برادة … ونجيب محفوظ!

من هو الذي حاول اغتيال البطل أحمد برادة؟ وما الجهة التي تقف وراء اغتياله؟ لقد شاهدت سيدة فاضلة على شاشة قناة الجزيرة الفضائية، وأغلب الظن أنها والدة البطل برادة تقول بمنتهى الهدوء وفي غاية الثقة: إن البطل برادة محبوب من جميع الناس، وأن محاولة اغتياله تشبه محاولة اغتيال نجيب محفوظ!

ما علاقة البطل الرياضي أحمد برادة بالعبقري الخالد نجيب محفوظ؟ ولماذا خلط الأوراق في هذا الحادث بالذات؟ وما الذي كانت تقصده السيدة الوالدة على وجه التحديد؟

هل تقصد اتهام جماعات الإرهاب بأنها تقف وراء محاولة اغتيال أحمد برادة؟ وإذا كان هذا هو القصد فأي التنظيمات الإرهابية التي قامت بمحاولة القتل؟ هل هو تنظيم الناجون من النفس؟ أم جماعة المستديرة المجنونة؟ إن أحمد برادة عزيز علينا جميعًا، ولكن الإرهاب لا علاقة له بمحاولة اغتياله. ولا أحد له مصلحة في اغتيال أحمد برادة إلا بطل العالم في الإسكواش والذي يهدد أحمدُ برادة الصاعدُ عرشَه الذي يجلس عليه! إن الإرهابيين كانوا وراء اغتيال نجيب محفوظ؛ لأن بعض أصحاب العقول الصلعاء كانوا يَتصوَّرون أن رواية «أولاد حارتنا» كانت كفرًا خالصًا يستحق كاتبها الموت. فما الذي فعله البطل أحمد برادة ليكون هدفًا مجهولًا وراء حادث الاعتداء على أحمد برادة، وعلى عاتق أجهزة الأمن العثور على الفاعل وبأقصى سرعة، أما حشر الإرهاب في الموضوع فهو أمر مضحك للغاية؛ لأن الإرهاب في حالة كُمُون في الوقت الحاضر، حتى حادث الاعتداء على الرئيس حسني مبارك في بورسعيد كان حادثًا فرديًّا ولم يكن له علاقة بالإرهاب. ولكن هل يدافع العبد لله عن الإرهاب؟

بالطبع لا، ولكنني أدافع عن الأصول، وإلا اختلطَت الأشياء، وعقد البعض مقارنة بين العبد لله ومحمد علي كلاي في الملاكمة، وربما انشغل البعض بتحديد الفروق بين أحمد عدوية ومحمد عبد الوهاب، وهي حالة تؤدِّي حتمًا إلى فوضى في المفاهيم وخلل في القيم؛ لأنه إذا جرى تشبيه ما جرى لأحمد برادة بما جرى لنجيب محفوظ، يصبح واردًا تشبيه العبد لله بمحمد علي كلاي، وتشبيه أفعال الحاج فتحي الريان بإنجازات طلعت باشا حرب، وخطورة هذا الأمر أنه إذا فقد شعب من الشعوب القياس المضبوط فإنه بالتأكيد ستضطرب خطواته وسيفقد اتجاهه وسيضيع من قدمه الطريق، على رأي الشاعر كامل الشناوي.

ولأننا نحب أحمد برادة جميعًا، لذلك يجب أن نبعده عن أي مقارَنات من هذا النوع، والعبد لله يرجو أن يُوفَّق الأمن المصري في الكشف عن هذا المعتوه الذي حاوَل قتل بطل رياضي ليس بينه وبين الناس إلا كل خير، وهي مهمة وطنية بكل تأكيد؛ لأن مجرَّد الاشارة بأن الحادث الذي تعرض له الكابتن أحمد برادة هو عمل إرهابي، سيكون سببًا في مشاكل كثيرة ما أغنانا عنها، خصوصًا أنها مسألة لا أساس لها في واقع الأمر.

•••

الشجاعة والكرم من صفات العرب القدماء، فهل ورث عرب اليوم هذه الصفات؟ أم أن عرب اليوم لا صلة لهم بعرب الأمس؟ وأصل المسألة أن جماعة من اليابانيين كلهم شباب وكلهم متحمسون، استفزهم صلف إسرائيل وعدوانها المتكرر على العرب فاستقلوا طائرة وهبطوا في مطار تل أبيب، وعندما أصبَحوا داخل المطار، فتحوا حقائبهم وأخرجوا منها مدافع رشاشة ومسحوا صالة المطار بطلقات الرصاص، وقَتلوا عددًا من الإسرائيليين قبل أن يستسلموا لرجال الأمن، وبرغم ارتفاع عدد القتلى والجرحى، صدر ضدهم حكم بالسجن، وبعد فترة من الزمن وفي إحدى المرات التي تبادَلَت فيها إسرائيل بعض السجناء ببعض الجثث مع جيرانها العرب، قامت الحكومة الإسرائيلية بتسليم السجناء اليابانيين ببعض جثث الإسرائيليين، وكان الفدائيون اليابانيون من نصيب لبنان. ولا أذكر بالضبط ما حدَث لهؤلاء اليابانيين في بيروت، وإن كنتُ أعتقد أنهم حُشِروا في أحد السجون، لماذا؟ لا أعرف وكل ما أعرفه أنهم لم يهبطوا في مطار بيروت، ولم يفتحوا مدافعهم الرشاشة في صدور رجال الأمن والمواطنين اللبنانيين، ولكنهم فعلوا ذلك كله في مطار إسرائيل ومع مواطنين إسرائيليين.

المهم أنه تقرر الإفراج عنهم من السجون اللبنانية في الأسبوع الماضي، ولكن الأمر الغريب أنهم أفرجوا عنهم إلى المطار، ومن المطار إلى الأردن، وفي مطار عَمَّان رفضَت السلطات الأردنية دخولهم أراضيها، وقامت بوضعهم على طائرة رسمية روسية نقلتهم إلى موسكو، ومن موسكو حُشِروا في طائرة أخرى حطَّتْ بهم في طوكيو، وفي مطار طوكيو أخذوهم إلى السجن الياباني تمهيدًا لمحاكمتهم باعتبارهم أعضاء في تنظيم إرهابي ياباني شهير، وإذا كان من حق الحكومة اليابانية سجنهم ومحاكمتهم فهل هو أيضًا حق الحكومات العربية، وإذا كان هؤلاء اليابانيون قد ارتكبوا جرائم إرهابية فقد كانت جرائم لمصلحة العرب وليست ضدهم، فهل يكون السجن والتسليم جزاء من يساعد العرب أو يُقدِّم معروفًا لهم، أم أن العرب هم من جنس الغز، وآخر خدمة الغز علقة كما هو معروف. وهل فقد العرب النخوة والمروءة ورد الجميل، وهل تَساوَى عند العرب من يخدمهم ومن يعتدى عليهم؟

ومن قبل قامت السلطات السودانية في أيام سيطرة الترابي بتسليم كارلوس، الذي ارتكب كل «جرائمه» من أجل قضية عربية وفي سبيلها سلمته سلطات الترابي للمخابرات الفرنسية، لتحشره في السجن إلى أن يقضى الله أمرًا كان مفعولًا، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ إنها قاعدة إسلامية عربية ولكنها صارت في هذا الزمان — وهل جزاء الإحسان إلا الإساءة؟ — لقد عرفت الآن لماذا لم تَقتل إسرائيل هؤلاء اليابانيين، ولماذا سلَّمَتْهم، لقد كانت تعرف مصيرهم المحتوم على يد العرب.

بينما هي ستبقى أمام العالم واحة العدل والعفو عند المقدرة، فأمجاد يا عرب أمجاد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤