الفصل الأول

في يوم من الأيام، وفيما كان آرثر يقيم وليمة فخمة وكل رجال حاشيته العظيمة حوله، جاء رسول من غرب البلاد. صاح الرسول وهو يلهث: «سيدي، جئت محملًا برسالة لك من الملك ليوديجرانس، ملك كاميليارد؛ الملك رينس ملك شمال ويلز يطالبه بمطالب مزعجة ويهدده بشن الحرب. إنه بحاجة إلى عونك.»

سأله الملك آرثر: «وما هي مطالب رينس؟»

رد الرسول: «هو يريد الأرض، كما يرغب في تزويج الليدي جوينيفير بنت الملك لدوق موردونت، دوق شمال آمبر.»

ارتج البلاط بأكمله لدى سماع هذا، إذ كان معلومًا لدى الجميع أن الدوق موردونت رجل قبيح وحشي الطباع.

اشتد غضب الملك آرثر، ولمّا تذكر كيف هلّت عليه جوينيفير كالملاك فيما كان مُلقى جريحًا في الغابة، أقسم أن يساعدها هي ووالدها. وفي اليوم التالي شق طريقه هو وميرلين نحو كاميليارد، وبرفقتهما الفرسان سير جيواين، وسير إيواين، وسير بيلياس، وسير جيراينت.

وفيما كان الملك وميرلين بمفردهما، صرح له بمشاعره نحو ليدي جوينيفير، وطلب منه أن يساعده على التنكر حتى يتسنى له أن يراها في الخفاء، كما أراد أيضًا أن يكتشف الخطر الذي تجابهه المملكة دون أن يراه أحد. أعطى ميرلين الملك آرثر قبعة، عندما يضعها على رأسه يتحول الملك إلى صبي ريفي. وبعد أن ارتدى آرثر القبعة، سُرعان ما عُين هذا الصبي الريفي البسيط بستانيًّا في قلعة ليدي جوينيفير.

كانت ليدي جوينيفير تسير في الحديقة كل يوم، لكنها لم تكن ترى سوى البستاني الصغير الذي عُين مؤخرًا يعمل وسط الأزهار. وبعدما أضنى آرثر نفسه في العمل، أراد أن يغسل وجهه في نافورة الحديقة، وكانت النافورة تقع في بقعة محجوبة عن الأنظار حيث ظن آرثر أن لن يراه أحد.

ولم يكن ظنه في محله. فقد رأته من نافذة القلعة إحدى جواري جوينيفير التي تُدعى ميليسين من «وايت هاند». لم تر آرثر وهو ينزع القبعة، وإنما ما رأته هو فارس وسيم يرتدي ياقة ملكية ذهبية ويغسل وجهه. ركضت ميليسين إلى الحديقة كي تتحقق من الأمر، لكن آرثر سمع وقع خطواتها فارتدى قبعته سريعًا.

وعندما سألت البستاني الصغير عن الفارس الذي رأته عند النافورة، أجابها آرثر بكل احترام أنه كان بمفرده هناك على مدار الساعة المنصرمة، وقال لها: «لا بد أنكِ كنتِ تحلمين.»

قالت لها جوينيفير نفس الشيء، وبدأت ميليسين تظن أنها كانت تحلم. لكن بعد مرور أيام معدودة، نظرت من نافذتها في الصباح أيضًا وإذ بالفارس الوسيم عند النافورة مرة أخرى، فأسرعت وأيقظت جوينيفير.

أطلت جوينيفير من النافذة بعينيها الناعستين — لكن غير الحالمتين — فرأت الفارس بدورها. ارتدت جوينيفير ملابسها في عجالة، وأخذت ميليسين معها ونزلت إلى الحديقة.

لكنهما سارتا هذه المرة في هدوء، ولم يسمعهما آرثر حتى اللحظة الأخيرة. ومع أنه كان لديه الوقت لارتداء قبعته السحرية مرة أخرى، فقد أدرك بعد فوات الأوان أن ياقته الذهبية ما زالت ملقاة بعيدًا على العشب. وعندما قال لهما إنه لم يقترب أحد من النافورة سواه على مدار الساعة المنصرمة، أدركت جوينيفير أنه يكذب.

قالت له جوينيفير: «خذ هذه الياقة، وأعدها إلى الفارس الذي أوقعها، وأخبره أنه ليس من أخلاق الفرسان أن يختبئوا في حدائق السيدات.» ثم عادت هي وميليسين إلى القلعة. غير أنه عندما وصلت جوينيفير غرفتها راودتها فكرة، فطلبت من ميليسين أن تذهب وتأمر البستاني أن يحضر لها سبتًا من الورود.

وعندما دخل آرثر المتنكر حاملًا الورود، شهقت كل جواري جوينيفير لأنه ظل مرتديًا قبعته بكل وقاحة. فقال آرثر: «لا أستطيع أن أنزع قبعتي، فـ … فلدي بقعة قبيحة في رأسي.»

بدا وكأنما جوينيفير قد قبلت عذره، لكن عندما انحنى آرثر كي يعطيها الورود، مدت يدها وخطفت قبعته، فانكشف آرثر بكل بهائه البراق. ولم يعلم أي من الحضور أنهم كانوا في حضرة الملك آرثر العظيم، لكن جوينيفير تذكرت أن هذا هو الفارس الجريح الذي قابلته في الغابة.

كانت جوينيفير أبية النفس فلم تشأ أن تضعف أمام فارس كذب عليها مهما كان وسيمًا. وأقسمت أنها سوف تحميه وأمرت جميع من شاهدوا السحر أن يكتموا سره. لكنها قررت أن تعامله في تلك اللحظة بتعالٍ وتعرفه مقامه.

قالت في برود: «خذ قبعتك، وعد إلى ورودك أيها الولد البستاني.» قهقهت وصيفاتها، وعندئذ صرفته. وارتدى آرثر قبعته في احترام وانحنى في تواضع ثم رحل.

•••

في اليوم التالي، جاء رسول إلى الملك ليوديجرانس يحمل بعض الأخبار؛ الملك رينس — الذي لا يزال يطالب بالأرض ويتوعد بالحرب — في الطريق ومعه الدوق موردونت الذي لا يزال يطالب بالزواج من الليدي جوينيفير.

وفي محاولة من الملك ليوديجرانس لتجنب الحرب، استقبلهما استقبال الأصدقاء لدى وصولهما الحدود الخارجية للمملكة، غير أنهما رفضا الدخول. ولمّا أحضرا معهما زمرة كبيرة من الفرسان واللوردات، قررا أن يخيما هناك في مكانهما خارج أسوار القلعة. وأخبرا الملك ليوديجرانس أنهما سوف يمكثان هناك مدة خمسة أيام، وإذا لم تتزوج جوينيفير من موردونت في خلال هذه المهلة، فسوف يعتبران ليوديجرانس عدوهما ويشنان الحرب عليه.

ومع أنهما أعطياه مهلة خمسة أيام، أعلن موردونت عن ملله بعد خمس دقائق فحسب. ولمّا ظن أن الليدي جوينيفير ربما كانت تشاهده، وأراد أن يستعرض أمامها، أعلن عن رغبته في مبارزة أي فارس في البلاط. تباهى الدوق، وأخذ يذرع الساحة أمام القلعة جيئة وذهابًا وهو يصيح: «هيا الآن، ألا يوجد أي شخص يستطيع أن يبارزني؟»

لم يجرؤ أحد على الخروج من مكمنه، فمهما يكن، هذا دوق موردونت، دوق شمال آمبر، وأحد أشهر فرسان عصره. وصراحة، لم يكن هناك أي شخص في البلاط المتواضع للملك ليوديجرانس يستطيع أن يبارزه. لا أحد سوى بستاني صغير بسيط.

غير أنه كان لا بد أن يجد آرثر درعًا قبل أن يفعل أي شيء، وبالفعل أمده تاجر طيب في المدينة بجواد حرب أبيض أصيل، وبدلة بيضاء رائعة من الساتان الإسباني، ودرع. وعندما عاد آرثر إلى القلعة، متسربلًا ببدلة بيضاء بالكامل هكذا، لم يعرفه أحد. لكنهم قطعًا التفتوا لينظروا إليه وهو يمر بهم، فقد كان يظهر عليه النبل بوضوح الشديد!

كانت أولى محطاته هي قلعة الليدي جوينيفير حيث أخبرها أنه على وشك أن يقاتل باسمها، ثم طلب منها تذكارًا ليحمله معه، فأعطته جوينيفير عقد اللؤلؤ الذي كانت تتقلده حول عنقها. لف آرثر العقد حول ذراعه ثم رحل.

لم يتعرف الدوق موردونت على آرثر أيضًا، لأنه لم يكن هناك أي شعار على الدرع الأبيض الذي استعاره يشير إلى هويته. ولمّا أُلقي عن صهوة جواده على إثر إصابة رمح آرثر الماهر لترسه، لم يعرف موردونت ما الذي ضربه. وبعدها رقد ساكنًا منقطع الأنفاس زهاء الساعتين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤