مَعْنَى ذَلِكَ، فَابْتَسَمَ، وَلَوْ كَانَتِ الْجَدَّةُ رَأَتْ تِلْكَ الِابْتِسَامَةَ لَأَصَابَهَا الِانْزِعَاجُ. كَمَا تَرَوْنَ، لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ وَجَدَ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَتِ الْجَدَّةُ مُعْتَادَةً أَنْ تَغْفُوَ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ.

قَالَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون: «هَكَذَا إِذَنْ! هَذَا هُوَ الْمَكَانُ حَيْثُ تَسْتَرِيحِينَ أَيَّتُهَا السَّيِّدَةُ ثعلبة الْعَجُوزُ، بَعْدَ أَنْ تُنْهِكِي أَقْدَامَ باوزر مِنَ الْجَرْيِ. أَظُنُّ أَنَّنَا سَنُفَاجِئُكِ فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ الْقَادِمَةِ. نَعَمْ، أَعْتَقِدُ أَنَّنَا سَنُفَاجِئُكِ. لَقَدْ خَدَعْتِنَا مِرَارًا كَثِيرَةً، وَجَاءَ دَوْرُنَا الْآنَ.»

فِي الْيَوْمِ التَّالِي وَضَعَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون بُنْدُقِيَّتَهُ الرَّهِيبَةَ عَلَى كَتِفِهِ، وَأَطْلَقَ الْكَلْبَ باوزر لِكَيْ يَتَتَبَّعَ آثَارَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ. لَمْ يَمْضِ وَقْتٌ حَتَّى ضَجَّ صَوْتُ باوزر الْجَهْوَرِيُّ مُعْلِنًا أَنَّهُ وَجَدَ آثَارَ أَقْدَامِ الْجَدَّةِ. ضَحِكَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون مِثْلَمَا ضَحِكَ الْيَوْمَ الْمَاضِيَ. ثُمَّ ذَهَبَ وَمَعَهُ بُنْدُقِيَّتُهُ الرَّهِيبَةُ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَاخْتَبَأَ تَحْتَ بَعْضِ أَغْصَانِ الصَّنَوْبَرِ عَلَى حَافَةِ تِلْكَ الرَّبْوَةِ الْمُشْمِسَةِ تَمَامًا.

انْتَظَرَ بِأَنَاةٍ لِوَقْتٍ طَوِيلٍ جِدًّا. سَمِعَ صَوْتَ باوزر وَهُوَ يَعْلُو أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ مِنَ الْحَمَاسِ، وَهُوَ يَتْبَعُ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ. بَعْدَ وَقْتٍ قَصِيرٍ، تَوَقَّفَ باوزر عَنِ النُّبَاحِ، وَبَدَأَ يَعْوِي بِلَا تَوَقُّفٍ. عَلِمَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون مَعْنَى ذَلِكَ. كَانَ هَذَا يَعْنِي أَنَّ الْجَدَّةَ لَعِبَتْ وَاحِدَةً مِنْ أَذْكَى حِيَلِهَا، وَأَنَّ باوزر فَقَدَ أَثَرَهَا.

بَعْدَ بِضْعِ دَقَائِقَ أَتَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَكَانَتْ تَبْتَسِمُ ابْتِسَامَةً عَرِيضَةً. لِمَرَّةٍ ثَانِيَةٍ قَدْ خَدَعَتْ كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر، وَالْآنَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَغْفُوَ فِي سَلَامٍ. وَحِينَ كَانَتْ لَا تَزَالُ مُبْتَسِمَةً، نَظَرَتْ حَوْلَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لِتُطَمْئِنَ نَفْسَهَا، ثُمَّ — بِتَنْهِيدَةٍ مِنَ الرِّضَى — عَقَصَتْ نَفْسَهَا لِقَيْلُولَةٍ تَحْتَ الشَّمْسِ، وَفِي غُضُونِ دَقَائِقَ غَفَتْ. وَلَكِنْ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهَا، وَرَاءَ أَغْصَانِ الصَّنَوْبَرِ، كَانَ يَجْلِسُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون حَامِلًا بُنْدُقِيَّتَهُ الرَّهِيبَةَ وَهُوَ يَبْتَسِمُ ابْتِسَامَةً عَرِيضَةً. أَخِيرًا اسْتَطَاعَ أَنْ يُمْسِكَ بِالْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ وَقَدْ غَلَبَهَا النَّوْمُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤