الفصل السادس عشر

كيف وجد كَنْدِيد زوجته مرة أخرى، وكيف خسر خليلته

لم يكن على بطلنا أن يعاني من العنت غيرَ عتوِّ سيده، ولم يكن هذا ثمنًا غاليًا لألطاف خليلته، والغرام إذا ما قُضِي لم يَسْهُل خفاؤه بمقدار ما يقال، فقد عادت عشرتهما لا تخفى على غير عَيْنَي فُلهُل النافِذَتَيْن قليلًا، وصار جميع الخدم يعرفون أَمْرَها، وأَخَذَ كَنْدِيد يُهنَّأ بها فيرتعد، وغدا كَنْدِيد ينتظر وقوع العاصفة على رأسه، ولم يشكَّ في أن شخصًا عزيزًا عليه يكاد يعجِّل مصيبته، ولم تَمضِ بضعة أيام على مشاهدته وجهًا يشابه كُونِيغُونْد، حتى إنه لقي هذا الوجه ثانيةً في بلاط فُلهُل، ولكن الرِّداء الذي ترتديه كان حقيرًا، ولم يكن مِن المحْتَمَل أن تَظْهَر حظيَّة مُسْلم كبير في قاعة فندق بكوبنهاغ، ومع ذلك فإن هذا الشخص البغيض كان ينظر إلى كَنْدِيد مُدقِّقًا، فيدنو منه بغتةً ويُمسِكه من شعره، ويلطمه لطمةً لم يُضرَب بمثلها في حياته، ويصرُخ فيلسوفنا قائلًا: «لم أُخدَع، وَيْ! ربَّاه! مَنْ يُصدِّق؟ ما الذي جاء بكِ إلى هنا بعد أن سَمَحْتِ باغتصابك من قِبَل مسلم؟ اذهبي أيتها الزوجة الخائنة، إنني لا أعرفك.»

وتُجيب كُونِيغُونْد: «ستعرفني مِن صَولتي، أعرف الحياة التي تقضيها، أعرف غرامك بابنة أخٍ لسيدك وازدراءَك إياي، آه! لقد غادرتُ السراي منذ ثلاثة أشهر؛ لأنني غدوتُ غير صالحة لشيء، ويشتريني تاجر لرَتْق بياضاته، ويُحضِرني معه في رحلة يقوم بها على الشواطئ، ويشترك في الرحلة مارتن وكَكَنْبُو وباكت الذين اشتراهم أيضًا، ويُعَدُّ أعظم المصادفات في العالم وجود الدكتور بَنْغَلُوس مسافرًا في المركب نفسه، ويَغرَق المركب بعيدًا من هنا بضعة أميال، وأفرُّ من الخطر مع الوفيِّ كَكَنْبُو الذي أُقسم بأن له مِثْلَ إهابك صلابةً، وأراك ثانيةً، وأراك ثانيةً غير وفيٍّ، فارتعِدْ واخْشَ امرأةً غاضبة.»

بلغ كَنْدِيد من ذهوله بهذا المنظر المثير ما صَرَفَ معه كُونِيغُونْد من غير أن يفكِّر في تصرُّفه تُجَاهَ مَنْ يَعْرِف السر، فلمَّا حضر كَكَنْبُو عَانَقَه عناق حنان.

وقد استفسر كَنْدِيد عن جميع الأمور التي رُوِيَتْ له، وقد حزن كثيرًا من فَقْد بَنْغَلُوس العظيم، الذي غَرِق شقيًّا بعد أن شُنِق وحُرِّق سابقًا، وقد تحدَّثا عنه بصبابةٍ تُمليها الصداقة، ولم يُقْطَع الحديث إلَّا ببطاقةٍ صغيرة ألقَتْها زِنُوئيد من النافذة، ويفتحها كَنْدِيد، ويَجِدُ فيها هذه الكلمة:

اُهْرُب أيها الصَّبُّ العزيز، فقد كُشِفَ كل شيء، ويُعَدُّ المَيل البريء — الذي تَسْمَح به الطبيعةُ، فلا يؤذي المجتمع مُطلَقًا — جنايةً في عين البُسطاء الجُفاة، والآن خرج فُلهُل من غُرفتي بعد أن عاملني بأقصى الغِلظة، وهو ذاهبٌ للحصول على أمرٍ تَهلِك به في سجنٍ مُظْلم، فِرَّ أيها العاشق الأعزُّ، وأنقِذ حياةً عُدْتَ غير قادر على قضائها بجانبي، لقد انْقَضَت تلك الأيام السعيدة حين كنا نتبادل ألطافَ … آه! أيْ زِنُوئيد الحزينة! ماذا صَنَعْتِ مع الرب حتى استوْجَبْتِ هذه المعامَلةَ القاسية جدًّا؟ أراني تائهةً، اذْكُرْ زِنُوئيدك العزيزة دائمًا، أيها الصبُّ العزيز، ستبقى حيًّا في فؤادي إلى الأبد. كلَّا، إنك لم تُدرِك قطُّ مِقْدَار حُبي لك، أتستطيع أن تتلقى من شفتيَّ المشتعلتين وداعِيَ الأخير وحسرتي الأخيرة! أُحِسُّ أنني لاحقةٌ بأبي التَّعِس، لا أُطيق نور النهار، فهو لا يضيء غير الجنايات …

ويجرُّ كَكَنْبُو الدائمُ الفطنة والحَذِرُ كَنْدِيد الذي عاد لا يعي، ويخرُجان من المدينة سالكَيْن أقصر الطرُق، ولم ينبِس كَنْدِيد بكلمة، ولم يُفارق كَنْدِيد سُباته الغارقُ فيه، مع أنهما صارا بَعِيدَيْن من كوبنهاغ بعضَ البُعد، وأخيرًا ينظُر إلى كَكَنْبُو الوفيِّ، ويقول له ما يأتي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤