الفصل الثامن

وصف معركة المارن الأولى

ظلَّ الجيشان الفرنسوي والبريطاني يتقهقران أمام الجيوش الألمانية في فرنسا، حتى بلغا نهر المارن في ٥ سبتمبر، وكانتِ الحكومة الفرنسوية قد انتقلتْ في ٣ منه من باريس إلى بوردو، وفي اليوم السادس منه رأى المارشال جوفر أنَّه قد حان وقت الهجوم الذي أراده، فأمَر جيوشه بالانطباق على الألمان الذين أسرف قائدهم الجنرال فون كلوك في التغرير بهم، غير حاسب حسابًا للجيش الفرنسوي الجديد الذي أعدَّه الجنرال جاليني١ قُرب باريس، واستهان بالضربة التي كالها الجنرال فوش لقلب الجيش الألماني في لافير شامبنواز؛ ولذلك لم يَسَعِ الألمانيين الثباتُ على هذا الهجوم العظيم، فتقهقروا إلى الأين حيث شرعوا في حرب الخنادق.

وكان مجموع الجيوش الألمانية في هذه المعركة ١٤٥٠٠٠٠، وقُوَّادهم فون كلوك، وفون بيلوف، وفون هوزن، ودوق ورتمبرج، وولي عهد ألمانيا، وجيوش فرنسا نحو ٧٠٠٠٠٠، وقُوَّادها فوش، وكاستلتو، وسرايل، ومانوري، ودسبيري، ولانجله، وقائدهم العام المرشال جوفر، والجيوش البريطانية مائة ألف وقُوَّادهم هايج، وسمث دوريان، وأللنبي، وقائدهم العام المرشال فرنش.

ألَا ثكِلَتْك أمُّك شهرَ آب
ولو نقصتْ شهورُ العام شهرَا
على الحُلَفاء يا ذا الشؤم بين الشـ
ـهور جميعها كنتَ الأشَرَّا
ففيك اجتِيحتِ البلجيك غَوْلًا
ودِيسَ حيادُها رغمًا وقسرا
وعدَّ وزير غليوم العهود الـ
ـتي قُطعتْ على القرطاس حِبرا
وفيك على فرنسا انقضَّ جيش الـ
ـغزاة مدوِّخًا وَثْبًا وطفرا
فسام شمالَها الشرقيَّ خسفًا
ودنَّس تربَها المعدود تِبْرا
هناك ارتدَّ جحفلُ جفر عنها
يذودُ مدافعًا شِبْرًا فشِبْرا
وجيش فرنش معه أدار نحو النـ
ـجا ظهرًا وولَّى الموت صدرا
قليلًا كان في التعداد حتى
لقِلَّته به غليوم أَزْرى
ولكنْ ذَوْدُه عن مونس يومًا
أرى الدنيا قليلَ العَدِّ كُثْرا
أدارَا في الدفاع عن الصِّياصِي٢
معاركَ مُسْعِرات النار تَتْرَى
وفي وجْهِ المهاجِم ثَمَّ سلَّا
مناصلَ ماضِيات الحَدِّ بُتْرا
ولولا مَيْزةُ استعداده من
سنين لأكرهاهُ أن يفرَّا
قضاها حاشِدًا من كل نوعٍ
تمسُّ إليه حاج الحرب وفرا
أراك بذاك الاستعدادِ فوزًا
على الحُلَفا وأحرَزَ منه نَزْرا
وهذا الفوز أطعَمَه بنصرٍ
يمدُّ به إلى باريس جسرا
فمدَّ يديه والجيشان كرَّا
عليه كاسِرَيْن يديه كسرا
وعن باريس صدَّاهُ بسُدٍّ
من الفولاذ أصلبَ بل أقرَّا
بدرعٍ نسجُها من كل قِرْمٍ
على حقْوَيْه إتبَ٣ العزمِ زرَّا
وشدَّ عليه منطقةً سداها
ولِحمتها: اقتَحِمْ لا تخشَ أمرا
وصابُ حِمامِه استحلى عزيزًا
وحلو العيش بالذلِّ استمرَّا
فكرَّ وخلْفَه أَسَدٌ هَصورٌ
تقدَّم سابقًا أسدًا هِزَبْرا
وأقدم كالأَتِيِّ وشقَّ زحف الـ
عدوِّ وصال بطاشًا زبرَّا٤
وأمطر ساقةَ الألمان رمْيًا
سديدًا مقصد الأهداف سعرا
وطعنًا يخرقُ اللأمات نترًا
وضربًا يفلق الهامات هبرَا٥

•••

أولئك هم حُماتُكِ يا عروس الـ
ـبلاد ومطلع المجد الأغرَّا
سلمتِ بهم ومعكِ الحق نال الـ
ـخلاص فكان ذلك خير بُشْرى
سلمتِ بهم أجلْ والنَّسْرُ٦ هِيضتْ
قوادمُه وعُرْفُ الدِّيك٧ طرَّا
سلمتِ وقد سُررتِ وكل قلبٍ
هوى الحرية استَصْباه سُرَّا
إذن أخلِقْ بنفسكِ أن تملَّى
بهم طيبًا وعينكِ أن تقرَّا
وأن تُحيِي الذين فِداكِ ماتوا
ولا تَنْسَيْ لهم ما عشتِ ذِكْرا
فيوم «المرن» خلَّد ما أتاه
بنوك بفضْل «جليني» و«جفرا»
وأبقاه لنا ولكل جيلٍ
سيأتي بعدنا في الأرض ذخرا
١  توِّفيَّ هذا الرجل العظيم في ٢٧ مايو سنة ١٩١٦.
٢  الحصون.
٣  ثوب.
٤  القوي الشديد.
٥  يُقال: رمي سعر، وطعن نتر، وضرب هبر؛ أي شديد أليم، والمقصد المُصيب القاتل، واللأمات: الدروع.
٦  النسر شعار ألمانيا.
٧  الديك شعار فرنسا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤