مقدمة

في قديم الزمان، عاش ملك اسمه يوثر بيندراجون، وكان يحكم بريطانيا بأكملها. وفي هزيمته لأعدائه، اعتمد يوثر بيندراجون بشدة على رجلين من رجال بلاطه؛ أحدهما هو ميرلين الحكيم، الذي كان ساحرًا يستطيع أن يرى المستقبل، والآخر هو سير أولفيوس، الفارس النبيل الذي قاد الجيش في الكثير من الحروب العظيمة.

وكان لزوجة الملك يوثر بيندراجون، الجميلة إيجراين، ابنتان من زوج آخر. كانت إحداهما، التي تُدعى مورجانا لي فاي، ساحرة ذائعة الصيت. وسرعان ما أنجبت إيجراين مولودًا ذكرًا. وعندما جاء ميرلين ليرى الصبي، وقف فوق مهده وأغمض عينيه وقال للملك يوثر بيندراجون: «مولاي، يؤسفني أن أخبرك بأنني أرى أمورًا سيئة في المستقبل: ستعتريك الحمى عما قريب وتموت. وستسقط مملكتك في غياهب فوضى عارمة، وستكون حياة طفلك في خطر شديد بسبب الأعداء الذين سيحاولون سلبه حقوقه الشرعية. أتوسل إليك، اترك الصبي لي أنا وأولفيوس لنأخذه بعيدًا، ولسوف نخبئه في مكان آمن إلى أن يكبر!»

كان يوثر بيندراجون يثق ثقة كبيرة في نصائح ميرلين وفي الهبات التي ظن أن ابنه سوف يقدمها إلى العالم يومًا ما. ومن ثم ترك ميرلين وأولفيوس يأخذان الطفل ويخفيانه. ولم يمر زمن طويل حتى مرض يوثر بيندراجون بالفعل ومات. وكما تنبأ ميرلين تمامًا، سقطت المملكة في فوضى عارمة، ورغب كثيرون من الملوك الأقل شأنًا في الاستيلاء على عرشها. وتربص كثيرون من الفرسان والبارونات الآخرين على جوانب الطرق العامة بالضعاف من المسافرين للهجوم والسطو عليهم. مرّت ثمانية عشر عامًا تقريبًا على هذا المنوال. وأنَّت الأرض بما عليها من اضطرابات عنيفة.

وأخيرًا، استدعى رئيس أساقفة مدينة كانتربيري ميرلين ليمثل أمامه، وتوسل إليه قائلًا: «ميرلين، سمعت أنك أذكى رجل في العالم. حتمًا أنت تسطيع أن تستخدم مواهبك في العثور على ملك جديد، حتى ننعم بحياة سعيدة كما كنا أيام يوثر بيندراجون، أليس كذلك؟»

أغمض ميرلين عينيه السحريتين مرة أخرى، ثم نطق بعد برهة: «سيدي، يسعدني أن أخبرك بأنني أرى أمورًا عظيمة في المستقبل. عن قريب سيكون هناك ملك جديد لهذا البلد، وسيكون أحكم من صديقنا القديم يوثر بيندراجون وأعظم منه، وسيرسي النظام والسلام، فلن يكون هناك مكان للفوضى والحرب. والأروع من كل هذا، أن هذا الملك الجديد سيكون من دم ولحم يوثر بيندراجون.»

غمرت السعادة رئيس الأساقفة، غير أنه تحير وسأل ميرلين: «ميرلين، متى سيأتي هذا الملك الجديد؟ وكيف سنعرفه عندما يصل؟ كيف سنميزه من بين كل أولئك الذين قد يفعلون كل ما في وسعهم كي يحكموا مكانه؟»

لمعت عين ميرلين وسأله: «أتثق بي؟» أومأ رئيس الأساقفة برأسه إيجابًا، فأردف ميرلين: «إذن سأرتب حدثًا ضخمًا، وبانتهاء هذا الحدث سيعرف البلاط ملكه الشرعي.»

لوح ميرلين بيديه، وعندئذ ظهر أمامه حجر ضخم من الرخام، وعندما لوح بيديه مرة أخرى ظهر سندان من الحديد الصلب فوق كتلة الرخام، وعندئذ أدخل ميرلين سيفًا أزرق كبيرًا في السندان. كان السيف لامعًا وبراقًا، ويده الذهبية منقوشة بعناية وموشاة بالكثير من الأحجار الكريمة. وكان مكتوبًا على نصل السيف بأحرف ذهبية: «الذي يستطيع أن ينزع هذا السيف من السندان يكون هو الملك الشرعي لبريطانيا.»

وبناء على طلب من ميرلين، أعلن رئيس الأساقفة عن مسابقة في يوم عيد الميلاد يمكن أن يشترك فيها كل الناس من كل حدب وصوب. كل من يرغب يمكنه أن يحاول نزع السيف من السندان. والذي يستطيع أن يفعل هذا سيكون ملك بريطانيا الجديد. ملأ الحماس أرجاء المدينة، وظن كثيرون أن الملك لوت هو من سيعتلي العرش، فيما ظن آخرون أن الملك يورين ملك جور هو من سيملك بريطانيا. ورأى البعض أن الملك ليوديجرانس ملك كاميليارد هو من سينتزع السيف، فيما ظن البعض أن هذا سيكون هو الملك رينس ملك شمال ويلز.

وعندما حلّ عيد الميلاد، بدا وكأن العالم بأسره يشق طريقه نحو لندن من أجل المباراة، إذ عجت الطرق العامة والحانات والقلاع بالمسافرين، وجاء الملوك واللوردات والفرسان والسيدات وحملة الدروع والخدم والجنود لمشاهدة تلك اللحظة التي ستسجل في التاريخ.

وعندما رأى رئيس الأساقفة الجمع الغفير، اعترف بالحماس الذي تملكه وقال: «ميرلين، سأتعجب أيما تعجب إذا لم نعثر على شخص واحد جدير بالعرش وسط كل أولئك الملوك واللوردات النبلاء ذائعي الصيت!»

فما كان من ميرلين إلا أن ابتسم وقال: «سيدي، قد تتعجب تعجبًا شديدًا؛ فالشخص الوحيد الجدير بالعرش «بحق» ربما لا يزال مجهولًا تمامًا.»

فكر رئيس الأساقفة في كلمات ميرلين، وهكذا بدأت هذه القصة السحرية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤