لغة العرب

أصلها

إحدى اللغات السامية، نسبة لسام أحد الآباء الأولين — كما اتفق الناس — الذي من أصله العرب. ويقول المحققون من علماء اللغات إن لغتنا العربية أقرب اللغات شبهًا باللغة التي اشتُقت منها، معللين ذلك بانزواء العرب في جزيرتهم واعتزالهم.

كانت في بدء عهدها فرعين عظيمين: لغة مضر ولغة حِميَر، وكان بينهما فروق كما ورد في كلامنا على لغة القحطانيين والعدنانيين، أما اللهجات فتعددت إلى حد عظيم، بيد أنه مع توالي الأيام والعصور صرعت لهجة قريش لهجات الجزيرة كلها، لأسباب ستأتي. لغة الأدب «الشعر والنثر» ولغة الدين «القرآن» ولغة السياسة والإدارة «بعد الإسلام» فاغتنت بما أدخل عليها من الألفاظ الجديدة التي دعا إليها الدين والسياسة والحضارة والعلم الجديد.

لقد كان العرب والسريان والعبران في الجزيرة يتفاهمون بلا ترجمان، ولكن تطور اللغة العربية بتطور قومها أبعدها عن أخواتها. واللغة تسود بسيادة قومها وتنمو برقيهم؛ فلذلك لم يبقَ رابطة تربطها بأختيها غير ألفاظ تختلف لهجة يعرفها المطلعون على هذه اللغات الثلاث، ومنها يعرفون أن هذه اللغات من مقلع واحد.

أسباب نموها ورقيها

هي العوامل التي تقدم ذكرها في كلامنا عن ثقافة العرب تحت عنوان «ثقافتهم».

فاللغة كائن ينمو ويتكاثر، فكلما وجدت الأغراض خلقت الألفاظ. وصار العرب دولة بعد الفتح الإسلامي فكانوا كالبوتقة للغات، فصهروها وطبعوها بطابع لغتهم الخاص، وأخذوا منها كل ما احتاجوا إليه، فاتسع نطاق لغتهم أيما اتساع.

وأهم أسباب النمو هو «المجاز»، والاشتقاق، والإبدال، والنحت، والقلب، والتعريب، وهاكَ التفصيل:
  • (أ)
    المجاز أو التجوز: وهو أوسع أبواب اللغة، فمنه تثرى اللغة إلى ما لا حد له، ومن شروطه وجود العلاقة بين المعنى والكلمة التي نقلت إليه، ويكون المجاز في المفرد والجملة.
  • (ب)
    الاشتقاق: هو من ميزات اللغة العربية وبه تتناسل إلى حد بعيد. فبنقلك اللفظة من صيغة إلى صيغة تنقلها من معنًى إلى معنًى آخر، فتستغني غالبًا بكلمة عن جملة كقولك: استكتبت فلانًا؛ أي طلبت إليه أن يكون كاتبًا لي … إلخ.
  • (جـ)
    الإبدال: وهو إبدال حرف بحرف من لفظة فتكونان بمعنًى واحد. وللإبدال أسباب؛ منها استثقال بعض الحروف عند بعض الناس فأبدلوها بأخف منها. وللإبدال أثر كبير في اللغة تعثر عليه في أكثر كلماتها إن لم نقل كلها، وإليك المثل: أتملس أتملص أتملز؛ أي أتخلص. لصق لسق لزق. البصاق البزاق البساق … إلخ.
  • (د)
    القلب: وهو تقديم حرف أو تأخيره في اللفظة، بشرط أن لا تتبدل الحروف كقولك: فطس طفس، يتسكع يتكسع، أوباش أوشاب … إلخ.
  • (هـ)
    النحت: ويقصد به الإيجاز — والإيجاز بغية العربي ومطلبه في كل شئونه حتى اللغة؛ لباسه وجيز، وأكله وجيز، وبيته وجيز — وهو أن تصوغ كلمة تدل على كلمات كقولهم: بَسْمَل، كبَّر. ويكون النحت بالفعل نحو: سَمْعَل «قال السلام عليكم» وبالوصف نحو: صلدم، للحافر الشديد من الصلد والصدم، وبالاسم نحو جلمود من جلد وجمد، وبالنسبة نحو مرقسي «من سلالة امرئ القيس».
  • (و)
    التعريب: وهو نقل الكلمة الأعجمية على نهج العرب وأسلوبهم، فالحاجة إلى التعريب ماسة دائمًا في كل مكان وزمان، وقد لجأ إليها العرب في كل أطوارهم ولم يأنفوا من الالتجاء إليها كما نأنف نحن اليوم. وفي اللغة ألفاظ لا تعد كلها أعجمية معربة، وفي القرآن الكريم مائة كلمة منها.

خصائص لغة العرب

للغة العربية خصائص في إفهام المعاني ليست لغيرها من اللغات؛ منها:
  • (١)

    الإيجاز: وهو وليد الاشتقاق والنحت.

  • (٢)

    جمال التعبير: الذي تتولد منه معانٍ فرعية عديدة تفقد رونقها وجمالها الفني إذا ترجمت.

  • (٣)

    الإعراب: الذي به يُعرف الخبر من الإنشاء، والمفعول من الفاعل، والمضاف من المنعوت، والتعجب من الاستفهام، والنعت من الحال، والحال من الخبر. ففي إعراب: ما أحسن زيد. تتضح الأغراض الثلاثة.

  • (٤)

    الحركات: كقولهم مِفتح للآلة، ومَفتح لموضع الفتح، ومقصُّ كذلك … إلخ.

  • (٥)

    ترك التأنيث: حيث لا يشارك المذكر المؤنث في الصفة؛ كقولهم: امرأة طاهر «من الحيض»، وطاهرة «من العيب»، وقاعد «من الحبل»، وقاعدة «من القعود» … إلخ. ومثل قولهم: كم رأيت رجلًا؟ في الاستخبار؛ أي الاستفهام. وكم رجل رأيت، في الإخبار للتكثير.

  • (٦)

    مخالفة الظاهر: كقولهم: قاتله الله … إلخ.

  • (٧)

    الزيادة: كقولهم: صه وصهن، ضيف ضيفن، رعشن … إلخ.

  • (٨)

    الاختصار: كقولهم: أثعلبا وتفر.

  • (٩)

    ورود ألفاظ كثيرة بمعنى واحد يلجأ إليها الألثغ ليكتم لثغته أمام الناس؛ كقولهم: راية وغاية «للعلم»، رمَّازة وغمَّازة «للفتاة»، ملث وملس، وفاضت وفاظت … إلخ.

  • (١٠)

    كثرة حروفها: وهي صالحة للاتصال بما بعدها وما قبلها، إلا ستة حروف فإنها لا تتصل إلا بما قبلها وهي: ر و ز ذ د ا.

كلمة لا بد منها

نمت اللغة العربية وتناسلت فكثرت ثروتها الأدبية حتى انتهت إلينا فوقفنا بها موقف الجمود، والجمود دليل الموت والفناء. أغلقنا باب المجاز والاشتقاق، وسددنا على أنفسنا منافذ النحت والتعريب، فأصبحت ألفاظ لغتنا كالمحنطات في المتاحف، أو كالمتاع الذي لا يصلح للاستعمال. لقد صارت كالأوثان في كعبة الجاهلين لا نجرؤ على مسها، نأنف من إدخال الدخيل إليها بالتعريب مع أنها مملوءة به وهو منبع ثروتها. لا نستعمل إلا ما ورد في كلامهم فأصبحت لغتنا لا تصلح إلا للتعبير عن أغراض ذلك الزمان.

ما أشبه لغتنا بشجرة لم تمسها فأس مشذب، لا مائية ولا نضارة فيها، ييبس منها ما ييبس ولا تفرخ جديدًا!

نزعم أنها تحتوي كل الألفاظ من قديم وجديد، مما ولد وسيولد، وذاك لعمري الضلال المبين. أجل إن العربي لأنوف من كل غريب حتى الألفاظ التي يحتاج إليها ليعبر عن غرضه، وهذا لعمري منتهى الضلال والشطط، فهذه أرقى اللغات الأوروبية تدخل إليها الألفاظ الجديدة بالمئات كل عام، من دخيل وغيره، وهذه معاجمهم تدلنا على أصل كل كلمة دخلت لغتهم، ولا حياء ولا خجل.

أنا لا أقول بإدخال كل لفظة إلى لغتنا فتصبح فوضى، ولكنني أقول بأخذ كل ما نعجز عن إيجاده لنتفاهم مع ناس هذا الزمان.

وإن كان لا بد من أخذ ألفاظ من اللغة وإطلاقها على مسميات مستنبطات جديدة، فنحن محتاجون إلى قاموس مصوَّر يخصص كل اسم بمسماه بعد رسمه وتعريفه التعريف الذي لا التباس فيه، فلا يكون تفسير سَعُدَ ضد شقيَ، وشقي ضد سعد، كما هي الحالة في المعاجم التي بين أيدينا.

إن الحيوانات والحشرات، برية وبحرية، مختلفة متنوعة، ولها أسماء عديدة في لغتنا، فلماذا لا نخص كل نوع باسم خاص به؟ وكذا قل في النبات وغيره من الأشياء.

لماذا لا نشتق تلفن من التلفون، كما اشتق الإمام علي نَوْرَز من كلمة نيروز بقوله: «نورزوا لنا كل يوم.» وكما قالوا دوَّن من كلمة ديوان. أما إذا كان لا بد من استعمال كلمة هاتف للتلفون، فلتكن كلمة هتف بدلًا من تلفن، وهكذا قل في كل الألفاظ المستحدثة.

فما أشبهنا بأبناء اتصلت بهم ثروة آبائهم فلم يعملوا على زيادتها وإنمائها فكادت تفنى وتضمحل وهم ينظرون إليها نظرة الجاهل إلى مريض يتململ أمامه ولا يعرف بما يسعفه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤