الفصل الخامس عشر

غزوة بلغاريا والنمسا لسربيا والجبل الأسود

في أول أكتوبر سنة ١٩١٥ أعلنتْ بلغاريا انضمامَها إلى ألمانيا، وشهرتِ الحرب على سربيا والجبل الأسود، وفيما كان الجيش السربي منصرِفًا لصدِّ غارة النمسويين والألمان من الشمال فاجأه الجيش البلغاري من ورائه من الشرق، وأعان ألمانيا والنمسا عليه، وفي ٨ أكتوبر احتلَّ النمسويون بلغراد، وفي ٥ نوفمبر استَوْلى البلغاريون على نيش، وفي ٣٠ منه تمَّ اكتساح سربيا كلها، وفي ١٤ يناير دخل النمسويون ستنجة عاصمة الجبل الأسود.

مضى السنةُ الأولى على الحرب والدِّما
تُطلُّ وحوتُ الحرب يشكو مِن الظَّما
وزادتْ سوافيها١ هبوبًا ونارُها
شبوبًا وغطَّى سيلُها الأرض إذْ طما
ولم تنحصر في البرِّ والبحرِ بل إلى الـ
ـهواء ترقَّى غولُها فاغِرًا فمَا
وقد راع سُبَّاح الهوا بسوابحٍ
تسلَّقْن بين الأرض والجوِّ سُلَّمَا
وأوْغَل تحت الماء يبسط خوفَه
على معشرِ الأسماك ظلًّا مخيِّمَا
ففي الجو طيَّاراتُه تُمْطِر الرَّدى
على الناس مجتاحًا لهم متخرِّمَا
وفي اليمِّ غوَّاصاته وهْي توردُ الـ
ـبواخرَ والركابَ حتفًا مُحتَّمَا
وكان على النمسا إلى الآن لم يَزَلْ
يكرُّ كميُّ السرب أصْيَدَ مقدما
ومعه الحليف الأسودي٢ الذي له
طرازٌ وَشَاهُ البأس أبيضَ مُعلمَا
فصالا عليها مرةً بعد مرةٍ
يُذيقانها من جَفْنة القهر علقمَا
وقد وقَفَتْ بلغاريا ثَمَّ موقفًا
غريبًا مشوبًا بالغموض ومُفْعَمَا
على الحُلَفاء الخُلَّص اعتاص حلُّ ما
تعقَّدَ من هذا القَبِيل وأبهما
بها وَثِقوا إذْ أعلنَتْهم حيادها
وكلُّهم الإخلاصُ منها توهَّما
ولكنَّ فردنند كان انضمامها
إلى جانب الجرمان أمضى وأبرما
قضى السنة الأولى يروغ فتارةً
يُري الحلفا لِينًا وطَوْرًا تبرُّمَا
وكان على الرُّوس الذين دماءَهم
أراقوا فِدَى البلغار يحرق٣ أُرَّما٤
ولم يكُ من جُرْمٍ لهم عنده سوى
تجنُّبهم إياهُ إذْ كان مجرِمَا
أَبَوْا وهو الباغي على السرب نصره
ولم يستحلُّوا ما رأَوْه مُحَرَّمَا
فزاد لهم بغضًا ولا غروَ فهْو لم
يكن بسوى نقْضِ المواثيق مغرمَا
فمن قبلُ خان السرب لم يرعَ عهده
لها وعليها الحربَ شبَّ وأضرما
ولم يجنِ منها غيرَ غلبٍ لأجله
دعا مستغيثًا قيصر الرُّوس مرغمَا
فصاح بجيش السرب قِفْ فأطاعه
وعن صوفيا ارتدَّ الْمُغِيرُ وأحْجما
ولم يكف فردنندَ هذا وظنَّ ما
به الحلفا فاهوا حديثًا مرجَّمَا
وفي صدره للسرب والرُّوس ثائر الضـ
ـغائن لم ينفكَّ كالنار مجحمَا
ورام شفاءَ الحقْد بالغدْر فانبرى
على غِرَّةٍ للسرب يطلب مغنمَا
تغفَّلها مستوفزًا من ورائها
وذي عادةٍ النَّذْل الجبان إذا رمى
أعان عليها النمسويين واترًا
ويطلب ثأرًا ظالمًا متظلِّمَا٥
وفوقهما الألمانُ والتُّرْكُ أقبلوا
فكان من المجموع جيشًا عرمرمَا
أحاطتْ بها هذي الجيوش جميعها
كأني بها الدُّملوج٦ يحتفُّ مِعْصمَا
وشدُّوا عليها وطْأة الضغط فالْتَوى
مهنَّدها في كفِّها متثلِّمَا
وخلَّد أهلُ الخافقين لقومها
وللجبليِّين اذِّكارًا معظَّمَا
فما غادروا من أرضهم قِيد٧ أصبعٍ
لأعدائهم إلى ورَوَّوْه بالدِّما
أجل، خسروا لكنَّ شُهْرة بأْسهم
تعوِّضهم ربحًا أعزَّ وأكرما
ستذكرهم بالشكر ألْسِنة الورى
وإنْ سكتَتْ عنها الجمادُ تكلَّما
فمَن عاش منهم كرَّموه ومَن قضى
قضى خيرَ مأسوفٍ عليه مُرحَّمَا
١  السوافي الرياح التي تحمل الغبار وتَذْرِيه.
٢  من الجبل الأسود.
٣  يسحق أو يعضُّ.
٤  الأُرَّم الأضراس، أو أطراف الأصابع.
٥  أي يظلم السرب ثمَّ يتظلَّم منها.
٦  السوار.
٧  مقدار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤