الفصل الأول

(١) هُبُوبُ الْعاصِفَةِ

أَثارَ «بُرُسْبِيرُو» — ذاتَ يَوْمٍ — عاصِفَةً هَوْجاءَ فِي ذَلِكَ الْبَحْرِ الْعَظِيمِ. وَلَمْ يَدْرِ أَحَدٌ — حِينَئِذٍ — لِأَيِّ سَبَبٍ خَفِيٍّ أَثارَ «بُرُسْبِيرُو» هذِهِ الْعاصِفَةَ؟ وَقَدْ كانَ مِنَ الْمُسْتَطاعِ أَنْ يَرَى الْإِنْسانُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ — إِذا وَقَفَ عَلَى شاطِئِ الْجَزِيرَةِ — ارْتِفاعَ الْأَمْواجِ وَاصْطِخابَها (تَخَبُّطَها وَشِدَّةَ اخْتِلاطِ أَصْواتِها)، وَيَشْهَدَ اضْطِرابَ الْبَحْرِ وَهِياجَهُ، حَتَّى لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّ أَمْواجَ الْبَحْرِ تُرِيدُ أَنْ تَرْتَفِعَ لِتَبْلُغَ أَعْنانَ السَّماءِ (نَواحِيَها)، فَتَشْتَبِكَ مَعَها فِي حَرْبٍ طاحِنَةٍ. وَقَدِ ارْبَدَّ لَوْنُ السَّماءِ وَاغْبَرَّ، وَأَصْبَحَ كالرَّصاصِ، وَاسْتَحالَ ضَوْءُ النَّهارِ إِلَى ظَلامٍ حالِكٍ.

وَلاحَتْ — مِنْ بَعِيدٍ — سَفِينَةٌ مُلْتَهِبَةٌ تُرْقِصُها الْأَمْواجُ، وَتَلْعَبُ بِها وَتَتَقاذَفُها كالْكُرَةِ.

(٢) حُزْنُ «مِيرَنْدا»

وَلَمْ تَرَ «مِيرَنْدا» هذا الْمَنْظَرَ الْمُفَزِّعَ حَتَّى صاحَتْ مَذْعُورَةً — وَقَدْ مَلَأَ الْخَوْفُ قَلْبَها — وَقالَتْ لِأَبِيها: «انْظُرْ — يا أَبَتِ — إِلَى هذِهِ السَّفِينَةِ الْحائِرَةِ، وَاسْتَمِعْ إِلَى صَرَخاتِ مَنْ فِيها وَاسْتِغاثاتِهِمُ الْمُتَصاعِدَةِ فِي الْفَضاءِ، وَقَدْ أَشْرَفُوا عَلَى الْغَرَقِ! إِنَّ قَلْبِي لَيَكادُ يَنْفَطِرُ (يَنْشَقُّ)، حُزْنًا عَلَى مَنْ فِيها مِنَ النَّاسِ. وَما أَحْسَبُ هؤُلاءِ الْمَساكِينَ إِلَّا هالِكِينَ الْآنَ! تُرَى — يا أَبَتِ — مَنِ الَّذِي أَثارَ الْعاصِفَةَ الْهَوْجاءَ؟ وَأَيُّ قَسْوَةٍ دَفَعَتْهُ إِلَى إِثارَتِها؟ أَلا تَرْحَمُ — يا أَبِي — هؤُلاءِ الْمَساكِينَ وَتُنْقِذَهُمْ مِنَ الْهَلاكِ؟ أَلا تَأْمُرُ الْعاصِفَةَ بِالسُّكُونِ، فَتُنْقِذَ حَياةَ الْمُعَذَّبِينَ؟»

فَأَجابَها «بُرُسْبِيرُو» فِي حَنانٍ وَعَطْفٍ: «هَوِّنِي عَلَيْكِ — يا بُنَيَّتِي — وَثِقِي أَنَّ الْعاصِفَةَ سَتَنْتَهِي بِسَلامٍ، وَلَنْ يُصابَ أَحَدٌ مِمَّنْ فِي السَّفِينَةِ بِأَقَلِّ ضَرَرٍ».

فَقالَتْ «مِيرَنْدا» وَقَدْ فاضَتْ عَيْناها بِالدُّمُوعِ: «آهِ! يا لَهُ مِنْ يَوْمٍ مَشْئُومٍ مُفَزِّعٍ!»

(٣) حِوارٌ عَجِيبٌ

فَقالَ «بُرُسْبِيرُو» لِابْنَتِهِ «مِيرَنْدا»: «سَكِّنِي — يا عَزِيزَتِي — مِنْ رَوْعِكِ، وَهَدِّئِي مِنْ فَزَعِكِ، وَلا تَخْشَيْ شَيْئًا؛ فَإِنِّي لَمْ أُثِرِ الْعاصِفَةَ إِلَّا حُبًّا فِيكِ، وَتَوَخِّيًا لِمَصْلَحَتِكِ (تَحَرِّيًا لِنَفْعِكِ)، وَإِنْ كُنْتِ لا تَزالِينَ تَجْهَلِينَ الْأَسْبابَ الَّتِي تَحْفِزُنِي (تَدْفَعُنِي) إِلَى هذا الْعَمَلِ، وتَحَكْمُينَ عَلَيَّ بِالْقَسْوَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْلَمِي حَقِيقَةَ ما أُرِيدُ! أَلَمْ تَسْأَلِي نَفْسَكِ يا بُنَيَّتِي — فِي بَعْضِ الْأَحايِينِ — عَنْ أَبِيكِ؟ مَنْ هُوَ؟ كَيْفَ كانَ؟ وَلِماذا نُفِيَ إِلَى هذِهِ الْجَزِيرَةِ النَّائِيَةِ (الْقَصِيَّةِ الْبَعِيدَةِ)؟»

فَقالَتْ لَهُ «مِيرَنْدا»: «كَلَّا — يا أَبَتِ — لَمْ أُفَكِّرْ فِي شَيْءٍ مِنْ هذا قَطُّ.»

فَقالَ لَها: «إِذَنْ فَقَدْ حانَ الْوَقْتُ الَّذِي أُكاشِفُكِ فِيهِ بِالْحَقِيقَةِ. فَأَصْغِي إِلَى ما أَقُصُّهُ عَلَيْكِ لِتَتَعَرَّفِي حَقِيقَةَ أَمْرِنا جَمِيعًا. عَلَى أَنَّنِي أُحِبُّ أَنْ أُطَمْئِنَكِ — قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ — عَلَى مَصِيرِ السَّفِينَةِ وَراكِبِيها، فَأُقَرِّرَ لَكِ أَنَّ الْعاصِفَةَ — الَّتِي أَزْعَجَتْكِ وَمَلَأَتْ قَلْبَكِ فَزَعًا وَخَوْفًا وَهَلَعًا — سَتَنْتَهِي بِسَلامٍ. فَقَدْ أَثَرْتُها بِفُنُونِ السِّحْرِ وَبَعَثْتُها، وَلَكِنَّنِي أَخَذْتُ عَلَى نَفْسِي عَهْدًا وَثِيقًا أَلَّا أُغْرِقَ أَحَدًا مِنْ رُكَّابِ السَّفِينَةِ. وَنَوَيْتُ أَنْ أُنْقِذَهُمْ جَمِيعًا بَعْدَ أَنْ أُذِيقَهُمْ مِنْ ضُرُوبِ الْأَهْوالِ ما لا يَمُرُّ لَهُمْ عَلَى بالٍ. فَلا يَهُولَنْكِ ما تَرَيْنَهُ، وَلا يُفَزِّعَنْكِ ما تُبْصِرِينَهُ (لا يُخَوِّفَنْكِ ما تَنْظُرِينَهُ). وَكُونِي عَلَى ثِقَةٍ يا بُنَيَّتِي الْعَزِيزَةَ أَنَّ هذِهِ السَّفِينَةَ الَّتِي تَرَيْنَها — وَقَدْ أَوْشَكَتْ أَنْ تَتَحَطَّمَ الْآنَ — لَنْ يَغْرَقَ أَحَدٌ مِمَّنْ فِيها. وَلَنْ يَمُرَّ عَلَيْهِمْ زَمَنٌ يَسِيرٌ حَتَّى تَرَيْهِمْ قَدْ خَرَجُوا جَمِيعًا إِلَى الْبَرِّ سالِمِينَ؛ فَإِنَّنِي لَمْ أُرِدْ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ شَرًّا!»

(٤) ذِكْرَياتٌ مُحْزِنَةٌ

وَحِينَئِذٍ تَوَقَّفَ «بُرُسْبِيرُو» عَنِ الْكَلامِ قَلِيلًا، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ (عادَ إِلَى الْكَلامِ) قائِلًا: «أَلا تَسْتَطِيعِينَ — يا «مِيرَنْدا» — أَنْ تَعُودِي بِذاكِرَتِكِ إِلَى أَيَّامِ طُفُولَتِكِ الْأُولَى، لَعَلَّكِ تَذْكُرِينَ وَقْتًا قَضَيْتِهِ فِي غَيْرِ هذِهِ الْمَغارَةِ؟ ما أَحْسَبُكِ تَذْكُرِينَ شَيْئًا مِنَ ذَلِكِ، فَقَدْ كُنْتِ فِي الثَّالِثَةِ مِنْ عُمْرِكِ».

فَجَمَعَتْ «مِيرَنْدا» كُلَّ فِكْرِها، ثُمَّ قالَتْ لِأَبِيها: «نَعَمْ، بَدَأْتُ أَذْكُرُ — يا أَبَتِ — شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْعَهْدِ السَّعِيدِ. وَإِنِّي لَأَذْكُرُهُ كَما أَذْكُرُ حُلْمًا، وَأَحْسَبُنِي كُنْتُ أَرَى خَمْسَ نِساءٍ يَخْدُمْنَنِي!»

فَقالَ لَها «بُرُسْبِيرُو»: «لَقَدْ مَضَى — يا بُنَيَّتِي — عَلَى ذَلِكِ الْعَهْدِ اثْنا عَشَرَ عامًا، وَكانَ أَبُوكِ — حِيَنئِذٍ — أَمِيرَ «مِيلانَ» وَحاكِمَها».

فَقالَتْ لَهُ «مِيرَنْدا» وَقَدْ عَراها (أَصابَها وَأَلَمَّ بِها) شَيْءٌ مِنَ الذُّهُولِ وِالِاضْطِرابِ: «لَسْتُ أَفْهَمُ ما تَعْنِيهِ يا أَبِي بِهذا الْقَوْلِ؛ فَأَفْصِحْ لِي عَمَّا تُرِيدُ، وَخَبِّرْنِي إِذَنْ: كَيْفَ حالَتْ — بَعْدَ ذَلِكَ — حالُنا (كَيْفَ تَحَوَّلَتْ وَتَغَيَّرَتْ)؟ وَكَيْفَ أَقْصَوْكَ عَنْ إِمارَةِ «مِيلانَ»؟ وَلِماذا أَبْعَدُوكَ وَجَرَّدُوكَ مِنْ حُكْمِها؟»

(٥) قِصَّةُ «بُرُسْبِيرُو»

– أَلا تَذْكُرِينَ — يا بُنَيَّتِي — أَيْنَ كُنَّا قَبْلَ أَنْ نَجِيءَ إِلَى هذِهِ الْجَزِيرَةِ؟

– كَلَّا. لا أَذْكُرُ شَيْئًا مِنَ ذَلِكَ، يا أَبَتِ؟

– كُنْتُ — مُنْذُ اثْنَيْ عَشَرَ عامًا — أَمْيرَ مِيلانَ، وَكُنْتِ أَنْتِ وارِثَتِي الْوَحِيدَةَ.

– فَماذا حَدَثَ، يا أَبَتِ؟ وَكَيْفَ انْتَقَلْنا إِلَى هذِهِ الْجَزِيرَةِ؟

– لَقَدْ نُفِينا مِنْ بِلادِنا نَفْيًا، وَقَدْ أَوْشَكَتْ (قَرُبَتْ) دَسائِسُ الْأَعْداءِ أَنْ تَقُودَنا إِلَى الْهَلاكِ. وَلَكِنَّ عِنايَةَ اللهِ — وَحْدَهُ — قَدْ أَنْقَذَتْنا مِنْ كَيْدِهِمْ، وَأَوْصَلَتْنا إِلَى الْجَزِيرَةِ سالِمَيْنِ.

– أَيُّ كَيْدٍ، وَأَيُّ دَسائِسَ، يا أَبِي؟ إِنَّ الْحُزْنَ لَيَمْلَأُ نَفْسِي لِهَوْلِ ما أَسْمَعُ!

– كَيْدُ أَخِي «أَنْطُنْيُو» وَدَسائِسُهُ.

نَعَمْ، كَيْدُ «أَنْطُنْيُو» عَمِّكِ الْغادِرِ. فَقَدْ فَوَّضْتُ إِلَيْهِ إِمارَتِي، وَتَرَكْتُ لَهُ إِدارَةَ الْحُكُومَةِ، وَانْصَرَفْتُ إِلَى دَرْسِ فُنُونِ السِّحْرِ. وَكانَ عَمُّكِ … آهٍ … أَمُنْتَبِهَةٌ أَنْتِ إِلَى ما أَقُولُ؟

– كُلَّ الِانْتِباهِ يا أَبِي.

– كانَ عَمُّكِ طامِعًا فِي الِانْفِرادِ بِالْمُلْكِ: فَبَذَلَ جُهْدَهُ عامِلًا عَلَى إِقْصائِي عَنْ بِلادِي، لِيَخْلُوَ لَهُ الْجَوُّ … أَمُصْغِيَةٌ أَنْتِ إِلَيَّ؟

– نَعَمْ، فَإِنَّ كَلامَكَ — يا أَبِي — يَشْفِي الْأَصَمَّ مِنْ صَمَمِهِ (يُعِيدُ حاسَّةَ السَّمْعِ إِلَى مَنْ فَقَدَها).

– وَكانَ أَخِي هذا غادِرًا خَئُونًا كالثُّعْبانِ. وَقَدْ صَفَوْتُ لَهُ، وَوَثِقْتُ كُلَّ الثِّقَةِ بِهِ، وَمَنَحْتُهُ كُلَّ حُبِّي؛ فَكانَ جَزائِي عَلَى ذَلِكِ أَنْ غَدَرَ بِي، وَنِسَي ما غَمَرْتُهُ بِهِ مِنْ عَطْفٍ وَحُبٍّ. فَتَحالَفَ هُوَ وَمَلِكُ «نابُولِي» وَاتَّفَقا جَمِيعًا عَلِى نَفْيِي مِنَ الْمَدِينَةِ. وَاسْتَوْلَى أَخِي عَلَى السُّلْطانِ، وَأَمَرَ بِوَضْعِنا — أَنا وَأَنْتِ — فِي زَوْرَقٍ، حَتَّى أَصْبَحْنا فِي عُرْضِ الْبَحْرِ. فَنَقَلُونا إِلَى سَفِينَةٍ طالَ عَلَيْها الْقِدَمُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيها شِراعٌ وَلا حِبالٌ.

– فَكَيْفَ وَصَلْنا إِلَى الْجَزِيرَةِ إِذَنْ؟

– ساقَتْنا إِلَيْها عِنايَةُ اللهِ وَكانَ مَعَنا قَلِيلٌ مِنَ الطَّعامِ وَالْماءِ الْعَذْبِ، وَضَعَهُ فِي سَفِينَتِنا أَحَدُ أَشْرافِ «نابُولِي» وَاسْمُهُ «جُنْزالُو». وَقَدِ اخْتارُوهُ — لِحُسْنِ حَظِّنا — رَئِيسًا لِإِنْفاذِ مُؤامَرَتِهِمْ. فَوَضَعَ فِي سَفِينَتِنا كُتُبِي، وَهِيَ أَنْفَسُ ما أَحْتاجُ إِلَيْهِ، وَهِيَ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ مُلْكِيَ الَّذِي فَقَدْتُهُ. وَوَضَعَ — إِلَى ذَلِكِ — كَثِيرًا مِنَ الثِّيابِ وَالْحُلَلِ الثَّمِينَةِ. وَقَدْ لَطَفَ بِنا اللهُ، وَقَيَّضَ لَنا رِيحًا رُخاءً (أَتاحَ وَيَسَّرَ لَنا رِيحًا هَيِّنَةً رَفِيقَةً)، حَتَّى بَلَغْنا الْجَزِيرَةَ سالِمِينَ.

– شَدَّ ما كابَدْتَ (قاسَيْتَ مِنَ الْعَناءِ) بِسَبَبِي يا أَبَتِ!

– لَقَدْ كُنْتِ لِي — عَلَى الْعَكْسِ مِمَّا تَظُنِّينَ — مَلَكًا (رُوحًا سَماوِيًّا) كَرِيمًا يا بُنَيَّتِي. وَكُنْتِ لِي خَيْرَ مُشَجِّعٍ فِي الْحَياةِ. وَكُنْتِ أَكْبَرَ أَمَلٍ أَتَغَلَّبُ بِهِ عَلَى ما أَلْقاهُ مِنَ الْمَصاعِبِ. وَلَوْلاكِ لَكانَتْ حَياتِي مُجْدِبَةً (مُقْفِرَةً غَيْرَ مُثْمِرَةٍ)، لا سَلْوَى فِيها وَلا أَمَلَ

– وَلَكِنْ خَبِّرْنِي — يا أَبِي — أَيُّ صِلَةٍ بَيْنَ هذِهِ الْقِصَّةِ وَبَيْنَ الْعاصِفَةِ الَّتِي أَثَرْتَها عَلَى هؤُلاءِ الْمَساكِينِ؟

– إِنَّ الْمُصادَفاتِ الْعَجِيبَةَ هِيَ الَّتِي ساقَتْ أَعْداءَنا الَّذِينَ تَآمَرُوا عَلَى اغْتِصابِ الْمُلْكِ مِنِّي، وَأَوْصَلَتْهُمْ إِلَى هذا الْمَكانِ.

وَقَدِ انْتَهَزْتُ الْفُرْصَةَ لِأَضْطَرَّهُمْ إِلَى النُّزُولِ بِجَزِيرَتِنا صاغِرِينَ (أَذِلَّاءَ خاضِعِينَ)؛ فَأَثَرْتُ عَلَيْهِمْ هذِهِ الْعاصِفَةَ الْهَوْجاءَ (الْمُنْبَعِثَةَ هُنا وَهُناكَ) لِيُعَرِّجُوا عَلَيْنا (يَمِيلُوا إِلَيْنا). وَمَتَى تَمَّ لَنا ذَلِكِ، سَهُلَ عَلَيْنا أَنْ نُنْفِذَ الْخُطَّةَ الَّتِي تُمْكِنُنا مِنِ اسْتِعادَةِ الْمُلْكِ.

(٦) نَوْمُ «مِيرَنْدا»

فَنَظَرَتْ «مِيرَنْدا» إِلَى أَبِيها مَدْهُوشَةً. وَعَجِبَتْ مِمَّا قَصَّهُ عَلَيْها أَشَدَّ الْعَجَبِ. وَلَمْ تَعْرِفْ ما تَقُولُ، وَلا كَيْفَ تُجِيبُهُ.

فَنَظَرَ إِلَيْها مُحَدِّقًا (مُوَجّهًا نَظَرَهُ بِشِدَّةٍ) وَقالَ لَها: «لا شَكَّ — يا بُنَيَّتِي — أَنَّ هذِهِ الْقِصَّةَ قَدْ حَزَنَتْكِ، وَنَهَكَتْ قُواكِ وَأَضْعَفَتْكِ. فَنامِي.»

وَما أَتَمَّ كَلامَهُ حَتَّى خَضَعَتْ «مِيرَنْدا» لِتَأْثِيرِ نَظَراتِهِ السِّحْرِيَّةِ؛ فَأَغْمَضَتْ عَيْنَيْها، وَاسْتَسْلَمَتْ لِنَوْمٍ عَمِيقٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤