الفصل الثامن

وفي اليوم التالي، وقف فريزن على رصيف محطة الشمال في باريس منتظرًا القطار السريع الذي يصل من بادن بادن، ونزل ساعي السفارة من عربة الدرجة الأولى، فسأله فريزن عن خطابات له فوجد واحدًا، فأخذه وعاد بالعربة إلى الفندق الذي نزل فيه، وجلس في قاعة الاستقبال ليقرأ خطاب السيدة، وكان في الظرف خطابان كتبت أحدهما السيدة بخط تتضح فيه شدة اضطرابها، والآخر موقَّع بإمضاء ألبرت كريستوف، وكان خطاب السيدة قصيرًا، وقد جاء فيه:

صديقي العزيز

لقد أمدني خطابك بالقوة والأمل، ولو أنني ما زلت في حيرة وأسى، يمكنك أن تدركهما من قراءة الخطاب المرفق بهذا، والذي تسلمته هذا الصباح. إن غايتي أن يحضر لويس وننقذه من تأثير هذه المرأة عليه، إذ إنَّنا كلما أسرعنا في توقيع عقد القران، كان في هذا الخير لنا جميعًا.

وإني لك الصديقة الشاكرة.

انيزدي بوربون
أمَّا خطاب البارون كريستوف فقد كان طويلًا، ومعنونًا من فينَّا، وكان يظهر فيه قلقه من التأخير، وجاء فيه:

… ولمَّا كانت وجهة نظرك في هذا الموضوع تتفق مع وجهة نظري، وآمالك تتمشى مع آمالي، فإني الآن أنتقل إلى بيان الموضوع من ناحية ابنتي، فإننا كلما أسرعنا في إعلان خطبتها إلى جلالته، كان في هذا الخير لنا جميعًا، إذ إن جريان الأمور على هذا الحال يجعلنا نخشى منه على فيرونيك لئلا يتغير رأيها، فهي صغيرة السن، ومن السهل أن تتأثر عواطفها، وقد يلاقيها في أي يوم الرجل الذي يثير إعجابها ويوجه عواطفها نحوه، حتى ليصبح مشروعنا فجأة صعب التحقيق، ولهذا فإنني يا سيدتي واثق من أنك ستوافقين على ما فعلته؛ فلقد قررت أن تكون أوَّل مقابلة بين جلالته وابنتي في فلَّتك في يوم ٢٣ الجاري، وعليه فقد جهزت — بصفتي والد العروس — جميع الترتيبات الخاصة بعقد القران، لكي يوقع في نفس الليلة التي تقع فيها مقابلتهما، حتى إذا ما انتهت إجراءاته تشرفت بتسليم جلالته مبلغ ٥٠٠ مليون فرنك.

ولمناسبة هذا المساء السعيد، فإني قد عملت ما يلزم لإعلان الخطبة رسميًّا، وفعلًا تم ذلك في فينَّا وباريس وروما وبرلين، ولي الشرف أن أخبرك بأنَّ جلالة إمبراطور أوستوريا وقداسة البابا وجلالة ملك بروسيا سوف يبعث كل منهم رسولًا خاصًّا ليمثله في ذلك الحفل العظيم.

ولست في حاجة لأن أقول إن اليوم الثالث والعشرين من سبتمبر سنة ١٨٦٠ سوف يكون أسعد يوم في حياتي، كما أؤمل أن يكون — وأعتقد أنه كذلك — أسعد يوم لك أنت أيضًا.

وإني لكِ يا سيدتي البرنسيس.

الخادم المخلص
ألبرت كريستوف

ولما أتم الكونت فريزن قراءة هذين الخطابين، جلس يفكر فيما جاء فيهما، وقد رأى أن كريستوف المسن لا بد أن يكون قد رتب هذا الموضوع ودبره من زمن بعيد، فإنه لا يمكن أن يكون قد جهز هذه الترتيبات المعقدة في وقت قصير، ولكن ماذا يجب عليه عمله إزاء هذا الموقف المربك الذي عقده كريستوف بتعيينه يوم توقيع عقد القران؟ لم يبق أمام فريزن غير ستة أيام فقط يجب أن يكون قد أتم فيها كل شيء. وعلى كل فسيعرض الأمر على رئيسه البرنس مترنيخ.

ولكن ما عتم فريزن أن عرف لدى زيارته لدار السفارة الأوستورية في باريس أنَّ البرنس مترنيخ أعظم سياسيي عصره في إجازة تستغرق ثلاثة أسابيع.

وتمتم فريزن لنفسه: «معنى ذلك أنني أعود رأسًا إلى ستراسبورج، ثم أستمر وحدي في القيام بهذه المهمة وإتمامها في مدى ستة أيام.» ستة أيام لكي يخرج مسجونًا سياسيًّا من قلعة فرنسية، ويأخذه معه راضيًا قانعًا إلى الحدود! لقد استطاع أن يحل معضلات سياسية أكثر صعوبة من هذه، ولكنها لم تكن في مواجهة امرأة تريد أن تتخذ لنفسها طريقًا خاصًّا، وليست وحدها في الموضوع.

وقام عن كرسيه المريح ثم قال لنفسه: «حسنًا! فما دامت الأقدار قد أرادت هذا، فهيا لنرى ما سوف يقوله الرجل الآخر.»

•••

كان هذا اليوم هو يوم «الكاسوليت» في مطعم الملوك الثلاثة، فكان المطعم مزدحمًا كعادته في مساء ذلك اليوم من أيام الأسبوع؛ بالشعراء والأدباء والفنانين، وكانوا بعد العشاء قد انصرفوا واحدًا فواحدًا حيث يتمون سهراتهم في ملاهي باريس الكثيرة.

وكان سيرل برتراند يفكِّر هو الآخر في الخروج، ولكن ليذهب إلى الاستديو، حيث كان يرغب في أن يجلس أمام المدفأة ويتم قراءة أحدث ما أخرجه قلم ديماس الصغير، وكانت الساعة التاسعة وقتذاك، فما كاد سيرل يقوم عن منضدته ويأخذ قبعته حتى دخل رجل من باب المطعم وقد اتجه إليه مادًّا يده لمصافحته، ولم يلاحظه سيرل في البدء إلا عندما سمع صوتًا يقول له في لطف: لقد أخبروني بأني لا بد أن أجدك هنا، وإني لسعيد بلقائي بك.

وكان هذا الكونت فريزن، فقال سيرل وهو يصافحه في حرارة وقد سره أن يراه: وإني سعيد أيضًا، هل لك في العشاء؟

– أشكرك، لا أريد أكثر من أن أتحدث معك.

ونظر سيرل حوله بأسف فقد رأى أن معظم الزبائن قد ذهبوا.

وكان الخادم ينظر إليه كأنما ينتظر ذهابه لينظف المنضدة مما تبقى عليها، وكانت الأنوار قد أُطفئت، فقال لصديقه: إذا كان لا يضايقك الاستديو العتيق، العديم البهجة.

– يضايقني؟ إنني أحب هذا، دعنا نذهب إليه.

وسار الرجلان معًا فعبرا الساحة، وفتحت لهما الخادم باب الاستديو، وأحضرت إلى الغرفة مصباحًا موقدًا، وهبت نسمة دافئة لطيفة من الموقد الحديدي الصغير، فسحب سيرل كرسيين ودعا صاحبه للجلوس والتدخين، فاعتذر عنه فريزن في ذلك الوقت، فقال سيرل: أيضايقك أن أدخن غليوني؟

– بل أحب أن تفعل، فهو يجعلك أكثر شبهًا بالإنجليز.

وابتسم سيرل لهذه الملاحظة ثم قال: أؤمل ألا يكون في هذا خسران لي.

– غالبًا لا، إذ في الواقع أنَّ هذا الجانب الإنجليزي فيك هو ما سوف أستعين به هذه الليلة.

– تستعين به؟!

– نعم؛ فقد أتيت لأراك هذا المساء، ولكي أطلب مساعدتك في موضوع دقيق للغاية.

– إنني سعيد بهذه الفرصة.

وكان فريزن في ذلك الوقت يلاحظه بإمعان، ويدرس وجهه محاولًا أن يتعرف منه نفسيته، فلاح له من ملامح وجهه القوية أنه رجل يحب أو يكره بشدة. وكان فريزن قد فكر واستعد تمامًا لما سيقوله الليلة، وعلى هذا فقد بدأ فريزن بهدوء: إنَّ الأمر يتعلق بأخيك غير الشقيق، جلالة ملك فرنسا.

– أوه!

ثم نفخ سيرل دخان غليونه وسكت منتظرًا أن يتم صديقه دون أن يبدو على وجهه أي تأثير: إن أخاك يا عزيزي برتراند في هذه اللحظة في موقف خطر للغاية، وليست حياته وحدها مهددة بالخطر، بل كذلك مستقبله أيضًا ومستقبل أسرته، حتى ليُخشى من وجوده في السجن على تحطيم كل أمل في استعادته ملكه، هل فهمتني؟

– لست أفهم تمامًا، ولكن كيف تنتظر أن يهمني مستقبل أسرة البوربون؟

فأسرع فريزن محتجًّا: لا تسئ فهم ما أقول يا صديقي، فإني لست أناديك على أساس الأسرة أو الملكية كما تقول فإني أعلم أنك لا تهتم بهما، ولكني أطلب مساعدتك على أساس أنك تقوم بعمل إنساني.

فقال سيرل بجفاف: إن لهذا وقعًا بديعًا في الأذن.

– دعني أذكر لك ما حدث.

وقص فريزن باختصار وقائع اختطاف جلالته، وذكر له أنه قد أُخذ إلى حصن دايك حيث لا يزال مسجونًا حتى الآن. وكان سيرل يستمع إليه وهو صامت طول الوقت يسحب أنفاسًا من غليونه، وينظر في تفكير نحو نار الموقد.

ولم يفت على فريزن ملاحظته بدقة وهو يخبره بما حدث، وسكت قليلًا بعد أن أتم قصته، وظل سيرل صامتًا هو الآخر، فاستأنف فريزن قائلًا: إنَّ صحة أخيك ضعيفة كما تعلم، وإن بقاءه في ذلك السجن يعني موته المؤكد، وإلى جانب هذا فإنَّ وجوده هناك يعطِّل أحداثًا سياسية عظيمة تسعى إليها أسرته، ويسعى إليها أيضًا إمبراطوري، ولقد أتيت هنا لأستعين بالبرنس مترنيخ في حل هذا المشكل ولكني علمت أنه سافر في إجازة طويلة.

وسكت فريزن ثانية؛ فقد كان يعلم أن كلماته التالية ستكون نقطة الفصل في الموضوع؛ فقد كان كل شيء يتوقف على الكيفية التي يلاقيها بها سيرل، وعلى هذا فقد أتم بعد لحظة بصوت هادئ: ولذلك فقد أتيت إليك.

وعند هذا انفجر سيرل في ضحكة عالية، وقال في تعجب: إليَّ؟! إنَّ هذه أبدع نكتة قد سمعتها من زمن طويل!

وأتم بشيء من الجد: ولنفرض أنني كنت أهتم بما جرى لأخي غير الشقيق، أو بما يقع على أسرة البوربون نتيجة لما حدث، فما الذي أستطيع أنا أن أفعله؟

ونظر إليه فريزن بإمعان، إذ سرعان ما تحول انفجاره بالطرب إلى مرارة قاسية، وعلى كلٍّ فإنَّ المرارة خير من أن يكون غير مهتم بالموضوع بتاتًا.

ولم يكن في كل هذا ما يشجع فريزن، ورغم ذلك فقد قال: إنك إنجليزي أكثر منك فرنسيًّا يا عزيزي برتراند، وأنا واثق من أنَّك تميل كثيرًا إلى الأدب الإنجليزي أدب بلاد أبيك، خبرني ألم تقرأ كتابًا ألفه أشهر كُتَّاب العصر شارلس ديكنز، كتابًا نشره في العام الماضي واسمه «قصة المدينتين»؟

فقال سيرل وقد بدا عليه شيء من الدهشة: فعلًا، لقد قرأته!

فقال سيرل في بطء: إنه كتاب عجيبٌ، وفيه حوادث مثيرة فعلًا، ألا تعرف لم سألتك هذا السؤال؟

وبدا على سيرل في البدء أنَّه لم يفهم قصده، ولكنَّ الفكرة خامرت ذهنه واتضحت فيه شيئًا فشيئًا، فنظر إلى صديقه نظرة مشدوهة متسائلة كأنما يقول فيها: «هل أنا المجنون أم أنت؟!»

وأسرع فريزن فقال في هدوء: أرجوك ألا تظن — ولو إلى لحظة قصيرة — أنني أطلب منك أن تضحي بحياتك من أجل شخص أو موضوع لا يهمك، وكل ما فعلته هو أنني اقترحت عليك ما أسميه مخاطرة من الدرجة الأولى، وأنا واثق من أنها ستثير اهتمامك وتجتذبك إليها، وهذا لأنك أولًا ستكون سببًا في إنقاذ شخص تعتبر حياته ثمينة في نظر كثيرين، ثم لأنك — كما قلت لك — إنجليزي أكثر منك فرنسيًّا، وإن المخاطرات من الدرجة الأولى لها تأثير كبير في اجتذاب أبناء جلدتك إليها.

وسكت فريزن لحظة، ثم أتم في هدوء أيضًا: في المرة الأولى التي رأيتك فيها استلفت نظري مشابهتك العجيبة لجلالة ملك فرنسا، وكل ما عليك أن تفعله هو أن تحلق لحيتك وتقص شعرك، وهذا يكفي تمامًا لخداع حاكم وحراس حصن دايك، وسوف آخذ إذنًا — بما لي من مركز سياسي — بزيارة السجين، وسأصحبك معي، وإذا لزم الأمر فإنك تتبادل الملابس مع جلالته، حتى يمكنه أن يخرج معي دون أن يشعر أحد، وتبقى أنت مكانه. غير أن بقاءك هناك لن يزيد عن يوم أو اثنين، بل ربما بضع ساعات، فحالما يكتشف أولو الأمر في السجن هذا الاستبدال فسوف يُطلَق سراحك طبعًا، وستهتم حكومتي حتمًا بهذا. وعلى كلٍّ فأنا لا أعتقد أن هذا الخطر الضئيل قد يعوقك، وإني أقسم لك بشرف بلادي أن حياتك ستسلم من كل خطر. والآن، هل فهمت؟

– لقد فهمت، ولكن!

– ماذا؟

– اعف عني إذا قلت إنني لم أفهم حتى الآن الغرض من هذه اللعبة، فإذا كنت ترى — كما قلت لي — أن حكومتك تستطيع أن تسير الموضوع فلم إذن تقوم بهذه «المكيدة العجيبة»؟!

– لأن الوقت ضيق أمامي بكل أسف.

– ماذا تعني بالوقت؟

– يجب أن يعود جلالته إلى بادن بادن قبل يوم السبت المقبل وإلا فقد عرشه.

فهز سيرل كتفيه كأنما يردد ما قاله من قبل، ويعني أنه لا يهتم بهذا مطلقًا، فأردف فريزن بتنهدة قصيرة وقد نفد صبره: إنني أعلم، أعلم أنك لا تهتم بذلك، هذا مفهوم، ليس جلالته عندك أكثر من أخيك غير الشقيق، هذا حسن، ولكن ماذا ترى في الفتاة؟

وقفز سيرل دون وعي وقال في تعجب وقد تجهم وجهه: الفتاة؟!

– نعم، فيرونيك كريستوف، تصور كم يكون موقف هذه الفتاة التعسة مروعًا!

– يا للشيطان! ماذا تعني؟!

– أعني أن الآنسة كريستوف قد تمت خطبتها رسميًّا لجلالته، وقد بُلِّغت بذلك جميع الهيئات الرئيسية في أوروبا، وسوف يرسل إمبراطور أوستوريا وملك بروسيا وقداسة البابا وغير هؤلاء من يمثلونهم في الاحتفال بعقد القران؛ فتصور أنت عدم ظهور جلالته في هذا الحفل، وتخيل الشائعات والأقاويل والفضائح التي ستذاع حول الفتاة المسكينة، ولست أذكر لك مشاعرها وحبها لخطيبها ولو أنها لم تره من قبل، طمعها في أن تكون ملكة، كل هذه الأماني سوف تتحطم، تأمل ماذا يكون حالها بعد هذه الصدمة المروعة.

وكان سيرل لا يزال صامتًا ينظر إلى ضوء المصباح وهو يفكر بعمق.

فاستأنف فريزن بحماس شديد: فلتقدم إليَّ يد المساعدة يا عزيزي برتراند، ولو من أجل الفتاة المسكينة، تصور موقفها أمام العالم في هذا المركز المهين المخجل كامرأة مخدوعة في حبها، لقد تحدث الناس كثيرًا عن علاقة جلالته بالآنسة سان أماند، فإذا لم يتم هذا الزواج فتصور ماذا يقوله الناس عنها وقد تفوقت عليها ممثلة! تصور تأثير ذلك على نفسيتها وعلى سمعتها، لسوف يسلقها الحُسَّاد بألسنة حداد ساخرين منها هازئين بها، وإن فيرونيك لفتاة رقيقة الحس، أخشى أن تقتلها هذه السخرية وتلك المهانة.

وجاء دور فريزن في الانتظار والمراقبة؛ فلقد نمت هاتان العينان المتحمستان عن ذلك السر الذي كان يظن سيرل أنه قد دفنه في قلبه، وما كان فريزن ذلك السياسي البارع والرجل المجرب يتوهم ذلك السر، فما دار بخَلَده من قبل أن سيرل برتراند قد وقع في حب فيرونيك الفتاة التي كان يرسم صورتها، ولكن تلك اللمحة التي انبعثت من عينيه عندما ذكر اسم الفتاة أمامه، وهذا المعنى العجيب الذي يطل منهما الآن؛ قد جعلاه بعد ذلك لا يخطئ في فهم حقيقة مشاعر سيرل نحو الفتاة.

وأخذ فريزن صندوق سجائره وأشعل واحدة وألقى بالثقاب فوق المنضدة، ولكن سيرل لم يتحرك بل ظل ساكنًا ينظر في تفكير نحو ضوء المصباح. وحدث فريزن نفسه وقد أحس بشيء من الاطمئنان لما أدركه أخيرًا من مشاعر سيرل نحو فيرونيك؛ إنَّ حبه لها سوف يمهد سبيل النجاح لخطته، ويدفع سيرل حتمًا إلى الاشتراك معه في الموضوع. وأخيرًا سأله فريزن: حسنًا! ماذا تقول؟

ولكن سيرل لم يتحرك، وكرر فريزن سؤاله مرتين أو أكثر قبل أن يتنبه سيرل إليه، وأخيرًا صاح كمن استيقظ من النوم: آه! ماذا؟

– والآن ماذا ترى في «مكيدتي العجيبة» وقد عرفت جميع ظروفها؟

فرد سيرل في بطء: إنني لا أزال أراها عجيبة، ولكن …

– ولكن ماذا؟

– سوف أذهب إلى حصن دايك معك غدًا.

فأردف فريزن ببساطة ورزانة: إنني كنت واثقًا من ذلك، كلمتك نهائية؟

– كلمتي كلمة شرف.

فقام فريزن وتبعه سيرل، ومد الأول يده فوضعها سيرل في يده، ونظر إليه الأوستوري نظرة مليئة بالمعاني وهو يتأمل قامته الممدودة وجسمه المتين، وقال في نفسه: كم يكون ملكًا عظيمًا لو كان هو الولد الشرعي للملك المرحوم! ثم قال في صوت مسموع: أظن أنه يجب أن أذهب الآن، ولكني سوف أعود غدًا في التاسعة صباحًا، وللأسف فنحن لا يمكننا أن نسافر بقطار الصباح، إذ عليَّ أن أستحضر الإذن لزيارة السجين، كما أنني أرى أنه من المستحسن أن تكون زيارتنا له في المساء.

وصافح سيرل بحرارة مرة أخرى ثم قال بحماس: إنني أخرج الآن أكثر سعادة مما دخلت، ولكنى لم أخبرك عما قد يلاقينا من مخاطر في هذا العمل.

فقاطعه سيرل في ابتسامة: لا حاجة لك بهذا.

– إنني كنت أقصد بهذا أن أؤكد لك أن حكومتي لا بد ستعمل جهدها لكي لا تتركك تقاسي متاعب السجن طويلًا.

فقاطعه سيرل مرة أخرى: سوف أجد حانوت الحلاق مغلقًا إن لم أسرع بالذهاب إليه.

– حسنًا، حسنًا! سوف لا أقول شيئًا بعد هذا.

وضحك فريزن وهو يقول ذلك ثم اتجه إلى الباب وأردف بلطف وهو يشير بإصبعه: حذارِ أن تنسى حلاقة لحيتك وقص شعرك جيدًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤