الفصل الثاني

حينما عادوا إلى السندان، الذي ما زال بلا حراس، أخرج سير كاي السيف من العباءة، ثم وضع طرفه على السندان الحديدي وأخذ يدفعه بكل ما أوتي من قوة، لكن دون جدوى. بعد مرور بضع دقائق، وبعد أن احمر وجهه حمرة شديدة من المجهود الذي بذله، استسلم، واعترف لأبيه قائلًا: «أبي، لا يستطيع أي رجل أن يصنع هذه المعجزة.»

سأل آرثر: «هل يمكن أن أحاول؟»

رد إيكتور متسائلًا: «وبأي حق تحاول؟»

أجاب آرثر: «بحق أنني أنا من انتزع هذا السيف في المقام الأول من أجل أخي.» لم يكن آرثر يقول هذا متفاخرًا، وإنما إقرارًا بالحقيقة فحسب. وكان آرثر لا يزال صبيًّا بريئًا، لا يفهم المباراة ولا معناها، بل ولا يعلم لمَ ينظر إليه والده بغرابة الآن، فسأله: «هل أنت غاضب مني؟»

أخبر سير إيكتور ولده الصغير أنه ليس غاضبًا منه، وطلب من ابنه الكبير أن يسلمه السيف. وشاهد الأب والابن الكبير آرثر وهو يقفز على حجر الرخام ويدخل السيف بمنتهى السهولة في السندان، ثم ينتزعه ويدخله مرة أخرى، مؤديًا المعجزة مرتين.

لهث سير إيكتور ثم انحنى، وضم يديه معًا كما لو كان يتضرع إلى الله.

صرخ آرثر وهو يرمي السيف ويركض نحو والده: «أبي!»

قال سير إيكتور: «أنا لست والدك.» تجهم وجه آرثر، وتجهم وجه كاي كذلك، لكن هذا الأخير تجهم لفكرة أن أخاه وليس هو قد يصبح الملك بالفعل.

تنحنح سير إيكتور وبدأ يسرد قصته. بدأت القصة منذ ثمانية عشر عامًا عندما أحضر له ميرلين العراف وأولفيوس الفارس رضيعًا، ولم يخبراه أي طفل هذا، وإنما كل ما أخبراه به هو أنه لا بد أن يسمي هذا الطفل آرثر ويربيه كأنه ابنه. وهذا ما فعله.

قال سير إيكتور إنه لم يحاول قط أن يخمن من عساه يكون والد آرثر. لكن اليوم يتضح الأمر وضوح الشمس، فقطعًا لا يستطيع أن يجري مثل هذه المعجزة إلا ابن يوثر بيندراجون. كان آرثر هو الملك الحقيقي.

سأل سير إيكتور آرثر: «لمَ تبكي يا بُني؟»

أجاب آرثر: «أبكي لأنني أشعر وكأنما قد فقدتك، ولأنني أؤثر أن تكون أنت والدي على أن أصير ملكًا.»

في تلك اللحظة ظهر رجلان بطريقة أشبه بالسحر: ميرلين العراف، وأولفيوس الفارس، بأنفسهما.

قال ميرلين موضحًا: «رأيت كل ما حدث اليوم على سطح كأسي السحري. ولطالما انتظرت هذه اللحظة طيلة ثمانية عشر عامًا.»

ثم أمسك ميرلين بيد آرثر وأخبره بما تخبئه له الأيام: «ستكون أعظم وأشهر ملك عاش في الوجود، وسيجتمع حولك الكثير من الفرسان الأكفاء. وسيتحدث العالم عن أعمالك ومغامراتك إلى انقضاء الدهر.»

سأل سير إيكتور آرثر الذي لم يعد ابنه فجأة: «هل تقطع لي وعدًا؟»

أجاب آرثر: «بالطبع.»

قال إيكتور: «عندما تُتوج ملكًا على بريطانيا، هل تقلد أخاك كاي في أحد المناصب في مملكتك؟»

قال آرثر: «بالطبع، ولكن بشرط أن تظل والدي إلى الأبد.»

ختم آرثر تبادل الوعود هذا بقبلة على جبين والده وعلى وجنتيه. وبالفعل سيحفظ الرجلان وعودهما.

وهكذا اكتشف آرثر للمرة الأولى أنه ملك، وإليكم كيف اكتشف العالم هذا أيضًا.

•••

بحلول صباح يوم عيد الميلاد، يوم المسابقة، وفد ألوف الناس لمشاهدة مباراة السيف، وبُنيت منصة تحت كتلة الرخام، ونُصب عرش فاخر من أجل رئيس الأساقفة.

تنص القواعد على أنه لا يتقدم للمنافسة في الجولة الأولى على الأقل إلا أولئك الذين لهم حق طبيعي في ذلك. من ثم تقدم في الحال تسعة عشر ملكًا وستة عشر دوقًا. وكان من بين من تقدموا الملوك بيلينوري، ولوت، ويورين، وليوديجرانس، ورينس. حاول كل منهم نزع السيف، بل إن بعضهم حاول أكثر من مرة، لكن جميعهم أخفقوا، ما جعلهم يشعرون بالاستياء والحرج. واندهش الجمع أيضًا؛ فإن لم يستطع أولئك العظماء أن ينجزوا المهمة، فمن عساه يستطيع؟

قال الملوك والدوقات لرئيس الأساقفة: «لقد خدعك ميرلين! هذه المهمة مستحيلة. لقد دبر ميرلين هذه الخدعة ليجعل منا جميعًا أضحوكة! لا بد أن تختار بحكمتك واحدًا منا ليصير ملكًا. وما إن تختاره، سنعد بأننا نتبعه.»

كاد رئيس الأساقفة يوافق، غير أنه لم يصدق أن ميرلين قد يتسبب في مثل هذه الاضطرابات، لذا قال: «سنصبر فترة وجيزة فحسب. فترة تعادل العد إلى رقم خمسمائة مرتين، فإذا لم يستطع أي شخص أن ينتزع السيف حتى ذلك الحين، فسأفعل ما طلبتم.»

بدأ الملوك والدوقات يعدون بصوت عالٍ وبسرعة: «واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، نشكرك! خمسة، ستة …»

واستمر العد: «أربعمائة وثمانون، أربعمائة وواحد وثمانون، أربعمائة واثنان وثمانون.» وأخيرًا نادى كل من ميرلين وأولفيوس: «آرثر»؛ فلمّا كانا مستمتعين بالتشويق، انتظرا حتى اللحظة الأخيرة.

تعجب الجمع بصوت مرتفع فيما وصل سير إيكتور، وسير كاي، وآرثر قبل اللحظة الأخيرة مباشرة: «من أولئك الرجال السائرون مع ميرلين وأولفيوس؟» وتقدم ميرلين بصحبة آرثر إلى منصة رئيس الأساقفة وقال: «سيدي، لقد أحضرت لك المتباري التالي في مسابقة السيف.»

سأله رئيس الأساقفة: «بأي حق أحضرته؟»

أجاب ميرلين: «بحق كونه الابن الحقيقي للملك يوثر بيندراجون.»

لهث الجمع من فرط الإثارة والانبهار. لقد أخذ ميرلين الفتى وهو صغير رضيع حتى قبل أن يدرك أحد أن ابن الملك يوثر بيندراجون قد وُلدَ. سرد ميرلين في صبر قصته وكان أولفيوس وسير إيكتور يؤكدان ما يقوله. وسمح رئيس الأساقفة لآرثر بأن يحاول.

وكما فعل آرثر من قبل، وضع يديه على السيف وانحنى وانتزعه، وشاهد كل الجمع انسلال قطعة المعدن بسلاسة من السندان. ولأن هذه المرة كانت أكثر إثارة من سابقتها، شهر آرثر السيف فوق رأسه ولوح به في الهواء ثلاث مرات في احتفال مبهج، فأومض السيف وكأنه البرق.

ثار الجمع بشدة وأخذوا يصرخون بصوت مرتفع جدًّا، حتى بدا كأنما العالم كله يهتز. وعلى صرخاتهم أعاد آرثر إدخال السيف في السندان ثم انتزعه مرتين أخريين، فكان إجمالي عدد المرات التي أجرى فيها المعجزة ثلاث مرات.

شاهد الملوك والدوقات ما يحدث في ذهول. فبمقارنته بهم، لم يكن آرثر سوى غلام صغير. فرح بعض من الرجال العظماء، منهم الملك ليوديجرانس، من أجل آرثر وقبلوه في الحال. إلا أن البعض، ومنهم الملك بيلينوري، ورينس، ولوت، ويورين شعروا بالمرارة والحقد، وأرادوا أن يطعنوا في النتيجة.

تنحى كل من سير إيكتور وسير كاي جانبًا، وكل منهما تنتابه مشاعر مختلطة؛ فمنذ لحظات فحسب لم يكن آرثر سوى صبي؛ ابن وأخ. لكن بحدوث المعجزة، صار رجلًا في الحال.

تدافع الجمع من أجل لمس آرثر، أو حتى لمس أهداب ثوبه. لكن لمّا رأى آرثر الانفعالات التي علت وجه الأسرة التي لم يعرف غيرها في حياته، اندفع وسط الجمع كي يصل إلى سير إيكتور وكاي، وأمسك بيديهما وقبل كلًّا منهما برقة على وجنته، وعندئذ علت هتافات الجمع أكثر من ذي قبل. كان قلب آرثر ونفسه يرقصان طربًا حتى إنه بدا وكأنهما يحلقان كطائر رشيق.

وبعد مشاهدة هذا السحر، تمنى ميرلين أمنية؛ وكانت أمنيته هي أن كل من قد يسمع هذه القصة — بمن فيهم أنت عزيزي القارئ — يدرك أنه هو أيضًا يمكن أن ينجح في مساعيه، وأن كل ما عليه هو أن ينتزع بشغف سيف أحلامه من الحديد الصلب الموجود في الموقف الذي يعيشه. فكر في هذا فيما تتوالى أحداث هذه القصة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤