رد على الشيخ الشعراوي

سألني أصدقاء وقراء كثيرون عن حكاية المبارزة التي يدعونا إليها (أستاذينا الكبيرين توفيق الحكيم وزكي نجيب محمود وكاتب هذه السطور) فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، والحق أني فوجئت تمامًا بهذا التحدي من فضيلة الشيخ، فأنا من أولئك الذين يؤمنون بالمدرسة الفكرية التي يُتوِّجها ذلك الحديث الشريف: ليس الشديد بالصرعة (أي القوة) إنما الشديد من يملك نفسه ساعة الغضب. تلك المدرسة التي يرى الإنسان فيها أنه برغم كل ما وصله وبرغم كل ملكاته وقدراته ليس سوى طالب معرفة مستمر، ينقضي العمر ربما وهو بعد لم يصل إلى حد الاكتفاء أو حتى مجرد الإحساس أنه أصبح أفصح من هذا أو «أكتب» من ذاك أو أن باستطاعته أن يصرع ثلاثة من «العمالقة!» «وحده» أمام الرأي التليفزيوني العام؛ لهذا فقد بدت لي مسألة «المبارزة» شيئًا جديدًا تمامًا على حياتنا الفكرية المعاصرة وحتى القديمة، مع أن العرب كانوا دائمًا مشهورين بأفعل التفضيل ومشغولين دائمًا بمن هو أشعر الشعراء، ومن هو أمير الشعراء، ومن هو أعظم الكُتَّاب، إلا أنني كنت أتصور أن المتعاركين حول من الأفضل ومن الأقوى ومن الفارس الأوحد، هم من جمهرة المستهلكين للشعر أو للكتابة، أما أن يصل الأمر إلى حدِّ أن يعتنق شاعر أو كاتب هذه الفكرة فهو ما لم يحدث أبدًا إلا من قليل جدًّا من مراهقي الشعراء أو صغارهم حينما كانوا يفعلون مثلما كنا نفعل في ثانوي أو ابتدائي، ويزعم كل منا أنه الأطول ويتحدى الآخرين أن يكاتفوه (إن صح هذا التعبير) أو يقفوا متجاوري الأكتاف فيفحم الآخرين، ويثبت لهم أنه الأطول ولكن ذلك زمن ولَّى ومضى وفي عصرنا الحديث حل الجدل محل التبارز، والفرق بين التبارز والجدل أن المتبارز إنسان انتهى إلى الإيمان أنه على حق مطلق فيما يرى ويقول، وأن الباطل لا يمكن أن يأتيه أو يخطر له أبدًا؛ بمعنى أنه وصل إلى أعلى عليين، ولم يعد هناك مجال لأن يصبح أعلم أو أحكم أو أفصح مما وصل إليه، ويصبح طلبه للمبارزة حينذاك طلبًا لمجرد إثبات القوة، أي أن المبارزة هدفها إثبات قوة ذاته، وكأن ذاته، قد أصبحت الحقيقة المطلقة، بينما المتجادل إنسان هدفه البحث عن الحقيقة، وما دام هدفه كذلك فليس مهمًّا عنده أن يثبت قوته بقدر ما هو مهم تمامًا أن يخرج من المجادلة وقد اكتسب معرفة جديدة أو تعلم شيئًا لم يكن يعرفه حتى لو خرج من الجدل خاسرًا وهُزمت وجهة نظره؛ فليس أحب إلى قلبه من جدل يخرج منه وقد هُزم في وجهة نظره، ولكنه كسب ما هو أعظم؛ شيئًا جديدًا عرفه وأضاف به إلى ذاته طالبة المعرفة الدائمة، أو قربًا أكثر إلى الحقيقة المطلقة التي لا سبيل إلى الوصول اليقيني إليها؛ فقد اختص بها الله سبحانه وتعالى ذاته العليا وحدها، فما دمنا نقر أننا بشر فلا بد ضمنًا أن نقرَّ أننا لا بد أن نتعلم من المهد إلى اللحد، وأننا رغم كل هذا التعليم فلن نصل أبدًا إلى المدى الذي يستطيع أحد منا أن يقف ويقول: أنا وصلت، والمعرفة كلها طوع بناني وأستطيع أن أسحق من يجرؤ على مناقشتي أو يخطر بباله أن يستجيب للتحدي إذا تحديته. لقد مس الدكتور زكي نجيب محمود بأدبه اللطيف المعروف هذه النقطة مسًّا هادئًا، ولكنه واضح تمام الوضوح في رده من ناحيته على فضيلة الشيخ الشعراوي.

وأنا هنا لا أرد على فضيلته فيما يخصني فأنا للآن لا أعرف بالضبط ماذا يأخذه الشيخ محمد متولي الشعراوي على شخصي الضعيف أو كتاباتي، فكتاباتي ليست سرًّا، إنها كلها منشورة ومعلومة وبكل كلمة أكتبها إنما أضع نفسي أمام محاكمة ليس قاضيها فضيلة الشيخ وحده ولكن قضاتها آلاف من المثقفين والعلماء والدعاة والقراء في كل أنحاء وطننا العربي والإسلامي، وحمدًا لله أن هذه المحكمة البالغة الوعي والحس والذكاء والرهافة لم توقفني يومًا موقف متهم، وإلى الآن على الأقل لم تضبطني متلبسًا بأي جُنحة فكرية، فما بالك بالجنايات، إذ لا بد أن يكون الأمر جناية حتى يحكم علينا فضيلته بأننا نحن الثلاثة مضللون (بكسر اللام) ويحكم بما هو أفدح؛ الارتداد. يا ألطاف الله! الارتداد.

هكذا مرة واحدة أيها العالم الجليل الذي تعرف عقوبة الارتداد؛ وهو تعليقنا من رقابنا نحن الثلاثة في ميدان التحرير بعد أربعة أيام من حكمك نُعطَى فيها مهلة للتوبة فإذا لم نفعل نُفذ الحكم. ألا يمكن أن أستحلفك «بالحق» سبحانه وهي الصفة التي تفضلها دائمًا لوصف الله — عز وجل — أيرتضي ضمير العالم فيك وأنت قيد منزلك، لم تحاكم أيًّا منا ولم تسأله ولم تعطه فرصة واحدة للدفاع عن نفسه أو حتى التوبة إذا أثبتَّ له أنه أخطأ أو ضل. أيرتضي ضميرك العالم أن تصدر حكمًا بالإعدام غيابيًّا على أناس لم تُخطرهم مجرد إخطار بالمثول بين يديك أو حتى تسألهم ذلك السؤال التقليدي في أي محاكمة هل أنت مذنب؟ وهو سؤال إجباري في أي محكمة بحيث إذا لم يسأله القاضي بعد توجيه الاتهام اعتُبرت المحاكمة لاغية واعتُبر أي حكم يصدر فيها لاغيًا أيضًا.

وإذا كان ضميرك يا فضيلة الداعي الإسلامي الكبير قد سمح لك بهذا فهل تسمح لي أن أسألك كعالم وداعٍ كبير: هل الحكم بالارتداد عن ديننا الحنيف مسألة من الممكن أن يصدرها أي مسلم على أي مسلم آخر هكذا، بحيث يصبح أي أمير في جماعة إسلامية له الحق أيضًا في إصدار نفس الحكم وبنفس الطريقة ودون محاكمة أو سؤال على أي مسلم آخر، ولو كان هذا المسلم عالمًا مثل فضيلة الشيخ المرحوم الذهبي؟

إني أسألك يا فضيلة الشيخ لا لشيء إلا لأن حكاية الاتهام بالكفر أو الارتداد أصبحت «المودة» الشائعة في عصر التكفير الذي نعيش فيه هذه الأيام. وأصبح أبسط وأول رد يعنُّ لمتعصب أو متعاصب أو جاهل أن يرد به على أي مثير لقضية أو أي مناقش لأمر من أمور حياتنا أن يرد عليه بقوله أنت مرتد، أنت كافر والعياذ بالله. وهذه فوق أنها إغلاق ليس لباب الاجتهاد ولكن لباب التفكير نفسه، أي نوع من أنواع التفكير، فوق أنها كذلك ولأنها شاعت تمامًا وأصبحت سلاح إرهاب بشعًا في يد من يريدون إغلاق عقل وقلب هذه الأمة ليمكِّنوا أعداءها منها في النهاية، فوق أنها كذلك، فموقف كثير من علماء المسلمين منها وأنت على رأسهم أصبح واجبًا ملحًّا.

فلنتفق أولًا على التهمة: تهمة الكفر.

إني لا أذكر نص الحديث الشريف ولكني ما زلت أذكر أني قرأت في كتاب من كتب الأحاديث أن عربيًّا أراد أن يقتل خصمًا بدعوى أنه كافر فنهره النبي بشدة وقال له ما معناه: وهل شققت قلبه لتعرف إن كان مؤمنًا؟

ذلك لأن الإيمان إيمان القلوب ولا يمكن الحكم على الإيمان بمجرد التصرفات الخارجية للبشر، فالفاسق قد يُغالي في إظهار أنه مؤمن لكي يُخفي على الناس شروره وآثامه، وكثيرون ممن يجرمون حقيقة في حق المؤمنين ويغتالون أموالهم ويطعنونهم في أعز ما يملكون، يحرصون في الوقت نفسه على أن يحيطوا أنفسهم يوم ذهابهم للحج مثلًا بمظاهرة كبيرة، ويعودون ممسكين بالمسابح بينما حقائبهم ممتلئة بالفيديو كاسيت والأشرطة ويبذلون كل ما يستطيعون من حيل للتهرب من دفع الجمارك.

إني أفضِّل ذلك الإيمان الخفي السامي، الإيمان الذي يدفع الفلاح الفقير بعد أن ينهي يومه الشاق أن يذهب إلى أقرب مُصلًّى ويغتسل ويصلي العصر، يا لروعة هذه الأرواح الفقيرة المظهر، الغنية الروح! تلمحها مبعثرة كالنقط البيضاء في ريفنا الواسع إذا ما جبته عصرًا راكعة تناجي مولاها وتشكره على نعمائه بلا جعجعة ولا مظاهرة، يعبد الناس ربهم في تلقائية ودون إرهاب أو إرعاب، ونحن في المدينة هنا وعلى شاشات التليفزيون نعبد الله في جلبة وبتعقيد يحوِّل إسلامنا السمح إلى ألغاز يحار في فهمها العقل، والإسلام دين الفطرة، بسيط بساطة العلاقة بين العبد وخالقه، يكفي أن تقول الشهادة وأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت. ومن حر وشريف مالك يكفي أن تفعل هذا علنًا لكي تكون مسلمًا لا يجرؤ كائن من كان أن يَمسَّكَ بكلمة؛ ولهذا فإن الارتداد عن الإيمان مسألة أخطر بكثير من أن يُحكم بها على قارعة الطريق. وألا ترى معي يا فضيلة الشيخ أن هذه الفوضى في إطلاق أحكام الارتداد والكفر والزندقة علامة فقر فكري واضح ذكرته في مقالات سابقة، وأنها تفكير فقراء في العلم والمنطق، بل أقول تفكير فقراء إيمان، فالمؤمن الحق، المؤمن الغني بإيمانه هو الذي يحب لدينه أن يتسع وأن يدخل الناس فيه وأن يركنوا إلى حظيرته السمحة، أما أولئك الذين يريدون غلق نوافذ وأبواب ديننا الحنيف على ذواتهم الصغيرة بحيث يصبح تفكير الناس وطردهم من دار الإسلام أحب إليهم من دخول الناس زرافاتٍ ووُحْدانًا، أناس لا أقسو في الحكم عليهم ولكني أقول عنهم فقط إنهم فقراء إيمان وفقراء أرواح وفقراء عقل وتفكير.

إني مع الأستاذ الإمام محمد عبده حين يقول: إذا جاءك إنسان بقول وكان تسعة وتسعون وجهًا من قوله ذاك ممكن أن تُحمَل على أنها كفر ووجه واحد يُحمل على أنه إيمان، فمن الواجب أن نأخذ بهذا الوجه الواحد ونعامله على أساسه.

ونحن إذ نفعل هذا لا نفعله عبثًا وإنما نفعله لأن الإسلام يأمرنا بفعله، فالحضارة الإسلامية هي التي علَّمت العالم الحديث حتمية التفكير كفريضة وما أجمل هذا القول الذي يقول به الكاتب الإسلامي العظيم خالد محمد خالد حين يلخِّص المسألة ويقول: أنا أفكر فأنا مسلم.

فما تأخَّر المسلمون إلا حين، بعد النهضة الفكرية الكبرى التي استطاع المسلمون بها أن يُترجموا كل آثار الحضارة الإغريقية ويهضموا المدارس المنطقية من فيثاغورس إلى أرسطو وأفلاطون، ومن رياضة أرشميدس وعلى يد جابر بن حيان يخترعون علم الجبر ويصبح الطب على يديهم «علمًا» فيه مراجع للأمراض وتذاكر داوود وكتب تحضير الأدوية والعقاقير؛ أي يأخذ الطب شكله العلمي بعيدًا عن السحر والشعوذة، هذه النهضة الفكرية الكبرى لم ينعم بها المسلمون طويلًا فقد انتقلت إلى أوروبا عن طريق الأندلس، وما لبثت أوروبا أن تلقفتها وبنت عليها نهضتها الكبرى الحديثة وكما يقول جارودي: إن معركة «بواتييه» التي هزم الفرنسيون العرب فيها وأوقفوهم عن اجتياح فرنسا كانت نقمة؛ فلو احتل العرب فرنسا لوفَّروا عليها مائتي عام من التخلف.

أوروبا تلقفت الحضارة الإسلامية وطوَّرتها حتى وصلت بها إلى عصر النهضة، بمعنى أن أوروبا الحديثة هي الامتداد الحقيقي للحضارة الإسلامية الحقيقية، بينما للأسف حدث في العالم الإسلامي شيء مغاير تمامًا، إذ تكفَّل بعض ممن زعموا لأنفسهم الوصاية على الإسلام بإغلاق باب الاجتهاد، أي باب التفكير، في وجه الفكر الإسلامي، وكانت النتيجة أن توقفت العملية الحضارية، وآب المسلمون إلى التواكل وكفوا عن التقدم بانغلاق العقل عن أن يستوعب متغيرات الحياة من حوله، والنتيجة هي ما نراه الآن من وصول أوروبا — على أكتاف تفكير أجدادنا المنفتح الجريء — إلى ما وصلت إليه من تقدم مذهل ووصولنا نحن إلى أن نسمح لأنفسنا بألا نستنكف أن ندفع الذبابة إذا وقفت على كوب اللبن لتغرق في السائل الذي يتكفل بقتل كلِّ ما فيها من جراثيم ونشربه. وناهيك عن أن درجة حرارة اللبن مهما غلى ومكوناته الكيميائية لا يمكن أبدًا أن تقتل كل ما تحتويه أجنحة الذبابة من ميكروبات وفيروسات، فإن النفس البشرية هنا، أليست تجزع من شرب لبن يحتوي على ذبابة ميتة؟ أليست حاسة الذوق إحدى مكونات النفس البشرية بحيث إذا أجبرناها على استساغة ما لا يُستساغ قتلنا فيها الإحساس، بالنظافة على الأقل، والنبي يقول: النظافة من الإيمان. ألا نكون حينذاك — ولو جزئيًّا — غير مؤمنين؟ ألا نكون حينذاك قد أوقفنا حدًّا من حدود الإسلام وهو المنطق والذوق والتفكير وقتل كل ما يمكن أن يصنع من المسلم إنسانًا جميل الروح والحواس، والله سبحانه جميل يحب الجمال.

هذا عن التهمة، إن كانت هناك تهمة.

فماذا عن هؤلاء القضاة الهواة الذين يُنصبون من أنفسهم قضاة من حقهم — هكذا — أن يحكموا على من يشاءون بما يشاءون وحتى بالكفر والردة يحكمون، لقد قرأت لواحد منهم قوله في وصف خصومه: إنهم مسلمون بالاسم، أما في قلوبهم فهم كَفرة ملحدون.

هكذا وصل الحال يا فضيلة الشيخ! أن يبلغ الحد بهؤلاء القضاة المتطوِّعين أن يعلموا ما في القلوب، أن يدَّعوا لأنفسهم قدرات الله سبحانه ولا تستطيع — حسب قانون الفوضى الضارب — أن تمنعهم عن إصدار هذه الأحكام، فهم يُنصِّبون أنفسهم أوصياء على دين الله وقضاة على المسلمين يحكمون على من لا يعجبهم بالكفر، وبالمثل لا تستطيع أن ترد أي طالب ثانوي عن أن يُنصِّب نفسه أميرًا ومفتي إسلام أكبر على مجموعة من زملائه ويُصدر ما يشاء من أحكام الكفر أو بالإعدام.

ولقد كنت أتصور أن يتصدى داعية جليل مثلك، أن تتصدى أنت بالذات لهذه الموجة الرهيبة من المتاجرة بدين الله، واستعماله لأغراض شخصية محضة، ولشفي الغليل والطعن من الخلف والانتقام الشخصي الرخيص، كنت أتصور أن عالمًا جليلًا مثلك يقول لهؤلاء الناس: قفوا، فالإسلام العظيم الحنيف ليس لعبة في يد أمثالكم، ولا في يد غيركم، والاتهام بالكفر والإلحاد بدعة، ما لم يقم عليه برهان أكيد، لا من الشواهد فقط وإنما باعتراف المرتد نفسه أو الكافر وإصراره على ردته وعلى إعلان كفره، فإن من يوجهها افتراء هو من تجب محاكمته.

كنت أتصور هذا، إذ فيما قرأت ورأيت وسمعت، لم يحدث أبدًا أن ضُبط إنسان واحد في مصر، أعلن هو بنفسه أو حرض غيره على الكفر، وعلى كثرة القضايا التي تضبط سياسية، وجنائية، وآدابية، لم يحدث مرة واحدة أن ضُبطت قضية لإنسان، فما بالك كاتب كفر أو دعا إلى الكفر أو حرَّض عليه أو حتى ارتد، فما هو التفسير إذن لتلك المظاهرة الغريبة على صفحات الجرائد، وفي التنظيمات وفي الإذاعة والتليفزيون وكأن وباء الكفر قد اجتاح بلادنا، وكأن دين الله مهدد بالضياع في ديارنا، وكأن القيامة من كثرة عدد المرتدين والكافرين ستقوم غدًا؟

كنت أتصور أن تقف أيها العالم الجليل ضد هذه الغوغائية وضد هؤلاء الغوغاء الذين يسيئون — أول ما يسيئون — إلى الإسلام نفسه، ويجعلون منه وهو السمح الفسيح، ملكًا خاصًّا لهم يُدخلون فيه من يشاءون ويخرجون منه من لا يعجبهم، حتى ولو لم يعجبهم شكله أو شخصه.

كنت أتصور هذا، ولذلك عجبت تمامًا — كما قلت في أول هذه السطور — حين قرأت كلماتك عنا في اللواء الإسلامي وحين قرأتها مرة أخرى في مجلة «الشعب» ولم أجد مناصًا من الرد عليها في نفس المكان الذي أُثيرت فيه.

عجبت لأني أدركت أن نفس العالم الذي كنت سأستنجد به قد أصبح على رأس موكب الذين كنت سأشكوهم إليه.

ولهذا أصبح من حقي أن أتساءل، أو بالدقة أسأله، وأسأل الآخرين أيضًا، من أين لكم بالحق المطلق في إدانة أي مسلم وفي اتهامه جزافًا هكذا بالارتداد أو الكفر؟

من أين تأتيكم، أو كيف حصلت على هذه الشرعية؟ من ولَّاكم ومن أعطاها لكم وبأي حق تنصبون من أنفسكم قضاة على عباد الله من المسلمين. وإذا كان باستطاعة البعض أن يرد عن الشيخ الشعراوي ويقول إن لفضيلته الحق في أن يحاكم ويحكم على الناس بالكفر باعتباره عالمًا دينيًّا شهدت له بعلمه ندوات التليفزيون وجماهير المسلمين في كل مكان، فإني ألجأ هنا إلى قول الرسول : «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.» فقد يكون فضيلته — وهو فعلًا — أكثر منا علمًا بأمور ديننا، وأكثر دراسة لقرآننا وفقهنا وتشريعنا وحتى نحونا وصرفنا.

ولكن نحن هنا حيال قضية علاقة مسلم بدينه وبإلهه.

وتلك العلاقة أو هذا الإيمان شيء لا يعلمه ولا يستطيع أن يفصل فيه إلا الله سبحانه وتعالى. ولهذا فالتقوى وحدها، وليس العلم، هي مقياس تفضيل مسلم على مسلم عند الله ولأن التقوى علمها عند الله سبحانه وحده، ولا شأن لمخلوق بها، فحتى شعبية الداعي الإسلامي أو نبوغه لا تمنحه الحق في الحكم على تقوى الآخرين، فلا فضل له على أي منهم إلا بتقواه هو الشخصية، وتقواه أو تقوانا علمها جميعًا عند ربي، وللفصل فيها يوم مهول واحد اسمه يوم الحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون إلَّا من أتى الله «بقلْبٍ» سليم.

فحتى العلم يا أستاذنا الفاضل والنبوغ فيه والشعبية الواسعة التي كان من الممكن أن تدفع صاحبها إلى مزيد من التواضع وأخذ الناس بالرأفة والقلب المفتوح والتسامح، حتى هذه كلها لا تؤهل لكي يحكم عبد على عبد آخر بأن قلبه مرتد أو كافر؛ إذ معنى هذا أنه يدَّعِي لنفسه صفات إلهية يختص الله بها نفسه.

إن للإسلام أركانه العلنية الخمسة المعروفة لأبسط الناس شأنًا، وما دام يؤديها، ولم يجاهر بعصيان أي منها فهو مسلم شأنه شأن أكبر عالم من علماء المسلمين.

وبعد هذا يقول فضيلة الشيخ في حديثه للشعب إنه لا يمنح صكوك غفران، ويستعيذ بالله من هذا. وليسمح لي فضيلته بسؤال: أليس الذي يعطي لنفسه حق تكفير الناس بمعنى أنه يستطيع أن يخرج من يشاء أو يدخل من يشاء في زمرة المسلمين، أليس هو بالضبط كمن يمنح نفسه الحق في إعطاء صكوك الغفران لمن يشتريها كي يدخل بها الجنة أو لا يشتريها فيدخل النار، أليس من «يمنع» يملك تلقائيًّا الحق في أن «يمنح».

أتساءل، وفضيلته سيد العارفين و…

وبعد؟!

كما ترون، لقد وقفت عند حدود «الشكل» في ردي على فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، ولم أتطرق إلى «الموضوع» والسبب بسيط فلقد أجهدت نفسي في محاولة لمعرفة موضوع التهمة التي يتهمنا بها فضيلته فلم أجد أي موضوع. فعذرًا يا فضيلة الشيخ وأعدك إذا كنت مخطئًا في حكمي وكان هناك فعلًا عمل أو كتابة أو رأي لشخصي الضعيف تجده فضيلتكم موضعًا للمساءلة أو حتى لاتهام فإني احترامًا وإجلالًا مني لشخصكم ومكانتكم سوف أرد عليه بإذن الله.

وتمنياتي لكم، يا من نفخر به ونعتز، بموفور الصحة وراحة البال والضمير.

وحديث عن الشيخ شعراوي

(هذا الحديث أجرته معي جريدة «الشعب» المصرية عقب اتهام فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي لي وللأستاذ توفيق الحكيم والدكتور زكي نجيب محمود بالمروق والكفر، تلك التهمة التي نفى فضيلة الشيخ شعراوي أنه قالها رغم أنها وردت على لسانه في مقالات بعض تابعيه وسكت عنها. وقد آثرت أن أورد هذا الحديث بنصه نظرًا لأهميته في قضية الثقافة أيضًا.)

الدكتور يوسف إدريس عَلم من أعلام الفكر في مصر والعالم العربي، وأحد المدافعين عن حرية الرأي وحرية الكلمة، وهو كمفكر وأديب يسعى إلى صياغة فكره في القالب الذي يراه مناسبًا لقارئه، وهو أيضًا يرى أن العمل الأدبي عمل ابتكاري من الطراز الأول، وأن الابتكار لا يكون منصبًّا على مضمون الفكر نفسه، ولكن على الشكل الذي يصيغ فيه هذا الفكر، ولكن على أن يكون هذا الشكل أو ذلك القالب مُرضيًا لكل الناس على اختلاف ميولهم وثقافاتهم.

وفي الأسبوع الماضي أجرت «الشعب» حديثًا مع فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي فجَّر قضية على جانب كبير من الأهمية؛ فقد اتهم فضيلته ثلاثة من المثقفين المصريين بأنهم يتجرءون على الدين، وأن هؤلاء الثلاثة متهمون بأن كتاباتهم فيها تضليل وإضلال، وأمام هذا الاتهام الصريح توجهت الشعب إلى أحد المثقفين الثلاثة وهو الدكتور يوسف إدريس، فكان هذا الحديث الذي استغرق أكثر من ثلاث ساعات كاملة:

قلت له: ما تعليقكم على ما ذكره فضيلة الشيخ الشعراوي؟ قال: قبل أن أتعرض لهذا، أنا لي عتاب رقيق إلى جريدة «الشعب» التي أحترمها وأقدرها كجريدة سياسية مدافعة عن الحرية والديمقراطية وأمانة الكلمة والنزاهة، حيث كان المفروض ألا تتبَّنى الجريدة وجهة نظر الشيخ الشعراوي وكأن ما قاله هذا هو وجهة نظر الجريدة.

قلت مدافعًا: لا، الجريدة لم تتبنَّ وجهة نظر الشيخ الشعراوي، ولكن هذا هو نصُّ ما قاله فعلًا … فقاطعني قائلًا: كان المفروض أن يكون «المانشيت» أن الشيخ الشعراوي يتحدى الكُتاب الذين قال عنهم إنهم يتجرءون على الدين، وهناك فارق كبير بين المعنى الذي كتبته الجريدة وبين إضافة كلمة «الذين قال عنهم» فهذه الكلمة تُبرئ ساحة الجريدة، وعلى أي حال فهذا غير مقصود.

حملة سياسية ضارية!

قلت: وما هو تعقيبكم على ما قاله الشيخ الشعراوي؟ قال بلهجة حادة: في الحقيقة إن هناك في الفترة الأخيرة حملة ضارية على عدد من الكُتاب، هذه الحملة توزِّع الاتهامات على هؤلاء الكُتاب، تتَّهم بعضهم بالشيوعية، والبعض الآخر بالإلحاد، وهذه التهم ليست دينية كما تبدو ولكنها تُهم سياسية المقصود بها استئصال أصحاب الفكر الحر من المجتمع وإبعادهم عن المعارضة أو حتى إبداء الرأي، فجريدة «الشعب» مثلًا جريدة معارضة، وهي متهمة أيضًا بالمروق والتضليل مع أنها لا تعارض ضد المجتمع، ولكن لصالحه، وهذا هو دور الكُتاب والمفكرين المقصودين من هذه الحملة المدبَّرة من بعض صغار الكُتاب والصحفيين.

ثم صمت برهة، وعاد مستطردًا: مثلًا هناك ثور أبيض هائج في «الأهرام» يتهم الناس بالشيوعية صباح مساء، ويتهم الشيوعيين بالإلحاد، هكذا على صفحات جريدة «الأهرام» المحترمة، لقد حوَّل بابه غير السياسي إلى منبر لمكافحة الشيوعية العالمية والمحلية، وبجهل شديد، وهذا في حد ذاته ظاهرة كانت لا بدَّ أن تستوقفنا وتجعلنا ندرك أن المسألة حملة سياسية موجهة من بعض الجهات وليست أي شيء آخر.

«فقاطعته قائلًا: ومن هو هذا الثور؟»

فأجاب قائلًا: يكفي أن أقول لك إنه ثور سمين أبيض، له جسد ثور وخوار بقرة غير حلوب.

«وما علاقة هذا الثور بما قاله الشيخ الشعراوي؟»

فأجاب: دعنا من كلام هذا الثور البقرة فهو لا يستحق التعليق، فتعليقي سيكون على ما قاله الشيخ الشعراوي من وجهة نظر سياسية؛ ذلك لأن كلام الشيخ الشعراوي لو كان قد جاء دون أن تكون هناك حملة غريبة متجانسة من صغار القامة لكان يمكن أن يكون كلام الشيخ الشعراوي كلامًا دينيًّا، ولكن ما قاله في خلال هذه الحملة يُدخله في الإطار السياسي للحملة، ومن هذا المنطلق فإن ردي عليه سيكون ذا شقين، ردًّا سياسيًّا ثم ردًّا فكريًّا، وبدايةً أقرر أنني من عشاق الشيخ الشعراوي وأعتبره «فلتة» مصرية عربية إسلامية، وكثيرًا جدًّا ما أصغي إلى حديثه وأسعد جدًّا بما تجود به قريحته، وهو ما يمكن أن أُسمِّيه أنا فهمًا جديدًا للقرآن الكريم وللغة العربية بشكل عام، وأعتبره مثلما قال الدكتور زكي نجيب محمود عالم لغة، وقارئًا جيدًا جدًّا للعلوم الحديثة.

حكم بالإعدام!

واستطرد يقول: إنني في غاية الدهشة كيف أن عالمًا فاضلًا جليلًا مثل الشيخ الشعراوي مرة واحدة يقف ويقول لا، هذا ضلال وتضليل، وهذا كفر، ففي حديثه ﻟ «الشعب» نسب للأستاذ توفيق الحكيم أنه كافر، وقال عني قبل ذلك وعن الدكتور زكي نجيب محمود إننا مضللان بالإرادة؛ أي كَفَرة ومرتدون عن الدين بالإرادة، كيف أن عالمًا جليلًا في هذه المكانة يسمح لنفسه أن يتهم الآخرين بالكفر؟! وإذا كان هو غيورًا فعلًا على الإسلام، فالإسلام ينصُّ على أنه قبل الحكم على إنسان لا بد أن يُحاكم أولًا، ونعطي له فرصة للدفاع عن نفسه، ولكن ليس هكذا وبشكل غيابي يصدر حكمًا بالردة أو بالارتداد عن الدين، وهي التهمة التي يعلم جيدًا الشيخ الشعراوي أن عقوبتها هي الإعدام في مكان عام، فكيف يُصدر الشيخ الشعراوي حكمًا بالإعدام، وغيابيًّا؟

وإعدام مَن! إعدام رءوس كبيرة جدًّا في هذا البلد، تتلمذ على أيديهم أجيال وأجيال، وأصبحت من عُمد الوجود المصري، يعدمهم هكذا ببساطة! شيء لم أكن أتصور أن يحدث.

الغريب في الموضوع أنه يبدو أن الشيخ الشعراوي يعتبر أن الكُتاب أو المفكرين منافسون للفكر الإسلامي أو لفكره الشخصي، وهذا غير طبيعي؛ فأنا معجب جدًّا بكلمة قالها الأستاذ خالد محمد خالد وهي: «أنا أفكر إذن أنا مسلم.» لأن الإسلام أمرنا بإعمال الفكر، وبالتفكير وبالعلم، وأمرنا بأن نتعلم وأن نصل إلى أرقى مراحل العلم لننفع به الناس، حتى إن القرآن يتوجَّه بحديثه إلى أولي الألباب.

ثم إن هناك نقطة أخرى وهي أن الشيخ الشعراوي ليس أول مفكر في الإسلام أو أول مفسر للقرآن؛ لقد جاء بعد ١٤ قرنًا من الزمان، خرج فيه أئمة كبار جدًّا كالإمام أحمد بن حنبل والإمام الشافعي، وابن تيمية … الشيخ جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده وغيرهم كثيرون. هؤلاء جميعًا قاموا بتفسير القرآن وأعطوا وجهة نظرهم، ولكن بطريقة لم يكفِّروا بها أحدًا، فلم يحدث أن الإمام أبا حنيفة مثلًا كفَّر أحد الناس المعاصرين له لأنه يفكر، لقد كانوا يختلفون، ولكن لم تصل إلى درجة التكفير.

طبعًا ليس معنى أن هناك عالمًا دينيًّا كبيرًا، أو داعية مثل الشيخ الشعراوي، أننا ككُتاب نكفُّ عن الكتابة ونبحث لنا عن حرفة أخرى غير الكتابة؛ لأن الكتابة تتناسب مع التفكير الذي أمرنا به الإسلام؛ ولذلك نحن نكتب فيما يخص الناس في أمور حياتهم، فالكاتب منا عندما يكتب قصة أو مسرحية فهو يعالج مشاكل الناس ويجد لها حلولًا، ولكن كونه يعالجها بطريقة لا تعجب الشيخ الشعراوي فهذه يمكن أن نناقشه فيها، ولكن ليس على أساسها يُصدر حكمًا بالإعدام؛ لأنه من الذي أعطاه هذه السلطة لكي يكفِّر مسلمًا أو يرد مسلمًا؟

والسؤال الآن، من أين استمد الشيخ الشعراوي الشرعية ليردَّ مسلمًا أو يكفِّر مسلمًا؟ لأنه إذا كانت المسألة هكذا فإن من حق أي شخص آخر أن يرد الشيخ الشعراوي نفسه ويقول إن تفسيراته هذه ليست صحيحة، فكلنا مسلمون، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، والتقوى محلها القلب والشيخ الشعراوي لم يشقَّ قلوبنا حتى يعرف أننا أتقياء من عدمه، وربما أن هناك من هم أكثر تقوى ممن يسمون أنفسهم علماء المسلمين، ولا يعرف هذا إلا الحق سبحانه وتعالى.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الشروط الواجب توافرها عند الحكم على ارتداد مسلم؟ هل يجلس كل واحد هكذا يرد الآخر، أم لها محاكمة ومحكمة وحق المتهم في شرح وجهة نظره؟ هذا سؤال موجه للشيخ الشعراوي.

وهنا قام الدكتور يوسف إدريس من فوق مقعده وأحضر ورقة وقرأ منها جزءًا حول رأي الإمام محمد عبده في عملية التكفير حيث يقول الإمام محمد عبده بضرورة البُعد عن التكفير؛ فإذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حُمل على الإيمان ولا يجوز حمله على الكفر، هذه هي سماحة الإسلام.

كان المفروض أن يقوم الشيخ الشعراوي بقراءة ما نكتبه قبل أن يقول مضللين، وهذه هي أعمالي ٣٤ كتابًا يأخذ أي واحد منها ويوضح ما فيه من ضلال أو تضليل، وها هي مقالاتي بالأهرام، لو أن بها فقرة فيها ضلال كان يقول وأنا أشرح له وجهة نظري، وهو يعتب وله بعد ذلك أن يطالب بعقد محكمة إسلامية لمحاكمتي.

مقاومة الطغيان!

قلت: في بداية حديثنا قلت لي إنك ستتحدث في خطين متوازيين، خط سياسي وخط فكري، فماذا عن الجانب السياسي في كلام الشيخ الشعراوي؟

فقال بلهجة جادة: تمام، في الحقيقة إننا نقاوم الطغيان وهذا من مبادئي الرئيسية، وأعتقد أن هذا أيضًا من مبادئ الإسلام، والطغيان معناه التفرد بالحكم، ولا يوجد في الإسلام طاغية فكري يقول أنا الذي أنفرد بالتفكير وباقي الناس لا تفكر، إنها أمة عقيمة تلك التي بها شخص واحد فقط هو الذي يفكر وغيره لا يفكرون، أنا أريد أن يكون هناك آلاف بل ملايين من الشيخ متولي الشعراوي، أنا ليس هدفي قصر الفكر على فضيلته ولا علينا وحدنا، ولكن الأمة كلها تفكر، تجادل، تناقش، ولكن كون فضيلته يعتقد أن الأمة الإسلامية تتحول إلى جمهور له لا يناقشه، ولا يختلف معه، فهذا هو ما سنقاومه بكل ما نملك من تفكير.

أقبل التحدي ولكن!

قلت: فضيلة الشيخ الشعراوي طرح فكرة إقامة مبارزة على أن يكون هو طرفًا بينما تكون سيادتكم والأستاذان توفيق الحكيم ود. زكي نجيب محمود طرفًا ثانيًا فهل تقبل؟ فابتسم ابتسامة عريضة وقال: نعم، أنا أقبل مثل هذا التحدي، ولكن على أساس أن هناك عددًا من الموضوعات نضعها كجدول لأعمال هذه المبارزة، وأرجو أن تبلغ الشيخ الشعراوي بها، وإذا قبلها فأنا مستعد للحوار معه فيها وهي:
  • أولًا: أن يفسر فضيلته لماذا أخذ موقفًا مؤيدًا تمامًا لمبادرة القدس التي كانت بداية الكوارث على الأمة العربية والإسلامية، بل عمل وقتها وزيرًا للأوقاف وبعيني رأيته مع الرئيس السابق السادات يحيي الذين وفدوا للتهنئة بمبادرة القدس.
  • ثانيًا: أريد أن أناقشه في موقفه المشهور في مجلس الشعب الذي قال فيه ما معناه أن على السادات ألا يسأل (بضم الياء) فصاح به الشيخ صلاح أبو إسماعيل عضو مجلس الشعب قائلًا: «يا راجل، هذا معناه إنك ترفع السادات إلى مراتب الألوهية!»

    فقط أريد إجابة على هذا السؤال، يعني الرئيس السادات لا يسأل (بضم الياء) ونحن يتم تكفيرنا دون أن نُسأل، أم لأن السادات رئيس؟!

  • ثالثًا: كيف تقوم حرب لبنان ولا يجند فضيلة الشيخ الشعراوي نفسه لإثارة المسلمين ضد هذه الحرب وضد المذابح، أنا لم أقرأ أو أسمع له كلمة واحدة هجومًا على إسرائيل ولا على المذابح، إنه يقيم ندوة كل يوم جمعة بالتليفزيون، ومع ذلك لم يقل شيئًا عنها، كان المفروض أن يخصص ولو ندوة واحدة، ولكن كون أن الشيخ الشعراوي يترك المسلمين يُذبَحون ويتكلم في إعراب القرآن، إنه لا بد من مساءلة فضيلته عن هذا وهو رجل مسئول بقدر عدد من يؤمنون به، وأنا لا أُدينه ولكن أنا فقط أضع هذه النقاط ونتكلم حولها، هذا هو الموضوع المشترك بيننا وبينه، أما كون أن له طريقة في فهم الإسلام ونحن لنا طريقة أخرى فليس هذا مجالًا للمناقشة، أنا أكثر شيء أتمناه أن أكون أنا المخطئ وأن يكون هو الذي على حق، المسألة ليست «فتونة» كل منا يبرز «عضلاته» للآخر، بالعكس نحن نبحث عن الحقيقة، وكل الذي يهمنا المعرفة وبالتالي لا مجال للتمسك بالرأي وأن أقوم بفرض هذا الرأي على الآخرين أبارزهم لفرضه عليهم، أنا تلميذ حقيقة، ولست مصدر حقيقة.

قلت: ما رأيكم فيما ذهب إليه الشيخ الشعراوي أن الجماعات الإسلامية جاءت وليدة للتطرف في الانحلال؟!

– فأجاب بهدوء: نعم، أؤيده فيما ذهب إليه، الحقيقة أن هناك انفلاتًا في ناحية، فلا بد أن يحدث انغلاق على الجانب الآخر.

ثم عاد إلى اللهجة الحادة وقال: ولكن الشيء الخطير الذي لا بد أن يتنبه إليه الشيخ الشعراوي أن هذه الجماعات قامت على فكرة أن أي أمير يمكن أن يصدر حكمًا بالإعدام على أي شخص، أي على نفس الأسس التي يُكفر بها الشيخ الشعراوي!

فقلت: وما هو رأيك، هل الشيخ الشعراوي يؤيد هذا أم لا؟!

فأجاب مبتسمًا: فضيلته يفكر بنفس أسلوب الجماعات الإرهابية رغم أنه معترف أنهم متطرفون، كل الفرق أنهم جماعات وهو جماعة من فرد واحد!

بهذه الطريقة لا يمكن أن نتقدم، أو يرتقي هذا الشعب بدون حوار خصب بين كافة الاتجاهات، وأنا لا أخاف أبدًا من الحوار مع الشيخ الشعراوي، بل لن أتحاور معه في الأمور التي أجهلها عن الدين الإسلامي وإنما سأسأله كواحد من الكثيرين الذين يسألون، ولكني لن أفرض عليه موضوعًا للمناقشة كأن أقول له هيا نتناقش في الطب الذي درسته أو في الأدب الذي أكتبه.

عودة إلى صكوك الغفران

واستطرد قائلًا: الشيخ الشعراوي ينفي نقطة أن الدين الإسلامي فيه من يعطون صكوك الغفران، وينفي عن نفسه نقطة أنه يعطي صك غفران لأحد، ولكن إن الذي يعطي لنفسه الحرية أن يكفِّر الناس لا بد أن يكون عنده الحرية أيضًا لمنح صكوك الغفران.

سبب اتهام الشعراوي

قلت: وماذا تعتقد أن يكون سببًا في اتهام الشيخ الشعراوي لك بالتجرؤ على الدين؟!

فقال: إنني أعتقد أن السبب أني قلت ذات مرة في مقال إنني عاصرت حرب لبنان فترة منها في مصر، وسافرت مع ابني إلى أمريكا للعلاج، وحدثت فيها المذابح والأهوال، ووجدت الصحافة الأمريكية والأوروبية تندد بهذا العدوان وذهبت وعدت وفضيلة الشيخ الشعراوي ما زال يفسر جزءًا معينًا من «سورة البقرة» متجاهلًا كل ما حدث وكأنه لا يحدث، في حين أن الفكر الإسلامي الحقيقي لا بد أن تتلخص رسالته في مقاومة الصهيونية وخططها في المنطقة، كونه يقاوم الشيوعية، هو حر ولكن العدو الذي أمامنا ليس ألف أو ألفَيْ شيوعي في مصر، ولكن الأعداء هم هذا السرطان الخبيث المزروع في قلب الأمة العربية، ولكن كون أن الشيخ الشعراوي يقصر في أن يضع فكره لمحاربة الصهيونية بل يهب حياته كلها، هذه هي البطولة الحقيقية، ولكن ليست في تكفير كاتب أخطأ في شكل من مقال أو في محاربة شيوعية وهمية، ولكن القضية التي يجب على مفكر مثل الشيخ الشعراوي هي محاربة تلك الغزوة الصهيونية الفكرية والبدنية التي تستهدف استئصال جزء من الأمة العربية والإسلامية وإخضاع الباقي لها، هذه هي القضية وليست القضية هي تكفير الآخرين أو حتى إعراب القرآن بعد ١٤ قرنًا من الزمان!

أريد أن أعرف رأي «مولانا» في الحرب الدائرة الآن بين العراق وإيران، ولماذا لا يتبنى دعوة لإيقافها؟ هذه هي الأعمال الجديرة بالمفكر الإسلامي، الإسلام حاليًّا يطلب من دعاته الآن أن يهبوا لنجدته؛ لأنه يُضرَب الآن من أعداء الإسلام الخارجيين من الصهيونية — يا مولانا — التي لم تبدِ في إسرائيلها للآن رأيًا وباركت زيارتها!

مناقشة الدين لمن

قلت: الشيخ الشعراوي طلب أن تكون مناقشة الدين مقصورة على العلماء المتخصصين؛ لأن الدين ليس بأقل من حرفة السباكة، فما هو رأيكم في هذا؟!

فقال: ما معنى علماء المسلمين؟ أنا أفهم أن هناك فقهًا إسلاميًّا فيكون هناك علماء فقه إسلامي، إنما ليس هناك ما يسمى بعلماء المسلمين، ما معنى أن يحتكر عالم إسلامي مناقشة الدين؟ وهل من الممكن أن نترك الدنيا وننتظر حتى يجتمع علماء المسلمين ويتناقشوا ويقولوا الحقيقة؟ هذا غير معقول، كل مسلم منا من حقه أن يعرف دينه، ويجتهد في معرفته وأن له الحق في مناقشة أكبر علماء المسلمين.

هناك نوعان من المعرفة، المعرفة العقلية والمعرفة الحدسية، وأحيانًا تكون الحدسية أقوى، وهنا أقول إن من حق أي شخص أن يناقش أي عالم من علماء المسلمين في الدين، ولكن أن يحتكر هو أو مَن سمَّاهم بعلماء المسلمين ذلك، فهذا هو «الكهنوت» ونكون قد وصلنا إلى «الكردينالية»!

قلت: كون أن المفكر يناقش في الدين شيء، وأن ينشر ما يفكر فيه على الناس شيء آخر.

فقال: هذه واقعة خاصة بالأستاذ توفيق الحكيم فقط، وأنا أرى أن الشيخ الشعراوي كان عليه أن يُرسل له رسالة يصحح له هذا الخطأ الذي يراه، ولو كان هذا قد حدث لكان الأستاذ توفيق الحكيم قد قام بنشر الرسالة، وربما أحس بالخطأ ولكن أن أقوم بتكفيره هكذا، أمر غريب حقًّا!

قلت: وفي أي شكل ترى دور الشيخ الشعراوي وعلماء المسلمين؟!

فأجاب بسرعة وكأنه كان يتوقع السؤال: أراه سياسيًّا لأن العالم الإسلامي لا بد أن يكون له دوره السياسي؛ فكل رجال الدين كانوا من أصحاب المواقف السياسية وكانوا كلهم مع الشعب ضد الطغيان، وكان دورهم ليس الارتكان بظهورهم إلى الحكام والحكومات والحكم على الناس بالإعدام، ولكنهم مع الشعب في الحارة والمسجد والسوق وفي كل مكان، معه في قضاياه وضد أعدائه ولو كانوا من السلاطين.

المشكلة أن الشيخ الشعراوي لم تكن له آراء، لا في الموقف السياسي الداخلي أو الخارجي، لا نعرف موقفه من مشكلة الإسكان أو كامب ديفيد أو إسرائيل، مع أن العالم الديني وظيفته أن يقود الشعب، ربما أن السادات وجد له شعبية فقال ندخله الوزارة، وهو قبِل رغم ما كان يسمعه عن عصمت السادات وقضايا الفساد، وكان يمكنه كوزير أن يصحح كثيرًا؛ فالوزارة ليست «عملًا سكرتاريًّا» ولكنه عمل سياسي في حل مشاكل الناس، لكن الوزارة في مصر فقدت معناها، فالآن أصبحت وظيفة، المفروض أن الشيخ الشعراوي يمثِّل رأي الإسلام الحقيقي، ويبديه للحاكم، فهل فعل هذا؟ أبدًا لم يحدث.

•••

ولتأذن لي جريدة الجمهورية أن أنقل عنها هذا الحديث الذي أجراه فضيلة الشيخ مع الأستاذ أبو الحجاج حافظ بعد نشر مقالتي ردًّا عليه.

الشيخ متولي الشعراوي يرد على د. يوسف إدريس:

لم أتهم أحدًا بالضلال أو الإضلال

(صباح يوم الإثنين الماضي كنت عند فضيلة الشيخ متولي الشعراوي، كان الدكتور يوسف إدريس قد نشر في نفس اليوم مقالة بعنوان «عفوًا يا مولانا» ردًّا على تحدي الشيخ له ولزميليه الأستاذ توفيق الحكيم والدكتور زكي نجيب محمود، للدخول معه في حوار علني.

وقرأ فضيلة الشيخ الرد، ووجدتها فرصة لإجراء حوار معه، يضع الأمور في نصابها. وتدفق حديث الشيخ كعادته سلسًا سهلًا ووجدتني وأنا أكتبه أحذف أسئلتي ومقاطعاتي لأترك كلماته كما سجلتها.)

أبو الحجاج حافظ

بدأ الدكتور يوسف إدريس بأفعل التفضيل عندما قال: «مع أن العرب كانوا دائمًا مشهورين بأفعل التفضيل ومشغولين دائمًا بمن هو أشعر الشعراء … إلخ.»

لقد نقل أفعل التفضيل المراد ممَّن يريد أن يثبت أنه أشعر الناس أو أعلم الناس إلى غير صاحبه؛ لأن الذي يحكم بالأشعرية والأفضلية ليس هو الشاعر وإنما هم الذين يستمعون إلى الشاعر.

ثم مَن قال إن طلب الحوار يلزم منه أنني أفضل؟!

ولماذا يستبعدون أن يكون هو أو أحدكم؟!

شيء أحدده

إن الشيء الذي أحب أن أحدده ولا أدري كيف غاب عمن يتصيد ما يأخذه على شخصي أنني لم أرمِ أحدًا بالضلال أو الإضلال ولا بالارتداد ولا بالكفر.

ولهذا لا أدري ما الذي يجعلهم يجذبون هذه الألفاظ إلى جهتهم، إن الشيء الذي قلته — وهو مكتوب يُرجَع إليه — إنني قلت فيما قاله توفيق الحكيم منسوبًا إليَّ: إن الله قال … ما يقوله توفيق الحكيم ضلال وإضلال، وبالرجوع إلى العبارة يُفهَم أن القول في ذاته هو الموصوف.

وكان من الممكن للقائل أن يعتذر عنه بأن العبارة لم تسعفه أو أن الفهم قد أخطأه وهو مسلم، وبذلك يكون القول ضلالًا في ذاته وأن القائل ذاته بحسن الاستبراء منه بعيد عن هذا الوصف.

وهبْ أن هذا الوصف يتعلق بالحكيم، فما الذي يجعل غيره يتهافت ليُدخِل نفسه تحت هذا الوصف، اللهم إلا أن يكون بدلالة الالتزام موافقًا على ما قال.

لقد أدخلتَ نفسك في جناية لم يُدخِلك فيها أحد، فنحن لم نكن نريد أن نتجاوز الحوار الذي تنشأ بعده مخالفة أو جنحة أو جناية، وأدخلت نفسك أنت في الحكم في الضلال والإضلال والارتداد.

وأنا لم أقل ذلك.

إن كل كلامك دوران في فَلك لا وجود له، وإن دلَّ على شيء فإنما يدل على نقل الحوار من موضوعه إلى غير موضوع.

وفي ذلك ما فيه.

اطمئِن من هذه الهُوَّة التي تريد أن تحفرها بدبوسك؛ فالكل يعلم أنني لست أميرًا لتشكيل ولا رئيسًا لجماعة، وإنما أنا رجل عامٌّ أقولها جهارًا نهارًا.

فأرِحْ نفسك جدًّا من هذه الناحية «يا يوسف» ولا تحرِّض بي أحدًا فهم أعلم بأمور الأمن النفسي منك، وليسوا من الغفلة بحيث تنبههم أنت إلى خطر يُدهِم الحكمَ ممَّن يعرفه الحكم.

الإيمان الخفي

أما عن الإيمان الخفي السامي فلا يوجد إيمان خفي سامٍ؛ لأن الإيمان أن تشهد … وأن تعلن، وأن تنفذ مطلوب الإيمان.

وإذا كان إيمانك خفيًّا مستورًا، فلماذا تهاج إذا شممت من رائحة كلام تفهم أنه يخرجك منه؟ اقرأ في كتاب الله إن شئت وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

وها أنت تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أخرجها عن الخفاء السامي.

ونظرًا لأنها سهلة لا تكلف شيئًا فقد اكتفى بها قوم لتحمل عنهم أوزار ترك العمل الذي هو حق هذه الشهادة.

الإمام محمد عبده

أما ما قاله الإمام محمد عبده وأورده المقال من أنه إذا جاءك إنسان يقول وكان له ٩٩ وجهًا وكان هناك وجه واحد يُحمَل على أنه إيمان، فمن الواجب أن يُؤخَذ بهذا الوجه. فقد أخذنا والله بهذا الوجه كثيرًا في مقابلة كثير من المفكرين، وربما كان هذا الأخذ مدعاة لهم أن يوغلوا فيدخلوا الفكر البشري في غير مجاله مما أحكم الله نصه ولم يدع فيه رأيًا لمجتهد.

الدين والتديُّن

وأحب أن أبيِّن للناس جميعًا في مناسبة التعقيب أنه يجب أن يفرق بين تدين ودين؛ فالتدين رتابة عمل إيماني يُطلَب مِن كل مَن آمن.

وعلم الدين شيء آخر فوق هذا، فمطلوب من صاحبه أن يتدين أولًا كما يتدين الناس، ويطلب منه ثانيًا وقد انحاز إلى هذا العمل أن يعلم من دين الله ما يرجع إليه الناس في أمورهم إن عرضت لهم أمور قد لا تعرض لكثير طوال حياتهم، فما كان الله ليكلف كل مؤمن به أن يعلم كل منهجه، عليه أن يعلم ما يتطلبه دينه من عمل رتيب في الحياة، فإن جدَّت له قضية فعليه أن يسأل فيها أهل الذكر.

تأخُّر المسلمين

وأما قضية الحضارة الإسلامية وتأخر المسلمين، وما قامت به أوروبا من تلقُّف للحضارة الإسلامية وطوَّرتها حتى وصلت بها إلى عصر النهضة، فما تأخُّر المسلمين لما يقولون، وإنما تأخَّر المسلمون لأنهم لم يكونوا على مستوى الإسلام، فاكتفوا به أسماء وجغرافيا.

والدليل على ذلك أن المسلمين حين كانوا مسلمين بحق قادوا الدنيا، حضارة متزنة، ومدنية وَرِعة، وتقدُّمًا خاشعًا.

فَلْنفكر لمَ إذن؟!

باب الاجتهاد

أما الاجتهاد فلم يحدث يا أخي إغلاق لباب الاجتهاد، وإن كان قد أُغلِق فلأنه لم يوجد أناس سَمَوا إلى مرتبة الاجتهاد. ثم ما هو الاجتهاد الذي أُغلِق، أهو الاجتهاد في العمل، أو في مادية الكون، أو في الاستنباط من ظواهر الطبيعة، أم هو الاجتهاد الذي كان يحب كثير من الناس أن يحرِّرهم من حكم الله ليبيح الاختلاط ويبيح التبرُّج ويبيح الربا بدعوى أن العصر يستلزم ذلك، فيجب على المجتهد أن ينزل إلى مستويات العصر، كأن العصر هو المُشرِّع؛ إذن فكلما حتَّم العصر شيئًا من التحلُّل أنزلنا حكم الله بواسطة اجتهادكم لندلِّل على أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان كما يتشدَّق بذلك السطحيون.

لذا يجب ألَّا تدخلوا من باب أن الإسلام منَعَ حضارة؛ فالذي منع الحضارة هو أنه لا إسلام.

لقد كان من الواجب أن يسأل نفسه عن التقدُّم المذهل الذي وصلت إليه أوروبا، وهل عفاها هذا التقدُّم مما تعاني؟! إنني مستأمنك على الجواب.

الأحاديث النبوية

أما مسألة الذبابة التي يعيدون فيها ويزيدون، فحَسْب كل مسلم منكم أن يفهم أن الحديث ورد في أصحِّ كتابٍ بعد كتاب الله، وموقفكم من هذا لأنكم لم تعقلوا عن الله وسيلةً لإضعاف الثقة في حديث رسول الله، وتلك هي القضية الشاملة لأعداء الإسلام الآن.

أمَّا التصدِّي للمتطرفين فلم ننتظرك لتقول، لقد قلنا ولكن يبدو أنكم تكرهون أن تسمعوا، ولقد كنت أتمنى أن أسأل د. يوسف إدريس إذا كان المتطرفون في الدين قد عُقِدت لهم ندوات لتصحيح مفهوم الدين، أَمَا كان الأولى أن يجد المتطرفون ضد الدين مثلَ هذه الندوات حتى نكون قد عدلنا في الأمة الواحدة بميزان واحد؟!

أمَّا قول الدكتور يوسف إدريس من أنني أصبحت على رأسِ مَن يشكو منهم، فأقول له: إن أحدًا لن يستمع إليك، ولست من الحمق الإيماني بهذه المناسبة، ولكنني بعون الله سأظل لله وحده وَلْيكره مَن يكره.

لقد حاولت أن تجد موضعًا للتهمة كما تقول، فما دامت التهمة غير موجودة فكيف تجد لها موضوعًا، إنها تهمة ارتميتَ أنت في أحضانها فلا تسأل مَن لم يقصد، وإنما سَلْ مَن قصد!

وأخيرًا وليس آخرًا يا أخ يوسف، أَمَا أنك تَقِي، فالحمد لله، وأستغفر الله أن علمي لم يصل إلى هذا المستوى، فقد أفرحتني وأسعدتني؛ لأن مَن أحبُّ لهم الخير قد زادوا عندي واحدًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤