الأحاديث المطربة لابن العبري

سعى بنشرها الأب لويس شيخو اليسوعي (تتمَّة)

توطئة

من جملة التآليف الأدبية التي ذكرناها لابن العبري في ترجمته المطوَّلة المنشورة في السنة الأولى للمشرق (١ [١٨٩٨]: ٥٦٠) كتابه الموسوم بالسريانيَّة بالقصص المضحكة « »، وقلنا هناك إنَّ هذا الكتاب قد نشره أحد علماء الإنكليز المستشرق واليس بودج E. A. Wallis Budge في أصله السرياني في لندن سنة ١٨٩٧، ونقله إلى الإنكليزية تحت عنوان The Laughable Stories، ولم نعهد لهذا الكتاب ترجمة عربية حتَّى وَقَع في يدنا مؤخرًا مجموع قديم يرتقي عهد نسخه إلى ثلاثمائة سنة بنيف يحتوي أوَّلًا أقوالًا لقدماء فلاسفة اليونان (ص١–٧٩) ثم كتاب ابن العبري الذي نحن بصدده منقولًا إلى العربية دون ذكر معرِّبه، وعندنا أنَّ المعرب هو ابن العبري نفسه الذي كان متقنًا للعربية كما كان يعرف السريانيَّة واليونانيَّة، ولعلَّ هذا الكتاب هو كتاب دَفع الهَمِّ الذي نسبَهُ البعض لابن العبري، وخلطوا بينه وبين كتاب آخر بهذا الاسم أَلَّفهُ إيليَّا الصوباوي (راجع ما كتبناه عن ذلك في المشرق ٥ [١٩٠٢]: ٣٣٧–٣٤٣) ثم أردفهُ بملحوظاتهما حضرة الأب لويس معلوف (٥: ٧٣٧–٧٤٠) وحضرة المنسنيور جرجي منش (٥: ٩٤٠–٩٤٥)، ويؤيد رأينا الجديد ما قاله ناشر النسخة السريانية في كتابه آداب اللغة السريانية Wright Syriac Iiterature, 281: إنَّ ابن العبري قد نقل كتابه إلى العربية وهو الكتاب المُسمَّى دفع الهم، ولعلَّهُ أبدل هذا الاسم بعد ذلك لئلا يقع التباس مع كتاب إيليَّا الصوباوي فدعاه «بالأحاديث المطربة» كما يُرى في نسختنا هذه.

والكتاب يُقسم في السريانية إلى عشرين فصلًا، وأما في نسختنا العربية فقد اختصره بستة عشر فصلًا، فذكر فيها ابن العبري أحاديث: (١) لفلاسفة اليونان. ثم (٢) لحكما الفرس. ثم (٣) لحكماء الهند. ثم (٤) لحكماء العبرانيين. ثم (٥) لبعض الملوك. ثم (٦) للمعلِّمين. ثم (٧) للزهَّاد. ثم (٨) للأطباء. ثم (٩) حديث على لسان الحيوانات. ثم (١٠) حديث للأغنياء الكرام. ثم (١١) للبخلاء. ثم (١٢) لأرباب الصنائع الدنيَّة. ثم (١٣) لبعض الظرفاء. ثم (١٤) لبعض الجهَّال. ثم (١٥) للمجانين. ثم (١٦) للصوص. وكما اختصر المؤلف عدد الفصول كذلك اختار من هذه الأحاديث ما يستطيبه قرَّاء العرب، كما فعل في تاريخه مختصر الدول؛ فإنَّه لما عرَّبه عن تاريخه السرياني تصرَّف فيه تصرُّفًا واسعًا، وقد ضربنا نحن أيضًا صفحًا عن بعض الأحاديث الواردة في نسختنا إذ لم نجد طائلًا تحتها. وهذه الأحاديث هي في السريانية في عدد ٧٧٢، وقد دلَّلنا في أوَّل كل حديث إلى العدد الموافق لطبعة العلَّامة رَيْت السريانية؛ ليُقابل بينهما، وقد يوجد بعض اختلاف بين السرياني والعربي يلوح لمن يقابل بين نصوصهما. والظاهر أن نسختنا هذه فريدة في جنسها إذ لم نجد في فهارس مكاتب أوربَّة ذكر نسخة ثانية من تعريب أحاديث ابن العبريِّ، فنشكر لجناب الأديب يوسف أفندي إليان سركيس الذي حصَّلها لمكتبتنا.

(١) كلام مفيد لفلاسفة اليونان

٣ قالت امرأة لسقراط: ما أقبحَ وجهَكَ. فأجابها: لو كنتِ مرآة صقيلة نقيَّة لاعتبرتُ كلامك، لكنك ذات صدأ فليس يظهر فيكِ جمالي؛ ولهذا لستُ ألومُكِ.

٤ ورأى امرأةً شنقت نفسها في شجرة، فقال: ليت كلَّ الشجر يحمل مثل هذا الثمر.

٥ ورأته امرأة أخذوه ليصلبوهُ، فبكت وقالت: وا أسفاه! يقتلونك بغير ذنب. فقال لها: يا جاهلة أتريدين أني أذنب وأُدان وأُقتَل كمذنب؟

٧ سُئل فيلسوفٌ ما: ما هو العمل الذي يهواه كلَّ البشر وينفعهم؟ فقال: هو موت الرئيس الشرير.

٩ سئل أفلاطون: بماذا يتعزَّى الإنسان وقت محنته؟ فقال: بتأمُّله أنه قد عَرَض لغيرِهِ مثلُهُ.

١٠ أوصى أرسطو للإسكندر قائلًا: احذر من كشف سرِّك لاثنين؛ لأنه إذا أُفْشي لا تعلم من أفشاه، وإن عذَّبتَ الاثنين معًا تكن ظالمًا للبريء.

١١ قيل لآخر: من هو العاقل؟ فقال: هو الذي تصحُّ ظنونُهُ بالأكثر.

١٢ قيل لديوجنيس: لماذا تأكلُ في السوق؟ فقال: لأني جعتُ في السوق.

١٧ رأَى آخر امرأة تتفرَّج في الميدان، فقال لها: ما خرجتِ لتَنْظُري بل لتُنْظَري.

١٨ قيل لآخر: ما بالك لا يحبُّك الملك؟ فقال: إنَّ من عادة الملوك أن لا يحبوا من هو أعظم منهم.

٢٢ رأى آخر مدينةً مشيَّدة الأركان، عالية الأسوار والقلاع، شاهقة الصياصي محكمة البناء، واسعة الغنى ذات حصن منيع، كادت تُعيي كل من أراد أن يفتحها، فقال: إنَّ هذا مسكنٌ للنساء ولا يليق بالرجال.

٢٤ سُئل أرسطو: ما بال الحُسَّاد يحزنون دائمًا؟ فقال: لأنهم لا يحزنون على شرورهم فقط بل على خيرات غيرهم أيضًا.

٢٥ سئل آخر: ما هو عملُ الشعراء؟ فقال: تصغير الأكابر وتكبير الأصاغر.

٢٧ قال أفلاطون من شيئين يُعرف الجاهل: بكثرة كلامه فيما لا ينفعه، وبإخباره عمَّا لا يُسأل عنه.

٣١ قال بعضهم: لا يوجد شيء عجيب في الإنسان مثل أن يُسْرَق مالُه فيحزن، وتتصرَّم أيامه فلا يحزن.

٣٢ رأى إنسان سقراط يأكل أصول الشَّجَر، فقال له: إنَّك خدمت الملك لماذا احتجتَ إلى هذا المأكل الدني؟ فقال له: لو أكلتَ أنتَ مثل هذا المأكل لما احتجت أن تخدم الملك.

٣٣ قيل إنه لما سُقي إسكندر السم وقربَ أجلُهُ كتب إلى أمه يقول لها: إذا قرأتِ هذه الرسالة اصنعي مأكلًا كثيرًا، وأطعمي من لم يَمُت له أحدٌ أصلًا من أقاربه. أعني إذا رأيتِ أن ليس إنسان واحد نجا من هذا العارض تتعزَّين في حزنكِ.

٣٤ قيل لآخر: ما بالُك تتنازل لتتعلَّم من كل أحد؟ فقال: لأني عرفتُ أن العلم مفيد من أي رجلٍ كان.

٣٦ قيل لديوجنيس: ألا تقتني بيتًا تستريح بهِ؟ فقال: إنَّ بيتي حيث تكون راحتي.

٣٩ وصعد يومًا إلى مكان عالٍ فصرخ: ليأتِ الناس إليَّ. فالتأم إليه قوم كثيرون، فقال لهم: إني لم أدعكم بل دعيتُ الناس. وأراد بالناس الفلاسفة.

٤٠ وسُئل: أي فعلٍ يعسُر على الإنسان؟ فقال: أن يعرف نفسَه ويخفي سرَّهُ.

٤١ واستشار سقراطَ بعضُ أصحابه في امتلاك امرأةٍ. فأجابه: احرص لئلَّا يعرض لك ما يعرض للسمك في الشبكة، فالداخلون يَرُومون الخروج والخارجون يَرُومون الدخول.

٤٥ سُئل ديوجنيس عن رجل مُوسر أهو غني؟ فأجاب: إني أعلم أنه ذو مال كثير؛ لكن لا أعلم أهو غني أم لا. أشار بهذا إلى أن الغني هو الذي لا يتوق إلى زيادة مالهِ؛ لأن من تاق إلى ذلك كان فقيرًا بالنسبة إلى ما يطلبُ مقتناه.

٤٦ وسأله ملك: أين غناك ومقتناك؟ فأومأ إلى تلاميذه، وقال: عند هؤلاء يريد بذلك الحكمة.

٤٧ قيل لآخر: إنه يعسر على الإنسان أن يصل إلى ما لا يريد. فقال: بل أعسر من هذا أن يطلب الإنسان ما لا يصل إليه.

٤٩ أهدى بعضهم الإسكندر أواني زجاج؛ فاستحسنها جدًّا، ثم أمر بكسرها فقيل له: لأي سبب فعلت هذا؟ فأجاب: إني أعلم أنها ستنكسر الواحدة بعد الأخرى في أيدي الخدَّام، ويحصل لي حنق في كل وقت بسبها، فلهذا عمدتُ إلى حَنَق واحد فمنعتُ حنقًا كثيرًا.

٥١ قال أرسطو: إنَّ الجاهل ليس يحسُّ بمرض عقلهِ، فهو كالسكران الذي لا يحس بالشوك الذي يدخل بيده.

٥٥ سافر سقراط مع غني ما فأُخبر أنَّ في الطريق لصوصًا. فقال الغني: ويلًا لي لو عرفوني. فقال سقراط: أمَّا أنا فالويل لي إن لم يعرفوني.

٥٦ كتب أحد الأغنياء على بابهِ: يا بابُ لا يدخلك سوء. فلمَّا قرأه ديوجنيس قال: وامرأتُك من أين تدخل؟

٦٣ سُئل بعضهم: أيُّ العلوم أفضل؟ فأجاب: هو الذي يشنأُهُ الجهَّال.

٦٤ اجتاز فيلسوف في مدينةٍ ما فرأى زعيم أجنادها لم يفُزْ بحرب أبدًا، ورأى طبيبها يذهب بأرواح المرضى، فقال لأهل تلك المدينة: يا ليت طبيبكم كان زعيم أجنادكم؛ لأنه خبير في قتل الناس، وليت زعيم أجنادكم يكون طبيبًا فيحرص على حياة الناس.

٦٥ قال أفلاطون: إنه لعارٌ عظيم أنَّ الإنسان لا يتعلم ولا يسأل أن يتعلَّم، فيوجد بذلك فيه شرَّان.

٦٧ قيل لسقراط: إنَّ القول الذي قلتَهُ لم يُقْبَل. فقال: لا أحزن لكونه لا يُقبل ولكنتُ حزنتُ لو لم يكن حسنًا.

٦٦ وقال لهُ رجلٌ: إني حزين عليك لأنك فقير هكذا. فقال له: لو أدركت لذَّة الفقر لحزنت على نفسك؛ لأنك معدوم منهُ ولم تحزن عليَّ لأني فقير.

قيل لسقراط: لماذا تحب أن تعلم الصغار أكثر من الكبار؟ فقال: لأنَّ الغرسة الجديدة سهلٌ تعديلها أمَّا اليابسة فبالعكس. «ليس هذا القول في الأصل السرياني.»

(٢) كلام مفيد لحكماء الفرس

٧٠ سئل بُزُرْ جمِهْر: ما هو الغني الذي لا يفرغ إذا طُرح؟ فأجاب: هو التواضع.

٧١ وقال: ما أحسن الصبر لولا الحياة القصيرة!

٧٥ قال آخر: من يصنع خيرًا بجاهل هو كمثل من يطوق خنزيرًا بعقدٍ كريم، ويُطعم الأرقم عسلًا.

٧٨ أمر الملك أنوشروان أن لا يأكل أحد كما يأكل هو، ولا يشرب كشربهِ. فعمل أحد أكابر المدينة مأكولًا ملوكيًّا ودعا إليه واحدًا من العظماء ليتعشى عنده، فلما خرج كتب إلى الملك: إنَّ فلانًا يستعمل من مأكلك، وأنا رأيته ولا أقدر أن أخفي عنك، فكتب الملك على ظهر الكتاب: أمَّا نحن فنُثني على أمانتك وحفظك عهدنا، وأمَّا ذاك فقد وبخناه لأنهُ لم يعرف أن يخفي سره فكشفهُ لمثلك.

٧٩ سُئل الملك كسرى: أيُّما هو الأحبُّ إليك من بنيك؟ فأجاب: هو الذي يحبُّ الأدب، ويحذر العار، ويغار على درجة أرفع منهُ.

٨٣ سُئل بُزُرْجمِهر لماذا يصير المحبُّون بسهولةٍ مبغضين ويصير الأعداء بصعوبة محبِّين. فأجاب لأنَّ هدم البيت أسهل جدًّا من بنائه، وكسر الإناء من جبرهِ، وصَرْفُ المال من اقتنائهِ.

٩٠ سُئل كسرى: لمَن من البشر تريد أن يكونوا حكماء؟ فأجاب: لأعدائي؛ لأن الحكماء لا يسهل عليهم الانقيادُ للشرِّ بخلاف الجهلاء، فإنهم لا يحذرونه أبدًا.

٩١ لما حبس الملكُ بزُرجمِهْر سأله أحبابه: بماذا تتعزَّى؟ فقال بأربع كلمات: الأولى بقولي: إن كل شيء يجري بقضاء الله وحكمه. الثانية بقولي: إن لم أَحتمل ماذا أصنع. الثالثة بقولي: إنه ممكن أن أقع بشرٍّ أعظم من هذا. الرابعة بقولي: لعلَّ الفرج قريب وأنا لستُ أعلم.

٩٢ ولمَّا غضب الملك عليه وصلبَهُ سمعت ابنتُهُ، فأسرعت برأس مكشوف وسعت بين الرجال، ولما انتهت إلى خشبته غطَّت رأسها. فلما سألها الملك عن فعلها أجابته: إني رأيته وحده إنسانًا أهلًا أن يُستَحيا منهُ.

٩٦ قال بُزرجمهر: من أحبَّك منعك من شهوتك، ومن أبغضك حرَّضك عليها.

٩٩ قال إسفَنْديار: الفرَس وإن كان عَزومًا جدًّا يحتاج إلى مهماز، والمرأة ولو كانت عفيفة تحتاج إلى رجل، والرجل مهما كان حكيمًا يحتاج إلى مستشار.

١٠١ لما مات قيكباذ الملك قال أحد العلماء: إنَّ الملك كان بالأمس ناطقًا، وأما اليوم فهو واعظٌ، وإن كان صامتًا.

١٠٢ وقال: إنَّ القلوب تحتاج إلى التربية بالحكمة كما تحتاج الأجساد إلى القوت لتحيا.

١٠٤ قال إزدشير: اشغل نفسك في كلِّ ما يجب لكي تمتنع ممَّا لا يجب.

١٠٥ قال بزُرجمهر: إن كنت لا تعرف أيُّ أمرٍ يليق لك فعلهُ من نوعين، فاستشر امرأتك وافعل بضدِّ قولها؛ لأنها لا تشير إلَّا بما يضر.

١٠٦ سُئل مردوخ: بماذا نفرق الهم من الحَنَق فأجاب: إنَّ الإنسان إذا أضرَّه من هو أكبر منه ناله الهم، وإذا أصابه الأذى ممَّن هو أصغر منهُ نالهُ الحنق.

(٣) كلام مفيد لحكماء الهند

١٠٨ قيل إنه كان إذا مات رجل من الهند كان أصدقاؤه يتسلَّحون ويذهبون إلى منزله قائلين لأهله: أخبرونا من قتل حبيبكم لنقتله، فإذا جاوبوهم أن قاتِلَه غير مقهور ولا منظور قالوا: «فلا يكثرن إذن غمُّكم على شيء لا يمكنكم ولا يمكنَّا ردُّهُ.»، وهكذا كان يتعزَّى المحزونون.

١١٠ قال بعضهم: إنَّ شهوات هذا العالم تُشبه ماء البحر الذي كلَّما أكثر الناس منه شربًا زادوا به عطشًا.

١١١ قال آخر: إنَّ العلم يزيد الحكيم حكمةً والجاهل جهلًا، كما أنَّ الشمس تزيد الأعين القويَّة قوَّةً والضعيفة ضعفًا.

١١٢ قال آخر: لا تُصدِّق عدوَّك ولو أكثر إليك الإحسان، كما أنَّ النار تسخن الماء، وإذا دُفِقَ الماء عليها أطفأَها.

١١٥ سُئل بعضهم: أي بلدةٍ هي شرُّ البلاد؟ فأجاب: تلك التي ليس فيها شِبَع ولا أمان.

١١٧ قال آخر: ستَّة أفعال ليس لها ثبات: ظلُّ الشمس ومحبَّة الجهال وعشق النساء والغنى الحرام والملك الظالم والمديح الكاذب.

١٢٢ سُئل آخر: أيُّما هو الخسران الذي ليس يلحقُهُ ربحٌ أبدًا؟ فأجاب: هو كفنُ الميت في القبر.

١٢٤ سئل آخر: لماذا شبَّهوا الجاهل بالأعمى؟ فأجاب: لأن الأعمى لا يفرِّق بين النور والظلام، فكذلك الجاهل لا يفرق ما بين الحكمة والجهل.

١٢٥ سُئل آخر: مَن هو أقوى الناس؟ فأجاب: هو الذي يحفظ نفسه من النظر الشهواني.

(٤) كلام مفيد لحكماء العبرانيين

١٢٧ سُئل بعضهم: لماذا تجوع وأنت لا ينقصك قوت؟ فأجاب: افعلُ هذا لئلا أنسى الجياع والصعاليك.

١٢٨ كتب آخر على باب الحبس: إنَّ هذا بيت الهموم وقبر الأحياء واختبار الأعداء والأحبَّاء.

١٢٩ قال آخر: إن وجدت عدوَّك ضعيفًا فاحسبه عندك قويًّا لئلا تهمل الحرص منهُ، ومحبُّك القوي عدَّهُ ضعيفًا لديك لئلا تتَّكل على قوَّته وتصير حقيرًا ذليلًا عند أصحابك.

١٣٤ قال آخر: إنَّ كثرة الأكل تُعمي القلب كما أنَّ كثرة الماء تُفسد الزرع.

١٥١ قال آخر: لا تُماش من قد تنحَّى عنه أقاربه لأنهم أعرفُ منك بهِ.

١٥٦ قال آخر: لا تُهِنْ صغيرًا يكون أهلًا لأن يصير كبيرًا.

١٦١ قال آخر: إنَّ الرجل الذي يريد أن يصنع خيرًا ينبغي لهُ أن يمتحن حالة المقصود خيرهُ ومثله في ذلك كمثل الإنسان الذي يريد أن يزرع أرضًا ليلقي فيها البذار، فإنَّهُ يلزمه أن يمتحنها لعلَّها لا تُنبت.

١٦٧ قال آخر: إنَّ الكلام ما دام مكتومًا هو في سجن من يريد النطق به، فإذا تكلَّم به صار المتكلِّم به حينئذٍ في سجنه.

قال آخر: ينبغي لرئيس الشعب أن يقوم ذاته أوَّلًا، ثم يسعى بعد ذلك في تقويم من هم تحت يده، وإلَّا أشبه رجلًا يروم تقويم الظل المعوج قبل أن يقوِّم الجسم الذي يتكوَّن منه الظل.

(٥) كلام مفيد لبعض الملوك الحكماء

٢١٨ أوصى بعض الملوك ابنه قائلًا: حصِّنْ مملكتك بالعدل؛ لأنه السور الغير المغلوب.

٢٢٣ كان بعض الملوك لا يترك أحدًا أن يقبل يدَهُ، فسئل عن هذا فأجاب: إنَّ قُبْلة اليد من المحبِّ تنازُل، ومن العدوِّ تمليق.

٢٢٤ طلب رجلٌ كان يتظاهر بالزهد من بعض الملوك أن يوليه على بلاد، فقال له: إن كان زهدك الذي تعتني به هو لله، فلا ينبغي لنا أن نُبطله بتقليدك الرئاسة ونربح خطيئتك، وإن كان زهدك رياءً ونفاقًا فلا يسوغ لنا أن نُرئس على قومنا مرائيًا ومنافقًا، وهكذا صرفه خائبًا.

٢٢٥ قال بعضهم: إنَّ عدم الإمكان يُبطل الشهوة كما أنَّ الماء يطفئ النار، وعدم الوَقود يطفئها أيضًا.

٢٢٨ كان لبعض الملوك ابنان،١ أحدهما من الملِكة والآخر من جارية، وكان يروم الملك أن يملك ابن الجارية بعده، وكانت الملكة تلومه على ذلك فقال لها: فلنجرِّب عقل كليهما، ونقلِّد المُلك أعقلهما ثمَّ أرسل واحدًا من أهل سرِّه إلى ولد الملكة، وآخر إلى ولد الجارية ليسألاهما ماذا يفعلان بهما إذا استوليا على الملك، فكان جواب ابن الملكة للأمين: إني أصيرك مشيري وأوليك على البلاد، أمَّا ابن الجارية فلمَّا سأله الرسول ذلك رفع بيت دواته التي قدَّامهُ وضربه على رأسه قائلًا: يا جاهل أتريد مني عطيَّة في موت الملك إني أود أن نموت كلنا ويعيش الملك، فكيف نستطيع أن نجد مثلهُ، فلما سمعت الملكة هذا طابقت على رأي الملك في تمليك ابن الجارية.

٢٣٠ ماتت لأحد الملوك جارية فحزن عليها حزنًا شديدًا حتَّى إنه كان يخرج ليلًا إلى ضريحها ويبكي عليها، فلمَّا سمع أبوهُ هذا كتب إليه يقول: كيف تريد مني أن أعطيك السيادة على أُمَّةٍ، وأنت تجزع هكذا على فَقْد أَمَةٍ.

٢٣٨ قال بعض الملوك: لو علم الناس كيف لذَّتي بالصفح عن الجهالات لَما بقي أحد بغير ذنب.

٢٤٢ قال آخر: إنَّ اللذَّة الحاصلة من الصفح هي أكثر من اللذَّة الحاصلة من الانتقام؛ لأن الصفحَ يلحقهُ المديح والانتقامَ يلحقهُ الندَم.

٢٤٤ مات بعض الملوك فسأل رجلٌ أصغر بنيه قائلًا: لمن أوصى الملك أن يهتمَّ بك؟ فأجابه: إنَّ الملك أوصاني أن أهتمَّ بالجميع.

٢٤٨ سُئل بعض الملوك: ما بالُ أحبائك كثيرين؟ فأجاب: لأني ما حنقتُ قط على أحد إلَّا وتركت مكانًا للصلح.

(٦) كلام مفيد لبعض المعلمين

٢٥٢ قال بعض المعلمين: إنَّ جزءًا كبيرًا من العلم ذهب مني، وهو الذي استحيتُ أن أتعلمه من الناس الذين هم أدنى مني، إياكم يا تلاميذي أن تعدُّوا احتقارًا سؤال من هو أحقر منكم، فبهذا تكونون كاملين في علمكم.

٢٥٤ قال آخر: إنَّ الذي أعرفه قليل ولكنَّهُ صحيح.

٢٦٢ قال آخر: إن المرأة الصالحة هي شبه الغراب الأبيض، أعني عديمة الوجود.

٢٦٥ سُئل بعضهم: من هو الحكيم الذي قيل عنه: «أرسل حكيمًا ولا توصه؟» فأجاب: هو الدينار.

٢٦٩ سأل بعض المعلمين أحد تلامذته شيئًا كمُستعلم، فقيل له: أيسوغ لك أن تأخذ العلم عن بعض متعلِّميك؟ فأجاب: إنني أعرَفُ منه بالجواب عن سؤَالي لكني أردْتُ أن يذوق طعم لذَّة التعليم؛ ليحرص كثيرًا على اقتباس العلم.

٢٧٠ قال بعضهم: أربعة هم الذين تجب عليك لهم الكرامة والخدمة: الذي تؤمَّل منه عطيته، والذي تؤمل منه علمًا، والذي ترجو منه بركةً أو صلاةً، والذي يقدر أن يسبب لك ضررًا.

(٧) أحاديث زهداء

٢٧١ اتَّفق حضور بعضهم في بيت الصلاة مع والي البلدة، فقال لهُ الوالي: اطلب ما هي حاجتك؟ فقال: إنَّ في بيت الله لا ينبغي الطلب إلَّا من الله وحدَهُ.

٢٧٢ قال بعضهم: أَخمدوا نار غضبكم وشهواتكم بتذكركم نار جهنَّم.

٢٧٤ قال بعضهم: ليس يوجد على الأرض إنسان ألا يريد أن يكون أصلح حالًا ممَّا هو عليه، وبهذا نَعْرف إنَّ هذا العالم هو عالم الهموم والشرور.

٢٧٥ قال آخر: إنَّ شهوات هذا العالم التي ذهبت هي كأضغاث الأحلام، وأمَّا المنتظرة فهي في شكٍّ وريب عن حصولها.

٢٧٦ قال آخر: إنَّ الذين يخدمون الله فالله يخدمهم، والذين لا يخدمونه فيؤدون خدمتهم للعالم بلا جدوى.٢

٢٧٨ رأى بعضهم رجلًا يتصدَّق بماله قدام الناس، فقال له: إن أردتَ أن تذَّخر لنفسك كنزًا، فليكن بالخفية لئلَّا يراه الناس فيسلبوه.

٢٧٩ وعظ بعضهم ملكًا فقال: إنَّ هذه الكنوز المذخورة في خزانتك لو بقيت في يد مَن سبقك لما وصلت إلى يدك، فتاجِر إذن لنفسك بمالٍ ليس هو لك ولا يثبت لديك بعد أن صار إليك.

٢٨٢ سُئل بعضهم كيف أمكنك أن تترك شهوات هذا العالم؟ فأجاب: لما رأيتُ أنَّ الموت يخطفها مني غصبًا جحدتُّها طوعًا.

٢٨٤ سُئل بعضهم: كيف يكون البشر في يوم القيامة؟ فأجاب: إن الصديق يكون كالخروف الذي خرج للمرعى، والتائب مثل الخروف الضائع وقد وُجد، أمَّا المنافق فيكون كالخروف الذي عضَّهُ الكلب الكَلِب؛ أعني به الشيطان فلهذا يُربط بالسلاسل.

٢٨٥ رأى بعضهم ملكًا يحتفُّ حوله الجند والشاكرية؛ ليخفروه فقال: لو لم يكن هذا مذنبًا إلى الناس لما خاف منهم على نفسه.

٢٨٩ قال رجل لناسك: ما أعظمَ نُسْكَك. فقال: أنت أعظمُ مني نسكًا؛ لأنِّي أنا زهدتُ في العالم الغير الثابت الذي ستزهد به مثلي عند موتك؛ أمَّا أنت فقد زهدت في العالم الذي لا يزول وبغضته، فأنت إذن زاهدٌ في كليهما وأنا بواحد منهما.

٢٩١ عُنِّف أحدهم لكثرة صدقاتهِ، فقال: ليت شعري كيف تجهلون أنَّ الذي يريد أن يرحل من بيت إلى آخر ينبغي له أن لا يترك شيئًا في بيتهِ القديم.

٢٩٢ قال ملك لبعضهم: ما لك لا تسجد لي وأنت من عبيدي؟ فقال له: لو علمتَ أنك عبدٌ لعبدي لَما قلتَ هذا لأني أنا متسلِّط على الشهوات العالمية وقد قهرتها، وأمَّا أنت فقد تسلَّطَت عليك وقهرتك فصرتَ لها عبدًا.

٢٩٣ قال أحد الأغنياء لناسك: كيف نرى وجهك باشًّا، وأنت فرح دائمًا كأنك عائش أرغدَ عيش وبأطيب هناء، فقال: يجب لي أن أفرح ولك أن تحزن؛ لأنَّ أحزاني تذهب وأفراحك أنت تنتهي.

٢٩٨ سُئل آخر: ما هو هذا العالم؟ فأجاب: ضحكةٌ لمن جرَّبه.

٣٠٣ دخل لصٌّ بيت ناسك في الليل، فلمَّا لم يجد عنده شيئًا قال لهُ: أين هو مقتناك؟ فأجاب: إني وضعتهُ حيث لا يمكنك أن تدركه، وأومأ إلى السماء.

٣٠٤ قيل لآخر: لا نراك تلوم أحدًا قط فقال: لأني لا أكف عن لَوم ذاتي ولا دقيقة واحدة.

٣٠٥ قال أحد الولاة لزاهد: ما لك لا تأتي إلينا أصلًا؟ فقال: لأني لا أجد عندك ما أريد الحصول عليه، ولا تجد أنت عندي شيئًا أخاف أن تخطفهُ مني.

٣٠٦ كان آخر يقول: تأمَّلوا ماذا يفيد الغنى لمن يقتنيه: أولًا الخوف من الوالي ثمَّ الحرصُ من اللص، والحسد من المحب والبغض من الولد إذ يؤمِّل موت أبيه ليرثهُ.

٣٠٨ قال آخر: ليكثرنَّ خوفك من الله كأنك لم تعمل برًّا قط، ويكثرنَّ رجاؤك فيه كأنك لم تخطئ قط إليه.

٣١١ قال آخر: إنَّ الفردوس هو مكانُنا الأوَّل، فلمَّا طردنا منه صرنا نتوق العَوْد إليه، فنحن الآن نشتهي الرجوع إلى مقر مولدنا والنجاة من غربتنا.

٣١٤ سُئل سائح: لماذا تستند دائمًا على عصًا ولست أنت مريضًا ولا شيخًا عاجزًا؟ فأجاب: لأني مسافر وعابر طريق وأنتظر زمانًا يليق بالرحيل، ومن المعلوم أنَّ العصا هي علامة مَن يروم السفر.

٣١٧ رأى بعضهم إنسانًا قائمًا بين مقبرة ومزبلة، فقال له: تأمَّل يا هذا أين أنتَ واقف فإنك بين خزانتين عجيبتين الواحدة يخزنون فيها الناس والأخرى يجمعون فيها شهواتهم.

٣١٩ قال ملكٌ لآخر: اطلب ما تريد أُعطِكَهُ فقال: أريد حياةً بغير موت، وعمرًا بغير شيخوخة، وغنى لا ينقص، وسرورًا لا يخالطه حزنٌ. فقال الملك: لا أقدر أن أعطيك ما طلبت. فقال: دعني إذن أن أطلب ممَّن يقدر أن يمنح هذا كلَّهُ. أومأ به إلى الله سبحانه وتعالى في العالم الآخر.

٣٢٠ قال آخر: الشيء الذي لا تريد أن تقتنيهُ غدًا اتركه اليوم، وما تريد أن تجدهُ غدًا احرص اليوم على جمعهِ.

(٨) أحاديث بعض الأطباء

٣٢٩ قال طبيب: إنَّ الأكل الذي لا يُهضم يأكل آكِلَه، فلا تأكل إذن إلَّا ما يمكنك أن تهضمهُ.

٣٤٧ سُئل بعضهم: ما هو الطب؟ أجاب: هو حفظ الصحَّة بالمشابهات، ودحض المرض بالمضادَّات.٣

٣٥٨ دخل طبيب إلى مريض أَبْلَه فسأله: كيف ترى نفسك اليوم وما الذي تشتهي؟ فقال له: أنا اليوم بخير وأشتهي كثيرًا أن آكل ثلجًا. فقال له الطبيب: إنَّ الثلج لا يوافقك لأنه يسبب لك سعالًا. أجاب المريض: أنا أمصُّ ماءَهُ فقط، وأرمي الثُّفل كما أفعل بالتفَّاح.

٣٦٢ دخل رجلٌ من العظماء على الملك وعندهُ طبيبهُ، فسأله الملك: كيف هو ولدُك الجديد وكم بلغ من العمر؟ فقال له: يا سيِّدي الولد بخير وعمرهُ سبعة أيَّام. فقال الطبيب: كيف هو من حيث عقله؟ فقال الرجل: ألم تسمع أني قلت للملك أنه ابن سبعة أيام، فما لك تسألني عن عقله؟ أجاب الطبيب: إنَّ المولود الحادَّ النظر القليلُ البكاء يدلُّ على أنه عاقل.

٣٦٣ اشتغل رجل بالتصوير ثم تركه وصار طبيبًا، فسُئل عن ذلك فأجاب: إن خطأَ التصوير ترمقهُ الألحاظ، وتميزه الأعين، أمَّا خطأَ الطب فتغطيه الأرض ويسترهُ القبر.

(٩) أحاديث موضوعة على لسان الحيوانات

٣٦٩ قيل إن الثعلب استهزأ يومًا باللبؤة؛ لأنها لا تلد في السنة طول عمرها إلَّا جروًا واحدًا. فقالت له: حقًّا ولكنَّهُ أسدٌ.

٣٧١ وقيل إن ذئبًا وثعلبًا وأرنبًا وجدوا خروفًا، فقال بعضهم لبعض: إنَّ الشيخ فينا يأكلهُ. فقال الأرنب: أنا ولدتُ قبل آدم. فقال الثعلب: حقًّا ولكن أنا كنتُ هناك حين ولدتَ. فنهض الذئب وخطف الخروف وقال: إنَّ قياسي ومقامي يشهدان على أني أقدم منكما. وأكلهُ.

٣٧٨ اجتاز ملك مع فيلسوف بقرب خربة وإذا فيها بومتان، فقال الملك للفيلسوف: يا ليت شعري من يستطيع أن يخبرني بماذا تتحدَّثان؟ فقال الفيلسوف: أنا أُخبرك إن حلفتَ لي أن لا تفعل بي مكروهًا إذا صدقتُك. فحَلَف له فقال: لإحدى البومتين ولدٌ طلب الزواج بابنة الأخرى وأعطتها كمهر ابنتها مئة ضيعة خراب، فلم ترض أمَّ الفتاة وطلبت أكثر من ذلك، فأجابت البومة: أمهليني سنةً وأنا أعطيك ألف ضيعة خربة بفضل هذا الملك الذي يسوس المملكة. فلمَّا سمع الملك ذلك اتَّعظ وصار يسلك بالعدل.

٣٨٠ قالت الخنفساء لأمِّها: لماذا يبصق الناس عليَّ حيثما توجَّهتُ؟ قالت أمها: إنهم يفعلون ذلك لأجل جمالكِ وسوادك الحالك وطيب رائحتكِ.

٣٨١ صاد كلبٌ أرنبًا فقال له: إنك لستَ بقوَّتك غلبتني بل لضعفي، وإن لم تصدق قولي فاذهب وجرِّب روحك مع الذئب.

٣٨٤-٣٨٥ قال الثعلب: لو كان عنب الثعلب حلوًا لما تركه الناس بغير ناطور في البرِّية. وقال يعلِّم أولادَهُ: إذا رأيتم الكَرم حاملًا والناطور نائمًا والنهر دافقًا؛ فأبشروا بالغنيمة والشِّبَع.

(١٠) أحاديث لأغنياء كرماء

٤١٤ قالت امرأة رجلٍ كريم لزوجها: لم أَرَ قطُّ شرًّا من أصدقائك الذين في زمن يسارك يلزمون صحبتك، وفي زمن فقرِك يبعدون عنك. فأجابها: إنَّ هذا من حسن نيَّتهم؛ لأنهم لا يريدون أن يثقلوا علينا في زمن ضيق يدنا وإعوازنا.

٤١٥ تقدَّم رجل إلى بعض الكرماء وسأله منحةً، ووضع أسفل عكَّازه المستند عليها على رِجْل الكريم فضغطها سهوًا. فلمَّا أصاب بمرغوبهِ وذهب قال لهُ الحضور: كيف احتملت الألم ولم توبخ هذا السائل عند وضعه عكازهُ على رجلك؟ فقال لهم: إني خشيت أن أقول له شيئًا، فيستحي ويكف عن سؤالي.

٤١٧ مرض أحد الكرماء الأغنياء مدَّة أيَّام، فلم يدخل إليه أحد ليعودَهُ، فقال للذين حولهُ: لماذا لم يأتِ ليعودنا أحد؟ فقالوا: لعلَّهم يخافون أن تطالبهم بما لك عليهم من الديون. فلمَّا سمع هذا أمر مناديًا أن يخرج إلى الشوارع، فيصرخ إنَّ الذين عليهم دين لفلان هم في حلٍّ منهُ، فغصَّت دارهُ المساء من كثرة الزوَّار.

٤١٨ كان أحد الأغنياء إذا طلب منهُ فقير شيئًا ولم يعطه يدفع له صكًّا بخط يده أنه مديون لهُ.

٤٢٦ سُئل بعضهم ما هو الكرم؟ فقال: هو إعطاء الحاجة للمحتاج في وقت حاجته.

٤٢٧ قدم أحد الشعراء على أمير، فاستقبله الخدَم بكل كرامة وأدخلوه على الأمير، فمدحهُ وأجزل الأمير صلتهُ، فلمَّا أراد الخروج لم يشيِّعهُ أحد من خدم الأمير، فأخذ يلومهم على تقصيرهم فقالوا له: إنَّنا لا نقوم بخدمة من يخرج من عندنا؛ بل نرحب بمن يأتي إلينا؛ لأننا نفرح باستقبال الضيوف ولا نرى كرامةً في تشييعهم. فتعجَّب الشاعر من عقلهم وسعة صدورهم فأثنى عليهم بقوله: إنكم أحقُّ بالمديح من مولاكم.

(١١) أحاديث لأقوام بخلاء

٤٢٩ قال بعض الشعراء لرجل بخيل: لمَ لا تدعوني لآكل عندك؟ فأجابه: لأنك تأكل كثيرًا وتبلع سريعًا، وما تأكل اللقمة حتى تهيئ الأخرى. فقال الشاعر: وما تطلب مني أتريد أني إذا أكلتُ لقمة أقوم فأسجد لك، ثم أرجع لآخذ الأخرى.

٤٣٤ قال ندماء أحد الملوك لمولاهم: مُر بأن تُعطي لنا علامةٌ حتى إذا رأيناها نخرج من عندك فتستريح؛ لأنَّ هكذا كانت عادة والدك الملك. فأجابهم: هذه علامتي إذا سألتُ الطبَّاخين «ماذا هيَّأتم» فلا يُعد أحد منكم يطيل الجلوس عندي.

٤٣٨ أشرف بخيل على الموت فأوصى ابنهُ قائلًا: كُن مع الناس في تصرُّفك كاللاعب بالنرد الذي يسعى بأن يحفظ الذي له، ويأخذ الذي لغيرهِ بالصنعة أو الحيلة.

٤٤١ نظر بخيلٌ ابنه يأخذ خبزًا ويضعه في طاقة كان يخرج منها دخان ثمَّ يأكل الخبز، فسأله أبوه عن ذلك فقال له: يا أبي إنني أشم رائحة طعام يخرج من هذه الكوَّة فأضع فيها خبزي ليصيبه شيء من رائحة الطبيخ فآكله، فلمَّا سمع ذلك أبوه ضربه قائلًا: ويحك أتريد منذ الآن أن تعتاد التلذُّذ في الأكل؟

٤٤٣ جاءت ابنة امرأة بخيلة إلى حانوتي فقالت له: تقول لك أمي خذ هذا الرغيف وأعطنا أصغر منه، وأعطنا بالباقي جوزًا.

٤٤٨ خاصم بخيل جاره وشتمه؛ فسأله رجل: لماذا تخاصمه؟ فقال: إني أكلت رأسًا مسلوقًا ورميت العظام على بابي لكي أفرح أحبابي وأحزن أعدائي إذا رأوني أتلذَّذ، فقام هذا وأخذ العظام فألقاها على بابه.

٤٥٠ قيل إنَّ ثلاثة بخلاء استأجروا بيتًا واحدًا وسكنوه جملةً، وكانوا يشترون زيتًا للسراج لكنَّهم كانوا إذا أبى أحدهم دَفْع حصته من ثمن الزيت يعصبون عينيه بمنديل إلى أن يناموا ويطفئوا السراج.

٤٥١ طلب ملك من أحد الأدباء أن يكتب كتابًا في مدح البخل، فكتبه وقدَّمهُ للملك وكان الملك بخيلًا، فلما قرأه سُرَّ به ثم كتب لمؤلفه: إنَّا لم نشأ أن نعطيك شيئًا لئلا نُبطل مشورتك الصالحة الرابحة، وهكذا ذهب تعبهُ سدًى.

٤٥٥ قيل لبعض البخلاء: ما أحسن الأيدي على المائدة، فأجاب: لو كنَّ مقطوعات.

٤٥٩ كان بعض البخلاء لا يأكل إلَّا في نصف الليل، فسُئل عن ذلك فأجاب: إنَّ في هذا الوقت يهدأ الذباب، ولا همَّ لنا في من يدقُّ الباب.

٤٦٠ قال فيلسوف لغنيٍّ: إنك تظن أنك أحرص على ما لك من سواك، وأنا أراك أسخى به من غيرك؛ لأنك بعد قليل تموت ويتبذَّرُ غناك على وَرَثتك سواء كانوا ممَّن أراحوك أم ممَّن أتعبوك.

٤٦١ مرض بخيل وجاء يوم البُحران ولم يعرق، فخاف عليه خدَّامهُ وأخبروا الطبيب بالأمر فقال لهم: اذهبوا وكلوا أمامهُ من الخبز الذي يأكله عادةً، فإذا رأى ذلك يُسرع العرق إلى جسمه.

٤٦٢-٤٦٣ كان آخر إذا حصل على درهم يقبَله ويعانقه قائلًا: «أنت أبي وأمي وأخي وحبيبي كم من مدينة دُرتَ، ومن بحر قطعت، ومن غني أفقرت، ومن صعلوك أغنيت.» ثمَّ كان يلقيه في كيسه قائلًا: ادخل إلى بلدة لا يمكنك الخروج منها فتعود تتعذَّب، فاسترح الآن فلن يقلق لأجلك الجنود في الحروب ويتجشَّم التجَّار لأجلك الأسفار وتسقط بسببك في العار بناتُ الأحرار.

٤٦٥ قال بخيل لعبده: قدِّم المائدة وأغلق الباب. فقال له العبد: يا سيدي بل أغلق الباب أولًا ثم أقدم المائدة؛ لئلَّا يدخل أحد قبل أن أغلق الباب، فقال له سيده: نعمَ الرأي وأنت حرٌّ لأجل عقلك الثاقب، فلا تَعُدْ عبدًا لحسن تدبيرك.

٤٦٧ أخبر بعضهم قال: كنتُ في بعض الأيَّام آكل عند رجل غني شديد الإمساك، فتقدَّمتْ إلى المائدة قِطٌّ، فأردتُ أن آخذ قطعة من الخبز وأرمي لها فقال لي: اتركها لأنها ليست لنا بل لبعض الجيران.

(١٢) أحاديث لأرباب الصنائع

٤٦٩ تقدَّم رجلٌ إلى حلاق وقال له: احلق رأسي وأَجِزْ عليه الموسى حسنًا، واحذر أن تجرح أذني ولا تدع شيئًا من الشعر في مكانٍ ما. فقال الحلَّاق: كن مطمئنًا فإني سأنظف رأسك حتى إن كل من يرى عنقك يشتهى أن يصفعَهُ بيدهِ.

٤٧٦ ذهب آخر إلى حكيم أسنان ليقلع له سنًّا يوجعه، فطلب منه درهمًا فقال: لا بل نصف درهم. قال: لا أرضي بأقلِّ من درهم ولكن إكرامًا لك إن شئت أقلع لك سنًّا آخر أيضًا ولا آخذ أكثر من درهم.

٤٧٨ جاءت امرأة إلى نحَّاس بمرجلٍ مثقوب ليصلحه، فطلى الثقب بقليل من الطين وسوَّدهُ بشحَّار ودفعهُ لها، فلمَّا أخذته المرأة ووضعت فيه ماء ترطب ذلك الطين وبدأ المرجل يرشح، فرجعت إلى النحَّاس وقالت له: ماذا صنعت فإن المرجل لم يزل كما كان سابقًا. فقال: لعلَّك صببت فيه ماء وأنا ظننتُ أنك تضعين فيه حنطة أو صوفًا، فإن قصدتِ أن تجعلي فيه ماءً فخذيه إلى من هو أحذق مني ليصلحهُ لكِ.

جاء مفسِّر أحلام من تكريت إلى بغداد: فسُئل لماذا تركتَ بلدك وأتيت إلى ها هنا؟ فأجاب إنَّ البقَّ في تكريت لا يدع أهلها ينامون؛ ولهذا لا يرون أحلامًا ولا يحتاجون إلى مفسِّر «ليست هذه النكتة في الأصل السرياني».

٤٨٠ أضاء حانوتيٌّ سراجًا في النهار ووضعه قدَّامهُ، فسألوه عن هذا فقال: إني أرى كلَّ الذين حولي يبيعون ويشترون وأنا لا يقربني أحد، فظننتُ أنهم لا يرونني فأوقدتُّ السراج ليروني.

٤٨٢ كان آخر يبيع فجلًا فجعل ينادي: خذوا كلوا من هذا السكَّر! أحلى من العسل! فتقدَّم إليه رجل وقال: عندنا مريض اشتهى الفجل الحامض هل عندك منه؟ قال له: دونك هذا الفجل الذي قدَّامي فهو مطلوبك ولا تصدق قولي؛ لأنَّ كل ما عندي أشد حموضة من الخل والليمون.

(١٣) أحاديث لبعض الظرفاء

٤٩٠ كان رجلٌ يقول إنَّ الخير والشر من الله وليس للإنسان فيهما إمكان. فقال له بعضهم: وأنا أزيِّف معتقدك بفصل صغير، فإني أرفع يدي على عنقك بهذا السيف وأسألك: هل يمكني أن أضرب عنقك؟ فإن قلت «نعم» خرجتَ عن رأيك وأثبتَّ العمل للإنسان، وإن قلت «لا» قطعتُ رأسك وبيَّنت لك إني قادر.

٤٩٢ قال آخر: أنا وأخي توأمان، فهو صار تاجرًا كبيرًا وأنا صعلوك فقير، فكيف إذن يصحُّ رأي المنجمين فهذا دليل على كذبهم.

٥١٠ قيل لآخر وكان يأكل سمكًا وحليبًا ألا تخاف أن تجمعَ في معدتك بين السمك والحليب؟ فأجاب: وكيف يحسُّ السمك بالحليب وهو قد مات.

٥١٣ دخل آخر على قومٍ سكارى فضربوه فقيل له: لِمَ لَمْ تشتمهم؟ أجاب: إنهم سكارى ولا يفهمون؛ فيضيع شتمي لهم عبثًا.

٥١٨ سمع بعضهم رجلًا يقول لرفيقه إن سرتَ في الليل وأَردتَ أنَّ الكلاب لا تؤذيك، فاقرأ في وجههم المزمور الذي في الآية: «خلص يا رب من فم الكلب واحدتي» فقال السامع: بل دَعْهُ يأخذ في يده أيضًا عصًا؛ لأنه ليس الكلاب كلها تفهم المزامير إلَّا القارئين منها فقط.

٥٢٢ وقعت تهمةٌ على رجل فحكم عليه القاضي بأن يُضْرَب خمسين سوطًا. ثم عرف بعد ذلك أنه مظلوم، فقال له: قد أخطأنا في جلدك وأنت بريء. فقال للقاضي: اكتب في سجلِّك ما وقع عليَّ ظلمًا حتى إذا عملتُ زلَّةً تحسب لي هذه الجلدات ولا تعود تضربني ثانيةً.

٥٢٤ كان آخر يبغض الباذنجان ويأنف من أكله، فدعاه يومًا أحد الرؤساء إلى الغداء، فوجد كل طعامه مصنوعًا بالباذنجان. فقال للخادم: هاتِ لي كوز ماء لأشرب لعلِّي لا أجد فيه باذنجانًا.

٥٢٧ دُعي آخر إلى الطعام عند رجل من الرؤساء بخيل فتدفَّق على ثوبه شيء من الطعام، فقال الرئيس للخدام: اغسلوا له ثوبه. فقال الرجل: كلَّا يا سيدي إنَّ ثوبي لا يحتاج إلى غسيل لأن طعامك لا يوسخ (أراد أنَّهُ لا دَسَم فيه).

٥٢٩ قيل لآخر: إنَّ القمح اليوم غالٍ في السوق، فقال: أنا لا أبالي لهذا لأني أشتري خبزًا مخبوزًا.

٥٣٠ رأى رجلٌ صديقًا له مبتلًى بوجع العينين، فسأله بماذا تُطبِّب عينيك؟ أجاب: بمزامير داود وصلوات أمي الراهبة. فقال له: ولا بأس لو أضفت إلى ذلك قليلًا من الكحل.

(١٤) أحاديث قوم جهال

٥٣٣ سمع رجلٌ عن إنسان أنه مات، فلما رأى أخاه سأله قائلًا: أنت الذي متَّ أم أخوك؟

٥٣٤ مات ابنٌ لآخر فحزن عليه جدًّا وأراد أن يقتل نفسه، ثمَّ استشار واحدًا من أصحابه قائلًا: لعلِّي إن قتلت نفسي يلحقني ضررٌ من الوالي.٤

٥٣٨ افتقد آخر ابن جاره المريض فقال لأبيه: إن مات هذا فلا تصنع كما صنعت مع ابنك الأكبر، فلم تعلمني لأمشي في جنازتِهِ.

٥٤٠ كان آخر غنيًّا أبلد، فإذا سأله فقير حسنةً يقول: إذا كان الله لم يعطه، فأنا كيف أعطيه؟

٥٤٧ ولد لبعضهم ولد فدعا المنجِّم ليُبصر طالعه وقال له: أريد منك أن تُبدي نجمَهُ في عطارد؛ لأني سمعت أن المولود بهذا النجم يصير كاتبًا.

٥٤٩ تأمل آخر القمر في الرابعة عشرة من الشهر فقال: شهر مبارك. فقيل له: كيف لم ترَ الشهر حتى اليوم. فقال: إني لم أكن في المدينة فكيف أراه.

٥٥١ اجتاز آخر بصيَّادي سمك فقال لهم: هذا الذي تصطادونه طري أم مالح؟

٥٥٢ سأل بعضهم تلميذه في أي يوم من الأسبوع وقع خميس الأسرار في العام الماضي؟ فقال التلميذ: على ظني أنه وقع يوم الثلاثاء.

٥٥٣ خرج أحد الولاة ليزور القدس وكان مسرعًا ليصل قبل عيد الفصح، فقال له أحد عبيده: لماذا تقتل الخيل وتُجهد الناس الذين معك. اكتب لأهل القدس أن يؤخروا العيد إلى أن تصل.

٥٥٦ سُئل آخر لمَّا ماتت امرأته كم سنةٍ كان عمرها؟ فأجاب: لا أعرف على التحقيق إلَّا أني أعلم أنَّها وُلِدت في الزمن الذي تكثر فيه البراغيث.٥

٥٥٧ كان آخر راكبًا حمارًا فلم يمش تحتهُ؛ فحلف أنه لا يطعمهُ شعيرًا تلك الليلة، فلما صار المساء قال لأجيره: ضع له نخالة شعير ولا تُعلمه أني قلت لك كي يعود يخاف منِّي.

٥٥٨ قال بعضهم: كنتُ اليوم في جنازة ابن فلان فسألوه: أيٌّ من أولادهِ مات؟ فأجاب: كانوا اثنين فمات الأوسط.

٥٥٩ قال آخر لجاره: رأيتُ هذه الليلة في حلمي والي مدينتنا يحادثك وينظر إليَّ فأخْبرْني: ماذا قال لك عني؟

٥٦٤ أخبر بعضهم فقال: ذهب أبي ليزور القدس مرَّتين ومات فيها، لكن لا أدري أمات المرَّة الأولى أو الثانية.

٥٧٢ عادت عجوز مريضًا فقالت لأهله: «صدِّقوني إني ضعفتُ كثيرًا ولم يَعُد يمكنني أن أروح وأجي في كل وقت، فإذا مات مريضكم أسأل الله أن يرحمَه ويُبقي حياتكم ولا تلوموني إنْ لم آت فأحضر دفنهُ.

٥٧٣ طار لأحد الأمراء صقر فقال: أقفلوا أبواب المدينة حتى أقبض عليه.

٥٧٧ مدح شاعرٌ أحد الولاة فقال له: إني لا أقدر أن أمنحك شيئًا من عندي، ولكن إذا أَذْنَبْتَ صفحتُ عن وِزْرك.

٥٨٦ نظر آخر الفراريج التي في بيته، فقال: متى نمرض فنأكلكِ ونستريح من وجع رأسك؟

٥٨٨ طلب بعضهم من أحد أصحابه سرجًا يستعيرُهُ لفرسهِ، فقال لهُ: صدِّقني إني في هذه الساعة نزلت عنهُ فاصبر حتَّى يستريح.

٥٩٠ دخل رجلٌ على بائع ثلج وأخذ قطعةً منه فذاقها، وقال له: أما عندك أبرد من هذه؟ فأعطاه قطعةً أخرى فلما ذاقها قال: بكم تبيع من هذا؟ فأجاب القطعة من الأوَّل بدانق، ومن الثاني بدانق ونصف. فقال: إذن أنا آخذ من هذه يسيرًا لأجلي ومن الأولى لأهل بيتي.

٥٩٤ سألوا آخر: كم سنةٍ عمرُك؟ فأجاب: لست أعرف ولكني سمعتُ أمي تقول: ولدت قبل نضج الحصرم وأخوك أكبر منك بشهرين ونصف سنة.

٥٩٥ كان لآخر دارٌ يشترك فيها مع رجل آخر، فقال: أريد أن أبيع النصف الذي لي وأشتري النصف الآخر لتصير الدار كلُّها لي.

٥٩٧ وقعت ابنةٌ لآخر في الجب، فقال لها: لا تبرحي في مكانك حتى آتي بمن يُصعدكِ.

٥٩٨ سألوا آخر عن يوم مولده فأجاب: أنا ولدتُ يوم أحد الشعانين بعد عيد القيامة بسبتَين.

٥٩٩ كان آخر يصلي فيقول: ربي وإلهي اغفر لي ولأمِّي ولأختي ولامرأتي. فسألوه: ولِمَ لمْ تذكر أباك. فأجاب: لأني كنتُ صغيرًا لما مات فلم أعرفهُ.

٦٠٠ قال آخر في صلاته: يا رب أعطني خمسة آلاف دينار وأنا أدفع من مالي ألفًا للمساكين، وإن كنت لا تصدقني أعطني أربعة آلاف والألف الآخر أعطهم إيَّاها أنت من يدك إلى يدهم.

٦٠٥ مرَّ بعضهم بمأْذنة للمسلمين فقال لرفيقهِ: ما أطولَ ما كان الناس الذين بنوا هذه المنارة! فأجابه رفيقه: يا أبله كيف يكون إنسان بهذا الطول، ولكن بنوها على الأرض ثمَّ أقاموها.

٦١٥ كان آخر يكسر لوزًا فطارت لوزةٌ من يده، فقال: سبحان الله إنَّ اللوز أيضًا يهرب من الموت.

٦١٣ كان أحد الرؤساء راكبًا في الطريق مع قوم فقال لهم: ابعدوا عني ساعة فإنَّ لي كلامًا أريد أن أقوله مع نفسي.

(١٥) أحاديث بعض المجانين

٦٢٣ دخل بعض المجانين إلى أحد الرؤساء فقدَّم له خبزًا لا غير، فقال: إني آتيكم في يوم عيد لعلي أجد عندكم لحمًا.

٦٢٤ قال آخر: إني دخلت يومًا إلى البيمارستان فوجدتُ هناك مجنونًا مقيَّدًا بسلاسل حديد، فأخرجت لهُ لساني وحملقتُ عينيَّ، فلمَّا رآني فعلت هكذا نظر إلى السماء وقال: سبحان الله تعالوا انظروا لمن تركه الأطباء بلا قيود ولمن قيَّدوا بالسلاسل.

٦٣٠ قيل لآخر: أعدد لنا المجانين الذين في حمص، فأجاب: هذا يصعب لكثرتهم فإن أردتم أني أعدُّ لكم العقلاء الذين فيها وهم قليلون.

٦٣١ لبس أحدهم فروةً وقلب ريشها إلى خارج، فسُئل عن ذلك فأجاب: لو كان ريش الفروة إلى داخل أصْلَحَ لما خلقهُ الله إلى خارج في الغنم.

٦٣٤ قال رجل لمعتوه: خذ لك دينار فضَّة وامضِ احصد عوضي في زرع الملك. فقال له: أنا لا يمكنني أن أعمل عملَين وحدي بل أنا آخذ الدينار، وأنت امضِ واحصد ليكون العمل سهلًا عليَّ وعليك.

٦٤٧ كان آخر يأكل تمرًا بنواهُ فسُئل عن ذلك، فأجاب: هكذا وزَنَهُ عليَّ بائعهُ.

٦٤٨ كان مجنون إذا حضر دفن ميتٍ يتصدَّقون عليه بدرهم، فمات أحد الأغنياء فأعطاه أهلَهُ درهمين، فأخذهما وقال لأهل الميت: لا تنسوا أن لكم علي حقًّا سأحسبه لكم إذا مات منكم واحد آخر.

٦٢٨ وقف آخر عند عامود طويل أملس، وقال: من يعطيني درهمًا واحدًا لأصعد إلى رأسه، فلمَّا أعطوه الدرهم أخذه وقال: هاتوا سلَّمًا. قالوا له: لم نشارطك على سُلَّم. قال لهم: ولا شارطتوني بغير سلَّمُ سوى أن أصعد فقط.

٦٤٤ اجتاز آخر في سوق البزَّازين فنظر جمعًا كبيرًا من الناس أمام حانوتٍ قد نُقِب في الليل، فتقدَّم هو وتأمُّل الثقب وهزَّ رأسَهُ، وقال: إنكم كلكم لا تعرفون من فعل هذا أمَّا أنا فأعرفهُ، لكني لا أقول لكم حتى تشبعوني بثلث أُققِ خبز ورأسين مسلوقين، فإذا شبعتُ أخبرتكم. فقال القوم بعضهم لبعض: لا عجب أن كان هو يعرفهُ؛ لأنَّهُ طول الليل يدور في الأسواق ولا يختفي عنه اللصوص إذا رأوه وهم يعرفونه أنهُ مجنون، فلمَّا أتوا إليه بما طلب وأكل وشبع قام قدَّام الثقب، وقال: كلكم صبيان ولا تعرفون من عمل هذا إن هذا عملُ اللصوص. قال هذا ومضى راكضًا.

(١٦) أحاديث اللصوص

٦٥٤ سُرقت لبعضهم أمتعة فقالوا له اتَّكل على الله وعلى الإنجيل المجيد، فهو يكشف لك اللص، فأجاب: لو سمع اللصوص الإنجيل لما نهبوني فقط بل قتلوني وأهلكوني؛ لأنَّهُ جاء في الإنجيل أنَّ السارق ليس يأتي إلَّا ليسرق ويقتل ويُهلك.

٦٥٦ كان آخر يسرق الأولاد ويبيعهم، ولمَّا سُئل عن ذلك أجاب: إني أسرق أولاد الناس لأنهم سيقومون جميعهم يوم القيامة، وإذا طالبني بهم والدوهم أقول لهم: ها هو ذا أولادكم خذوهم، ولكن إن سرقت ذهبًا أو متاعًا من أين لي أن أردَّهُ لهم إذا طالبوني به يوم القيامة.

٦٥٨ دخل اللصوص بيتًا في الليل وابتدءوا يفتشون على شيء يأخذنهُ فلم يجدوا، فقال لهم صاحب البيت: يا شباب لا تتعبوا إنَّ الذي تطلبونهُ في الليل أنا أطلبهُ في النهار فلا أجدُهُ.

٦٦٤ سرق آخر حمارًا وأخذه للسوق ليبيعهُ، فسُرق منهُ فلمَّا سألوه بكم بعت الحمار أجابهم: برأس مالهِ.

(تمَّت الأحاديث المطربة لابن العبري.)
١  يُخبر هذا عن هارون الرشيد وزوجته زبيدة، وعن ابنيهما الأمين والمأمون (راجع مجاني الأدب، وكان المأمون ابن جارية نصرانيَّة).
٢  في السريانيَّة يختلف المعنى وكأنَّهُ وقع من الأصل السرياني بعض الألفاظ، فتشوَّه المعنى.
٣  هذه النكتة لم يدركها الشَّارح بالإنكليزية: ففسَّرها بقولهِ إنَّ الطب يتوقف على حفظ الصحة في الأصحاب وإيقاع المرض في الأعداء.
٤  لم يُحسن ناقل هذه النُّكتة من السريانية إلى الإنكليزية فَهْمها فترجمها if l kill my self the prince will suffer sorrow on my account.
٥  العجب أنَّ المستر بودج ترجم «البراغيث وفي السريانية » بالليمون فكتب (ص١٤٣) She was born at the time when oranges were plentiful.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤