الفصل الثاني عشر

العادات المصرية

سأتناول موضوع مصر في شيء من التفصيل؛ إذ لا توجد مملكة تعادلها في كثرة عجائبها، ولا في ذلك العدد الهائل من الأعمال التي تتحدى كل وصف. لا تختلف مصر في طقسها فحسبُ عن سائر بلاد الدنيا، ولا في أنهارها، ولكن سكانها يختلفون كذلك عن بقية سكان العالم. إن معظم أخلاقهم وعاداتهم مناقِض تمامًا لأخلاق وعادات غيرهم من البشر، فتؤم نساؤهم الأسواق ويتاجرن بينما يمكث الرجال في البيوت أمام الأنوال. وبينما يتبع بقية العالم في النسيج أن تكون اللُّحمة فوق السداة، فإن المصريين يجعلونها أسفلها. كما أن النساء يحملن الأثقال فوق أكتافهن، بينما يحملها الرجال على رءوسهم. ويتناول المصريون طعامهم في الطرقات خارج بيوتهم، ويأوون إلى بيوتهم للأغراض الخاصة، وحجتهم في ذلك أن العمل غير اللائق، والضروري في وقت واحد، يجب أن يتم سرًّا. أما الأمور الخالية من أي شيء غير لائق فيجب أن تحدث في الطريق علنًا، ومحظور على المرأة الاشتغال بأعمال الكهنة سواء للآلهة أو للربات، في حين يقوم الرجال بوظيفة الكهنة لكليهما. ولا يلتزم الأبناء بكفالة والدَيهم إلا باختيارهم، أما البنات فمُلزمات بذلك سواء أكان هذا برضاهن أو على كره منهن.

يُطِيل كهنة الدول الأخرى شعورهم، أما كهنة المصريين فيحلقون رءوسهم. ومن العادة في جميع بلاد العالم أن يَحلِقَ الناس شعورهم حدادًا على الأقارب، أما المصريون الذين من عادتهم أن يَحلِقُوا شعورهم في الحالات العادية فيتركون لِحَاهُم وشعور رءوسهم تطول عندما يموت قريب لهم. ويعيش الناس في البلاد الأخرى بمعزلٍ عن الحيوانات، ولكنَّ المصريين يعيشون دائمًا مع حيوانات. وتتغذى الشعوب الأخرى بالشعير والقمح، بينما يعتبر المصريون ذلك عارًا أيَّ عار، ويتغذون بالذرة الهندية التي يطلق عليها البعض اسم «زيا»، ويعجنون الدقيق بأرجلهم، أما الطين فيخلطونه بأيديهم، كما يحملون القاذورات والتراب بأيديهم أيضًا. وهم الشعب الوحيد في العالم الذي يعرف الختان، ومَن يعرفه مِن الشعوب الأخرى فقد تعلمه مِن المصريين. ويلبس رجالهم ثوبًا من قطعتين، أما ثوب النساء فمن قطعةٍ واحدةٍ.١ كما يلبسون الخواتم، ويربطون حبال الأشرعة من داخلها، أما غيرهم فيربُطها خارج الشراع. ولا يكتبون كالإغريق من اليسار إلى اليمين، بل من اليمين إلى اليسار، ورغمًا من هذا يُصرُّون على أنهم هم الذين يتجهون بكتابتهم نحو اليمين أما الأغارقة فهم الذين يتجهون نحو اليسار. ويتخذون نوعين من الكتابة يطلقون على أحدهما اسم «المقدس»، وعلى الثاني اسم «العادي».

يتمسك المصريون بدينهم إلى درجة بالغة أكثر من أي شعبٍ آخر، ويتبعون هذه المراسيم: يشربون في أقداح نحاسية يغسلونها ويجلونها كل يوم ولا يشذُّ عن هذه العادة أحدٌ قط. ويلبسون ثيابًا من التيل يحافظون دائمًا على أن تكون مغسولة حديثًا. ويزاولون الختان بقصد النظافة مفضِّلين إياها على حُسن المظهر. ويحلق الكهنة جميع جسمهم كل يومين؛ حتى لا يَعلق به القمل والأقذار الأخرى وهم يقومون بخدمة الآلهة. وثيابهم كلها من التيل، وأحذيتهم من نبات البردي. ولا يصح لهم أن يرتدُوا ثيابًا أو أحذية من مادةٍ أخرى غير هاتين. ويستحمون مرتين يوميًّا بالماء البارد ومرتين في كل ليلة. وعلاوة على هذه العادات، لهم آلاف من العادات الأخرى.

١  ربما تكونت لدينا فكرة خاطئة إذا علمنا أن ثوب الرجال في مصر يتكون من قطعتين بينما يتكون ثوب المرأة من قطعة واحدة. كان الثوب العادي للرجال عبارة عن جلباب طويل تحته جونلة قصيرة، فكانوا يخلعون الجلباب وقت العمل ويشتغلون بالجونلة. أما النساء فيلبسن الجلباب الطويل وحده. فإذا أُرِيدَ لبس ثوب زيادة على ما تقدم صار ثوب الرجل من ثلاث قطع وثوب المرأة من قطعتين. وعلى هذا لا يقتصر ثوب المرأة على قطعة واحدة بل يجعلونه من قطعتين أي أقل دائمًا بقطعةٍ واحدةٍ من ثوب الرجل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤