الفصل العشرون

ساكن جديد على الجزيرة

قال فريتز: «أقدم لكم … جيني مونتروز.»

وثب أولادنا فرحًا وهرعوا كي يعانقوا أول شخص يرونه من خارج عائلتنا منذ قرابة ما يزيد عن الثلاثة عشر عامًا، وانهالوا عليها بوابل من الأسئلة. وفي تلك الأثناء رأيت أن السعادة غمرت زوجتي لأنها عثرت على صديقة تشاركنا حياتنا.

ضحكت صديقتنا الجديدة وتسامرت معنا محاولة أن تجد طريقة لتخبرنا ما الذي حدث لها. كنا نتحدث جميعنا في وقت واحد، ضاحكين ومغمورين فرحًا.

وبعد ساعات حكى فيها بعضنا لبعض مغامراتنا، أوت صديقتنا الجديدة إلى الفراش. فسأل الأولاد فريتز كيف عثر على جيني. فبدأ يروي على مسامعهم قصة طائر القطرس.

قال فريتز: «كان معه رسالة مربوطة في رجله، ولم أطلع أحدًا على الأمر سوى أبي. رددت على الرسالة بمثلها، ثم غادرت بزورقي. عثرت على العديد من الأشياء الرائعة أثناء ترحالي، وكنت سأتوقف عن المضي قدمًا، غير أنني كنت في مهمة. وعندما بلغت أحد الخلجان الصغيرة، استرحت وأضرمت النيران وأعددت طيرًا لأتناوله. وعندئذ خرج من بين الأجمة نمر لامع العينين قفز نحوي. هجم نسرنا على النمر وشاغله لوقت كان كافيًا لأحضر فيه بندقيتي. صوبت بندقيتي في اللحظة المناسبة وتمكنت من قتله بطلقة واحدة، غير أن نسري سقط ميتًا أيضًا.

عدت إلى الزورق بعدما دفنت النسر صديقنا، وانطلقت في البحر شاعرًا بالحزن والوحدة، لكن هذا لم يدم طويلًا، فبعد فترة وجيزة كنت أمر من أحد المنعطفات ورأيت سحابة من الدخان تتصاعد، فأسرعت بزورقي نحوها متحمسًا لاهثًا. ركضت على الشاطئ باتجاه النيران لكن لم يكن أحد هناك. وعندئذ رأيت أحدهم يركض؛ لقد كانت جيني.

قادتني جيني إلى الكوخ الذي صنعته باستخدام العديد من المكونات التي أتت بها من حطام سفينتها التي انجرفت نحو الشاطئ منذ ثلاث سنوات، وكما فعلنا، صنعت جيني العديد من الأشياء وتعلمت صيد الحيوانات والسمك. وهي ابنة أحد الضباط الإنجليز، وقد كانت في طريقها على متن إحدى السفن لمقابلة والدها عندما تحطمت سفينتها هنا. وكانت على متن قارب إنقاذ انقلب بمن فيه ونجت هي وحدها. بعدما استعادت قوتها، كانت تربط رسالة برجل أي طائر تمسكه على أمل أن يعثر أحد عليها. أنصت إلى قصتها، وعندما كنت في زورقي للقيام برحلة أخيرة لصيد السمك قبل أن أتجه لأخذها لأرجع بها إلى المنزل، التقيتكم. ظننت في بادئ الأمر أنكم قراصنة وأن كل شيء قد انتهى. لكن حمدًا لله أنه أنتم!»

بعدما انتهى فريتز من حكايته، كان لدى الجميع العديد من الأسئلة. تحدثنا بحماس ووضوح قدر استطاعتنا بلغتنا الإنجليزية الضعيفة إلى أن تمكن التعب منا جميعًا. في الصباح التالي، حيَّا الأولاد كلهم جيني مرة أخرى بحرارة وفضول، وسررنا جميعًا أن ندعو جيني إلى بيتنا وأن نضمها إلى عائلتنا. كان اليوم جميلًا وتوقفنا في جزيرة القرش كي نطلق تحية من أجل جيني فيما أخذنا نريها منزلنا المتواضع.

كان رد فعلها ينم عن الانبهار وكأنها في قصر، فلقد أمضت وقتًا طويلًا وحدها، وقد أنجزنا نحن الكثير من الأشياء حتى إنها بدت في ناظريها مملكة بحق. ومزح جاك قائلًا إن جميع خدامنا ولوا الأدبار منذ أيام معدودات فحسب. وتفوق الأولاد على أنفسهم بأن وضعوا العشاء في كل أطباقنا، وأحضرت زوجتي فستانًا لجيني كي ترتديه وتشعر بالراحة. حظينا بوجبة رائعة ثم اصطحب الأولاد جيني في رحلة يرونها فيها كل أراضينا.

في اليوم التالي، بدأنا نحزم أغراضنا مرة أخرى من أجل الشتاء الذي كنا نعلم أنه آتٍ لا محالة. وحين كنا نعمل، عامل الأولاد جيني كأنها ملكة، فوضعوا لها سرجًا على إحدى الأبقار لتركبها جانبيًّا. ولم يمض وقت طويل حتى سارت واحدة منا في مملكتنا بالجزيرة. وقد أدخلت بهجتها السرور على قلوبنا.

مع ذلك، سرعان ما حلّ فصل الشتاء ورجعنا إلى الحصن الصخري لانتظار حلول أيام أفضل، لكن وجود جيني جعل أيامنا هناك سعيدة، حتى إن الشتاء بدا قصيرًا. وعلمتنا جيني أن نحسّن لغتنا الإنجليزية، وعلمناها نحن لغتنا قبل حلول فصل الربيع. كم كان وقتًا رائعًا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤