الصراع … على أرض المطار!

فجأةً دقَّ جرسُ التليفون في كابينة الطائرة، رفع القائد السماعة بسرعة … فجاء صوتُ أحد المسئولين في المطار يقول: لا تدَع أحدًا يخرج من الطائرة، هناك هجومٌ مسلَّح على المطار. نظر القائد إلى «أحمد»، ونقل له المكالمة. فكَّر «أحمد» بسرعة، ثم قال: سوف أعود لك حالًا.

قفز «أحمد» إلى حيث يوجد الشياطين. كانت هنا حالة صمت، ولم يكن أحد يتكلم. فجأةً، وقف أحد الركاب، واعترض طريقه قائلًا: ماذا هناك؟!

ردَّ «أحمد»: المطار يمرُّ بحالة طوارئ، ومن الضروري أن تهدأ قليلًا حتى نستطيع النزول بسلام.

سأل الرجل: اصْدُقني القولَ، ماذا هناك؟ إن كلمة حالة طوارئ تعني أشياء كثيرة!

قال «أحمد» مبتسمًا: لا أظن أنها حالة حرب، المسألة هي تأمين الطائرات والركاب.

قال الرجل في عصبية: هذه ليست أول مرة أسافر فيها، وهذه حالة لم تحدث من قبل!

ابتسم «أحمد» وقال: يا سيدي، هذه مسألة عادية تمامًا، وأرجو أن تهدأ، فسوف نغادر الطائرة بعد قليل!

نظر له الرجل لحظة، ثم جلس. فاستمر «أحمد» في طريقه إلى حيث يقف الشياطين. طرح عليهم الموقف كما سمعه، فقال «فهد»: ينبغي أن نعتمد على مجهودنا في هذه الحالة!

ردَّ «بو عمير»: أعتقد أن سلطات المطار ترى الموقف أكثرَ منَّا.

وكان رأيُ «مصباح»: أن مطار «روما» دولي، وهو يتبع دولة، ولا أظن أن السلطات سوف تفشل في إخماد حالة هجوم مثل هذه!

أما «خالد» فقد قال: أقترح أن نتصل بسلطات المطار، ونعرض عليهم مشاركتنا لهم؛ فإذا كانوا في حاجة لنا، انضممنا إليهم؛ فقد يكون تصرُّفُنا الذاتيُّ مشكلةً بالنسبة لهم!

قال «أحمد»: إنني مع اقتراح «خالد»، وسوف أتصل بجهات أمن المطار فورًا.

قال «فهد»: ما دام الأمر كذلك؛ فإن علينا أن نستخدمَ أجهزتنا.

أسرع «أحمد» ينفذ اقتراح «فهد»؛ أخرج جهاز الإرسال، وأدار قُرص الموجات، حتى التقط حديثًا جعله يتوقف لحظة، أخذ يستمع، بينما كان الشياطين ينظرون إليه في اهتمام … نظر إلى الشياطين، وقال: يبدو أن حوارًا يدور بين أجهزة المطار وإحدى الطائرات.

عاد يستمع من جديد، وقد ظهرت الدهشة على وجهه، وهمس: إن الحوار يدور على أرض هذا المطار، يبدو أن طائرة أخرى قد تعرَّضَت للخطف!

فجأة قال: بكلِّ أسف انتهى الحوار دون الوصول إلى نتيجة!

أسرع «أحمد» يتصل بسلطات المطار، إلا أن «خالد» قال: ينبغي الاتصال برقم «صفر» أولًا.

نظر له «أحمد» لحظة ثم قال: هذا اقتراح جيد!

ثم اتصل برقم «صفر»، وأرسل له رسالة شفرية، شرح له فيها ما سَمِعه من حوار، ثم قال في نهاية الرسالة: ونحن ننتظر التعليمات.

لم يمرَّ وقتٌ طويل حتى جاء ردُّ رقم «صفر» يقول: سوف تتصل بكم سلطات المطار في كابينة الطائرة، «أحمد» يتولَّى الاتصال.

أسرع «أحمد» إلى كابينة الطائرة، وما إن وصل إليها، حتى كانت مكالمة تليفونية تتم، نظر القائد إلى «أحمد» مبتسمًا، وهو يقول: إنهم يطلبون رقم «ص»!

ابتسم «أحمد»، وقال: إنني هذا الرقم!

ثم أخذ سماعة التليفون، وبدأ يستمع. قال الطرف الآخر: نحن فعلًا في حاجة إليكم، لكن الموقف الآن لا يحتمل؛ فهناك اتصالات تُجرَى بيننا وبينهم حتى نصلَ إلى اتفاق، ثم نُخبركم بالأمر. سكت الطرف الآخر لحظة ثم سأل: هل تعرفون المشكلة؟

ردَّ «أحمد» ليس بالتحديد، ما عرفناه أن هناك طائرة مخطوفة، وأن سلطات المطار تحاول الوصول إلى حلٍّ مع المختطفين.

جاء الصوت يقول: إن إحدى عصابات مافيا المخدرات هي التي خطفَت الطائرة، وهي تريد إخلاءَ سبيلِ زعيمهم، بعد أن تمَّ القبضُ عليه في «كولومبيا»، وإلا فإنهم سوف يتخلصون من ركاب الطائرة واحدًا واحدًا.

صمت الصوت لحظة، ثم قال: إنهم لم يحدِّدوا ساعة «الصفر» بعدُ، ونحن نحاول الاتصال الآن بالسلطات «الكولومبية» لاستطلاع رأيها.

سكت الصوت، فقال «أحمد»: إن موقفنا هو نفس موقف الطائرة عندكم، غير أننا استطعنا أن نقبض على المتهمين.

سأل الصوت: هل لهم علاقة بمافيا المخدرات؟

أجاب «أحمد»: نعم وإن كانوا يحاولون أن يُنكروا ذلك.

سأل الصوت مرة أخرى: ماذا ستفعلون؟

قال «أحمد»: نحن ننتظر تعليماتكم لتنفيذها!

مرَّت لحظةُ صمت، ثم قال الصوت: سوف أتصل بك بعد قليل!

وضع «أحمد» السماعة، ثم قال لقائد الطائرة: يبدو أن الموقف صعب جدًّا على أرض المطار … إنها مسألة مؤلمة أن توجد طائرتان مخطوفتان في وقت واحد!

ابتسم القائد، وقال: لو أن هناك أبطالًا مثلكم لانتهَى الأمر!

شكره «أحمد» ثم انصرف إلى حيث الشياطين. كانت أصوات الأطفال قد بدأَت ترتفع؛ بعضهم يبكي، وبعضهم يريد النزول. أما الكبار فقد جلسوا في حالة صمت تامة.

وكأنهم ينتظرون النهاية، فكر «أحمد» لحظة، ثم رفع صوته قائلًا: السيدات والسادة ركاب الطائرة …

نظرت إليه العيونُ كلُّها. في نفس الوقت، كان الشياطين ينظرون إليه أيضًا في انتظار ما سوف يقوله … ابتسم «أحمد»، وقال: أرجو أن تكونوا هادئين ومطمئنين تمامًا. صحيح أن الموقف في المطار ليس جيدًا، لكننا في موقف طيب، وسوف تغادرون المطار بعد قليل. فقط هنا بعض إجراءات الأمن تؤكدها سلطات المطار.

سأل أحدهم: إلى متى؟

ردَّ «أحمد»: أرجو ألَّا يطولَ الوقت!

سأل آخر: ما الذي يحدث بالضبط، لقد فهمت أننا تعرَّضنا للخطف، لكنكم أنقذتم الطائرة من مصيرها السيِّئ. وهذا جعلنا نشعر بالأمن في وجودكم، لكن ماذا هنا؟ وإذا كانت الأمور هادئة فلماذا لا نغادر الطائرة؟

فكَّر «أحمد» لحظة ثم قال في نفسه: هل أقول لهم الحقيقة، حتى يكونوا على علم بما يدور، أو أُخفي عنهم حتى لا يضطربوا؟ مرَّت دقائق، فقال صاحب السؤال: إن صمتك يجعلنا نشعر بالقلق، فماذا هناك؟

قال «أحمد»: سوف أشرح لكم الموقف بصراحة، فقط، أرجو أن تظلُّوا هادئين، ومسيطرين على أنفسكم؛ فطائرتنا لا تتعرَّض لأيِّ نوع من المخاطر.

انتظر لحظة، ثم أخذ يشرح لهم الموقف بوضوح. فجأة، علَا بكاءُ سيدة ثم فجأة مرة أخرى، أُصيبَت إحدى السيدات بنوع من الهيستريا، وأخذَت تصرخ. أسرع أحدُ الرجال للسيدة، التي التفَّ حولها أطفالُها يبكون، وأخذ يُهدِّئها، لكنها كانت تزداد صراخًا. قال الرجل ﻟ «أحمد»: إنني طبيب، وينبغي أن نجد ما يُهدِّئها!

سأل «أحمد» على الفور: تقصد بعض الأدوية؟

قال الرجل: نعم، ومن الضروري أن تكون في الطائرة أدوية خاصة بذلك.

كان كابتن الطائرة يقف خلف «أحمد»، فأسرع إلى صيدلية الطائرة، وعاد بحقنة وزجاجة دواء قدَّمها للطبيب الذي جهَّز حقنة بسرعة، وعاونَه «أحمد» في الإمساك بذراع السيدة. ولم تمضِ دقيقة حتى كانت قد استسلمَت للنوم. أما أطفالها فقد تولَّى الركابُ العنايةَ بهم، هدَأَ ركابُ الطائرة بعد ذلك، وعاد الكابتن إلى كابينة القيادة، وتقدَّم «أحمد» إلى الشياطين، شرح لهم الاتصال الذي تم بينه وبين سلطات المطار، فقال «فهد» في دهشة: هذه عصابات غريبة، إنها تُعلن الحرب على دولة!

تنهَّد «أحمد» وقال: مَن يبيعون السُّمَّ لا يهمُّهم أن يقضوا على الناس.

قال «خالد»: لم أكن أتصور أن تكون الجريمة بهذا الحجم من الضخامة!

هزَّ «أحمد» رأسَه مبتسمًا، وعلَّق: في عالم الجريمة توقَّع أيَّ شيء!

فجأةً، كان صوت كابتن الطائرة يتردَّد، يطلب «أحمد» إلى الكابينة. نظر إلى الشياطين وقال: لا بد أن جديدًا قد وقع!

ثم أسرع إلى مقدمة الطائرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤