الفصل الثلاثون

هجوم ألمانيا والنمسا على إيطاليا

لَمَّا هجم الجيش الرُّوسي بقيادة الجنرال برسيلوف على شرق النمسا في صيف سنة ١٩١٦؛ اشتدَّ ساعِدُ الإيطاليين، فاستأنفوا هجومَهم على النمسويين في أوائل شهر أغسطس من تلك السنة، وأخذوا يدفعونهم أمامَهم ويستردُّون ما خسروه في هجوم النمسويين عليهم، وفي أوائل نوفمبر كسروا النمسويين في نجد الكارسو كسرة كبيرة، وبلغ مجموع الذين أسروهم منهم منذ أوائل أغسطس ٤٠٣٦٣، وفي ١٦ مايو سنة ١٩١٧ هجموا على النمسويين في الساحة اليوليانية، فاستَوْلَوْا على مواقعهم فيها، واستأنفوا الهجوم في ٢٤ و٢٥ و٢٦ منه، فاخترقوا خطَّ العدو من كاستانيفنزا إلى البحر، وبلغ مجموع الذين أسروهم ٢٣٦١٨. وفي ٢٠ يوليو هجموا على نجد أسياغو، واستَوْلَوْا على عدة مواقع حصينة، ثمَّ هجموا في ٢٠ أغسطس على ساحل الأيسونزو من مونتي نيرو إلى البحر على خطٍّ طوله ٦٠ كيلومترًا، وعبروا النهر واخترقوا صفوف النمسويين بين بلافا والبحر، واستَوْلَوْا على جبل سنتو، وأسروا عشرين ألفًا، وفي ٢٧ منه تقدَّموا في نجد بنستزا بعد معركة هائلة، وفي ٢٨ منه استَوْلَوْا على جانب مِن جبل سان جبريال ثمَّ احتلُّوه كله. وبلغ مجموع الذين أسروهم إلى ٥ سبتمبر ثلاثين ألفًا، وظلُّوا يتقدَّمون شرق غورتزيا إلى يوم ٢٥ أكتوبر، حين هجم عليهم النمسويون والألمان هجومًا عنيفًا أكرهوهم فيه على الارتداد عن جميع المواقع التي احتلُّوها، وزادوا على ذلك أن تقهقروا داخل بلادهم عن عدة مدن وحصون إلى أن أنجدهم الفرنسويون والبريطانيون وشدُّوا أزرهم شدًّا مكَّنهم من الوقوف في وجوه مطارديهم، وقد نشأ هذا كله عن تخاذُل جيشِهم الثاني.

حتى متى هذي الوغى الفاجعةْ
مستلَّة أسيافها القاطعةْ
حتامَ لا تنفكُّ نيرانها
مشبوبة ألسنها دالعةْ
هذي ثلاثٌ من سنيها مضتْ
ونحن في حجَّتها١ الرابعةْ
ولم تَزَلْ ألمانيا تحسبُ الد
نيا بمَن فيها لها تابعةْ
كأنها في الأرض صارت هي الـ
ـآمرة الناهية الوازعةْ
كأنها بالدم مفتونة
فهي إلى إهراقه نازعةْ
تُحِلُّه ليست بهيَّابةٍ
مغبَّةً٢ فيه ولا جازعةْ
أبطرها أن غادرتْ روسيا
بنفسها جائدة٣ نازعةْ
وزادها الطاغي طموحًا إلى
إيطاليا في فتحها طامعةْ
وعندما حانتْ لها ضربة
تخالها القاضية القاطعةْ
جرَّت عليها جيشها يعضد النـ
ـمسا وشنَّت غارةً رائعةْ
كرَّت لسفك الدم ظمأى وللـ
إثخان في أعدائها جائعة
كرَّتْ وسامتْ جيش إيطاليا الثـ
ـاني ضربًا ناره لاذعةْ
فاضُطرَّ أن يرتدَّ عن موقعٍ
ضاقت عليه أرضه الواسعةْ
وأُكرِهتْ باقي الجيوش على النـ
ـكوص معه فانثنتْ راجعةْ
وغادرتْ ما دوَّخته من النـ
ـمسا لِمُرِّ القهقرَى جارعةْ
واستحْوَذ الذعر على جمعها
فاضطربت أفراده هالعةْ
وشد غازوها الهجوم على
ساقاتها الذائدة الدافعةْ
فلم يَسَعْها صدُّ تيارهم
فأدبرت ناكصة هارعةْ
ونكَّست أعلام نصرٍ على
أعدائها كانت لها رافعةْ
وأصبحت مصفوعةً من لدن
قوم لهم كانت هي الصافعةْ

•••

فيا لها من نكبةٍ كالقضا انـ
ـقضَّت على إيطاليا واقعةْ
من هولها اهتزَّتْ أساساتها
وكاد يُعْيِي خطبُها راقعَهْ
وأوشكت أن تتفشَّى بها
سمومُ فوضى روسيا الناقعةْ
لولا ثباتٌ شدَّ بنيانها
من كلِّ شهمٍ حازمٍ باقعةْ٤
ونجدة فارجة كربها
جادت بها أحلافها سارعةْ
حليفتاها شدَّتا أزرها
بقوة زاجرة رادعةْ
كلتاهما مدَّت إليه يدًا
راغت على أعدائها ماصعةْ٥
جيشان جيش من فرنسا انبرى
بعزمة قلب الصَّفا صادعهْ
وترًا وجيش من بريطانيا الـ
ـعظمى جرى في أثره شافعهْ
كلاهما كانا لإيطاليا
دريئة٦ عاصمة مانعةْ
فيها توقَّت كيد ألمانيا
لها وردَّت شرَّها قامعةْ
وهكذا ظلَّت لِمَن عاهدتْ
حليفةً مفيدةً نافعةْ
١  سنتها.
٢  عاقبة.
٣  قاربتِ الموت.
٤  الرجل الشديد الدهاء والذكاء.
٥  ضاربة.
٦  ستارة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤