الفصل الحادي عشر

يُداوِم كَنْدِيد على رحلته، وبأية صفة

يقول فيلسوفنا: «لم يبقَ لي غير الاختيار بين أن أكون عبدًا وأن أكون تركيًّا، فقد تخلَّت السعادة عني إلى الأبد، وتُفسِد العمامة عليَّ جميع ملاذِّي، وأجدني عاجزًا عن التمتُّع براحة بالٍ في دينٍ مملوء خداعًا، فلا أدخله إلا عن منفعة حقيرة، كلَّا، لا أرضى بالانقطاع عن كوني رجُلًا صالحًا، فلأكن عبدًا إذن.»

فلما اتخذ كَنْدِيد قراره هذا أَخَذَ ينفِّذه، فاختار تاجرًا أرمنيًّا سيدًا له، وكان هذا الأرمنيُّ حسن الخُلُق، وكان يُعدُّ فاضلًا ما استطاع الأرمنيُّ أن يكونه، ويُدفَع إلى كَنْدِيد مائتي سكوين ثمنًا لحريته، وكان الأرمنيُّ قد أَخَذَ أُهبته للسفر إلى النرويج، فجلب معه كَنْدِيد، راجيًا أن يكون لفيلسوف مثله نَفْع له في تجارته، ويُبحِران، وتكون الريح من الموافقة ما يقضيان معه نصف المدة المعتادة لقطع هذه المسافة، حتى إنهما لم يحتاجا إلى ابتياع هواء من اللابون السحرة، مكتفيَيْن بتقديم بعض الهدايا إليهم، خشية تعكيرهم حُسْنَ طالعهما بِرُقْياتٍ تعكيرًا يُصابان به أحيانًا إذا ما صُدِّق قاموس موريري.

ولم يكادا ينزلان إلى البر، حتى تزوَّد الأرمنيُّ من دُهن الحوت، وأوعز إلى فيلسوفنا أن يطوف في البلد ليشتري له سمكًا جافًّا، ويقوم بما أُوصِيَ به خير قيام، ويعود مع كثير من الأيائل المحمَّلة من هذه البضاعة، وهو يفكِّر تفكيرًا عميقًا في الفرق العجيب بين اللابون وغيرهم من الناس، وتتمنى له لابونية نهارًا سعيدًا بلطفٍ لا حدَّ له، لابونية بالغة القِصَر ذات رأس أضخم من جسمها قليلًا، وذات عينين حمراوين ملتهبتين، وذات أنف أفطس وفَمٍ عَرِيضٍ إلى الغاية.

وتقول له هذه المخلوقة البالغة من الطول قدمًا وستة قراريط: «أجدُك فاتنًا يا سيدي الصغير، فتفضَّل عليَّ بقليل غرام.» قالت اللابونية هذا وأخَذَتْ تعانقه، فدفعها كَنْدِيد مشمئزًّا، فصاحت، فحضر زوجها مع كثير من اللابون، ويقول هؤلاء: «ما سبب هذا الضجيج؟»

وتقول القصيرة: «إن هذا الأجنبي … آه! أَختنِق ألمًا، يزدريني.»

ويقول الزوج اللابوني: «أُدرِك، أيها الجلف الفظ الغليظ القبيح النذل الوغد، أنت تَشينُ منزلي، أنت تصيبني بأعظم خزي، أنت ترفض أن تضاجع زوجتي.»

ويصرخ بطلنا قائلًا: «يرميني بثالثة الأثافي، إذنْ ماذا كنت تقول لو ضاجعتُ زوجك؟»

ويقول اللابوني غاضبًا: «كنتُ أتمنى لك كل هناءة، ولكنك لا تستحق غير سُخطي.» قال هذا، وهو يُجرِّب عصاه على ظهر كَنْدِيد بلا رحمة، ويُقبَض على الأيائل من قِبَل أقرباء الزوج المُهان، ويفرُّ كَنْدِيد خشية ما هو شرٌّ من هذا، وعدولًا عن مولاه الصالح إلى الأبد، وإلا كيف يَمثُل بين يديه بلا نقدٍ ولا دُهن حوت ولا أيائل؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤