الفصل الثاني

أرمانوسة بنت المقوقس

كان للمقوقس ابنة في ريعان الشباب، جمعت بين الجمال الروماني واللطف المصري اسمها «أرمانوسة»، وقد خصها الله بلين الجانب وحسن الخلق حتى ضُرب المثل بجمالها وذكائها، وكان والدها يحبها حبًّا جمًّا؛ لأنه لم يكن له إلا هي وابن اسمه أرسطوليس، فأباح لها التصرف في بيته وجعل لها الأمر والنهي في خدمه وحاشيته، وكان هرقل إمبراطور الرومانيين قد سمع بها فخطبها لابنه قسطنطين، وشاع ذلك وذاع حتى تحدَّث به الخاص والعام وحسدها الناس عليه، لكنها لم تكن راضية بهذا الزواج وإن لم تظهر شعورها لئلَّا يصيبها أو يصيب والدها سوء، بل كظمت غيظها وصبرت على مضض، حتى يأتي الله بأمر من عنده.

وفي سنة ٦٤٠ للميلاد كان المقوقس مقيمًا بالإسكندرية على عادته ومعه حاشيته، وكلها من المصريين والمصريات وبعض الأحباش، وليس فيها أحد من الروم، وكانت أرمانوسة في قصره بمنف، في البر الغربي من النيل وراء الجيزة، وكان ذلك القصر فخمًا عظيمًا أقيم بأنقاض بعض هياكل المصريين القدماء ويشرف على النيل، وتحفُّ به حديقة غنَّاء، وفيها من أغراس الكرْم والنخيل والشجر ذي الثمر والرياحين ما يبهج النظر، وبينا هي في قصرها ذات ليلة صافية الجو إذ أحبت الخروج للتنزُّه في النيل، فكلَّفت خادمتها الخاصة — واسمها بربارة — أن تكلف بعض الخدم بإعداد قارب تنزل فيه، فأعدُّوه لها، ونزلت وقد لبست ثوبًا سماويَّ اللون يجرُّ ذيله وراءها، وضفرت شعرها من أعلاه ضفيرة واحدة بإكليل صغير من الحجارة الثمينة مصنوع على شكل رأس الحية مثلما صنع قدماء المصريين، وأرخت الضفيرة على كتفيها، والجواري محدقات بها، وخادمتها الخاصة تحمل طرف ثوبها من ورائها لئلَّا يمسَّ الأرض، ولو أنه مسها لا خوف عليه؛ لأنها مرصَّفة بالرخام النقيِّ، ولأن طرق الحديقة مرصوصة بالفسيفساء، فتجاوزت الحديقة إلى بابها الشرقي، وكان شاهقًا قد نُقش على عتبته العليا رسم أوزيريس باسطًا جناحيه، ومصراعاه من خشب الجميز الصلب، وعليه من النقوش البديعة ما يشغل النظر، وأمامه من الناحيتين تمثالان كبيران لأبي الهول، وسارت بين صفين من شجر الجميز حتى أتت الشاطئ، فنزلت إلى القارب على رصيف قديم البناء عليه نقوش هيروغليفية، وكان القارب مفروشًا بالبُسُط المزركشة، فجلست في صدره وبين يديها جواريها، وقد أرخى النوتيَّة الشراع فسار القارب الهوينى يخترق عُباب النيل، والجو صافٍ وأشعة القمر تنعكس على سطح الماء وتتكسر وتتلألأ، وإلى كل من جانبي النيل غياض ومغارس للنخيل والدوم، ومن ورائها كروم العنب وغيرها، تتخللها قرى صغيرة وأبنية فخمة معظمها من الهياكل والتماثيل، وأعظمها قصور منف تتخللها الهياكل والأصنام العظيمة؛ لأن هذه المدينة برغم عوامل الحدثان كانت ما زالت أبنيتها شامخة تناطح السحاب، وبخاصة أهرامها المعروفة الآن بأهرام سقارة.

وسار القارب بأرمانوسة وجواريها بين يديها، وقد أخذن يعزفن على الآلات، وعلى ضفة النيل شجر البرديِّ متكاثف يتمايل كالسكارى، ولم يكن يُسمع عند مسير القارب إلا صوت الموسيقى يتخلله حفيف ورق البرديِّ ونقيق الضفادع بين أغصانه، وقد اختفى بين هذا وذاك صوت القارب في اختراقه عباب الماء، والطبيعة هادئة والنسيم لطيف، وبربارة لا تفتر لحظة عن تسلية سيدتها بطريف حديثها وغريب قصصها. أما أرمانوسة فكانت مضطربة البال لا تبتسم إلا تكلُّفًا، كأنها تريد نسيان ما يخامرها من الهواجس، وتود الانشغال عنها بمناظر الطبيعة، فلما أدركت وصيفتها ذلك جعلت تبالغ في تسليتها، تارة بالأحاديث المضحكة، وطورًا بالإطناب في جمالها، وقد لحظت انقباضها من قبل وحاولت استطلاع كُنهه فلم تستطع.

وبعد أن سار القارب مسافة، رأت أرمانوسة أنها قد بعدت عن المدينة فخافت أن يهاجم التمساح القارب فأمرت النوتيَّة بالرجوع، فأداروا الدفَّة وعادوا، وكفَّت العازفات عن العزف فاستولى السكون على الجمع كأنهن شاركن الطبيعة صمتها، وكل منهن تنظر إلى ما حولها من الماء والشاطئ، تتأمل ذلك المنظر وتستأنس بنقيق الضفادع، وعلى وجوههن أمارات السرور إلا أرمانوسة، فإنها ما برحت منقبضة النفس، ثابتة النظر إلى جهة من جهات الشاطئ عن بعد، وبربارة تسارقها اللحظ وتراقب حركاتها وسكناتها، فإذا بها قد أخرجت منديلًا من جيبها مسحت به عينيها وهي تحذر أن يراها أحد، فأمعنت بربارة النظر في تينك العينين المكحلتين بالسواد فإذا بهما تتلألآن وقد تناثرت الدموع منهما بغتة، فاضطرب قلبها وأرادت الاستفهام منها عن السبب، ولكنها أمسكت حتى لا تحرجها، وعولت على استطلاع الحقيقة عند عودتهن إلى القصر، على أنها أخذت تتقاذفها الهواجس؛ إذ لم تدرِ موجبًا لبكاء سيدتها وقد توافرت لها كل أسباب السعادة، وليس في وادي النيل فتاة أحسن حالًا ولا أسعد حظًّا منها؛ فإنها ابنة الحاكم الآمرة الناهية، وكل أهل البلاد في خدمتها، وقد خصَّتها العناية الإلهية بجمال وصحة وسعة عيش حتى نالت حظوة في عيني إمبراطور الرومان فخطبها لابنه، فخافت بربارة أن يكون أمرًا ذا بال.

•••

عاد القارب إلى منف ورسا بهن إلى جانب القصر، فنهض الجميع ونزلت أرمانوسة وسارت بين شجر الجميز، والخدم بالمصابيح أمامها حتى أتت باب الحديقة فوقفت لحظة مسندة يدها إلى أحد التمثالين، والتفتت إلى النيل كأنها لم تشبع بعدُ من منظره، ثم دخلت الحديقة وتحولت إلى بعض طرقها ففهمت الجوارِ أنها تريد التجوال بين الأزهار والرياحين قبل دخول القصر، فتحولن كلٌّ إلى مخدعها، إلا بربارة فقد رافقت سيدتها وهي لا تزال تراقب حركاتها وسكناتها، فرأتها قد مشت في الحديقة لا تدري إلى أين تسير، ولا يلفتها صوت النعام السارح ببعض جوانب الحديقة، ولا أصوات الكراكي وغيرها من الطيور هناك، ثم تحولتا إلى القصر فدخلتاه وسارتا توًّا إلى غرفة النوم، وكانت الجواري قد أضأنها بالشموع والمصابيح، وجعلن إكليلًا من الزهور في إناء على مائدة فاخرة في وسط الغرفة مصنوعة في سوريا، من خشب الأرز، تفوح منها رائحة ذكية، كان قد أهداها إلى أبيها بعض أصدقائه الرومانيين في صيدا.

لكن أرمانوسة ما لبثت أن انسلَّت من الغرفة إلى شرفة مطلة على الحديقة والنيل وراءها، ورائحة الأزهار قد ملأت الجو، وهناك كرسي مجلَّل بالحرير جلست عليه، ووقفت بربارة تنتظر أمرها وتسترق النظر إليها فلاحظت أنها لا زالت مضطربة، لم تزدها تلك النزهة إلا انقباضًا، وبعد قليل قامت أرمانوسة إلى سريرها، ونزعت حليَّها بمعاونة بربارة ثم استلقت تبغي الراحة لا النوم، فلبثت بربارة واقفة، تهمُّ بسؤال سيدتها عن سبب اضطرابها فيمنعها التأدب، ثم نظرت إليها فإذا هي تتلهَّى بالنظر إلى ما على جدران الغرفة من الصور الملونة، وفيها رسوم الطير والحيوان، ثم رأتها أطرقت تنظر إلى أرض الغرفة كأنها تتأمل أشكال الرسوم الجميلة المطرزة على الأبسطة، وهي تردد الزفرات وتتنهد خفية وقد أعياها الانقباض، فلم تستطع بربارة مغالبة البكاء لفرط حبها لسيدتها وغيرتها عليها، فجعلت تمسح عينيها حتى أدركت أرمانوسة ذلك، وخافت افتضاح أمرها فخاطبت بربارة قائلة: «ما بالك يا بربارة؟ هل تبكين؟»

فتقدمت بربارة إلى جانبها تحاول مغالطتها وقالت: «ليس هناك يا سيدتي ما يبكيني وأنت بنعمة الله في صحة تامة وعيش رغيد، إني سعيدة ما دمت أنت كذلك.»

قالت: «ولكنني أراك تبكين.»

قالت: «كلا يا سيدتي، وإذا رأيت في عيني دموعًا فإن هي إلا دموع الفرح؛ إذ كل ما منَّ الله به عليك من أنعامه وبركاته إنما هو مدعاة لفرحي، ألا تعلمين أن أصدقاءك يغبطونك وأعداءك يحسدونك على ما قدَّر الله من وقوعك موقع الاستحسان لدى مولانا الإمبراطور حتى خطبك لابنه؟ ولا ريب عندي أنك أهل له وهو أهل لك؛ فإن قسطنطين من أحسن الناس جاهًا، وكفاه فخرًا أنه ابن الإمبراطور هرقل، وعمَّا قليل يعود من حروبه مع العرب فتتم سعادتك بالاقتران به.»

فتنهدت أرمانوسة تنهدًا خفيًّا كأنها تذكرت مصائبها، وأسفت لما هي فيه من الكدر مع ما خصَّتها به العناية من أسباب الرفاهية، ومالت إلى مكاشفة وصيفتها بمكنونات قلبها عساها أن تفرج كربتها، وكانت تثق بها كل الوثوق لأنها ربَّتها منذ نعومة أظفارها، وقد اختبرت صداقتها وإخلاصها، ولكن الحياء غلب عليها فأمسكت عن التكلم لحظة وهي شاخصة إلى نافذة غرفتها المشرفة على النيل، وقد امتلأ بضوء القمر، ولكنها ما لبثت أن أجهشت بالبكاء على غير إرادتها.

فتقدمت بربارة إلى جانب السرير وجثت على ركبتيها، وأمسكت يد أرمانوسة بين يديها وجعلت تقبِّلها تكرارًا ودموعها تتساقط عليها وهي تقول: «من منا الباكية يا حبيبتي؟ أتسألينني عن سبب بكائي وأنت تبكين؟ أستحلفك بالله أن تطلعيني على سبب اضطرابك، فقد ضاق صدري وأنا ممسكة نفسي عن الاستفهام حتى عِيل صبري.» قالت ذلك ونظرت إلى سيدتها فإذا بها قد أغرقت في البكاء، وجعلت المنديل على عينيها لتخفي ذلك عليها، فأمسكت بيدها الثانية وألحَّت عليها وقبَّلت يديها، ثم قبَّلتها بين عينيها وترامت على قدميها وقالت لها: «أستحلفك بحياة سيدي أبيك أن تخبريني عن سبب بكائك ولا تخفي عليَّ شيئًا، وأنت تعلمين تعلقي بك وإخلاصي لك، لعلِّي أستطيع تفريج كربتك. أم أنت لا تثقين بي؟»

قالت: «إني واثقة بك كل الوثوق يا بربارة، وأنت تعلمين ذلك، ولكن ليس ثمة ما أخفيه عليك وما أنا باكية ولا …»

فقطعت عليها الكلام قائلة: «كفى إخفاء ومغالطة، رأيت منك هذا الانقباض منذ أيام، وكنت أخشى أن أُثقل عليك بالاستفهام، أما الآن وقد عِيل صبري وصرت أخاف عليك فلن أسكت حتى تخبريني أو تطرديني من هذه الغرفة.»

فأمسكت أرمانوسة بيدها وهمَّت بالجلوس قائلة: «حاشا لي أن أهينك بمثل ما تقولين؛ فإنك بمنزلة الأم عندي؛ فقد ربيتني منذ طفولتي، ولكن ليس عندي ما أخبرك به، أو لعلِّي إذا أطلعتك عليه تضحكين مني أو تهزئين بي.» فوقفت بربارة قائلة: «معاذ الله أن يصدر مني ذلك وأنت سيدتي ومصدر نعمتي، بل أنت روحي وحياتي، فلا تخشي بأسًا من مكاشفتي بما في قلبك، وسأكون مفرجة لكربك بإذن الله، فثقي بي، واكشفي لي عن سِرِّ هذا الاضطراب؛ فقد نفد صبري.»

فصمتت أرمانوسة لحظة ثم وقفت ودنت من المنضدة وجعلت تتشاغل بتقليب ما كان عليها من التماثيل الصغيرة، وفيها أشباه أبي الهول والجعلان من الذهب والفضة، ثم عادت إلى السرير مرتبكة تتلهى بتثنية منديلها بين أناملها، وهي تنظر إليه وتحاول التكلم ويمنعها الحياء. فنهضت بربارة وقبَّلتها وقالت لها: «تكلمي يا حبيبتي لا تُخفي عليَّ شيئًا، وأنا أقسم لك بمريم العذراء صاحبة هذه الكنيسة (وأشارت إلى جهة حصن بابل حيث كنيسة المعلقة) أن أحفظ سرك في قلبي، وأكون لك عونًا في كل ما تريدين.»

فنظرت أرمانوسة إليها من طرف عينها، وهمَّت بالكلام فأُرْتِجَ عليها ثم قالت: «انظري هل لا يزال أحد من الخدم مستيقظًا؟»

قالت: «لا تخافي فليس من يتجرأ على الدنوِّ من غرفتك، وسأذهب لأستطلع الأمر.» وخرجت والمصباح في يدها تاركة سيدتها وحدها في الغرفة.

لبثت أرمانوسة تنتظر عودتها، فلما رأتها أبطأت شغل بالها واستولى عليها القلق، ولما ملَّت الانتظار نهضت من السرير ودنت من الشرفة، وأطلت على الحديقة فسمعت ضوضاء الناس عند الضفة فازداد اضطرابها، فأصغت فإذا بأصوات رجال، ولمحت عند الشاطئ قوارب عديدة وقد خرج منها نفر يسرعون نحو القصر، وأرادت أن تنادي أحدًا تستطلع منه الخبر، فإذا ببربارة قد عادت وعلى وجهها أمارات الدهشة، فابتدرتها أرمانوسة قائلة: «ما سبب هذه الجلبة، ومن هم هؤلاء الرجال يا بربارة؟ أخبريني.»

قالت: «طيبي نفسًا يا سيدتي ولا تضطربي؛ فليس ثم غير الخير إن شاء الله.»

قالت: «قولي ما الخبر، وما الداعي لهذه الجلبة؟»

فقالت: «إنها من دواعي سروري وسرورك؛ فإن سيدي أباك قد بعث بجماعة من خاصته بمعدات الاحتفال، ليذهبوا بك إلى عين شمس حيث يوافيهم أبوك لكي تسيروا جميعًا إلى بلبيس، فتقيمي في انتظار خطيبك ريثما يسير بك إلى القسطنطينية.»

•••

اضطربت أرمانوسة عند سماعها الخبر، واشتد بها اليأس حتى تناثرت الدموع من عينيها وغلبها البكاء، فازداد تعجب بربارة وهي لا تفهم لهذا البكاء سببًا، فتقدمت إليها وقبَّلتها وضمَّتها إلى صدرها، وجعلت تتوسل إليها أن تخبرها بكُنه الأمر إلى أن قالت: «لعلك شعرت بالوحشة عندما علمت بالسفر ومفارقة أبيك ومنزلك، ألا تعلمين يا سيدتي أنك ستنتقلين من قصر إلى قصر أعظم منه، ومن بيت مجد إلى بيت مجد أرفع منه؟»

وكانت أرمانوسة تمسح دموعها بيدها، فلما سمعت كلام بربارة مدت إليها يدها وقبضت على ذراعها وقالت: «لا تذكري القصور والمنازل؛ فإن السعادة ليست في الأبنية ولا في العواصم، ولكنها في القلوب والعواطف. دعيني يا بربارة من هذه الأوهام وعزِّيني بغيرها.»

فعجبت بربارة من هذا الكلام واستغربته ولم تفهم ما وراءه، وقالت: «بالله يا سيدتي أفصحي عن حقيقة أمرك، فقد أشكل عليَّ فهم الواقع، هل تكرهين الأسفار أم …»

فقطعت أرمانوسة الكلام قائلة: «ليس ذلك ما يكدِّرني، ولكنني لا أريد السفر إلى بلبيس.»

قالت: «وهل تكرهينها؟ قولي لأبيك فلا يبعث بك إليها، ويكتب إلى الإمبراطور أن تنتقلي رأسًا من هنا إلى القسطنطينية.»

فصاحت أرمانوسة: «لا، ولا أحب القسطنطينية ولا ساكنيها ولا من تسمى باسمها، ولا أحب البقاء في الدنيا من أجلها.»

فأدركت بربارة أن سيدتها لا تريد الاقتران بقسطنطين، ولكنها تجاهلت وأعادت السؤال بإلحاح قائلة لها: «إلى هذا الحد تُخفين مقاصدك علي؟ أم لعلك لا تريدين قسطنطين؟»

فأجابتها على الفور: «نعم لا أريده. لا أريده.»

فبهتت بربارة عند سماعها ذلك وقالت: «ولماذا يا مولاتي؟»

فابتدرتها أرمانوسة قائلة: «لا تسأليني، فإني لا أريده، ولن أريده.»

وأجهشت في البكاء حتى علا صوتها، فجعلت بربارة تخفف عنها وتهوِّن عليها إلى أن قالت: «إذا كنت لا تريدينه فدعيه وشأنه، ولا تحزني ولا تكدِّري نفسك.»

فتنفست أرمانوسة الصعداء وقالت: «نعم لا أريده، ولكنني لا أستطيع التخلص منه، وأبي قد اتفق مع أبيه على أن يلقيني بين يديه، ولست أفقه غرضه من ذلك.»

فقالت بربارة: «إذا أصرَّ أبوك على عزمه، ولم ترَي سبيلًا للخلاص فأرى أن تطيعيه، وأنا واثقة كل الوثوق أنه لم يقبل زفافك إلى قسطنطين إلا وهو يرى ذلك سببًا لسعادتك، ولا أظن تمنُّعك إلا خوفًا من الاغتراب والابتعاد عن البيت الذي رُبِّيت فيه، وهذا ما تشعر به كل فتاة تنتقل من بيت إلى آخر، أو من مدينة إلى أخرى عند الزواج. أما إذا تم الأمر وصرت كَنَّة الإمبراطور، فسيذهب عنك هذا الخوف ويسكن روعك.»

فتنهدت أرمانوسة وقالت: «كيف يسكن هذا القلب وهو ليس معي؟! فإذا سافرت إلى القسطنطينية فإني أسافر بلا قلب.»

فأدركت بربارة أنها عالقة بغير قسطنطين، وأن هذا سبب عزوفها عن الاقتران به، وأرادت استطلاع مكنونات قلبها فأمسكتها بيدها وخرجت إلى الشرفة لتلهيها عن هواجسها، ثم تعود فتستطلعها حقيقة أمرها.

وكان النيل قد انعكس نور القمر على صفحته حتى تلألأت كالبلور، وظلال شجر البرديِّ والنخيل قائمة على الشاطئ كأنها سابحة في الماء، فلبثت أرمانوسة صامتة مأخوذة، غارقة في بحار الهواجس، لم يشغلها شاغل، ولا انتبهت لحركة القوارب الراسية هناك، ولا إلى لغط الذين جاءوا لحملها إلى بلبيس. أما بربارة فصمتت هي الأخرى ولبثت تنتظر ما يظهر من سيدتها وهي تتأمل حالها وتجول بأفكارها، وتراجع سيرة حياتها لعلها تتذكر حكاية تكشف لها عن هذا اللغز فلم تهتدِ، فعادت إلى حديثها فقالت وقد أرادت أن تمازحها: «ولكنني لم أفهم مرادك من قولك أنك تسافرين بلا قلب، فأين تتركين قلبك؟ ألا تخافين عليه العدو ونحن في حرب؟»

فقالت: «لا أخاف عليه الحرب، ومهما يكن من أمره فإنه يصبح في حال آمَن له من حاله في القسطنطينية.»

فأرادت مداعبتها ثانية فقالت: «ولكن القسطنطينية آمَنُ لك؛ فالبلاد هنا بين خطرين عظيمين، إذا سلِمت من أحدهما لا تسلم من الآخر.»

فوقع قول بربارة من أرمانوسة موقعًا غريبًا فأحبت معرفة حقيقة الواقع، وسألتها: «وكيف ذلك؟»

قالت: «هل يخفى على سيدتي حالنا مع الروم واضطهادهم إيانا، وما بين أبيك وبينهم من الضغائن، وكم سامونا نحن الوطنيين أنواع العذاب، لما بيننا وبينهم من اختلاف في المذهب؟ إنهم يقتلون كهنتنا وينفون بطاركتنا ونحن كاظمون الغيظ، صابرون على البلوى، حتى لقد سمعت سيدي والدك يتمنى أن يأتينا من يخلصنا من جور هؤلاء الحكام.» فقطعت عليها أرمانوسة الكلام وقالت: «إنني أعجب لشكوانا وشكواكم، وأنت المصريون أهل البلاد أكثر عددًا من هؤلاء الروم وهم غرباء قليلون، فلماذا لا تُخرجونهم من بلادكم؟»

فتبسمت بربارة وقالت: «صدقت يا حبيبتي إننا أكثر عددًا ولكنهم أصحاب السلطة، وفي أيديهم الحصون والمعاقل، وهم الحاكمون ومنهم العساكر والقواد، ولا تظني أن المصريين لم يحاولوا هذا الاستقلال، ولكن دولة الروم كبيرة فكانت تبعث إلينا بجنود لا قبل لنا بهم، وأنت تعلمين أن أباك يوناني الأصل ولكنه يحب أبناء البلاد ويميل إلى الأحزاب الوطنية لأنه يراهم على حق. وخلاصة القول إننا أبناء وادي النيل لا نحب هؤلاء الرومانيين مهما يبالغوا في إكرامنا، فقد كرهتهم نفوسنا؛ وبخاصة لأنهم أهانوا بطاركتنا، ولا يزال بطريركنا بنيامين فارًّا من وجوههم لا يعرف مقرَّه إلا القليلون، وكلنا نشكو جور البطريق الروماني المقيم بالإسكندرية مع رجاله وجنده، على أني سمعت سيدي والدك مرارًا يتحدث عن قرب الفرج والتخلص من نير هؤلاء، ومما حكاه مرة لرجال مجلسه — وقد سمعته خفية — أنه جاءه منذ سنين رجل من بلاد العرب الذين يسكنون جنوبي هذه البلاد يحمل رسالة مكتوبة باللغة العربية ترجمها الترجمان إلى لغتنا القبطية فإذا هي من كبير العرب، وهو رجل عظيم سنَّ دينًا جديدًا وتبعه جمع غفير، وكل رجاله أشدَّاء أقوياء، وقد طلب منه في ذلك الكتاب أن يترك ديانة السيد المسيح ويتبع ديانته، وبينما كان سيدي يروي قصته أخرج الكتاب من جيبه فإذا هو جلد جافٌّ مكتوب بلغة القوم، وقد سُرَّ سيدي بمجيء هذا الكتاب ولكنه لم يُرد أن يغيِّر دينه، فبعث إلى ذلك العربي الكبير هدايا من بينها ثلاث جوارٍ إحداهن مارية، التي كانت عندك وكنت تحبينها، ومعهن أيضًا مقدار من العسل الذي يُحمل إلينا كل سنة من مدينة بنها، وأرسل إليه يقول إنه لا يستطيع أن يسلمه البلاد بلا أمر من صاحبها هرقل ملك الرومانيين وهو في القسطنطينية. وبعد أن أتم سيدي قصته، ذكر أنه يفضِّل أن يستولي العرب على هذه البلاد لينجو من هؤلاء الظالمين، وسمعت جميع الحاضرين يصوبون رأيه، ولكنهم أصروا جميعًا على أن يبقوا على دينهم.

وقد مضى على ذلك عدة سنوات، إلى أن حدث منذ بضعة أشهر أن جاء قارب فيه رسول من البدو قد التفَّ بالشملة وعلى رأسه ثوب مطوي، وطلب مقابلة سيدي فأُذن له، فدخل وأعطاه كتابًا، ولا أدري ما دار بينهما، ولكنني رأيت سيدي قد سافر إلى الإسكندرية في اليوم التالي وطلب إلى كل من رأى ذلك البدوي ألا يذكر عنه شيئًا، ولبثت من يوم ذهابه أفكر في سبب قدومه، وظننته جاء في مهمة خاصة، وقد فهمت من بعض هؤلاء القادمين أن العرب قد قاموا من بر الشام ولعلهم قادمون إلى مصر، ولكننا لا نعلم من أي طريق يأتون، وفهمت من هؤلاء الرجال أيضًا أن مولاي أمر الجند الذي تحت إمرته أن يذهبوا مع قائدهم الرومي (المندقور الأعيرج) ويقيموا في حصن بابل مقابل الجيزة، ولعله يريد بذلك أن يمنع العرب إذا قدموا من دخول عاصمة البلاد.»

وكانت أرمانوسة أثناء كلام خادمتها مصغية كل الإصغاء وعلى وجهها أمارات الوجل، فلما وصلت إلى قولها: «وأمر الجند أن يذهبوا مع قائدهم الرومي الأعيرج …» علا وجهها الاحمرار بغتة، ولكنها أخفت ذلك وقالت: «كيف تقولين إن أبي يريد أن يسلمهم البلاد ليخلص من الروم، ثم تقولين إنه يستعد لقتالهم ودفعهم؟» فقالت بربارة: «نعم إنه يودُّ ذلك، ولكنه لا يصرِّح به، بل يُسرُّه في ضميره؛ لأن القوة الظاهرة هنا كلها للروم، وكل جند القطر المصري منهم، فإذا علموا قصده فلا شك أنهم يقتلونه ويقتلوننا كلنا.»

فلما سمعت أرمانوسة ذلك صمتت لا تبدي حراكًا وكانت قد جفَّت دموعها وزالت هواجسها، ولكنها عندما ذكرت بربارة الحصن والأعيرج عاودتها تلك الهواجس وعاد الانقباض إلى وجهها، وقالت بلهفة: «وهل أتى الأعيرج الآن إلى الحصن؟»

قالت: «نعم أظنه قدم ومعه كل رجاله.» قالت: «وهل جاء معه أولاده أيضًا؟»

قالت: «لا أعلم، وفي كل حال، ماذا يهمنا من أولاده؟! لا أبقاه الله ولا أبقى أولاده؛ فإنهم يستوجبون النار.»

فأمسكتها أرمانوسة من يدها وقالت: «لا تلعني ولا تسخطي.»

وترقرقت الدموع في عينيها، فعجبت بربارة لهذه المظاهر ولكنها حملتها على محمل الخوف، وأنها أبت اللعن تورعًا لكيلا يصاب والدها بسوء فقالت لها: «ألا تجوز اللعنة على القوم الظالمين يا بنيتي؟»

قالت: «هبي أنها تجوز ولكن …» وصمتت وراحت تبكي.

فقالت بربارة: «ما بالك تبكين يا سيدتي؟ وما الذي حملك على البكاء ونحن لم نكد نصدق أنك كففت عنه؟»

فتنهدت تنهدًا عميقًا وألقت بنفسها على صدر بربارة، وقد خارت قواها وأخذ منها الهيام مأخذًا عظيمًا، ثم تحولت إلى الغرفة وهي تقول: «إني أنشد نصحك يا خالتي فدبريني برأيك، واكتمي أمري، وساعديني في مصيبتي، فإن كانت حالتي تستحق البكاء قبل أن رويت لي حكايتك هذه، فإنها الآن تستوجب النوح والندب. آه من هذا القلب، آه يا أركاديوس!»

فنهضت بربارة وضمَّتها إلى صدرها وقبَّلتها، ومسحت دموعها وعرقها المتساقط من جبينها، وأخذت تهوِّن عليها، وفهمت من حديثها أنها مولعة بأركاديوس بن الأعيرج الروماني، وهو شاب جميل شجاع يحبه كل من عرفه، وكان يأتي أحيانًا لزيارة المقوقس مع ما بين هذا والرومانيين من التنافر، وكان إذا التقى بأرمانوسة تسارقَا اللحظ وتراسلا بالرموز وقلَّما تكلما. لكن بربارة تجاهلت فضمَّت أرمانوسة إلى صدرها قائلة: «مرحبًا بك يا سيدتي وحبيبتي، إني رهينة أمرك، قولي ما بدا لك، واشرحي حالك، لا تخافي على سرِّك، فقد قلت لك مرارًا إن هذا الصدر خزانة أسرارك، وهذه الحواس كلها تقوم على خدمتك، لا أراك الله ضيمًا.»

فجلست أرمانوسة على مقعد وتناولت المنديل بيدها ومسحت عينيها ووجهها، وأرسلت شعرها إلى الوراء، وكان قد استرسل على خديها عندما ترامت على مربِّيتها، وأجلست بربارة إلى جانبها ونظرت إليها بطرف ذابل قد تكسرت أهدابه من البكاء وغلب عليها الحياء وقالت: «ماذا أقول لك وحالي ظاهرة مع مبالغتي في إخفاء حقيقتها عنك، آه من الحب ما أحلاه وما أمرَّه!»

فأمسكتها بربارة بيدها وأخذت تقبِّلها قائلة: «قولي يا حبيبتي، ليس في الحب عار، ألم أقل لك إنك بمنزلة ابنتي، وقد ربيتك وعقدت النية على خدمتك إلى آخر حياتي؟»

فتنهدت أرمانوسة وأسندت رأسها إلى كتف بربارة برهة في صمت، ثم عادت فقالت لها: «إني قد وقعت في الحب، ولكن لا سبيل إلى بلوغ مرامي؛ لأني أحب عدوًّا لوالدي كما نطقت أنت، إني أحب أركاديوس بن الأعيرج، فكيف لا أندب حظي؟!»

فقبَّلتها بربارة وجعلت تخفف عنها قائلة: «لا تيأسي يا بنيتي من نعمة الله، فأنا نصيرة لك ولحبيبك إلى الممات. أما أنت فإنك بالغةٌ المراد بإذن الله فلا تخافي، وعليَّ تدبير هذا الأمر، طيبي نفسًا ولا تجزعي.»

فانتعشت أرمانوسة وصاحت قائلة: «أصحيح ما تقولين؟ هل تسمح الأيام بذلك؟ آه، إني إن نلت مرامي أكن أسعد فتاة على وجه هذه البسيطة، وإلا فأنا أشقى خلق الله.»

فقالت لها: «لا سمح الله بما يضرك. قرِّي عينًا واعتصمي بالصبر الجميل، وعليَّ ضمان ما تريدين، ولكن أخبريني كيف عرفت هذا الشاب وكيف علقت به؟ وهل هو يحبك مثل حبك له؟»

فتأوهت أرمانوسة وقالت: «لا تسألي عما جرى كيف جرى، فهذا هو الواقع. أما حبه لي فلا أشك فيه، وربما كان عنده ضعف ما عندي، وقد عرفت ذلك جيدًا، فدبري الأمر بحكمتك.»

فقالت بربارة: «سكِّني روعك الآن، ولنُعمل الفكرة في وسيلة توصلنا إلى المرام، فاتركي هذه المخاوف، وهلمِّي الآن إلى الفراش فقد آن وقت الرقاد، وفي الغد نرى ما يكون.»

فقالت أرمانوسة: «من أين يأتيني الرقاد وأنا على هذه الحال؟! ولكنني سأذهب إلى فراشي التماسًا للراحة، وأرجو أن تتحققي أكان أركاديوس في جملة من دخلوا الحصن مع المدافعين أم هو باقٍ في الإسكندرية أو في مكان آخر؛ لنرى ماذا يكون من أمره وأمر أبي وذلك الخطيب، آه منه!»

فقالت: «طيبي نفسًا وقرِّي عينًا وتوكلي على الله. أما أبوك فلا تعارضيه واذهبي إلى بلبيس كما أراد، وسنرى كيف ينتهي الأمر، ولا تظهري شيئًا من نفورك لئلَّا يزداد الخرق اتساعًا.»

فقالت أرمانوسة: «كيف أستطيع الرضا بهذا الحكم الجائر؟! وكيف أذهب وأنا أخشى ألا أعود؟!» قالت ذلك وأخذت في البكاء، فضمَّتها بربارة إلى صدرها وأخذت تطمئن بالها وتعدها بإنقاذها من كل شر تخافه وأن تدبر ذلك بنفسها، وكانت أرمانوسة شديدة الاعتماد عليها فأجابت طلبها وذهبت إلى فراشها، ولكنها لما خلت بنفسها عادت إليها هواجسها ولم تستطع الرقاد تلك الليلة قبيل الفجر.

أما بربارة فذهبت إلى غرفتها وهي تعجب لما وقفت عليه من أمر أرمانوسة، وقد خافت عليها من وطأة الحب، ولا سيما أن حبيبها من أعداء أبيها، والبلاد في حالة حرب لا تتيح لها السعي فيما تريد، ولكنها وطنت النفس على ما في وسعها خدمة لسيدتها.

وكانت بربارة ذات رأي صائب وحيلة محكمة، وسيطرة على من في القصر من الخدم؛ لأنها من أكثر الناس تقربًا من المقوقس الذي كان يحترمها ويصغي إلى مقالها، وكانت هي تحب أرمانوسة كثيرًا، فلما أقبل الصباح جاءت إلى سيدتها وقد استيقظت من رقادها فأعدَّت لها ثيابها وأمرت الخدم أن يهيئوا معدات السفر فأعدوا المراكب وأنزلوا فيها المؤن، وجاءوا بقارب خاص لأرمانوسة وحاشيتها، ومضى ذلك اليوم في الاستعداد وأرمانوسة لم تذُق طعامًا، فلما جنَّ الليل أظلمت الدنيا في عينيها، وهاج بلبالها لعلمها أنها تاركة قصر والدها في الصباح وقد لا تعود له، فقضت الليل في البكاء خفية، وأهل القصر فرحون بسفرها لملاقاة خطيبها، وهم لا يعلمون بمكنونات قلبها إلا بربارة فإنها سألتها قائلة: «أأذهب معك أم أبقى هنا لأستطلع أمر أركاديوس؟» قالت: «إن ذهابي وحدي يشقُّ عليَّ كثيرًا؛ إذ ليس بين هؤلاء من أركن إليه فأبثه شكاتي، ولكنني كذلك أودُّ ذهابك إلى الحصن لتري أركاديوس. لعله إذا علم بما سيحل بي شاركك في تدبير وسيلة لإنقاذي، وأنا أعلم أنه باسل، إذا أراد أمرًا لم يرجع حتى يناله، وها إني ذاهبة إلى عين شمس لأرافق أبي إلى بلبيس، وسأنتظر خبرًا منك قبل وصول ذاك الذي لا أحبه ولا أريده. فإذا أبطأ الفرج فقد تسمعين ما لا يسرُّك.» قالت ذلك وترقرقت الدموع في عينيها، فبكت بربارة لبكائها وهونت عليها قائلة: «لا، لا سمح الله بأن يحدث غير ما يسرُّك، فاذهبي على بركة الله وعليَّ تدبير الأمر …»

وفي صباح اليوم التالي ارتدت أرمانوسة أفخر ثيابها، وأحاط بها الخدم والجواري، وأنزلوها إلى زورقها الخاص بين الألحان والأنغام، وهي تجر ذيل ثوبها المزركش بألوان تبهج الناظرين، وقد ضفرت شعرها وزيَّنته، وتقلَّدت حليَّها الفاخرة وفيها رأس الثعبان المرصع على رأسها، والأقراط في أذنيها، وجعلت على صدرها قلادة من الذهب تتدلى منها زوائد من الذهب، وفي يدها سواران من الذهب الخالص كذلك على شكل ثعبانين ملتفَّين على معصميها، وفي موضع عيونها حجارة من الزمرد الثمين، وتمنطقت بمنطقة من الحرير المزركش بالقصب النقي، وأرخت طرفيه إلى جنبيها.

فلما وصلت إلى الزورق أجلسها البحارة في مكانها، وجواريها بين يديها فيهن الحبشيات والنوبيات وبعض الروميات، ونزل الرجال في زوارقهم وقد نشرت الشراع وتحركت المجاديف، حتى إذا مرت الزوارق بالقرب من حصن بابل وقفت برهة ريثما يفتح لها الجسر الموصل بين الحصن وجزيرة الروضة، وهو مصنوع من قوارب مشدود بعضها إلى بعض، تغطيها ألواح غليظة من الخشب، فتلفتت أرمانوسة نحو باب الحصن الجنوبي لعلها ترى حبيبها مارًّا أو واقفًا ولكن القوارب مرَّت دون أن تراه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤