الفصل الرابع

السماكة والموارد المائية

(١) مفهوم الموارد المائية

تتمثل الموارد المائية في قسمين أساسيين هما:
  • (١)

    الموارد النهرية.

  • (٢)

    الموارد البحرية.

والقسم الأول على جانب كبير من الأهمية وهو يضم الأنهار والبُحيرات العذبة، والحقيقة أنه من أهم الموارد جميعًا، فمنه يستقي الناس وبدونه لا حياة بَشرية ولا إنتاج زراعي ولا حياة حيوانية.

ومصدر الموارد النهرية — بلا شك — هو البحر والمحيط؛ فمنه تتبخر المياه، ثم تسقط في صورة مطر بعضه يؤدي إلى إشباع حاجة النبات والحيوان والإنسان مباشرة، وبعضه يشبع هذه الحاجة بطريق غير مباشر في صورتين أساسيتين هما: المياه العذبة الجارية «البحيرات والأنهار» والمياه العذبة الجوفية (التي تظهر أحيانًا في صورة ينابيع طبيعية وفي أحيان أخرى في صورة آبار حفرها الإنسان).

ونظرًا لهذه الأهمية للموارد المائية العذبة (في صورة مطر أو مياه سطحية أو جوفية)، فإنه لا يمكن دراستها إلا في داخل تفاعلاتها مع الظروف الحياتية الأخرى التي تنتج في النهاية الغطاء النباتي والحيواني والحقول المزروعة على سطح الأرض.

وبتقدم الفكر الإنساني أصبح للموارد العذبة أهمية أخرى تتمثل في تخزين المياه من أجل غرضين قد يكونا معًا الهدف من إنشاء السدود وقد يكون أحدهما فقط هو الهدف. والغرضان هما:
  • أولًا: تنظيم المياه كاحتياطي لإمكان الزراعة في مواسم الجفاف أو للتوسع الزراعي.
  • ثانيًا: رفع منسوب الماء في مكان ما من النَّهر من أجل إيجاد مسقط صناعي للماء لإدارة التوربينات المولدة للطاقة الكهربائية. ويظهر الغرض الأول من السدود في المناطق الجافة حيث تدعو الحاجة إلى تنظيم تصريف الأنهار وتكوين احتياطي للزراعة. أما الغرض الثاني فأوضح ما يكون في المناطق الجبلية التي تخلو من مصادر الطاقة الطبيعية (الفحم أو البترول)، ولكن النمو الصناعي في الدول المتخلفة (ومن قبل في الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة) قد جعل الغرضين هدفًا أساسيًّا من إقامة المنشآت الهندسية على الأنهار، ومن أهم الأمثلة على ذلك سد أسوان الذي أقيم عام ١٩٠٢ من أجل تخزين المياه لاحتياجات الزراعة المصرية. وفي الخمسينيات من هذا القرن عدل سد أسوان بحيث أصبح يولد الطاقة إلى جانب كفاية احتياجات الزراعة. وفي الستينيات أنشئ السد العالي في أسوان أيضًا، من أجل الغرضين معًا.

وإلى جانب أهمية الموارد المائية العذبة كمياه للشرب والزراعة ومصدر للطاقة، فإنَّ الأنهار والبحيرات كانت دائمًا مصدرًا من مصادر الغذاء الأساسية منذ القدم: الأسماك.

وما زالت أسماك المياه العذبة تكوِّن جانبًا هامًّا في إنتاج الأسماك العالمية، ولكن في الوقت الحاضر اتجهت الدول — نتيجة للدراسات — إلى ما يُسمى بمزارع الأسماك، وهي تعنى بتربية الأسماك في بحيرات صناعية، ومراقبة نموها، وتوفير غذائها، وكل ذلك على أساس أساليب علمية لها نتائج على أكبر جانب من الأهمية بعد انتشارها في كثير من دول العالم.

وكما سبق أن قُلنا: فإنَّ تَعَدُّد نَواحي النشاط المُرتبط بمصادر المياه العذبة يجعل هناك استحالة معالجتها كوحدة كاملة إلا بارتباطها بموضوع هذا النشاط؛ فمثلًا لا يمكن معالجة أهمية الأنهار في الزراعة إلا مع النشاط الزراعي، أو أهمية الأنهار كمصدر للطاقة إلا بالارتباط بمصادر الطاقة العالمية الأخرى لبيان تناسبها مع المصادر الأخرى.

وكذلك؛ فإنَّ أَهمية الأنهار كمصدر للأسماك يجب أن تعالج ضمن نشاط صيد الأسماك البحرية والنهرية معًا أو معالجتها مع موضوع النقل باعتبار الأنهار وسائل للنقل الداخلي، وهذا هو بالضبط ما سنفعله.

أما الموارد البحرية فهي في الوقت الحاضر أقل تعددًا في صور استغلالها من مصادر المياه العذبة؛ فإنْ كان كلاهما يُستغلان في النقل وصيد الأسماك؛ فإنَّ هُناك أوجهًا أخرى من صور استغلال البحر ما زالت قيد البحث؛ فمثلًا استغلال طاقة المد والجزر أو استغلال التيارات البحرية وما تنطوي عليه من اختلاف في درجات حرارة المياه، أو الاستفادة من قوة الأمواج كمصدر للطاقة، وأخيرًا الاستفادة من البحر في صورة زراعة أنواع من الطحالب المعينة التي يَعِدنا العلم بتحويلها إلى خمائر قد تساعد على حل مشكلة الغذاء للسكان المتزايدين في العالم.

كل هذه صور من أوجه استغلال البحر ما زالت قيد البحث العلمي، وبعضها تعدى ذلك إلى المرحلة التجريبية مما قد يطمئن الإنسان على أن ذلك المسطح المائي الشاسع من سطح الكرة الأرضية (المحيط يشغل ٧١٪ من سطح الكرة الأرضية) قد يكون ذا فائدة أو قد يكون احتياطيًّا ضخمًا للإنسان بحاجياته المتعددة المتزايدة.

وفوق كل هذه الاحتمالات؛ فإنَّ هناك وجهًا آخر من أوجه الاستفادة من البحر تنتظره المَنَاطق الجافة من العالم بفارغ الصبر؛ ذلك هو تحويل الماء المالح إلى ماء عذب بواسطة الطاقة، وهو ما يُعرف باسم تحلية مياه البحر.

لن يحقق هذا المشروع مصدرًا لمياه الشرب في الصحارى فقط، بل إنَّ إنتاج الماء العذب على صورة تجارية من البحر قد يساعد على زيادة رقعة الزراعة في المناطق الصحراوية غير البعيدة عن مسطحات البحار، وإن كانت تكلفة ذلك ما زالت عالية بحيث يرتفع سعر الماء كثيرًا.

(٢) صيد الأسماك

حتى الآن ما زال النقل وصيد الأسماك هما أهم أوجه استغلال البحر، أما الأسماك فتكون مصدرًا من مصادر الغذاء؛ لقد تضاعف إنتاج الأسماك منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية؛ ففي عام ١٩٣٨ كان مجموع إنتاج الأسماك العالمي ٢٠ مليون طن متري١ زاد ٤٤٫٨ مليون طن متري عام ١٩٦٤، وقفز إلى ١٠١ مليونًا عام ١٩٩٣،٢ ورغم هذا التضاعف في الإنتاج والاستهلاك؛ فإن الأسماك ما زالت تكوِّن مصدرًا قليل الأهمية بالمقارنة باستهلاك مصادر غذائية أخرى أشيع من السمك، مثال ذلك القمح والأرز اللذان بلغ إنتاج أولهما ٥٦٤ والثاني ٥٢٤ مليونًا من الأطنان عام ١٩٩٣.٣

صيد الأسماك من الشواطئ البحرية حرفة قديمة، ولكنها في الوقت الحاضر تطورت وأصبحت تستخدم أساليب حديثة جدًّا؛ مما يجعلنا — في دراسة إنتاج الأسماك — نترك جانبًا الإنتاج المحلي الصغير في كثير من شواطئ الدول، والذي ينتقل إلى الاستهلاك المباشر في المناطق الداخلية القريبة.

وبهذا فإنَّنا سنركز الكلام على الصيد التجاري في المناطق الغنية بالأسماك، والذي أصبح صناعة قائمة بذاتها؛ نتيجة استخدام الوسائل الآلية في الصيد والتعليب والتجميد، ويستهلك في أسواق بعيدة تمامًا عن مصادر استخراجه.

وثمة ملاحظة أخرى قبل البدء بالدراسة هذه هي: أن استخدامنا لكلمة صيد الأسماك لا تعني فقط الأسماك بشكلها البيولوجي المعروف، بل تشمل إلى جانبها القشريات مثل الجمبري «قريدس» والإستاكوزا «لوبستر» والكابوريا «السرطان» من بين أنواع عديدة للقشريات، كما تشمل الأصداف البحرية لما في داخلها من غذاء محبوب عند بعض الناس، وأخيرًا تشمل الحيوانات المائية التي نعد من بينها الحوت والدرافيل وعجل البحر وفيل البحر … إلخ.

(٣) التوزيع الجغرافي لأهم مصايد الأسماك

fig12
شكل ٤-١: مصايد الأسماك.
إنَّ نظرة واحدة إلى خريطة مصايد الأسماك توضح لنا أهم مراكز الصيد التجاري العالمي التي يمكن أن نلخصها فيما يلي:
  • أولًا: سواحل وبحار غرب أوروبا الممتدة من ساحل إسبانيا الشمالي إلى ساحل النرويج والبحر الأبيض الشمالي، في شمال روسيا من ناحية، وإلى أيسلندة من ناحية ثانية.

    ويشتمل على عدد من المناطق الرئيسية لصيد السمك تسمى الشطوط، وأهم هذه الشطوط دوجربانك في وسط بحر الشمال، وشطوط جزر فارو «شمال إنجلترا» وشطوط جزر لوفوتن «شمال النرويج»، بالإضافة إلى مُسطَّحات الماء الهامة في بحر المانش وبحر البلطيق وخليج بسكي وبحار أيرلندا بارنتس.

  • ثانيًا: سواحل شرق أمريكا الشمالية الممتدة من خليج المكسيك حتى لبرادور، وتشتمل على عدد من الشطوط الهامة، نذكر منها جراند بانك وشطوط سن بيير وسابل وجورج، وكلها بين بوسطن ونيوفوندلاند.
  • ثالثًا: سواحل شرق آسيا الممتدة من الصين إلى اليابان إلى كمتشكا. وتشتمل على مناطق هامة للصيد نذكر منها بحر اليابان والبحر الأصفر.
  • رابعًا: مصايد بيرو وشيلي التي انتقلت منذ الستينيات إلى منطقة صيد عالمي جيد من حيث الكمية، وليس النوع.

    ويلي ذلك مناطق أخرى للصيد أقل أهمية من المناطق الثلاث الأولى، وهذه هي:

  • خامسًا: سواحل البحر المتوسط وسواحل المغرب على الأطلنطي والبحر الأسود «جنوب أوروبا».
  • سادسًا: سواحل غرب أمريكا الشمالية من ألسكا حتى كاليفورنيا.
  • سابعًا: بحار الفليبين وإندونيسيا والملايو وسيريلانكا والهند «جنوب وجنوب شرق آسيا».
  • ثامنًا: مصايد أستراليا الشرقية وميلانيزيا.
  • تاسعًا: السواحل الجنوبية الشرقية لأمريكا الجنوبية في مصايد أروجواي والأرجنتين.
  • عاشرًا: مصايد جنوب أفريقيا.
وبالإضافة إلى هذه المصايد البحرية يجب علينا أن ندرس أيضًا أهم مراكز صيد الأسماك من المياه العذبة؛ أي الأنهار والبحيرات.٤ وسبب دراسة هذه المصادر ضمن المصادر البحرية أن هذا هو المجال الوحيد لدراسة هذا النوع من الثروة بدلًا من أن نفرد له بابًا خاصًّا، هذا بالإضافة إلى أن الإحصائيات غالبًا ما تدمج الإنتاج من كلا النوعين العذب والمالح معًا.
وأخيرًا؛ لأنَّ أنواعًا من الأسماك التي تصاد في المياه العذبة تقضي بعضَ وقتها في المياه المالحة في فترة من دورة حياتها، وفيما يلي أهم مراكز صيد المياه العذبة التي تدخل أيضًا ضمن الصيد التجاري:
  • أولًا: مصايد جنوب شرق أوروبا، وأهم الأنهار التي يمارس فيها الصيد التجاري هي الدانوب، الدنيبر، الدون، الفولجا.
  • ثانيًا: مصايد البحيرات العظمى في أمريكا الشمالية وبعض بحيرات كندا.
  • ثالثًا: مصايد السلمون في غرب كندا وشمال غرب الولايات المتحدة؛ وقد كان لهذه المنطقة أهمية خاصة في الماضي، حيث كانت تنتج ٧٠٪ من سلمون العالم في أوائل القرن الحالي.
  • رابعًا: مصايد ألسكا، وسيبريا، واليابان؛ وهذه تتخصص في السلمون، وقد حلت محل مصايد غرب كندا وأصبحت تنتج الآن ما يوازي ٧٥٪ من سلمون العالم.
  • خامسًا: مصايد شرق آسيا؛ وخاصة أنهار الصين العظمى وأنهار جنوب شرق آسيا، وهذه المصايد تكون مصدر غذاء كبير للسكان المزدحمين في هذه المنطقة يعوض عن نقص في الغذاء الحيواني.

وإلى جانب هذه المناطق الرئيسية، هناك مناطق صيد المياه العذبة المَحلية التي لا يدخل معظمها في التجارة الدولية، ومن أهم هذه المناطق الأنهار المدارية الضخمة مثل الأمازون وروافده في أمريكا الجنوبية، ومصب المسيسيبي في الولايات المُتحدة والكنغو في أفريقيا.

وأهم مصدر لأسماك المياه المالحة هو بلا جدال مناطق الأرصفة القارية والشطوط غير العميقة في البحار الباردة نوعًا. «الشط هنا لا يعني خط الساحل أو منطقة الساحل إنَّما Bank يعني منطقة من قاع البحر مرتفعة عما حولها، ولكنها مغمورة بالمياه.»

وبحار المنطقة الدافئة غنية بأنواع عديدة من السمك على عكس البحار الباردة التي تفتقر إلى التنوع، ولكنها غنية عدديًّا؛ وبالتالي فهي من الناحية التِّجارية أهم من أسماك البحار الدافئة، ومن الأسماك ما لها مسار للهجرة الواضحة، خاصة تلك التي تعيش في المناطق الباردة. ولهذه الأسماك مناطق للتوالد تُهاجر إليها ثم تبدأ الدورة بعودة الأسماك الصغيرة إلى المناطق الباردة، وحركة الهجرة هذه تسهل عملية الصيد في مواسم معينة. وقد كان الصيد قديمًا قريبًا من الشواطئ الساحلية وبدخول البخار إلى السفن توغل أسطول الصيد العالمي إلى داخل البحار والمحيطات حيث توجد أماكن غنية بالسمك، وكان ذلك التغير في النصف الثاني من القرن التاسع عشر؛ وكان من جراء ذلك أن مصايد أيسلندة وبحر بارنتس «شمالي النرويج وروسيا» طغت على مصايد بحر الشمال، وكذلك امتد نفوذ صيادي نيوانجلند إلى مصايد نيوفاوندلاند ولبرادور. وعلى هذا النحو امتدت المصايد إلى أواسط شمال المحيط الهادي وإلى المحيط الجنوبي، وأصبح صيد السمك حرفة تستغرق كل وقت المشتغلين بها، وأصبح قطاعًا له أهميته في الاقتصاد العالمي الحديث.

والحركة الموسمية للأسماك تثير بعض المشكلات غير المعروفة للوقت الحاضر، مثلًا التغيرات الطفيفة في الملوحة والحرارة في الماء تؤدي إلى تغير فجائي في اتجاه الأسماك، ومن أوضح الأمثلة على ذلك أن السردين وهو أهم سمك في سواحل ومصايد البرتغال، قد اختفى فجأة من المياه البرتغالية بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت النتيجة كارثة مالية في البرتغال، وفي الوقت ذاته زاد السردين في سواحل المغرب.

وكان سمك الباكلاه Cod هو أهم صيد تجاري في أوروبا لقرون طويلة، ويُصاد هذا السمك في بحر الشمال وحول جُزر لوفوتن في شمال النرويج بين يناير وأبريل، ويتأخر الموسم إلى ما بين مايو ويونيو في المناطق التي تقع إلى الشمال من النرويج، وعلى أساس موسم الصيد تجد القرى الساحلية تعج بالحركة أو تكاد تكون مهجورة. ومعظم الصيد يُعَلَّب أو يُمَلَّح أو يُجَفَّف أو يُجَمَّد من أجل الحفظ.
وقد سمَّى البرتغاليون نيوفاوندلاند ولبرادور باسم أرض الباكلاه Tierra de Bacalao؛ نظرًا لأنهم كانوا يصطادونه من هذه المياه لأجيال طويلة، وفي حوض البحر المتوسط يُقبل الناس على الأسماك المملحة والمجففة كنوع من لذائذ الطعام بينما هي في البرتغال تكون الغذاء الأساسي للسكان.

والبحر المتوسط عامة فقير في الأسماك، ويحصل سكان إيطاليا وإسبانيا على الأسماك غالبًا من ألمانيا أو خليج بسكي، كما أن الأسماك المحفوظة اليابانية والنرويجية والواردة من أمريكا الشمالية أصبحت تباع في كل مكان.

وفي المناطق المدارية تتكاثر الأسماك كما في المناطق الأقل حرارة، وعلى الأخص على السواحل الغربية للقارات حيث تؤدي التيارات الباردة نوعًا، القادمة من النطاقات الباردة إلى الشمال والجنوب من النطاق المداري، إلى تلطيف درجة حرارة الماء «تيار همبولت في أمريكا الجنوبية، تيار بنجويلا في أفريقيا الجنوبية الغربية وتيار كناريا في سواحل المغرب والصحراء الغربية، وتيار أستراليا الغربي.» وعلى العموم؛ فإنَّ مصايدَ المناطق المدارية ما زالت قليلة الأهمية وأدوات الإنتاج فيها أقرب إلى البدائية، وأهمية هذه المصايد ترجع إلى أن إنتاجها يستهلك في المناطق القريبة.

ونظرًا لأنَّ الصيد البحري موسمي الإنتاج في غالبيته، فإنَّ أسواق الأسماك في غالبيتها موسمية أيضًا، مثلها في ذلك مثل أسواق الزهور، وتُباع الأسماك المُصَادة في حلقات ومزادات على الشاطئ، ثم تصدر إلى الداخل بواسطة قطارات السمك وشاحنات معدة لهذا الغرض.

ولقد كانت الحيتان مصدرًا هامًّا للزيوت والشحوم الصناعية ولحاجة الاستهلاك البشري أيضًا. وتُعد منتجات الحوت هذه مسئولة عن ١٠٪ من تجارة الزيوت والشحوم العالمية في الوقت الرَّاهن.

وكان المُحيط الأطلنطي أهم مصدر لصيد الحوت، وبالتدريج انتقل مركز ثقل صيد الحوت إلى مناطق أخرى، وخاصة المحيط الجنوبي الذي كان إنتاجه عام ١٩١٠ يساوي ٥٠٪ من الحوت، وفي ١٩٣٠ أصبح نصيبه ٩٠٪ من جميع صيد الحيتان في مختلف بحار العالم. وقد أدت القوانين الدولية إلى إنقاص الحيتان التي تُصاد من المحيط الجنوبي بحيث لا تزيد عن ٦٠٪ من مجموع الكمية المُصادة من العالم.

ويتم صيد الحيتان بواسطة وسيلتين: الأولى من مراكز على الشاطئ تبدأ منها السفن وتعود إليها، والوسيلة الثانية سفينة مصنع ومعها سفن الصيد الصغيرة. والوسيلة الثانية أسرع وتأتي بنتائج أطيب؛ لأن مركز التموين والشحن مُتَحرِّك مع سفن الصيد.

وأول دول العالم في صيد الحيتان هي اليابان التي أخذت تنافس بريطانيا والنرويج منذ ١٩٤٨، وأصبحت لها الصدارة حتى أوائل السبعينيات، وفي موسم ١٩٥٨-١٩٥٩ كان لليابان ٥٣ مركزًا شاطئيًّا لصيد الحيتان، و٢٣ سفينة مصنع و٤١٦ سفينة صيد تعمل كلها في مُختلف بحار العالم، وبلغ مجموع الصيد في ذلك الموسم ٦٤٫١٦٩ حوتًا، وتلى اليابان النرويج ثم بريطانيا. وفي موسم ١٩٧٤ انخفض الصيد إلى ٣١٦٢٧ حوتًا كان نصيب الاتحاد السوفييتي ١٥٢٦٦ حوتًا، واليابان ١٠٠٩٥، ثم بيرو ١٨١٢، وجنوب أفريقيا ١٨١٧ حوتًا. وفي عام ١٩٨٢ هبطت الأعداد المصادة إلى ١٦١١ حوتًا فقط (اليابان ٥٧٪، أيسلندة ٢٢٪، الاتحاد السوفييتي ١٠٪). وكانت اللجنة الدولية لصيد الحيتان قد قررت وقف صيد الحيتان تمامًا اعتبارًا من ١٩٨٨ خوفًا من انقراض الحيتان، ويبدو أن الدول التزمت بهذا القرار.

جدول ٤-١: تطور الإنتاج العالمي من الأسماك.
السنة الإنتاج مليون طن السنة الإنتاج مليون طن
١٩٣٨ ٢٠ ١٩٧٥ ٦٩٫٥
١٩٦٠ ٣٣٫٥ ١٩٨٤ ٨٢٫٧
١٩٦٨ ٦٤ ١٩٩٣ ١٠١٫٢

يتضح من هذه الأرقام أن هناك اتجاهًا مُستمرًّا للزيادة في إنتاج الأسماك عالميًّا، والمُلاحظ أنَّ النُّمو في إنتاج السمك رُبَّما كان هو المحصول الأول الذي يتصدر نمو باقي محاصيل الغذاء؛ فقد تضاعف الإنتاج مرتين ونصف المرة خلال خمسة عشر عامًا من ١٩٥٤–١٩٦٨، وهي نسبة نمو ليس لها مثيل في أي محصول غذائي آخر في العالم، ورُبَّما جاء ذلك نتيجة انتهاء الحرب العالمية والتطور الكبير الذي حدث في سفن ووسائل الصيد.

أما فترة النمو الثانية (١٩٦٨–١٩٩٣) أي ٢٥ عامًا، فقد تضاعف فيها الإنتاج بمقدار ١٦٣٪. وهذا يعني أن هناك حدودًا للنمو مهما بلغت وسائل الصيد من تكنولوجية حديثة.

هذا فضلًا عن أن منظمة الفاو في اجتماع دولي عقدته عام ١٩٩٥ أوصت بتخفيض كمية صيد السمك وتخفيض أساطيل الصيد، مع الاهتمام بإقامة مزارع سمكية في أنحاء العالم.

ولكن هذا التقدم السريع في كمية الإنتاج لم تقابله زيادة مماثلة في قيمة السمك، راجع إلى أن كميات كبيرة من الزيادة في الإنتاج السمكي، تتمثل في صيد أسماك ذات قيمة منخفضة، تُصنَّع وتُستخدم كغذاء حيواني. وسيجيء شرح ذلك فيما بعد.

وعلى أية حال؛ فإنَّ الزِّيادة في الكمية والقيمة العامة للإنتاج العالمي من الأسماك تُعد ارتفاعًا لا نظير له في أي من قطاعات الإنتاج الزراعي.

جدول ٤-٢: أهم الدول المنتجة للسمك ١٩٩٣.
الدولة الإنتاج ألف طن الدولة الإنتاج ألف طن
الصين ١٧٥٦٧ تايلاند ٣٣٤٨
اليابان ٨٤٦٠ كوريا ج ٢٦٤٩
بيرو ٨٤٥١ النرويج ٢٥٦٢
شيلي ٦٠٣٨ الفلبين ٢٢٦٤
الولايات المتحدة ٥٩٣٩ كوريا ش ١٧٥٠
روسيا ٤٤٦١ أيسلندة ١٧١٨
الهند ٤١٧٥ دانمرك ١٥٣٤
إندونسيا ٣٦٣٨ إسبانيا ١٣٣٠

ومن دراستنا لتطور الإنتاج العالمي نجد أن الزيادة الإنتاجية لم تكن متكافئة على أقاليم العالم الأساسية في صيد الأسماك، ويُمكن أن نُقَسِّم إنتاج الأسماك على النحو التالي:

أولًا: الدول المتقدمة

وهذه الدول كانت تَحْتَلُّ الصدارة في إنتاج الأسماك في العالم قبل الحرب العالمية الثانية، وتُمَثِّلها دول أوروبا الغربية والولايات المُتحدة وكندا واليابان، وقد كان التقدم في الإنتاج أبطأ ما يكون في مصايد أمريكا الشمالية ومتوسطًا في أوروبا الغربية.

أما اليابان فكانت أكثر هذه الدول تقدمًا بحيث احتلت مكان الصدارة بين الدول المتقدمة في صيد الأسماك.٥ هذا التقدم البطيء راجع — بلا شك — إلى الافتقار في الموارد السمكية في أراضي الصيد التقليدية في بحر الشمال وخليج بسكاي ونيوفوندلاند وغرب كندا، ولولا التقدم التكنولوجي الكبير في سفن ومعدات الصيد لظلت هذه الدول على إنتاجها القديم، ولتقهقرت بذلك عن دول العالم الأخرى.

ويعزى الخبراء تقدم اليابان من بين هذه المجموعة من الدول المتقدمة إلى الأسباب التي أدت إلى تقدم إنتاج الأسماك في الاتحاد السوفييتي السابق؛ أي استخدام أساطيل صيد متحركة في محيطات العالم دون تقيد بقواعد شاطئية كما هو الحال في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية.

ثانيًا: الدول ذات التخطيط المركزي

وتشتمل هذه الدول على كتلة العالم الشيوعي وعلى رأسها الآن الصين، ولقد نجحت دول العالم الشيوعي السابق في أوروبا نجاحًا كبيرًا في رفع إنتاجيتها إلى قرابة ثلاثة أضعاف إنتاجها فيما قبل الحرب العالمية، والتقدم الحقيقي راجع إلى زيادة إنتاج الاتحاد السوفييتي بعد تعميمه أساطيل الصيد الضخمة المنتشرة في محيطات العالم أجمع؛ ونتيجة لذلك أصبح إنتاج الاتحاد السوفييتي في عام ١٩٦٠ قرابة ثلاثة ملايين طن، زاد إلى قرابة أربعة ملايين طن في عام ١٩٦٣، وإلى ستة ملايين عام ١٩٦٨ ثم إلى ١١٫٣٢ مليون طن عام ١٩٨٩.

أما الصين فكان إنتاجها من الأسماك سنة ١٩٦٠ يحتل المركز الثالث في العالم بعد بيرو ثم اليابان، وقد بلغ الإنتاج في تلك السنة ٥٫٨ مليون طن، ويحوط الأرقام كثير من الشك حول الكمية والأنواع المضادة، أما إنتاجها عام ١٩٨٩ فقد بلغ ١١٫٢٢ مليون طن، وبذلك تحتل المكانة الثانية عالميًّا في إنتاج الأسماك، ثم تقدمت جميع الدول عام ١٩٩٣ بحوالي ١٧٫٥ مليون طن.

ثالثًا: الدول النامية

في مجموعة هذه الدول نلحظ أكبر زيادة في الإنتاج العالمي، ولكن ليست كل الدول النامية كذلك؛ فدول الشرق الأدنى لم يزد إنتاجها إلا ببطء شديد، ودول أفريقيا إنتاجها متذبذب، أما أكبر زيادة حقيقية فتركزت في أمريكا اللاتينية التي ارتفع فيها الإنتاج قرابة ثلاثة أضعاف في السنوات العشر ١٩٥٤–١٩٦٤.

وهذه الزيادة راجعة إلى حد بعيد إلى زيادة هائلة في مصايد بيرو وشيلي اللتين كانتا تشكلان حوالي ١٩٪ من الإنتاج العالمي أو ما يعادل قرابة ١٢ مليون طن بعد أن كانتا تنتجان معًا أقل من نصف مليون طن عام ١٩٥٤.

وهذا النجاح الفائق الحد راجع إلى صيد أنواع عديدة من الأسماك الرخيصة الثمن السهلة الصيد، مثل الأنشوجا قرب سواحل بيرو وفي مياهها الإقليمية الواسعة.٦

(٤) الأنماط العالمية لاستهلاك الأسماك

لقد أدى صيد مثل هذه الأسماك من بيرو وشيلي وغيرهما إلى إحداث تغيرات هامة في استهلاك الأسماك؛ فلقد زاد الاتجاه إلى الأغراض غير الغذائية البشرية، ويعني ذلك ارتفاع نسبة السمك الموجه إلى إنتاج غذاء حيواني ضمن مركبات غذائية أخرى تصنع معًا وتقدَّم غذاءً للدواجن والخنازير، وتجد لها سوقًا متسعة ومتزايدة في أمريكا الشمالية وأوروبا، وقد كان هناك ١٥٪ من إنتاج العالم للسمك الذي يتجه إلى الغذاء الحيواني في عام ١٩٥٤. وفي عام ١٩٦٤ زادت النِّسبة إلى ٣٠٪ من إنتاج العالم، وذلك راجع بلا شك إلى زيادة إنتاج بيرو وشيلي من هذا النوع، هذا بجانب دخول أنواع من الأسماك في تركيبة بعض الأسمدة الزراعية.

وفي الوقت الذي زاد فيه اتجاه السمك إلى الغذاء الحيواني نرى هبوطًا واضحًا في تسويق السمك الطازج من ٤٠٪ إلى ٣٠٪ نتيجة تقدم عمليات التصنيع والتخزين في الثلاجات، ويعني هذا أن أسواق السمك التقليدية في المناطق المجاورة للمصايد لم تعد قادرة على استهلاك الإنتاج الكبير. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يعني هذا أن هناك أسواقًا جديدة قد فتحت أمام السمك في مناطق بعيدة عن المصايد تستدعي التصنيع والتجميد.

ومن ناحية ثالثة؛ فإن ذلك يعني أن المستهلكين قد أصبحوا يفضلون أنواعًا معينة من الأسماك المحفوظة مُجَمَّدة وغير مُعلبة، ويتضح ذلك جليًّا من هبوط نصيب السمك المُعَلَّب وزيادة نصيب السمك المجمد بسرعة كبيرة حتى وصل إلى ١٥٪ من مجموع الصيد العالمي عام ١٩٨٣.

ولا شك أن نمو هذا النمط من الاستهلاك راجع إلى عدد من الاستخدامات الفنية منها التجميد الفوري للسمك عقب صيده، ويتم ذلك في سفن المصنع الكبيرة، ومنها تغير نظم التوزيع والتسويق نتيجة لانتشار بناء الثلاجات الضخمة لحفظ الأسماك مجمدة، ولانتشار أنواع من محلات البيع الاستهلاكية التي تحتوي على ثلاجات خاصة بالأسماك.

ولا شك أيضًا في أن الزيادة في استهلاك أسماك الغذاء راجعة إلى ازدياد الطلب عليها في أمريكا الشمالية وشمال وغرب أوروبا، وقد ساعد ذلك على زيادة إنتاج السمك في إسكندنافيا (النرويج على وجه الخصوص) واليابان.

أما القشريات فهي أقل وزنًا ولكنها أغلى ثمنًا من الأسماك. وزاد الإقبال عليها في الدول المتقدمة باعتبارها نوعًا من أطايب الطعام، ولما كان معظم إنتاجها في المناطق المدارية؛ فقد استفادت من ذلك الطلب المتزايد دول أمريكا اللاتينية وغيرها في الشرق الأقصى لزيادة تسويق هذه القشريات في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية.

وهكذا فإن ارتفاع استهلاك القشريات من ناحية وأسماك الغذاء الحيواني من ناحية أخرى أديا إلى زيادة كبيرة في إنتاجهما على حساب تجارة الأسماك المملحة والمدخنة التي تناقصت بنسبة كبيرة.

(٥) التدخل الحكومي والتقدم التكنولوجي

لا شك في أن التقدم السريع في الإنتاج والتطور الذي طرأ على عمليات التسويق بإنشاء الثلاجات وغير ذلك؛ ما كان له أن يتم في معظم جهات العالم (باستثناء الدول الرأسمالية الحرَّة) إلا بتوجيه وتدخل ومساعدات حكومية؛ فالبحر — كما قلنا سابقًا — ما زال مجالًا مفتوحًا أمام الاستغلال، والطفرة في إنتاج الأسماك لن تؤدي إلى استهلاك يخل بالتوازن الطبيعي في مورد متجدد ضخم كالأسماك، خاصة نتيجة لاتفاقيات دولية تحرم استخدام المفرقعات في الصيد، أو تحرم الصيد في مناطق توالد السمك، أو تحدد عدد ما يُصاد من الحيتان سنويًّا.

ولا شك أن البحر ما زال في حاجة إلى دراسات كثيرة من الناحية العلمية كي يُصبح مصدرًا من أهم وأكبر مصادر الغذاء العالمية، مثال ذلك استخدام الطحالب في غذاء رواد الفضاء.

وفي سبيل ذلك نرى الدول المتقدمة تزيد من اهتمامها بتحسين أساطيل الصيد، وتقدم معونات للشركات من أجل شراء سفن حديثة ومعدات جديدة، بالإضافة إلى قيام المؤسسات والهيئات العلمية بأبحاث مستمرة عن قاع البحار من الناحية الطبيعية، وعن أحياء البحر بيولوجيًّا.

أما الدول النامية: فإنها حتى الآن مضطرة إلى تطوير مصايدها بمساعدة شركات احتكارية أجنبية؛ لنقص رأس المال ونقص الخبرة الفنية في الصيد وأساليبه الحديثة.

وقد شجعت بعض حكومات الدول النامية على تطوير أنواع وأشكال من تعاونيات الصيد والصيادين، كما أنَّ بعض هذه الحكومات قد أصدر تشريعات بالتدخل المُباشر في الصيد والتصنيع والتسويق من أجل تطوير وإنماء دخلها من حصاد البحر.٧

ولا شك أن التقدم في صناعة السفن الخاصة بالصيد ضد أخطار البحر، بالإضافة إلى السرعة وقلة استهلاك الوقود بالنسبة لقوارب الصيد الملحقة قد أدى إلى طفرة كبيرة في عمليات الصيد البحري.

ومن أهم المنجزات إنشاء واستخدام السفن الجديدة التي يُطلق عليها Large Stern Trawlers في ألمانيا والاتحاد السوفييتي واليابان وبريطانيا وبولندا، وميزة هذه السُّفن أنها قادرة على إجراء عمليات التصنيع والتجميد في عرض البحر والبقاء مدة طويلة تحت أية ظروف مناخية.

وقد أدى نَجَاح هذه السُّفن منذ أوائل الخمسينيات إلى الاهتمام بصناعة سفن صغيرة أوتوماتيكية الآلات، وذلك للصيد في المناطق غير البعيدة عن الشواطئ، وبذلك يمكن استغلال أبعاد المحيط القريبة والبعيدة عن الشواطئ.

وفي مقابل هذا التقدم التكنولوجي الكبير عند الدول المتقدمة، نجد أن الدول النامية قد جهزت قوارب الصيد القديمة لديها بمحركات ديزل خفيفة بدل الشراع، كما جهزتها أيضًا باللاسلكي لإعطاء درجة لا بأس بها من الأمان للصيادين، وهذا يوضح الفارق الكبير بين الدول المتقدمة التي تزداد قوة وإنتاجًا والدول النامية التي تطور أدوات إنتاجها بمبتكرات أصبحت قديمة. وتسعى الدول المتقدمة إلى زيادة تقدمها بإنتاج سبائك جديدة من الصلب أو الألمونيوم واللدائن الصناعية بمواصفات معينة من أجل بناء قوارب الصيد.٨
وهناك أيضًا عدة خطوات في تطور طريقة الصيد نوجزها فيما يلي:
  • (١)
    استخدام أجهزة لقياس تردد الصدى Sonar في أعماق البحار لمعرفة تجمعات الأسماك.
  • (٢)

    تغير كامل في شباك الصيد من أقطان وحبال طبيعية إلى مواد وألياف مصنعة.

  • (٣)

    تشغيل التروس آليًّا بصورة تامة قضى على الجهد العضلي في شد الشباك، بل وأدى إلى إمكانية الصيد باستخدام تروس أكبر وأعماق أبعد.

  • (٤)
    استخدام سفينتين معًا لإلقاء وشد الشبكات الكبيرة أوتوماتيكيًّا بواسطة رافعات هيدروليكية، وقد أدى هذا إلى ثورة في صيد التونة الأمريكية، وتعرف هذه الطريقة باسم Purse Seining، ولا يستخدم فيها الطُّعم الحي. وقد امتدت هذه الوسيلة إلى أيسلندة وغيرها من مناطق الصيد الرئيسية للتونة.
  • (٥)
    نوع جديد من الشباك التي تُسمى شباك الخياشيم Gillnet أو الستائر العائمة Driftnet يبلغ عرض الشبكة ١٠–١٥ مترًا، وطولها نحو ستين كيلومترًا تتعلق جوانبها العائمة على سطح البحر بعائمات، بينما تشد تقالات معدنية الجانب الآخر كالستارة الهائلة تجرها السفن اليابانية أو التايوانية العديدة، وتكتسح بها متعلقة من خياشيمها كل أشكال الحياة البحرية من أسماك وفقمات وقشريات، بل وحيتان أيضًا. لذلك احتجت نيوزيلندا وأستراليا والسلام الأخضر على هذا النوع من الصيد الذي أسمته الصحافة «حائط الموت». والمعتقد أن اليابان وتايوان قللتا من استخدام هذه الشباك الهائلة، فانخفض بذلك محصولهما من الأسماك المصادة من مياه الباسيفيك الجنوبي كثيرًا.

(٦) مشاكل العمالة في الصيد الحديث

إنَّ قفزة الإنتاج السمكي راجعة إلى تغير ظروف الصيد من صيد ساحلي مَوسمي إلى التعمق في عرض المحيط؛ مما جعل الصيد عملية دائمة بواسطة سفن المصنع وقوارب الصيد، وقد أدى هذا إلى تغير جذري في نوع العمالة؛ فبعد أن كانت عمالة موسمية وقريبة من قرى الصيادين حيث أسرهم ومسكنهم أصبحت حرفة تقتضي تغيب الصيادين عدة شهور عن ذويهم. كذلك حدث تغير آخر هام؛ فبعد أن كان الصياد يملك أو يساهم في قارب الصيد الذي يعمل عليه أصبحت السفن الكبيرة ملكًا لشركات ومؤسسات ضخمة رأسمالية أو حكومية.

وقد أدى هذا إلى أن أصبحت حرفة صيد الأسماك الحديثة قاصرة على المتخصصين فقط نظرًا للإقامة الطويلة في البحر، وعلى هذا أصبح هناك وجه للمقارنة بين الصياد الحديث وعامل المصنع على اليابس. لكن هناك أوجه اختلاف كثيرة؛ فما هي ساعات العمل؟ وما هو التأمين الاجتماعي؟ وما هي الرعاية الصحية؟ وما هي تعويضات الوفاة أو العجز الجزئي أو الكلي أو العاهات؟ وما هو الحد الأدنى للأجور؟ ولهذا فإنَّ صُعوبات كثيرة تزداد خاصة أمام مُلَّاك السفن الصغيرة أو الشركات الصغيرة في تجنيد الصيادين.

وعلى العموم؛ فإنَّ عدد الصيادين أخذ في الانكماش في الدول المتقدمة نتيجة القضاء على حرفة الصيد الموسمي القديم، والتركيز على الصيادين المتخصصين المتفرغين كل الوقت لهذه الحرفة، ومن ثَمَّ فإن تقويض أركان الصيد الموسمي قد خلق مُشكلة بطالة بين الصيادين القدماء، وقَلَّل من الدخول الثانوية التي كان يجنيها الصيادون الموسميون.

ومع تحول الصيد إلى حرفة دائمة واحتياجها إلى تقدم مستمر في وسائل الصيد؛ فإنَّ المنافسة بين الشركات الصغيرة والكبيرة قد انتهت إلى صالح الشركات الكبيرة؛ لأنها أقدر على شراء أو استخدام المبتكرات الجديدة، وأقدر على دفع أجور أعلى أو تعويضات أكبر، ومن ثم تزداد الاحتكارية بشدة في حرفة الصيد الحديثة.

ونتيجة للاستثمار المستمر لشركات الصيد في الاستخدامات، ونتيجة لطول مدة بقاء السفن في عرض البحار ومناطق الشطوط، فإنَّ كمية المنتج من السمك قد زاد زيادة هائلة، لكن لم يقابل هذه الزيادة سوى زيادة طفيفة في أسعار السمك لا تُقَابِل التكلفة إلا في أصناف قليلة من الأسماك الفاخرة.

وقد أدى هذا إلى تَذَمُّر الصيادين؛ لإنَّ أُجُورَهم تتحدد في صورة نِسبة مئوية من قيمة الصيد، أو أن يكون هناك أجر ثابت تضاف إليه نسبة مئوية من قيمة الصيد، وقد أدى ذلك إلى نزاع مستمر بين الصياد والمالك حول رفع أنواع من تكلفة العمل والإدارة قبل حساب الأنصبة.

(٧) دراسة حالة البحر: الاستنزاف البشري والتوازن البيئي

  • حالة (١): ظهور الفقمات بعدد كبير في فيوردات النرويج أدى إلى انزعاج صيادي الأسماك النرويجيين؛ لأن الفقمات تأكل الكثير من الأسماك التي كان يمكن للصيادين الانتفاع بها، فضلًا عن تقطيع شباك الصيد، ولكن أنصار السلام الأخضر والبيئيين يرون أن هذا الغزو سببه انقطاع رزق الفقمات في المحيط الشمالي وشمال الأطلنطي نتيجة أساطيل الصيد الأوروبية والأمريكية؛ مما أدى بهم إلى اللجوء إلى السواحل حيث الأسماك متوفرة.

    وقد كان النرويجيون يصطادون الفقمات من أجل فرائها منذ أواخر القرن الماضي، وقدر الصيد بنحو ٣٠٠ ألف فقمة عام ١٩٧٠ سنويًّا، ولكن احتجاج الإيكولوجيين أدى إلى انخفاض الفقمات المصادة إلى ٢٠ ألفًا عام ١٩٨٩، بينما الحصة المصرح لهم بها تصل إلى ٤٠ ألفًا سنويًّا.

  • حالة (٢): ظهور ٢٠ من الحيتان الرمادية الحدباء مرة أخرى في بحار سيبريا الشرقية في أواخر الثمانينيات؛ أدى إلى حالة من السرور بين الإيكولوجيين، فقد كان المعتقد أن هذا النوع من الحيتان قد انقرض تمامًا، ويبدو أن منع صيده كان من الكفاءة بحيث عادت هذه الحيتان القطبية إلى بحر أوختسك غربي كمتشكا.
  • حالة (٣): انخفاض حاد في أواخر السبعينيات في السردين والأنشوجة في سواحل ناميبيا؛ هدد صناعة السماكة التي قدر الاستثمار فيها نحو مائة مليون دولار خاصة بتعليب السردين والأنشوجة. ففي ١٩٦٠ زادت الكمية السنوية على مليون طن من هذه الأسماك الصغيرة، لكنها تراجعت إلى ١٠٦ ألف طن فقط، وقد أقيمت دراسات علمية لمعرفة سبب هذا الانخفاض دون كثير من الجدوى.

هوامش

(١) الطن المتري: ٩٨٤ كيلوجرامًا.
(٢) الأرقام عن: The State of Food and Agriculture 1965, FAO. Rome. 1965, p. 24. Fisheries Yearbook, 1968. Fischer Almanach 1996, Frankfurt 1996.
(٣) ربما يعود قلة إنتاج الأسماك إلى تأكيد بعض البيولوجيين أن السمك متناهي الكمية — أي إن البحر لا يعج بالأسماك أيًّا كان — فهناك مناطق من المحيطات والبحار قاحلة من السمك، تمامًا كما أن هناك مناطق قاحلة على اليابس. ولهذا فالحذر واجب من ازدياد الصيد من الأماكن المعروفة بكثرة الأسماك خوفًا من سوء الاستغلال الذي قد يؤدي إلى ندرة الأسماك فيما بعد.
(٤) قدرت كمية المصاد من الأسماك عالميًّا ﺑ ١٠١ مليون طن منها نحو ١٦ مليونًا من الأنهار والبحيرات ١٩٩٣.
(٥) بلغ إنتاج اليابان قرابة ٦٫٧ مليون طن عام ١٩٦٣، وبذلك أصبحت ثاني دول العالم بعد أن ظلت أول دول العالم حتى عام ١٩٦١ نتيجة النمو المتزايد المفاجئ لمصايد بيرو في الستينيات والسبعينيات. ولا يزال الإنتاج الياباني يتزايد حتى بلغ ٨٫٦ مليون طن عام ١٩٦٨، ثم بلغ ١١٫١٧ مليون طن سنة ١٩٨٩، وهو لا يقل كثيرًا عن إنتاج الاتحاد السوفييتي الذي احتل المكانة الأولى بإنتاج ١١٫٣٢ مليون طن أو الصين التي تحتل المكانة الثانية بإنتاج ١١٫٢٢ مليون طن، وفي سنة ١٩٩٣ نجد الصين أكبر منتِج ١٧٫٥٦٥م.ط يليها اليابان وبيرو ويرجع ذلك إلى اتجاه الصين إلى الصيد من البحار والمحيطات بعد أن ظهر التلوث في بعض أنهارها.
(٦) بلغ إنتاج بيرو عام ١٩٦٤ حوالي ٩٫١ مليون طن، وفي عام ١٩٦٨ بلغ ١٠٫٥ مليون طن، لكنه هبط كثيرًا حيث بلغ الإنتاج ٣٫٤م.ط. فقط عام ١٩٧٥، ثم إلى ٢٫٩م.ط. عام ١٩٨٤. ورُبما يرجع ذلك إلى استنزاف المصايد مما يؤدي إلى التدخل في تنظيم الصيد. وبعد ذلك بدأ الإنتاج يزداد حتى يصل إلى ٦٫٨٣م.ط. سنة ١٩٨٩، ثم في سنة ١٩٩٣ أصبحت ثالث دولة بإنتاج ٨٫٤م.ط. أما شيلي فقد بلغ إنتاجها قرابة ١٫٢١م.ط. ١٩٦٤، ثم إلى ١٫٣م.ط. بزيادة طفيفة عام ١٩٦٨، ثم زيادة كبيرة في ١٩٨٩؛ إذ بلغ ٦٫٤٥م.ط. وهي بذلك قاربت من إنتاج بيرو. أما سنة ١٩٩٣ فلم يزد إنتاجها عن ٦م.ط.
(٧) مثال ذلك الخطة المطبقة في مصر، والتي اشتملت على دعم أسطول الصيد في أعالي البحار بسفن جديدة، وميكنة السفن الشراعية العاملة في السماكة، ورفع المستوى المهني للصيادين، كما اشتملت الخطة على التخطيط لنظام تسويق أفضل من الأوضاع الاحتكارية الحالية لكبار التجار، وإضافة صناعات مرتبطة بقطاع السمك (حفظ السمك بالتجميد والتعليب، واستخراج الزيوت السمكية وعمل مسحوق السمك لإضافته إلى علف الدواجن)، وكذلك إنشاء المزارع السمكية لأنواع محببة في الاستهلاك كالبلطي، أو أنواع مستوردة كالمبروك (في الصين أصلًا).
(٨) أسطول زوارق الصيد الشاطئ في سلطنة عمان معظمه من القوارب المصنوعة من اللدائن الصناعية، شجعت الدولة الصيادين على استعماله بضمان بيعه لهم بالتقسيط والكثير من الدعم المالي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤