الفصل الثامن والعشرون

انضمام الوسط

أيلول ١٨٥٩–نيسان ١٨٦٠

وطبيعي ألا ترتاح إيطاليا الوسطى إلى جواب الملك، ولم تقبل به إلا بعد تأكيد من الملك ووعد من كافور بأن الوقت لا يساعد على العمل أكثر من ذلك، وكان على حكومة تورينو أن تنظر بعين الاعتبار الصعوبات السياسية التي تواجهها، وأن تحول دون قطع صلاتها بالإمبراطور، ولكن ريكاسولي وفاريني استطاعا أن يُهملا تعليماتها من دون خوف، وأن يفسرا حديث الملك تفسيرًا بعيد المدى، وأن يُصَرِّحا بأن فكتور عمانوئيل أصبح ملكًا على طوسكانه واستنادًا إلى رضائه الخاص.

وقد بلغ جيش الحلف ذلك الحين خمسة وأربعين ألف جندي وبرهنت طوسكانه عن تحليها بصفات الصبر والثبات الفائقة، ولم تُجْدِ جميع الدسائس التي حاكها أنصار الأمراء المخلوعين، وسارت حكومتا ريكاسولي وفاريني بلا عائق وأصبح ريكاسولي دكتاتورًا بالفعل، وقد تملك قلوب الشعب بثباته وصراحته وامتناعه عن الأخذ بسياسة التستر والمراوغة، وقام فاريني بالإصلاحات في مودينه وبارمه في هِمَّة ونشاط عظيمين، وقد طهرا الإدارة من مفاسدها وطردا اليسوعيين، أما في بولونيه قد خلف روازجيلو «سيبريماني» قائد ثورة ليفورنه سنة ١٨٤٨.

وكانت سياسة فاريني ترمي إلى جعل دويلات الوسط خاضعة إلى حدٍّ ما لحكومة مشتركة وجعل قوانينها وقوانين بيمونته واحدة، حتى إذا ما استلم فكتور عمانوئيل زمامَ الحكم وجد أن الاندماج بين الإيالات القديمة والجديدة قد تم فعلًا، وقد ارتأى أن يأخذ الحلف العسكري الموجود بسياسة دولة واحدة من أعضائه فيدل ذلك على تضامُن الحكومات الأربع ويكون حائلًا دون اختلافها، وذلك من دون أن تلغي الحكومات الموجودة.

وقد أيدت حكومة بولونيه هذا المشروع أما ريكاسولي فاعترض عليه خشية أن يشجع ذلك أنصار وجود مملكة في إيطالية الوسطى، ولاح له — كما لاح لكافور — أن الحلف المذكور يكون بذلك عثرةً في سبيل الوحدة مع بيمونته بدلًا من مساعدتها، أما في طوسكانه فحمل الدموقراطيون مع بعض أنصار الوزارة وبتشجيعٍ من رتازي على جعل المؤسسات المحلية على طراز المؤسسات البيمونتية، وقام ريكاسولي بأعمالٍ تقدُّمية عظيمة في الصناعة والإدارة، وسعى ريدولفي لجعل فلورنسة مركزًا للثقافة والفنون في المملكة الجديدة.

وكانت الوحدة بنظر ريكاسولي لا تطلب قبول القوانين والمؤسسات البيمونتية، ومع ذلك فقد وافق على قبول نظام العملة والنقد البيمونتي وعلى إلغاء الجمارك وجوازات السفر، وتأسيس اتحاد بريدي، على أن هذه الأمور كلها كانت بنظر ريكاسولي قليلةَ الأهمية إذا قورنتْ بقضية الانضمام، ومهما كان التفاوتُ في الآراء بين ريكاسولي وفاريني فإنهما كانا على اتفاقٍ تام في رفض الخضوع لأي ضغطٍ أجنبي رفضًا باتًّا، ولم يكن المرء يحتاج إلى كثيرٍ من الفراسة حتى يدرك بأن الإمبراطور سيعود فيلجأ إليهما.

وقد تعدلتْ آراءُ الإمبراطور بشأن طوسكانه بسرعة فأرسل في نهاية أيلول رسالة يلح فيها على الحكومات الأربع بصيانة استقلالها بثباتٍ، وفي اليوم التالي لورود هذه الرسالة تفاهمت الحكومات المذكورة فيما بينها على دعوة المجالس التمثيلية، وتعيين الأمير «كايجناتو» ابن عم الملك فيكتور عمانوئيل وصيًّا إذا لم يوافق الملك على أن يتولى الملك بصورةٍ مباشرة، وقد رفع العلم البيمونتي فوق سراي فيكيو في فلورنسة في اليوم الأخير من أيلول، ولكن الإمبراطور كان بعيدًا كل البعد عن الموافقة على الانضمام.

ولم تكن رسالته تدل إلا على مزاجه المتبدل، فكان لا يزال يأمل بأنه يستطيع إقناع البابا بمنح الحكم الذاتي للروماني وتعيين فيكتور عمانوئيل نائبًا عنه، كما أنه وعد بإعطاء بارمه لبيمونته، ومع أنه كرر قوله بأنه يحمي إيطالية ضد أي تدخل نمسوي فقد قال للوفد الفلورنسي بأن على مدينتهم أن تقبل ابن فرديناند، فأجابه الوفد بأن طوسكانه لن ترضى بأمراء اللورين، وتوعده بأن الطليان إذا فقدوا ثقتهم في نياته سوف يعملون على أن يمتد لهيب الثورة إلى نابولي وصقلية.

وكان لهذا الوعيد مفعوله الحسن بَيْدَ أن الإمبراطور كان ناقمًا على الانتقادات المرة التي كانت صحافة تورينو توجهها إليه، وحانقًا على رتازي لضغطه على جرائد صافويه الانفصالية، على أنه بعد مرور بضعة أيام كتب للملك كتابًا مفتوحًا أَصَرَّ فيه بشدة على آرائه الاتحادية مقترحًا مرةً أُخرى عليه الانضمامَ، وقال فيه: إذا قبلت بيمونته مرة أخرى شروطه فسيمنح فنيسيه الحكم الذاتي، وسيجبر النمسة على جعل «مانتويه وبشييرا» من قلاع الاتحاد الإيطالي.

وأصبحت وزارة تورينو التي كانت تَهِبُّ تارة مع رياح باريس وأخرى مع فلورنسة؛ أي ذات اليمين وذات الشمال؛ موضع مقت العموم، وكان رتازي الذي خشي أن يتهم بالخيانة مستعدًّا للموافقة على وصاية الأمير «كاريجناتو» ولولا أن زملاءه كانوا لا يزالون يتخوفون من قطع العلاقات مع فرنسة، وعليه فإن الوزارة أجابت الإمبراطور بأنها ترفض فكرة الاتحاد وتركت قضية الانضمام إلى الظروف دون أن تحرك بشأنها ساكنًا.

وكان مازيني قد عاد إلى فلورنسة بعد معاهدة فيلافرنكة؛ حيث ساعده ريكاسولي على الإقامة فيها بشرط أن يعده بأن لا يظهر أمام الناس، وقد وافق مازيني على تعضيد فيكتور عمانوئيل بعد أن أبدى تحفظاته المعلومة إذا اقتنع بأن إعلان الجمهورية في مثل تلك الساعة يُضعف شأن الحزب القومي من جهةٍ ولا يفيد حزبه من جهةٍ أخرى، ثم إنه عظم في نفسه خطر قيام مملكة نابليونة في الوسط.

وقد أوفد كريسي إلى صقلية لإثارة الثورة فيها، وألح على استرداد بيروزه، الأمر الذي «حسبما كان يعتقده» من شأنه أن يمد لهيب الثورة إلى أومبريه والمارك حتى إيالة بيروزه وبذلك يجعل آل بوربون بين نارين، فإذا تمت الوحدة الإيطالية قبل اجتماع المؤتمر فلا بد للمؤتمر مِنْ أن يَقبل بالأمر الواقع، وبث لافارينا بالاشتراك مع الجمعية القومية من دون الاتصال بمازيني لجان الجمعية في جميع أنحاء الروماني، فاجتازت هذه اللجان الحدود وتوغلت في أومبرية والمارك وأخذتْ تجمع السلاح وتُعِدُّ الناس للثورة في الإيالات المضطهدة حتى أصبح الانفجارُ على وشك الوقوع.

ولو ثار أهل أومبريه لَصَعُبَ منع المواطنين من أهل الروماني عن الإسراع إلى نجدتهم، ولَكان قد حالوا دون توغُّل جنود البابا في الروماني، واشتدت نفرة الناس من سياسة تورينو الهوجاء ورغبتهم في إجبارها على السير حتى إن أناسًا لم تكن لهم أيُّ علاقة بالدموقراطية أخذوا ينجرفون مع التيار.

وقد أرسل فاريني وفانتي من قطعات طوسكانه ومودينه إلى الحدود من دون عِلْم ريكاسولي ووضعاها تحت قيادة غاريبالدي وأمراه أن يصد كل هجوم وأن يطارد المهاجمين إلى وراء الحدود.

وإذا ما نشبت ثورة في المارك وأومبريه فليسارع إلى إنجادها، وافتتح غاريبالدي اكتتابًا لشراء مليون بندقية واستطاع ببياناته المثيرة أنْ يجعل الرأي العام في هياجٍ محموم، وفزع ريكاسولي من كل هذا وخشي من معارضته الرأي العام الكاثوليكي في أوروبا لفكرة الانضمام وإجبار الإمبراطور على سحب وعده بصيانة الاستقلال الإيطالي.

وبلغ الذعر في الوزارة البيمونتية التي تأثرت بالرسالات الواردة من باريس حتى فكرت معه في فسخ الحلف العسكري وتسريح نصف الجنود، ولكن ريكاسولي عارض هذا المشروع الطائش معارضة شديدة وحال دون تنفيذه، ثم نزل الملك إلى الميدان واستدعى غاريبالدي إلى تورينو في ٢٩ تشرين أول وأجبر الجنرال فانتي على الانسحاب من منصبه.

ووصل غاريبالدي إلى تورينو فلم يشأ الملك أن يضغط على قائده الجزوع غاريبالدي الذي امتنع من الوعد بعدم اجتياز حدود أومبريه بعد أن تعهد بمساعدة الثورة إذا ما نشبت، ولما عاد إلى ريمني توقع أن يتسلم القيادة العامة لمناسبة استقالة فانتي وراح يشرع في استعداداته لاجتياز الحدود، وأخذ رجاله يحرضون الناس على الثورة في المارك.

وكان المجلس التمثيلي في بولونيه قد ألجأ سبيريماني على الانسحاب، وأناط الدكتاتورية بفاريني الذي وَحَّدَ بين الروماني والدوقيتين بعنوان إميليا، وطلب إلى فانتي بأن يعود إلى منصبه ثم أخذت الاعتراضات والشكاوى ترد من جميع بلاطات أوروبا ضد ما يجري في إيطالية الوسطى، فاستعمل كافور جميعَ نفوذه في معارضة مشروع الثورة في أومبريه والمارك، ولم يُظهر أهل أومبريه استعدادهم للثورة؛ ولذلك قرر فانتي وفاريني مَنْعَ اجتيازِ الحدود واستدعيا غاريبالدي إلى بولونيه، وأخذا منه وعدًا بالكَفِّ عن مشروعه، غير أن خصومه الأَلِدَّاء زوَّرُوا برقيةً تخبره بنشوب الثورة فأمر غاريبالدي على إثر ورود البرقية جنودَه باجتياز الحدود، ولكن فانتي أسرع فأصدر إليهم أمرًا مناقضًا لأمر غاريبالدي فامتثل الجنود لأمره الأخير، ومُني غاريبالدي بخيبة مرة شديدة فعاد على جناح السرعة إلى بولونيه وأصر على فانتي وفاريني بأن يستقيلا فأجاباه بالرفض البات، ولم يكن غاريبالدي يستطيع أن يجبرهما على الاستقالة.

وبعد مرور يومين على هذا الحادث دعي إلى تورينو؛ حيث أقنعه الملك بترك القيادة والعودة إلى حياته الخاصة، والحقيقة أنه لو تقدم غاريبالدي برجاله لَوجد أمامه قوات روما ونابولي الممتدة، ولو أقدمت النمسة على التدخُّل لوجد نفسه بين نارين لا يستطيع أن يتملَّص منهما، ومع ذلك فإن حادثة غاريبالدي لم تكن سوى أمر ثانوي كما عبر عنها ريكاسولي، بَيْدَ أنها دَلَّتْ على مقدارِ ما تتعرض له الحركةُ القومية من الأخطار بسبب الفوضى وفُقْدَان التنظيم.

وكان استمرارُ الحالة بصورةٍ وقتية قد يولد أخطارًا جمة، واستطاع الحزبُ المتطرف أن يرفع رأسه، أضفْ إلى ذلك أن قتل إنفيتي والتشهير به من قِبَلِ الدهماء وتساهُل فاريني في معاقبة المجرمين قد حَرَّجَ الموقف ودل على فقدان الأمن.

وقد دُبرت مؤامرة قليلة الشأن في طوسكانه وكانت جنود البابا على أُهْبَة الهجوم في كل لحظة، وكان الأمر في نظر ريكاسولي هو إضعافَ شأن حكومة تورينو بتنفيذ مشروع الشهر الماضي القاضي بتعيين الأمير كاريجنانيو وصيًّا، وقد رأى أن حادثة غاريبالدي قد هيأتْ له الفرصة، وأبرق له مندوبُهُ في لندن يخبره بأن وزير خارجية إنجلترة يميل إلى قبول مشروع الوصاية، وأن الإمبراطور يرغب — قبل كل شيء — في المحالفة مع إنجلترة؛ ولذلك فإنه سيضطر إلى الكف عن معارضته.

واتضح أن وزير الخارجية الإنجليزية قد تحدث عن ميله لفكرة الوصاية إلا أن بالمرستون كان يرى أن الأمر لا يزال مبتسرًا وأن الإمبراطور لا يزال يعارضه، أما ريكاسولي وفاريني فعقدا النية على العمل رغم كل شيء، فاجتمعت المجالسُ الأربعة في ٢ تشرين الثاني وانتخبت الوصي.

كانت وزارة بيمونته قد بذلتْ كل جهدها لتَحُول دون هذا الانتخاب، ولما فشلت أصرت على الحصول على موافقة الإمبراطور ولكن الإمبراطور أرسل رسالة قارصة صرح فيها بأنه إذا رضي الملك بوصاية كاريجنانو فلن ينعقد المؤتمر وتتحمل بيمونته وحدها تبعة إغضابها للنمسة، وكانت النمسة قد أنذرتْ بأنها تَعُدُّ دخول الجند البيمونتي في الدويلات الأربع عملًا عدائيًّا، ولعل حكومة تورينو كانت تأبى الخضوعَ لو اطمأنت إلى معاهدة إنجلترة إياها، ولما لم تجد تشجيعًا منها عاد الوزراء حسب عادتهم إلى المماطلة والتسويف، وبتحريض من كافور قرروا بأن يرفض كاريجنانو الوصاية وينتدب بون كومباني حاكمًا عامًّا على إميلية وطوسكانه.

ثم أخبروا الإمبراطور بقرارهم هذا وجعلوه أمام أمر واقع فرضي عن طيبة خاطر بهذا الحل، أما ريكاسولي فلم يقبل بهذا الحل وقال: «الأمير أو لا شيء.» وكان لا يريد أن يتخلى عن سلطته ولا يريد أن يقيد يده التي اعتقد أنه يصون الأمن بها، ولم يوافق على تعيين بون كومباني إلا بشرطٍ، وهو أن يصبح كومباني نائبًا للوصي، وأخيرًا استطاع الملك أن يوفق بين الفكرتين بتعيينه بون كومباني حاكمًا عامًّا على الدولتين «إميليه وطوسكانه»، ويشرف على إدارتهما إشرافًا رسميًّا.

ولكن هذا الحل لم يُؤَدِّ إلى الغاية المقصودة من انتخاب الوصي فبقيت الأُمُور على ما كانت عليه، غير أن الإمبراطور أخذ يقتنع شيئًا فشيئًا بعدم إمكان عودةِ الأمراء إلى عروشهم وأن الاتحادَ لا يمكن تطبيقُهُ وأن القوة وحدها هي التي تمنع دويلات الوسط من الانضمام، وكانت النمسة على الرغم من إنذارها ضعيفة لا تستطيع التدخُّل، ولو فرضنا أنها كانت قوية تستطيع أن تدعم قولها بالعمل فإن الإمبراطور لا يرضى بأن تصبح نافذةَ الكلمة مسيطرةً على بيمونته، ثم أيقن أن عدم الاستقرار يؤدي إلى اندلاع النار وامتداد حركة الوحدة إلى الجنوب — كما سبق — فأخبره الوفد الطوسكاني بأن إيطالية تصبح بؤرة ثورية قد تخلق أورسيني آخر وتنتقل منها روح الثورة إلى فرنسة.

وكان السلم قد عقد في زوريخ في ١٢ تشرين الثاني، فجعل الإمبراطور طليق اليد تجاه النمسة، فالاستفتاء العام في إيطالية إذا جاء مؤيدًا للانضمام هو الوسيلة الممكنة، وإذا ما ألحقت صافويه ونيس بفرنسة جزاء موقفه فسيصبح قويًّا بحيث لا يعبا بالإكليريكيين، فضلًا عن أن الروماني تدخل بذلك في حوزة حكومة قوية حرة، تصونها عن الفوضى.

وكان لا بد لهذا التبدُّل في موقف الإمبراطور من تبدُّلٍ في سياسته أيضًا، فقد كان حتى ذلك التاريخ يبذل جهده لإقناع إنكلترة بتأمين عقد المؤتمر، غير أن المؤتمر قد يكون ضربة قاضية على خططه الجديدة؛ لأنه لا يستطيع أن يصرح فيه نياته ومطامحه في صافويه ونيس، أضف إلى ذلك أنه كان يعلم بأن الدول الكاثوليكية لن ترضى عن تقليل ممتلكات البابا، فعليه إذن أن يحول دون انعقاد المؤتمر والاستناد إلى محالفته إنجلترة في تنفيذ سياسته ضد البابا، وكان حينذاك قادرًا على إخفاء مقاصده بشأن صافويه ونيس، فجس نبض إنجلترة لمعرفة فيما إذا كانت توافق معه على أن يصبح دوق جنوه ابن فيكتور عمانوئيل الصغير وصيًّا على طوسكانه والروماني باسم أبيه.

وكانت وزارة بالمرستون تستهدف في سياستها الإيطالية ثلاث نقاط: (١) تحقيق الآمال الإيطالية بطرد النمسة من إيطالية. (٢) القضاء على النفوذ الإفرنسي في إيطالية. (٣) إضعاف سلطة البابا الزمنية وإزالتها.

ولما وافق وزير الخارجية الإنجليزية على عقد المؤتمر كان قد اشترط قبل انعقاده أن تقلع الدول عن فكرة التدخُّل المسلح وألح على ذلك، ولكن النمسة أجابت — بصراحةٍ — أنها ترغب في إعادة الأمور في إيطالية إلى حالتها وظهر أن روسية وبروسية تحذوان حذوها فتشجع نابليون في عزمه على إحباط مشروع عقد المؤتمر.

وصدرت في باريس قبل عيد الميلاد رسالةٌ عنوانها «البابا والمؤتمر»، وكان محور البحث فيها يدور حول ضرورة تصغير ممتلكات البابا مبرهنة على أنه كلما صغرت ممتلكات البابا كبرت سلطته الروحية، ومع أن الرسالة لم تتعرض للبحث عن المارك وأومبريه فإنها اقترحت بأنْ تقتصر أوروبا على حمايتها لروما ولاكوماركة.

وتلا ذلك أن أبعد الإمبراطور وزيرَ خارجيته والويسكي، وعين نوفنيل عدو الإكليريكيين ونصير الحلف الإنجليزي، وسرعان ما بلغت السياسة الجديدةُ هدفها الأول؛ إذ استوضحت حكومة النمسة الحكومة الإفرنسية فيما إذا كانت فرنسة تقف في المؤتمر موقف المدافع عن المبادئ الواردة في الرسالة فلما تَلَقَّتْ جوابًا إيجابيًّا انسحبت من المؤتمر.

وسارت الأمورُ في إيطالية وفي باريس سيرًا سريعًا، فبعد أن رفضت النمسة الاشتراك في المؤتمر بخمسة عشر يومًا تَقَلَّدَ كافور رئاسة الوزراء، ويجدر بنا هنا أن نتحدث عن المناورات السياسية المحلية التي انتهت بعودة كافور إلى الحُكم، فنقول لقد كان رتازي يعلم بأن وزارته سوف تسقط حالما يجتمع المجلس النيابي ولا سيما لأن أصدقاء كافور قد لَمُّوا صفوفهم وأخذوا يهاجمون الوزارة ليضمنوا عودته إلى الحكم، وكان الملك لا يزال يحقد عليه بسبب التفريق بينه وبين خليلته، ولم ينس الكلام القارص الذي وجهه إليه كافور على إثر معاهدة فيلافرنكة، ولعله اعتقد بأنه لن يقتصر في المستقبل إلى دعوة وزيره العظيم إلى الحكم فقبل بروفيو وفاليريو في بلاطه، فأخذا مع أنصارهما من حزب اليسار يسعون للحيلولة دون عودة كافور إلى استلام زمام الحكم.

وفي بداية شهر كانون الأول نظموا صفوفهم باسم اللجنة الحرة، وأخذوا يدسون الدسائس ويحيكون المؤامرات ضد كافور، الأمر الذي أدى بأصدقاء كافور في المجلس أن يعملوا لمكافحة هذه المؤامرة بتأليف حزبٍ سَمَّوه: «الاتحاد الحر»، ونجح هذا الحزب وامتد نفوذه امتدادًا أفزع الملك وجعله يفكر مضطرًّا في الموافقة على إيفاد كافور إلى المؤتمر المَنْوي عقده بعد أن تردد طويلًا في إيفاده اعتقادًا من الوزراء بأن نجاحه في المؤتمر يقوي مركزه في البلاط.

وقد سعى الدساسون إلى جلب غاريبالدي إلى جانبهم لاستغلال سمعته، وكان هذا قد ترك الروماني حانقًا مكسور الخاطر رافضًا الترضية التي قَدَّمَها له الملك، ولا شك في أن الملك ورتازي قد لعبا دورًا في هذه المناورة وشَجَّعَا غاريبالدي على سياسته المتطرفة وربما على هجومه على أومبرية، ولعل الملك كان جادًّا، أما رتازي فقد خدع غاريبالدي ليستغله لمصلحة حزبه الخاصة، وطلب غاريبالدي أن تبدل اللجنة الحرة اسمها وأن تتسمى باسم «الأمة المسلحة» أملًا منه بالقدرة على جمع المال لشراء المليون بندقية.

وقد وافقته اللجنة على تكليفه وعين رئيسًا لها ولكن هذه الحركة المستهينة لم تلق تشجيعًا لا في مجلس الأمة ولا في البلاد، حتى أسرعت الحكومة إلى التنصل منها، فتأثر غاريبالدي وغضب من هذا العمل وأمر بإلغاء اللجنة.

وأما في إيطالية الوسطى فأخذ الهياج والقلق ينذران بالخطر في إيطالية الوسطى، وأيقن أعضاء الاتحاد الحر وجميع القوميين في مجلس الأمة — على اختلاف نزعاتهم — لما أدرك دازجيلو بأنه لا يمكن القيام بأي عملٍ ما دام رتازي على رأس الوزارة، وأمام هذا الإجماع وضغط الرأي العام لم ير هذا بُدًّا من الاستقالة، فتولى كافور في ١٦ كانون الثاني رئاسة الوزراء ففرح الناس لهذه النهاية وتنفسوا الصعداء.

واستطاع كافور أن يستفيد أقصى الاستفادة من الظروف التي مَهَّدَتْ له الطريق وأعادتْه إلى الحكم، وقد وعد بأنْ تكون سياستُهُ سياسةَ إيطالية إلى أقصى الحدود، فأخذ يستهدف في عمله تحقيق الوحدة بمعناها الأوسع، واعتقد أنه إذا ما انضمتْ طوسكانه والروماني إلى بيمونته فإن الثورة كفيلة بعد ذلك بضم نابولي وصقلية إلى المملكة، أما أومبريه والمارك، فبعد أن تصبح إيطالية الحرة الجديدة في جانبهما فستتخليان عن البابا ثم يأتي بعد ذلك اليومُ الذي تستجمع الأمة فيه كل قواتها للاستيلاء على القلاع الأربع واحتلال فنيسيه.

ومع أن كافور كان يشجع أنصار الوحدة الصقليين سرًّا فإنه كان في الحين ذاته حريصًا على عدم وقوع حوادثَ مربكة في الجزيرة، وإذا اقتضت الضرورة بأنْ ينتظر بضع سنوات قبل أن يُقْدم على فتح إيطالية الجنوبية، ولكن كان هدفه الأول الاستيلاء على أميلية وطوسكانه، وظل في هذا الشأن صلب العود لا يلين ولا يتراجع؛ أملًا أن يرى نواب إيطالية الوسطى في طليعة نواب مجلس الأمة حين ينعقد.

وجاء تعيين فانتي وزيرًا للحربية — وكان لا يزال يقود جيش الحلف — مظهرًا عمليًّا ودليلًا فعليًّا على الوحدة، وكان كافور يدرك أن التخلي عن نيس وصافويه أمرٌ لا بد منه في سبيل بُلُوغ الغاية المثلى وهي الوحدة الإيطالية، وقد استعد هو وفيكتور عمانوئيل لاحتمال هذه التضحية ومواجهة سخط الرأي العام الذي أفزعه زملاء رتازي.

وكان كافور يتألم كثيرًا لهذه الضرورة القاهرة، ولكنه كان قانعًا بأنَّ تقديم هاتين الإيالتين الصغيرتين للإمبراطور في حالة إصراره هو الذي سيؤدي إلى حمايةِ إيطالية الوسطى، وكان يعلم جيدًا بأن هذا العمل قد يقضي على سمعته لَدَى الشعب، غير أنه كان على استعدادٍ بتضحية نفسه على مذبح النفع العام، وأن يبيع في سبيل وحدة إيطالية كُلَّ شيء: الأصدقاء والضمير والسمعة الحسنة، وأن يتقبل كل التضحيات التي تُنيله آمالَه، وقد عقد النية على أن يكسب الإيالات الوسطى مهما كلفه الأمر.

وكان يرغب في أن يكسبها برضاء الإمبراطور إن أمكن؛ لأن وقوف بيمونته وحدها في وجه النمسة كان خطرًا عظيمًا عليها، وكانت الحكومة الإنجليزية قد اقترحت إيجادَ تفاهُم إفرنسي إنجليزي لتنظيم القضية الإيطالية، وكان بالمرستون ورسل يذهبان إلى أبعدَ من ذلك ويَميلان إلى عقد حلفٍ بين الدولتين للدفاع عن المصالح الإيطالية، غير أن ملك إنجلترة عارض هذا المشروع.

وكان جلادستون الوزير الوحيد الذي حبذه بين أعضاء الوزارة، وكانت الأمورُ تدل على أنَّ إنجلترة لا تُعارض في انضمام الإيالات إلى بيمونته إذا قررت المواد الأربع التي تؤلف دعائم السياسة الإنجليزية بالنسبة للقضية الإيطالية، ولَمَّا اطلع كافور على هذه الأخبار السارة رأى أن العقبات زالتْ وأن الطريق ممهدةٌ له.

ولكنْ بعد أن تم التفاهُمُ الإفرنسي الإنجليزي حدث ما قَوَّضَه؛ ذلك أن السياسة الإنجليزية الخارجية كانت تحذر من فرنسة وتترقب سياستها، وكان حذرها من السياسة الإفرنسية في إيطالية أقوى من ميلها وصداقتها لإيطالية.

وقد استطاع الإمبراطور بادئ الأمر أن يُخفي نياته نحو صافويه وأن ينجز المفاوضات بلباقة ولكن هذا السر تسرب بغتة، وحاول كافور وتوفنيل وزير خارجية فرنسة عبثًا إخفاءه بالتكذيب الجريء، ولكن إنجلترة اعتقدت أنها خُدعت فحنقت حنقًا شديدًا وخشي الإمبراطور أن يقع كافور في أحضان إنجلترة في سبيل حرصه على ضم إيطالية الوسطى بمساعدتها، وبهذا يخسر نابليون صافويه ونيس بينما كان يعتبر كسب هاتين الإيالتيين أمرًا جوهريًّا، ولا سيما بعد ذلك السخط الذي جلبته الرسالة والكتاب المرسل للبابا من الكاثوليك في فرنسة، فاعتزم أن يأخذ صافويه بأي ثمنٍ كان حتى إنه وافق على أن تتقدم بيمونته في إيطالية نحو الناحية التي تستطيع أن تصل إليها.

وبينما كان يفاوض إنجلترة كان يساوم كافور ويلوح له بالحكم في الروماني نيابة عن البابا، وبتأسيس دولة منفصلة في طوسكانه والموافقة على اعتلاء أمير من آل صافويه عرشها، وراح يتردد بين طوسكانه أو صافويه ونيس، وأمسى يهدد بيمونته بسحب القوات الإفرنسية من لمبارديه وترك البلاد تحت رحمة النمسة، وهنا تتجلى لنا الصعوباتُ التي كان يجابهها كافور في توجيه دفة السياسة.

وقد تباينت الحلول والوجهات فكان عليه مثلًا أن يستند إلى محالفة إنجلترة بضم طوسكانه والروماني، وأن يرفض التخلي عن صافويه ونيس، أو أنه كان يجب أن يحقق رغبات الإمبراطور فارضًا أن سيادة البابا الغامضة على الروماني لا يؤبَه لها، وأن اعتلاء دوق جنوة وعرش طوسكانه وتعيين ريكاسولي وصيًّا إنما يعين انضمام طوسكانه في الواقع، ولكن التخلي عن فكرة الضم المطلق من شأنه يجرح الشعور القومي وأن يغضب أهل طوسكانه وأن يساعد أنصار الحكم الذاتي على رفع رءُوسهم، وأخيرًا قرر بأن يضحي بصافويه وإذا قضت الضرورة بنيس أيضًا.

ووافق على إرضاء نابليون في جميع الأمور الثانوية واجتنب — في حذر — التلميح لإنجلترة في الحرب وأَعَدَّ العُدَّةَ لإجراء الاستفتاء في إيطالية الوسطى بالاقتراع العام، وكان يعلم بأن الإمبراطور لن يستطيع أن يرفض حق الشعب في الاقتراع؛ ذلك لأن الاستفتاء الشعبي بالاقتراع في فرنسة هو الذي أقعده على عرش فرنسة، وكان إصرار كافور على إلحاق طوسكانه شديدًا لا يتزحزح عنه، وكان يعتمد في رفضه التخلي عن طوسكانه على معاضدة إنجلترة الأدبية وعلى معاضدة بروسية إلى حدٍّ ما، وأما إذا ساءت الأمور فإنه اعتزم على مقاومة النمسة وحده بدلًا من أن يُنزل الرايةَ القومية التي خفقت في طوسكانه.

وقد حرص فانتي على تنشيط حركة التسلح سرًّا وبسرعة، وقَدَّرَ بأن على المملكة أن تُنزل إلى الميدان مائتي ألف جندي، وعجل في إجراء الاقتراع العام بأن استصدر إرادة ملكية في ١ آذار يقضي بإجراء الاقتراع في دُويلات الوسط حالًا، وإذا ما جاء الاقتراعُ مؤيدًا لفكرة الانضمام فسيعقبه توًّا انتخاب النواب إلى البرلمان الإيطالي.

ورأى الإمبراطور حينئذٍ بأن معارضة إجراء استفتاء عام لا تُجدي نفعًا، وكانت اعتراضاتُهُ الأخيرةُ ترمي قبل كل شيء إلى تأمين الحصول على صافويه ونيس، وقد وعد رُسل وزير الخارجية الإنجليزية بأن يستشير الدول العظمى قبل أخذه الإيالتين «صافويه ونيس»، وتعهد بأن يجري فيهما استفتاء شعبي باقتراعٍ عام، وكان أشد ما يخشى أن تبذل حكومة تورينو جهدها ليأتي الاقتراع ضد الانفصال عن بيمونته ولا سيما لأن كافور وعد بألا يتخلى عن الإيالتين إذا اقترعتا لبيمونته.

وعليه فإن الإمبراطور أصر على بيمونته بأن توقع معاهدة سرية قبل الشروع بالاقتراع العام في إيطالية الوسطى، تتعهد فيها التخلي عن صافويه ونيس فلم يسع كافور أن يرفض هذا الطلب، ولا سيما لأنه كان يعلم بأن المعاهدة السرية لا قيمة لها من الوجهة الدستورية، ومع هذا فإنه أراد أن يُساعد نابليون في كفاحه للاحتفاظ بعرشه في فرنسة، ولعله شعر بأن التخلي عن الإيالتين من شأنه أن يجعل إيطالية في حِلٍّ من تعهُّداتها تجاه فرنسة، ويجعلها مستقلة أدبيًّا ويمهد لها الطريق نحو إيطالية الجنوبية، وقد وقع على المعاهدة الخفية في ١٢ آذار.

بَيْدَ أن الإمبراطور طالب بمعاهدةٍ علنية ليسكِّن بها الاستياءَ المتزايد في فرنسة، وأرسل مندوبه بنديتي إلى تورينو لهذه الغاية، وقيل إن كافور رفض إذ ذاك التوقيعَ لو لم يهدده بنديتي باحتلال بولونيه وفلورنسة من قبل القوات الفرنسية التي لا تزال في لمبارديه.

وكانت تلك الساعة أشق ساعة في حياة كافور العامة؛ إذ وَقَّعَ فيها على المعاهدة العلنية في ٢٤ آذار وقلبه يحترق ألمًا، وجاءت نتائجُ الاقتراع العام الذي جرى بين ١١ و١٢ آذار فوزًا مبينًا لفكرة الانضمام، وكانت الإرادة الملكية تقضي بأن يمنح حق الاقتراع لكل ذَكَرٍ بلغ سن الرشد، وكان على المصوِّت أنْ يختار بين الانضمام إلى بيمونته وبين قيام مملكة منفصلة فاقترعت دولة أميلية لفكرة الانضمام بما يكاد يكون إجماعًا، أما في طوسكانه فقد استطاع أنصار الحكم الذاتي أن ينالوا خمسة عشر ألف صوت ونال أنصار الانضمام ٣٨٦٠٠٠ صوت.

وقبل انقضاء خمسة عشر يومًا صدرت الإرادات الملكية بإعلان إميلية وطوسكانه جزءًا لا يتجزأ من المملكة الحديثة، ثم جرت الانتخاباتُ في اليوم التالي واجتمع البرلمان الإيطالي في ٢ نيسان في تورينو، وقد تألف من النواب البيمونتيين واللمبارديين والطوسكانيين وأهل الروماني لتدشين المملكة الجديدة التي استطاعوا بثباتهم وصبرهم تكوينها، وبذلك زاد عدد نُفُوس المملكة الصغيرة من خمسة ملايين إلى أحد عشر مليونًا رغم خسارتها ٧٠٠٠٠٠ نسمة في صافويه ونيس، وأصبحت نفوسُ تلك المملكة تُقارب نصف عدد نفوس شبه الجزيرة.

ومع أنه ظل شبح نيس يخيم على المجلس النيابي إلا أن نشوة الفوز التي وَلَّدَها النصر الباهر تغلبتْ على ما ولَّدَه الشبح من كآبة، حقًّا لقد كانت نتيجة الانتخابات فوزًا عظيمًا لكافور، وقد امتنع أكثرُ الإكليريكيين عن التصويت فلم يؤلفوا بعد ذلك حزبًا سياسيًّا، أما الدموقراطيون فلم يفوزوا كما كانوا يأملون، والتف خمسون نائبًا حول رتازي، وبهذا تأكد كافور من أن ثلثي أعضاء المجلس يسيرون وراءه بإخلاص.

لما وجدت المذاكرة بشأن التخلي عن صافويه ونيس في المجلس ثارت عاصفة عنيفةٌ من السخط فيه، ولاح للمرء أن البرلمان قد يدشن أعمال المملكة الجديدة بإسقاط الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يُدير دفتها، وحاول غاريبالدي أن يربك الموقف في موجة من الغضب استولت عليه، إلا أن المجلس منح الثقة للحكومة وجرى الاقتراعُ العام في صافويه ونيس في ١٥ و٢٢ نيسان وجاءت نتائجه بجانب فكرة الانضمام لفرنسة، بَيْدَ أن عدد الذين اشتركوا بالاقتراع لم يَدُلَّ أبدًا على رغبات الأهلين الحقيقية.

وإذا كان أهل صافويه يميلون إلى الانضمام إلى فرنسة لأسبابٍ عرقية واقتصادية فإن أهل نيس كانوا ضد الانفصال عن بيمونته، وقد اشتركوا في حركات إيطالية القومية، وكانوا إيطاليين لحمًا ودمًا، وقد بذلوا جهدهم للتخلُّص من المصير الذي فُرض عليهم، ولَمَّا جرت المذاكرةُ على المعاهدات في المجلس كان غاريبالدي قد سافر إلى الجنوب، وكان على وشك أن يُقاتل في صقلية فأسكتت قضية إيطالية الجنوبية كل شيء وكبحت جواب المعارضة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤