الفصل الثالث

هجوم!

كان الليل باردًا، لكننا تمكنَّا من تحمله بداخل خيمتنا. وعندما استيقظنا، نوينا أنا وفريتز أن ننطلق كي نستكشف الأرض ونرى هل بمقدورنا العثور على ناجين آخرين. عندما أخبرنا الأولاد أننا خارجون في رحلة استكشافية، ثار حماسهم لكنهم شعروا بالإحباط لدى علمهم أنهم غير مدعوين إلى هذه الرحلة.

شرحت لهم: «هذه الرحلة غاية في الخطورة إلى أن نعرف المزيد عن المكان الذي نحن فيه.»

قال جاك: «لا أعلم لماذا نبحث عن أولئك الأشخاص على أي حال. لقد تخلوا عنا. لماذا نحاول العثور عليهم وإنقاذهم؟»

أجبته: «ليس معنى أنهم أساءوا إلينا أن نعاملهم بالمثل. لعلهم يموتون جوعًا في حين أننا لسنا جوعى. علاوةً على أنهم قد يساعدوننا في بناء منزل.»

شرعنا أنا وفريتز في رحلة البحث. وبينما كنا نسير في طريقنا، رأينا أشجارًا غريبة تتدلى منها ثمار منتفخة أدركت أنها أشجار يقطين. قلت لفريتز: «هذه الثمار تسمى يقطين وهي مثالية لصنع السلطانيات والملاعق، يمكنك حتى أن تطهو فيها عن طريق وضع الأحجار الساخنة مع أي شيء بداخلها إلى أن يغلي.»

كان هذا شيئًا بسيطًا تذكرته من رحلات كولومبوس التي قرأتها مرارًا وتكرارًا، لكنه كان شيئًا مذهلًا لفريتز.

بذلنا مجهودًا لبعض الوقت، لكننا تمكنا أخيرًا من قطف بعض ثمرات اليقطين من الأشجار وملأناها بالرمال كي نجففها، وتركنا علامة عند تلك البقعة قبل أن نمضي قدمًا في طريقنا. حين سرنا قطعت أعشابًا طويلة بدت كالقصب، فلاحظت أن هناك عصارة خرجت منها، فتذوقتها فأدركت أن هذا قصب. وثب فريتز فرحًا عندما سمع هذا وقطع منه قدر ما استطاع أن يحمل. لكن سرعان ما تحول فرحنا إلى خوف؛ فعندما تركنا إحدى البقاع الخالية من الأشجار، وجدنا أمامنا مجموعة من القردة. رفع فريتز بندقيته كي يطلق النيران عليها، لكنني منعته.

قلت له: «راقب هذا.» عندما اندفع القردة إلى الأشجار، ألقيت نحوها حفنة من الأحجار، فاستجابت القردة بهزّ الشجر كي تُسقط علينا جوز الهند.

ثم شرحت له الأمر: «قرد حي على شجرة خير من عشرة قردة أموات على الأرض.» وبعدها كسرنا ثمرتين من جوز الهند، وشربنا وأكلنا ما بداخلهما فتركناهما جافتين. واصلنا سيرنا، ونحن نمص القصب، وتحدث فريتز عن مدى لهفته لأن يطلع إخوته على اكتشافاته الجديدة.

ونحن عائدون أدراجنا إلى المخيم، إذ بكلبنا تيرك يظهر في البقعة الخالية من الأشجار وينقض على مجموعة أخرى من القردة قبل أن تولي الأدبار.

هرعنا نحوهم، لكن قبل أن نستطيع الوصول إليهم، كان الكلب قد قتل القردة الأم. هرع فريتز نحو الكلب وشده، فيما قفز قرد رضيع على ذراعيه ثم إلى رأسه كي يتحاشى الكلب. وعلى الرغم من أن فريتز هزّ رأسه بعنف كي ينفض القرد عنه، فقد تمسك القرد به بشدة. ركض تيرك حولنا ينبح في هياج شديد. وأخيرًا تمكنت من أن ألاطف القرد الرضيع وأنزله إلى ذراع فريتز عندما أعطيته قطعة من البسكويت. لم يتجاوز القرد الصغير في حجمه الهرة الصغيرة.

قال فريتز: «أبي، دعنا نحتفظ به ونربيه. هذا أقل ما يمكننا فعله.»

أجبت: «إذا فعلنا هذا، فستضطر أن تتولى أنت مسئوليته، ستكون والده الآن.»

وافق فريتز، وهكذا تركنا المشهد الحزين وراءنا، وصديقنا الجديد يقف على كتف فريتز. كان القرد الصغير خائفًا من تيرك، وما كان لينزل عن كتف فريتز مهما كان السبب. أخيرًا خطرت فكرة لفريتز.

ربط فريتز حبلًا حول رقبة تيرك، ثم ربط القرد إلى ظهر تيرك كراكب. فراقت هذه الحركة للحيوانين للغاية، وسرعان ما اعتاداها. لقد بدت فكرة مناسبة بطريقة أو بأخرى بعد الفعل الذي اقترفه تيرك.

سرعان ما عدنا أدراجنا إلى المخيم، والتقينا الكلب الآخر الذي سميناه جانو، والذي أخذ ينبح فينا وفي القرد الصغير. هرع الصبيان في حماس لرؤية القرد واللعب معه، وقد ابتهجوا للغاية بجوز الهند واليقطين والقصب. غير أن زوجتي حزنت لأننا لم نعثر على ناجين آخرين.

بدأ فريتز يعلم الأولاد كيف يمصون القصب وكيف يشربون اللبن من ثمر جوز الهند، وسعدت زوجتي برؤية أوعية اليقطين، والتقينا جميعنا لتناول وجبة من طائر اصطاده إيرنست.

قال إيرنست: «أظنه بطريقًا!»

أكلنا الطائر ثم حلينا بجوز الهند الذي تشاركناه مع قردنا. وبعد ذلك ذهبنا كلنا لننام.

في منتصف الليل استيقظنا على صوت هرير وجلبة ترتعد لها الفرائص. نهضنا جميعًا لنجد أننا وقعنا فريسة! لقد هجم على مخيمنا بأكمله سرب من كلاب ابن آوى الضارية. هجم كلبانا على أكثرهما ضراوة، وأطلقت أنا وفريتز النار على السرب إلى أن تفرقوا. وعليه قضينا ليلة طويلة بلا نوم، وفي الصباح قررنا أن نحصن أنفسنا كما ينبغي، فالنوم في خيمة بدائية غاية في الخطر.

قررنا أنا وفريتز أن ننطلق إلى السفينة قبل أي شيء آخر وننقذ ما يمكن إنقاذه من الحيوانات. وطلبت من زوجتي أن تضع رايةً يتسنى لنا أن نراها حتى نطمئن أنهم جميعًا بخير ونحن بعيدون. أما إذا نكست الراية، فعندئذ سنعلم أنها في خطر ونعود أدراجنا في التو، خلا ذلك سنعود في اليوم التالي.

صعدنا أنا وفريتز إلى القارب وبلغنا السفينة لنجد أن جزءًا كبيرًا منها لا يزال عائمًا فوق الماء على الرغم من أنها تحطمت على الصخور، وكان أغلبها ظاهرًا لنا.

ما إن صعدنا على متنها، حتى صنعنا شراعًا صغيرًا لقاربنا من شراع السفينة الممزق كي يساعدنا في الرجوع إلى الشاطئ. رأينا الراية ترفرف فعلمنا أن كل شيء على ما يرام، لذا التفتنا حولنا فوجدنا دقيقًا، ولحم خنزير مدخنًا، وخضراوات، وأشياء أخرى مثل سيوف، وسكاكين، وشوكات. استغرقنا اليوم كله في تفتيش السفينة بأكملها. وعندما هبط الليل، أضرمنا النيران داخل وعاء معدني كبير على سطح السفينة المنحدر واستلقينا طيلة الليل تحت النجوم.

في الصباح التالي خطرت فكرة لفريتز فقال: «لنصنع أحزمة طفو من أجل جميع الحيوانات ونجعلهم يسبحون!» حاولنا مع أحد الخرفان، وبعد أن غاص في بادئ الأمر، عاد إلى السطح وسبح إلى الشاطئ، ففعلنا هذا مع كل الحيوانات حتى مع البقرتين اللتين اضطررنا أن نطوقهما ببراميل ضخمة كي نبقيهما على سطح الماء. جلسنا على سطح المركب نراقب الحيوانات السابحة ونتناول غداءنا عندما صرخ فريتز على حين غرة رافعًا بندقيته؛ إذ رأينا قرشًا عملاقًا يتجه نحو أول خروف. صوب فريتز بعناية وأطلق عليه النار، فابتعد القرش. فنجت حيواناتنا هذه المرة.

أبحرنا وجدفنا بقاربنا المُحَمَّل عائدين إلى الشاطئ، فوصلنا في نفس الوقت الذي وصلت فيه حيواناتنا. فككنا أدوات الطفو وسُقنا الحيوانات إلى مخيم العائلة. أخبرنا العائلة عن مغامرتنا وأخبرونا عن مغامراتهم؛ عثر إيرنست على بيض سلاحف من أجل العشاء إلى جانب لحم الخنزير المدخن، وأرتنا زوجتي الطاولة التي صنعتها من برميل الزبد كي نتناول طعامنا عليها. كان عشاءً رائعًا بحق بعد يوم محفوف بالمخاطر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤