الفصل الثاني والعشرون

زعامة بيمونته

١٨٥١–١٨٥٣

وكانت المعاهدات التي عقدها كافور فاتحة نجاح باهر ظل يرافق ما قامت به بيمونته من أعمالٍ حتى غدت بيمونته المملكة الصغيرة الباسلة البلد الذي توجهت إليها جميع الأنظار في أوروبا، والحق أن دازجيلو شق طريق استجلاب عطف الرأي الأدبي العالمي فسار عليه كافور وقد رضي الدموقراطيون عن وقوف كافور موقف الخصم للنمسا، أما الأحرار والمعتدلون من المحافظين فاغتبطوا بالفشل الذي لاقاه الديموقراطيون وكذلك فرح البروتستان والجماعات المعارضة للإكليريكيين بقوانين ساكاردي.

ولم تبق البلاد منعزلة كما كانت سنة ١٨٤٩، وكان دازجيلو قد نال ثقة الرأي الأوروبي العام الأدبي بإخلاصه، فأبدى بالمرشتون تقديره الحار لموقف بيمونته، وأخذ السياح الإنجليز ومن بينهم جلادستون الذين زاروا تلك المملكة يبشرون بارتقاء هذه الدولة المنظمة التي تختلف عن البلدان الإيطالية الأخرى، وفي بيمونته نفسها كاد شعور الفخار بالفوز الذي استحقته ينسي سوء أثر كارثة نوفَّاره.

وقد أصدر جيوبرتي من محل انزوائه في باريس كتابه المعنون «أحياء إيطالية المدني» شرح فيه آماله في وجود بابوية مصلحة، وبَيَّنَ أن زعامة إيطالية قد انتقلت إلى بيمونته فأصبحت مهمتُها إنقاذَ الأمة بمساعدة فرنسة وجعل إيطالية دولة موحدة عاصمتها روما.

وأخذت النخبةُ الممتازة من الأمة تتلهف على استئناف الحرب ضد النمسة حربًا لا تبقي في يدها شبرًا من الأرض في جنوبي جبال الألبة، واتجه جميع الأحرار — على اختلاف مشاربهم — بأبصارهم نحو الملك فيكتور عمانوئيل؛ ليسير على رأسهم؛ ولا سيما بعد أن أخذ نفوذه بين الشعب يتغلغل ويزداد، وكان يقضي حياته الخاصة بين اللهو العادي والألعاب الرياضية، فبينما كانت زوجته على قيد الحياة أسكن خليلته في الحديقة الملكية.

ثم إنه كان رجلًا خشنًا ولكن طيب القلب، وكان شجاعًا لا يهاب الموت، وبقدر ما كان يُجيد الفروسيةَ كان لا يُحسن القيادة، وكان يحمل في جنبه حُبًّا للدموقراطية، ويغتبط كثيرًا بمحبة الشعب على الرغم من أن مظاهراته كانت تتعبه.

وكان ظريف الرُّوح يتصل بجميع الطبقات ينفر من المراسم، وكان الجمهور في إيطالية يعتبره الأمير الدستوري والملك الشريف الذي لم يحنث أمام الشعب، والجندي الذي حارب النمسة ولن يتخلف عن محاربتها، وبذلك كسب إخلاص الشعب له وولاءه، وكان يكره النمسة ويتوق إلى حربٍ ينتقم بها لشرف أبيه ويغسل عار نوفَّاره، ومما زاده في سخطه عليها تدبيرها الدسائس مع الرجعيين، وقد قرأ كتاب جيوبرتي وأَشَّر عليه وصرح بعزمه على أداء الرسالة التي أُلقيت على عاتقه في الكتاب المذكور.

وقد اجتمعت الأحزاب — ما عدا الرجعيين — على التأهُّب لحرب قادمة، وكانت حوادث مقاطعة هس ومقاطعتي «شلزويح وهلشتاين» في ألمانية تنذر بنشوب حرب أوروبية، وأخذ اليساريون يبشرون بمناهضة النمسة ويضاعفون بإكرام اللاجئين والترحيب بهم، وأطلقت الجريدة التي هي لسانُ حال فاليريو العنانَ للوزارة واندفعتْ في تأييدها على أنْ تقوي الجيش والأسطول، وقام «باللافيجو» قبل ذلك بدعاية نشيطة لبيمونته وسط إيطالية وجنوبها، وكاد حزب اليمين يطالب بأكثر من ذلك وأعاد الجنرال مارمورا تنظيم الجيش بحيث يستطيع أن يقذف بتسعين ألفًا من الجُند إلى الميدان.

وبينما كانت سياسة الإرهاب في لمبارديه مستمرة بعد استقالة كارل شفارتسنبرج، وبينما كانت النمسة تفتقد مكانتها في نظر الرأي العالم المتمدن في أوروبا، كانت بيمونته تعتزُّ بقوتها ورقيها وتنظيمها، ومع ذلك فقد كان المحافظون وقد يشترك معهم في رأيهم آخرون كثيرون؛ لا يعتقدون بأن بيمونته تستطيع أن تقهر النمسة دون مساعدة، وكانت سياسة دازجيلو الخارجية تقوم على تأمين منزلة محترمة لبيمونته في فرنسة وإنجلترة، ولم يكن ينتظر أن تساعد إنجلترة بيمونته بالسلاح، ما لم تنشب حربٌ عامة في أوروبا.

ومهما كانت مودة بالمرستون لبيمونته عظيمة؛ فإنه أصر على التمسُّك بسياسة السلم، أما في فرنسة فكان الأمر على عكس ذلك وتفصيل الأمر أن القوة التي أوفدها نابليون إلى روما جلبت سخط الدموقراطيين، ولكن ساعده الكتاب الذي أرسله إلى الجنرال ني قائد القوة على أن يحتفظ بمكانته في قلوب الطليان.

ولعب نابليون بعد ذلك عشرين سنة دورًا خطيرًا في السياسة الإيطالية، وقد أصاب في تقديره ما اكتسبتْه الفكرةُ القديمةُ في ذلك العهد من القوة الفعالية في السياسة الدولية، واعتقد أن في مُكْنَة فرنسة بصفتها حاملة عَلَم القومية أن تضمن لأوروبا استقرارًا دائمًا وعهدًا للسلم جديدًا، وكان يرى بأن إيطالية الموحدة وألمانية الموحدة وبولونيه المستيقضة وتحرر السلاف في الإمبراطورية النمسوية؛ سوف تساعد أوروبا على أن تنصرف إلى الرقي التجاري والتجارة الحرة وإلى تسوية القضايا الاجتماعية.

وكانت قضية إيطالية وبولونيه من أهم مواضيع أحلام نابليون في ذلك الحين، وكانت إيطالية أول من جلبت انتباهه، وقد أدرك رجال بيمونته السياسيون ذلك، وكانوا قد فكروا قبلًا في محالفة فرنسة حينما دخل كافور الوزارة، وقد صبروا ريثما يُصبح رئيس الوزارة قادرًا على العمل، ولما نجح نابليون في ٢ كانون الأول ١٨٥١ في حَمْلِ فرنسة على المناداة به إمبراطورًا لفرنسة؛ هاجمته جرائدُ تورينو وجنوة؛ لعمله المنافي للدستور، فغضب لهذا الهجوم الماسِّ بكرامته، وطلب إلى دازجيلو أن يعدل قانون المطبوعات وأن يُكَمِّمَ أفواهَ اللاجئين.

ومع أن دازجيلو رفض اتخاذ تدابير شديدة ضد اللاجئين وتقييد حرية الانتقاد في الشئون الداخلية؛ فإنه أخذ يشعر بضرورة التفاهُم مع نابليون؛ لأن النمسة كانت تهدد بالهجوم، فضلًا عن أن سقوط بالمرستون قضى على آخر أمل يُرتجى من إنكلترة، وعليه فإنه إرضاءً لنابليون نفى بعض الدمقراطيين المتطرفين وعرض على المجلس قانونًا يتعلق بمعاقبة مَن يقترف إثم الطعن بالملوك، فارتاح نابليون لهذه التدابير ووعد بمساعدة فرنسة عندما تحتاج إليها بشرط أن تحافظ على الهدوء وأن تراقب الفرص.

وكان الانقلابُ الحكوميُّ في فرنسة قد أدى إلى تطوُّر ذي شأن في سياسة بيمونته، وأخذ المعتدلون وجماعاتُ اليمين واليسار يَميلون إلى الاندماج في حزب مركزي موحَّد، وكانت الاتفاقيات التجاريةُ سببت خلافًا وانفصالًا بين أنصار حماية التجارة وأنصار حريتها من حزب اليمين، فأخذ العقلاء من الجانبين يدركون خطر الأكثرية المترجرجة التي تستطيع في كل لحظة أنْ تُحدث أزمةً وتنصب وزارة يترأسها ريفل، وكانت الوزارة تعلم أن ريفل نفسه قد يحترم الدستور لكنه يوجد في جماعته أُناسٌ لا يحترمونه، وكان الاختلاف الموجود ضئيلًا بين وسط حزب اليمين ووسط حزب اليسار إذا قورن بوسعة بالاختلاف الذي يفرق جناحي حزب اليمين؛ فلذلك أصبح ممكنًا تأليفُ حزبٍ قويٍّ متجانس يجمع بين الوسطين المذكورين، وقد فرح كافور للتقرُّب الذي بدأه بين الوزارة واليسار؛ لأن الانقلاب الحكومي في باريس والخصومة الصريحة التي أبداها بعضُ أنصار ريفل ضد الدستور قد أقنعتاه بضرورة الحصول على قوة ضد الرجعيين.

وكان يشارك غيرَه شعورَ الاستياء المتزايد من رغبة دازجيلو في التفاهُم مع روما والنمسا بثمنٍ فاحش جدًّا، وكان يُريد أن يخلق الفرص لا أن يترقبها كما هو شأن دازجيلو، وكان رتازي — منذ مدة طويلة — متشوقًا إلى اندماج الوسطين، وما إن أقتنع كافور بصواب الفكرة إلا وتم الاتفاقُ بينهما على الأساس.

ولما عرض الوزير ديفورستا تعديلَ قانون المطبوعات على المجلس قَرَّرَ رتازي أنْ يؤيد الحكومةَ بجماعة الوسط في حزبَي اليسار، وقرر كافور — من جانبه — أن يقطع علاقته تمامًا مع أقصى اليمين، وطلب إلى زملائه أنْ يسيروا معه في سياسة تقدُّمية، وإذا علمنا أن الأمر تم باتفاقٍ خصوصيٍّ عُقد بين كافور ورتازي؛ يتضح لدينا جسارة كافور وجرأته.

وهكذا تم اتحاد الحزبين الذي أعلنه أثناء المذاكرة حول قانون ديفورستا، وكان من نتيجة هذا الاتحاد الجديد أن انتَخب المجلس رتازي رئيسًا له منافسًا بذلك مرشح الحكومة، وبعد أزمة استمرت مدةً من الزمن استقال كافور وزميله فاريني من الوزارة في شهر أيار.

ولم ير كافور الوقت مساعدًا لاستلامه الحكم، فأخذ يتساهل مع دازجيلو ليَحُول دون مجيء وزارةٍ رجعيةٍ وليستغلَّ صيت دازجيلو في إنجلترة لاكتساب عطفها، وأخذت خصومة كافور تشتد بعد ذلك حتى سقطتْ وزارة بالمرستون فتحرج الموقف السياسي كثيرًا، وكان لا يزال يميل إلى التريُّث لو لم يحدث حادثٌ فجائيٌّ نشأ عن موقف الملك بشأن قانون النكاح المدني.

إذ مر هذا القانون من المجلس النيابي بعد أن أقره، لكن البابا عارضه معارضةً شديدةً، على الرغم من أنه كان مرعيًّا في النمسة منذ مدة طويلة وفي فرنسة منذ عهد الثورة، وحاول دازجيلو عبثًا أن ينال موافقةَ البابا، فأرسل الملك إلى البابا كتابًا يلتمس فيه تذليلَ الصعاب في وجه الموضوع، فأجابه البابا بجوابٍ قاسٍ اتهمه بأنه يروج التسري إشارة إلى أن النكاح المدني لا يُحلِّل الزواج بين الزوجين، فما كان من الملك إلا أن انحاز إلى جانب الإكليريكيين رغم أنه طالما ظهر بأفعاله احتقاره للروابط الزوجية وأعلن بأن ضميره لا يطاوعه على إقرار القانون، الأمر الذي شجع الأعيان على رفضه، فقدم دازجيلو على إثر ذلك استقالته في ٢٢ تشرين الأول، وانزوى في معمله؛ ليكسب معيشته بريشته.

وكان كافور الخلفَ الطبيعيَّ لدازجيلو، فاضطر الملك مكرهًا أن يكلفه بتأليف الوزارة مشترطًا عليه أن يتعهد بالاتفاق مع روما، ولَمَّا رفض كافور ذلك انتهز الملك الفرصة ودعا بالبو وريفل إلى تقلُّد الحكم على أساس البرنامج الآتي:

«الدستور لا أكثر ولا أقل»، ومعنى ذلك الاكتفاء بالحد الأدنى من الإصلاحات والتساهُل فيما هو مصلحة روما، إلا أن وسط اليمين رفض معاضدة بالبو وريفل، ومع أن الأول كان يُعارض كل تشريع ضد الإكليروس؛ فقد أَبَى أن يتساهل في قضية فرانسوني، واعترف بإخفاقه في تأليف وزارة دستورية، فاضطر الملك ثانية إلى الالتجاء إلى كافور بشرط أنْ لا يجعل قانون النكاح المدني مسألة ثقة.

وقد ظل أكثر أعضاء الوزارة المستقيلة أعضاء في الوزارة الجديدة التي سارت على أثر الوزارة السابقة، فأُهمل قانونُ النكاح المدني. أما السياسة الخارجية فلم يطرأْ عليها أي تبدُّل، وقد أسرع كافور إلى تهنئة نابليون بمناسبة العيد السنوي للانقلاب الحكومي الذي نُودي فيه نابليون إمبراطورًا.

وبرهن التقدُّم الهادئ على رضاء الشعب على الحكم الملكي الدستوري، فاعتادت الناس الحياة الدستورية حتى كأنها وليدةُ أجيال مديدة مع أن بيمونته لم تظفر بها إلا حديثًا، وكذلك دَلَّ فشلُ الرجعيين المستندين إلى نُفُوذ الكنيسة على قلة نفوذهم بين الشعب، وكان الجمهوريُّون أَقَلَّ مِن أنْ يستطيعوا تأليفَ حزب، ودلت النشرات التي كانت تحمل على مازيني خصومةً الرأيَ العام له.

وكان القسم الأكبرُ من الجمهوريين قد التجأ إلى باريس ولندن، ومكث مازيني في لندن مع فئةٍ صغيرة من أصدقائه الخلَّص غير مستسلم للفشل، وظل يحلم باليوم الذي يَهِبُّ فيه الشعبُ من سُباته، فيسود فيه الحقُّ.

وكان الكثير من أصحابه قد انفصلوا من حوله إلا عددًا قليلًا من الجمهوريين في وسط إيطالية وجنوبها، وكانتْ كل مدينة تحتوي البعضَ من جمهوري سنة ١٨٤٨، وكانت جمعيات التعاون للعُمَّال عبارة عن تشكيلات جمهورية وراء المظهر الاجتماعي، وقد كانت هذه التشكيلاتُ في ريبةٍ من حركة بيمونته الدستورية شأنها في ذلك شأن مازيني، وكان لها في لمبارديه بطبيعة الحال منبع الشغب رغم موت عدد كبير من زعمائها ونفيهم؛ إذ لم يعتر الروحَ القوميةَ الوهنُ.

وظلت الأبواب موصدةً بوجه الضباط والموظفين النمسويين، وكانت أقل إهانة يُلحقها ضابطٌ نمسوي لِلَمْبارديٍّ تؤدي للبراز مما أودى بحياة كثير من النمسويين والطليان، وقد مال كثيرٌ من أحرار لمبارديه إلى سياسة التريُّث إلا أن الأشراف الأحداث ظلوا متمسكين بأحرار بيمونته وباللاجئين في تورينو، وكانت جماعاتٌ مِن أصحاب الحرف وبعض الرُّهبان يعدون المؤامرات فيقمعها النمسويين في شدةٍ هائلة.

وقد نشطت التشكيلات السرية واتسعت، حتى اتصلت بلجنة مازيني المركزية في لندن، وأعدت في سنتَي ١٨٥٠ و١٨٥١ مؤامرة قوية واسعةَ النطاق تستهدف القيام بثورةٍ حين حدث الانقلاب الحكومي في فرنسة إلا أن العقلاء من أعضائها اعتقدوا بأن العصيان قد فات، وأن الأنظار يجب أن تتجه نحو بيمونته، ولكن السلطات النمسوية قد ارتابت من الأمر، وقبضت على أحد المشتبه منهم، وبعد جَلْد استمر ثلاثة أيام أُجبر على الاعتراف بأسماء الزعماء، فقبضت على الراهب تزولي في مانتويه وأوقفت مائتي صانع وتاجر وأنزلت بهم أفظعَ أنواع التعذيب؛ للحصول على اعترافاتٍ أخرى، ولَمَّا لم توفق إلى ذلك صلبت تزولي وأربعةً آخرين.

فأغضب هذا الحادثُ اللمبارديين، وفكر البعضُ في الانتقام من السلطات النمسوية بإحياء الأيام الخمسة، ودعتْ جماعةٌ من الصناع في ميلانو مازيني لمساعدتها، ولما شجعها على العمل تقرر أن تكون الثورة في أحد الأعياد الدينية يشترك في الاحتفال بها، ولَمَّا لم تكن الظروف ملائمةً فقد فشلت الحركة في مهدها وفَرَّ الزعماءُ إلى الخارج وعدل جمهوريو جنوة عن مساعدتها في اللحظة الأخيرة.

وكذلك أخفقت الحركة في الروماني وفي روما، وانتهز النمسويون الفرصة لإنزال الضربة القاضية على الأحرار، فشنقوا أربعةً وعشرين شخصًا من المتآمرين، وأَجْلَوا ستةَ آلاف من أهل تسينا كبارًا وصغارًا، رجالًا ونساءً إلى خارج الحدود؛ نكاية بسويسرة لقبولها اللاجئين.

ولم يكف ذلك كله للتخفيف من غضب المارشال الشيخ زاديتسكن، فقد كان يحنق كل الحنق على أشراف ميلانو الأحرار، وقد التجأ أكثرُهُم منذ خمس سنوات إلى تورينو وجنوة، فصار يوجه المسئولية على بيمونته ويتهمها بتحريض اللاجئين الأغنياء إليها؛ لأنها آوتهم في بلادها وتشجعهم على المؤامرة ضد جارتها.

وقد صدرت إرادة الإمبراطورية بمصادرة أملاك جميع الذين تركوا البلاد لأسبابٍ سياسية، فجاء هذا العملُ مخالفًا الحقوق التي أيدتْها المعاهدات؛ لأن الأشراف كانوا قد تجنسوا بالجنسية البيمونتية، وقد كفلت المعاهداتُ صيانةَ أملاك البيمونتيين في لمبارديه وفينسية، مع العلم بأنَّ كافور قد اتخذ أشد التدابير لمراعاة أحكام الاتفاق، وأقام سياجًا من الجنود على طول الحدود؛ ليحول دون تسرُّب المساعدة من جانب بيمونته إلى المتآمرين، وقد صادر — بصورةٍ غير مشروعة — بيانَ مازيني، وطرد كريسبي وآخرين من الجمهوريين من البلاد.

وعليه، فإنه استدعى السفير البيمونتي من فيينا وقدم احتجاجًا شديد اللهجة على مخالفة النمسة للاتفاقيات ولو لم يمنعه دازجيلو لَقابل عمل النسمة بالمثل، فصادر أملاك الرعايا النمسويين في بيمونته.

وقد عاضدت فرنسة وإنجلترة بيمونته في حملتها معاضدة قوية، وبذلك حكمت أوروبا على النمسة حكمًا أدبيًّا، وكان ذلك فوزًا باهرًا لسياسة كافور، وظهر تأثيرُها في المجلس النيابي حينما اقترح على لائحة التضمينات الكبيرة لتعويض ضحايا الإرادة الإمبراطورية، أما الجدال الذي تلى الاحتجاج فبرهن على صعوبة بقاء بيمونته والنمسة متجاورتين مدة طويلة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤