الفصل العشرون

عندما أصبحت غرفة المقابلات خالية، نهض جمال الدين باشا من مقعده واقترب من أريكة السلطان.

«ما الذي يدور في خاطرك يا جمال الدين باشا؟»

«أرجو ألَّا تمانع في أن أتحدَّث بصراحة يا فخامة السلطان.»

«تفضَّل.»

«أرجو أن تعذرني لمقاطعة مقابلتك مع الآنسة كوهين، ولكن عليَّ أن أقول يا فخامة السلطان إنني لا أظنُّه أمرًا حكيمًا أن تطلب النصيحة من طفلة صغيرة.»

فربَّت عبد الحميد على الشعر خلف عُنُقه.

«ولِمَ ذلك؟»

«أولًا، وأهم ما في الأمر، أن الآنسة كوهين لا تفهم شيئًا عن موقفنا السياسي أو علاقاتنا بالروس والألمان؛ هي نفسها اعترفت بذلك. وثانيًا، من غير اللائق أن يطلب ملكٌ النصيحةَ من طفلة صغيرة مهما تكن الظروف. وثالثًا، فإننا لا نعلم شيئًا عن اتجاهاتها السياسية، فربما ترسل الآن معلومات إلى مُنصِف بِك أو للكاهن مولر، وقد تكون هي نفسها جاسوسة للروس أو للرومانيين أو الفرنسيين …»

قال السلطان: «أشكرك على وجهة نظرك في هذا الأمر. كالمعتاد فإنني أقدِّر نصيحتك، ولكنني في تلك الحالة أختلف معك.»

نظر جمال الدين باشا مرة أخرى في البرقية.

تابع السلطان قائلًا: «لم تسمع الآنسة كوهين اليوم شيئًا لن تقرأه في صحف الغد، ولكنها أثبتت من حصافة نصيحتها أنها تفهم الموقف السياسي جيدًا. وبالنسبة إلى الحكمة في أخذ النصيحة من طفلة، فإنني شخصيًّا أميل إلى الرأي القائل بأن النصيحة السديدة سديدةٌ أيًّا كان مصدرها، وأعتقد أنه عليك تقدير هذا الموقف كالجميع.»

«بالفعل يا فخامة السلطان.»

«بالإضافة إلى ذلك، فقد تصادف أن عبَّرت الآنسة كوهين عن نفس رأيي في الأمر. ولو كانت متسوِّلة أو قردة أو حتى قيصر روسيا نفسه، لكنتُ أيضًا سأقبل نصيحتها.»

قال الصدر الأعظم: «يا فخامة السلطان، بعيدًا عن مصدر النصيحة، يجب أن أعارضك بشدَّة بشأن سياسة عدم الاشتباك.»

توقَّف كي يقيس ردَّ فعل السلطان قبل أن يستفيض في إيضاح تلك النقطة.

«إذا لم نُطلق مجرد طلقة تحذيرية، فإننا بذلك نتنازل فعليًّا عن البحر الأسود للروس، كما أنني أخشى أن يفسِّر الجنرال فون كابريفي عَدَم اتخاذنا ردَّ فعلٍ بأنه إهانة مباشرة لتحالُفنا مع القيصر.»

«وما فائدة تحالُفٍ يجبرك يا صديقي على التصرُّف ضدَّ مصالحك؟»

«كما تعلم يا فخامة السلطان فإن الألمان من أهم حُلَفائنا، فهم يملكون ثاني أقوى أسطول بحري في العالم، وقد أقسموا على حماية مصالحنا أينما تتعرَّض للخطر.»

«ولِمَ لا يحموننا من الروس الآن؟»

ودون أن ينتظر إجابة، أصدر عبد الحميد أمره النهائي.

«أخبِرْ قبطان ميسودي بألَّا يُطلق النيران ما لم تُطلَق عليه النيران، وأن يتجنَّب الاشتباك المباشِر قَدْر الإمكان.»

ظلَّ الصدر الأعظم صامتًا فترة طويلة قبل أن يجيب.

«إنني أتفهَّم يا فخامة السلطان أن ذكرى حادث تفجير السفينة أنتيكبا قد تُجْبِر المرء على تجنُّب إطلاق النار على زورق طوربيد روسي.»

قال عبد الحميد وهو ينهض واقفًا من على أريكته: «إن أنتيكبا لا علاقة لها بقراري.»

ودون أن يتفوَّه السلطان بكلمة أخرى، غادر غرفة المقابلات. أغمض عينيه في وهج الشمس الساطع، وسار عبر ممرِّ الحديقة الخاص بمكتب الإندرون، من مكتبة أحمد الثالث حتى جناح الخدم جِيئةً وذَهابًا. بصرف النظر عن مشاعره تجاه الاشتباك البحري، كان واضحًا أن الروس يحاولون إثارة ردِّ فعل يمكنهم استغلاله ذريعةً لمعركة أكبر، وكان واضحًا أيضًا على الرغم من كلِّ ما يؤكِّده جمال الدين باشا أن الألمان سوف يستفيدون بشدة من حدوث مُناوَشة عثمانية روسية في البحر الأسود. وهكذا، فإن عدم الاشتباك هو أفضل ردٍّ في الوقت الحالي على الأقل بصرف النظر عن توصيات الجنرال فون كابريفي. لم يكن عبد الحميد مُستمتِعًا بالتنازُل عن المعركة، ولكن كما قال داريوس الأول بحكمة: «لا حاجة لاستخدام القوة حيث تُفِيد الحِيلة.»

حتى لو كان عبد الحميد يرغب في استخدام القوة، فهو يعلم أنَّ الإمبراطورية أضعفُ من أن تحتمل حربًا مُمتدَّة مع الروس. وكان بالكاد ما يمكنه هو تزويد القصر بالموظفين، فضلًا عن الحكومات المحلية؛ والأقليات تصرخ مطالبةً بمزيد من التمثيل، بل الحكم الذاتي في بعض الحالات؛ وجيشه الذي كان يومًا ما مصدرَ رُعْب لفيينا وبودابست يُعاد تشكيله بواسطة الجنرالات الأوروبيين. حتى مع إنشاء كلية الترجمة وتحديث الأسلحة العسكرية والسكة الحديدية، وبرغم التعديلات الدستورية التي قام بها، فالإمبراطورية على شفا كارِثة. كان عبد الحميد يشعر كلَّ يوم بالأغلال تَضِيق حوله. ولو كان بوسعه أن يسحب الإمبراطورية بعيدًا عن سيطرة القوى العظمى ويسدِّد ديونها ويُلغِي الامتيازات الأجنبية ويطرد المستشارين العسكريين الأجانب، لتمكَّن عندئذٍ من استعادة السيطرة على البحر الأسود. ولكنه في تلك اللحظة كان عليه التحلِّي بالحذر.

توقَّف عبد الحميد عند المِزْوَلة المجاورة لجناح الخدم، وتخلَّل بأصابعه التجاويف التي تمثِّل ساعات اليوم. كان ظلُّ الشمس يميل إلى مفاصل أصابعه مستمرًّا في طريقه. ورغم قوته كان يعلم أن ثمة الكثير من الأمور التي تخرج عن نطاق سيطرته. على المرء أن يبذل أقصى ما في وسعه ضِمْن حدود التاريخ. وتمنَّى في نفسه لو كان جمال الدين باشا يفهم ذلك، لو كان مستشاروه يشبهون الآنسة كوهين، غير مكبَّلين بالتقاليد ولا يخشون الحديث بصراحة. توقَّف كي يتأمَّل هدهدًا باللونين الأرجواني والأبيض جاثمًا على السقف المقوَّس لغرفة المقابلات، هزَّ رأسه نحو اليسار ثم حلَّق عبر الماء. إنه هو. قرع السلطان عصا المِزْوَلة بمفصل أصبعه، ثم توجَّه مباشرةً إلى مكتبة أحمد الثالث.

وعندما دخل هناك، كاد أمين المكتبة يسقط عن السُّلَّم من الصدمة.

قال بعد أن هبط باحتراس وانحنى: «فخامة السلطان! يا لها من مفاجأة سارة! كيف يمكنني أن أساعدك؟»

«لديَّ طلب بحاجة إلى أن يتمَّ في سرية تامة.»

«بالطبع يا فخامة السلطان، تفضَّل.»

«أولًا أريد منك أن تجمع لي كلَّ الفرمانات والمراسلات المتعلِّقة بعلاقتنا مع القوى العظمى، وخاصةً الروس والألمان، ثم تصنع منها نُسخًا وترسلها إلى الآنسة إلينورا كوهين في منزل مُنصِف باركوس بِك.»

توقَّف السلطان مُتيحًا الفرصة لأمين المكتبة كي يدوِّن تلك التفاصيل.

«عندما تنتهي من جمع المواد المطلوبة احْضُر إليَّ وسوف أعطيك خطابًا ترفقه معها كغلاف. هل هذا الأمر واضح؟»

«نعم يا فخامة السلطان، ولكن المشكلة الوحيدة أن حجم المواد التي تطلبها قد يزيد عن سعة عربة كاملة.»

«ضع حدًّا أقصى لها ستة صناديق شحن، وأعطِ الأولوية للمستندات الأكثر أهمية.»

«نعم يا فخامة السلطان، على الفَوْر.»

وفي فجر اليوم التالي انطلق السلطان في رحلته السنوية لمشاهدة الطيور عند بحيرة مانياس. استغرقت الرحلة عبر بحر مرمرة مُعظَم اليوم الأول، وفي ذلك المساء نصبوا مخيَّمًا بالقرب من إحدى قرى الصيادين القوزاق عند الجهة الشمالية من البحيرة، وفي صباح اليوم التالي انطلقوا إلى الشاطئ الشمالي ونصبوا مخيَّمًا لفترة أطول على مسافة بضعة كيلومترات من إحدى قرى اللَّاجئين التتار. أرسل كلٌّ من القوزاق والتتار هدايا ترحيبًا بزيارة السلطان، ولكن بصفة عامة لم يهتمَّ عبد الحميد وجماعته بسكان المنطقة، فبعد أن نصبوا المخيَّم قضوا معظم الوقت مُرتدِين المنظار الميداني. لم يكن الصيف هو الوقت المثالي من العام لمشاهدة الطيور في المنطقة، ولكن د. بينديكت عالِم الطيور البريطاني المرموق الذي دُعِي كي يقود الرحلة كان جدول أعماله مُزدحِمًا للغاية.

رغم أن هجرة الربيع كانت قد انتهت منذ بضعة أسابيع، تمكَّنوا من ملاحظة عدد من الفصائل وهي تصنع أعشاشها وتتكاثر. وبينما كانت مياه البحيرة تتراجع صنعت طيور الصَّدَّاح والبلشون الأبيض والبجع أعشاشها في الرقعة الشاسعة المكشوفة من نباتات الخيزران والزهور البرية. أشار د. بينديكت وهو يقود جماعة السلطان بمحاذاة الشاطئ إلى عشِّ عصفور الرميزية، وهو عشٌّ مُتقَن الصُّنع غريب الشكل على هيئة الكُمَّثْرى يتدلَّى من أفرع شجرة صَنَوْبر، نُسِجَ من خيوط العنكبوت المُهمَلة وشَعْر الحيوانات والنباتات، وبه مدخل زائف وفتحة خفية لإرباك الحيوانات المفترِسة المُحتمَلة. وعلى مدار الرحلة رأى السلطان أكثر من خمسين فصيلة من الطيور: الإوَز الأبيض الجبهة، وطائر الصفارية الذهبي، ومالك الليل الحزين، وأبو منجل المصقول، وحشد من طيور أبو مِلْعقة وثلاثة أزواج من البجع الدلماسي ذي المِنْقار البرتقالي الزاهي. وفي الليلة الخامسة والأخيرة من الرحلة قُبَيل الغسق، هاجم خنزير بري المخيَّم. وقبل أن يفكِّر أيٌّ من المرشدين والمترجمين في التصرُّف، أطلق عليه د. بينديكت النار ببندقيَّته فأرداه قتيلًا. وأمر السلطان بسلخ الخنزير وشوائه تكريمًا لدكتور بينديكت، رغم أن السلطان لم يشاركهم تناوُل الطعام. كان ختامًا رائعًا للرحلة، فبالإضافة إلى الخنزير دُعِيت جماعة السلطان إلى السَّفَرجل المحشوِّ ولحم الضأن المشوي وحساء الشعير اللذيذ.

عندما عاد عبد الحميد إلى القصر متأخِّرًا في ذلك المساء، أدرك على الفور أن ثمة شيئًا ما خطأً. ولكن لمَّا كان الوقت قد تأخَّر كثيرًا فقد خلد للنوم مباشرة، وعندما استيقظ وجد أن حَدْسَه كان صحيحًا؛ وذلك لأن والدته كانت تجلس في صَبْر على مقعد بجوار باب مخدعه.

«صباح الخير يا أمي.»

قالت وهي تنهض كي تنحني: «سمعتُ أن رحلتكَ حقَّقت نجاحًا.»

فابتسم قائلًا: «نعم، حقَّقت نجاحًا كبيرًا. لقد رأيتُ ثلاثة أزواج من البجع الدلماسي وعُشَّ عصفور الرميزية.»

ردَّدت قائلةً: «الرميزية، هذا رائع.»

«ولكنني لا أعتقد أنكِ جلستِ بجوار فراشي طوال الصباح كي تسأليني عن أخبار رحلتي.»

«أجل يا فخامة السلطان، عليَّ أن أعترف بذلك.»

«ماذا يزعجكِ يا أمي؟»

«لا أودُّ أن أُفْسِد صباحك الأول بعد العودة بهمومي.»

فقال وهو يعتدل جالسًا في الفراش: «إذا كُنتِ مهمومةً فأنا أيضًا كذلك.»

فجلست في مقعدها مرة أخرى ووجَّهته نحوه.

«لقد سمعتُ إشاعة بالأمس أزعجتْني كثيرًا، وشعرتُ بالحاجة لأنْ أُوقِظ ابني الأكبر الحبيب من نومه.»

«أَخْبرِيني يا أمي، ما الأمر؟»

«يقول الناس إنكَ طلبتَ النصيحة من تلك الفتاة المدعوَّة كوهين فيما يتعلَّق بأمر عسكري دقيق، وإنك تخطِّط لإرسال مواد سرِّيَّة إليها كي تقرأها.»

أكَّد صمتُه أن تلك الإشاعة صحيحة.

تابعت قائلةً: «لا يعنيني من أين تحصل على النصيحة، فأنا أعلم أنني قد ربَّيتك جيدًا بما يكفي كي تعلم الفرق بين النصيحة الجيدة والرديئة، ولكن ما يعنيني هو سُمْعتك؛ فقد بدأ الناس في القصر يتحدَّثون بالفعل عن الموقف بألفاظ مُهِينة.»

قال: «دعيهم يتحدثوا، فهم يتحدثون طوال الوقت.»

«وإتاحة المباحثات الداخلية الخاصة بالقصر بين يدي تلك الفتاة، وإعطاؤك معلومات حساسة لِطِفلة يهوديَّة لا نعلم عنها شيئًا! في حقيقة الأمر إنَّ هذا يقلقني أيضًا.»

تقلَّب السلطان على ظهره. لقد انتشرت المعلومة سريعًا، حتى على مستوى القصر.

«مَنْ أخبرَكِ بذلك؟»

«جمال الدين باشا.»

«وكيف علم هو بذلك؟»

«لقد افترضتُ أنكَ أخبرتَهُ بنفسك.»

قال السلطان وهو يتقلَّب على جانبه: «كلَّا، لم أفعل.»

استأذن عبد الحميد من والدته، وأخبر الرسول الأقرب إليه أنه يرغب في تناوُل الإفطار في مكتبة أحمد الثالث. كان ذلك طلبًا غريبًا للغاية، ولكن الرسول لم يتأخَّر ثانية قبل أن ينحني ويُهروِل مُسرِعًا كي يُبلغ العاملين في المطبخ. وفي تلك الأثناء توجَّه السلطان نحو المكتبة التي وجدها خاليةً كما يأمل. كانت الحركة الوحيدة تتمثَّل في عمود من ذرات التراب، والصوت الوحيد صادرًا عن حشرة السمك الفضي. جلس عبد الحميد إلى مكتب أمين المكتبة وانتظر، وبعد مرور بضع لحظات قُدِّم له إفطاره هناك. وبينما كان يتناول الإفطار أخذ يتصفَّح سجلًّا ضخمًا أزرق اللون في منتصف المكتب؛ كان سجلًّا بكلِّ الكتب التي طُلِبت واستُعِيرت من المكتبة خلال الشهر الماضي، ورأى أن معظم المباحثات والمراسلات الرسمية التي تخصُّ علاقة الإمبراطورية مع برلين وسانت بطرسبرج قد طُلِبت استعارتها، ولكن لا شيء في السجل يشير إلى أن السلطان هو من طلب تلك المستندات، وهكذا فقد رتَّب أمين المكتبة تلك النقطة على الأقل، ولم يكشف الأمر. أغلق السلطان السجلَّ، وعندما انتهى من احتساء الشاي دخل أمين المكتبة نفسه إلى الغرفة.

قال ووجهه شاحب كحشرة السمك الفضي: «فخامة السلطان، ما سبب تشريفكم لي بالزيارة؟»

«كي أطمئِنَّ فحسب على الطلب الذي طلبتُه الأسبوع الماضي.»

اطمأنَّ أمين المكتبة قليلًا لهذا التفسير، ولكن ليس تمامًا.

«كدتُ أنتهي من إعداده يا فخامة السلطان، وآمل أن أُحضِر لك النتائج غدًا صباحًا. ستة صناديق مليئة بالخطابات والفرمانات الرسمية.»

قال عبد الحميد وهو يلقي نظرة على السجل المُغلَق: «حسنًا، لديَّ سؤال آخر.»

«تفضَّل يا فخامة السلطان.»

«ألم أُخْبرْك بأن هذا الأمر سريٌّ؟»

«بلى يا فخامة السلطان.»

«لماذا إذن أيقظَتْني والدتي هذا الصباح وهي تُخْبرني أن هذه الخطة أصبحت معروفة للجميع؟»

انبطح أمين المكتبة أمام السلطان وأطباقه الخالية وكاحلاه يرتجفان.

«لم أتفوَّه بكلمة لأحد، أقسم على ذلك يا فخامة السلطان.»

تأمَّل السلطان أمين المكتبة للحظة قبل أن يُشِير إليه بالوقوف.

«إنك رجل مُتديِّن، أليس كذلك؟»

«بلى يا فخامة السلطان، إنني أبذل قُصارى جهدي.»

«إذن أحضِر لي مُصْحفًا.»

نفَّذ أمين المكتبة الأمر، وفتح عبد الحميد المصحف على السورة الأولى.

«هل تُقسِم بالمصحف وبالرسول عليه الصلاة والسلام وبالخلفاء الراشدين أنَّك لم تتحدث مع أيِّ شخص على الإطلاق عن ذلك الأمر؟»

فوضع أمين المكتبة يده على المصحف.

وقال وفتحتا أنفه تتسعان خوفًا: «من المحتمَل يا فخامة السلطان أنني لم أوضِّح لأمين محفوظات القصر أو للكَتَبة الذين ساعدوني الطبيعةَ السرية لهذه المهمة. وإذا كان الأمر كذلك، فإنني أتحمَّل المسئولية كاملة عن ذلك. وأنا على استعداد لتقديم استقالتي إذا كان ذلك مناسبًا.»

«وفيما عدا أمين محفوظات القصر والكَتَبة، هل أخبرت أيَّ شخص بهذا الطلب؟»

«كلَّا يا فخامة السلطان، وكما ترغب فإنني أقسم بالمصحف الشريف وبالرسول عليه الصلاة والسلام أنني لم أفعل.»

قال السلطان وهو ينهض من أمام المكتب: «حسنًا، أرجو أن تُحضِر الصناديق إلى غرفتي فوْرَ الانتهاء منها.»

وعندما غادر عبد الحميد الغرفة، انهار أمين المكتبة على رُكْبتيه ووضع جبهته على الأرض.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤