الفصل الثاني

فيما كان آرثر ينتظر موردونت حتى يفيق، قرر أن يأخذ جولة في الغابة. وهناك وجد فارسًا يغني لثلاث سيدات في أحد الأبراج، وعندما اقترب أكثر، عرف أن هذا المغني لم يكن سوى سير جيراينت، أحد الفرسان الذين أحضرهم معه إلى كاميليارد.

غير أن جيراينت لم يعرف آرثر ومن ثم تحداه للدخول معه في مبارزة ودية لإظهار البراعة. وفي حقيقة الأمر، راهن جيراينت آرثر على أن الفتيات اللاتي يشاهدنهما هن أجمل من الفتاة التي يحبها آرثر. أخبر آرثر جيراينت أن فتاته هي أجمل فتاة في العالم، ومن ثم قبل التحدي. واتفق الرجلان على أن من يخسر المبارزة فإنه يخدم فتاة الآخر (أو الثلاث فتيات في حال فاز جيراينت) مدة سبعة أيام.

كان جيراينت فارسًا بارعًا، غير أنه بالطبع لا يضارع الملك آرثر العظيم، وسرعان ما انهزم أمامه. ساعد آرثر الفارس المشدوه على النهوض على قدميه وأخبره أن يشق طريقه إلى جوينيفير، ويخبرها أنه انهزم أمام الفارس الذي أعطته عقد اللؤلؤ الخاص بها. وأطاع جيراينت، الذي كان رجلًا صادق الوعد.

وعندما واصل آرثر مسيرته في الغابة، التقى أيضًا الفرسان الثلاثة الآخرين الذين أحضرهم معه. كان جيواين وإيواين معًا، وسير بيلياس وراءهما. وعلى غرار جيراينت، تحدى الفرسان الثلاثة الرجل الذي لم يعرفوا أنه الملك آرثر في مبارزات إظهار لمهارات الفروسية. وعلى غرار جيراينت أيضًا، أدى الفرسان الثلاثة أداءً بارعًا غير أنهم انهزموا أمام آرثر الذي أرسلهم أيضًا لخدمة جوينيفير محملين بنفس الرسالة التي مفادها أنهم انهزموا على شرفها أمام الفارس الذي أعطته عقد اللؤلؤ الخاص بها.

وعندما وصل الفرسان الأربعة إلى كاميليارد وأدركوا أنهم جابهوا نفس المصير على يد الفارس الأبيض، تملكهم الخجل الشديد حتى إنهم لم يجرءوا على النظر بعضهم إلى بعض. بيد أنه عندما رأت جوينيفير الفرسان الأربعة الذين هزمهم فارسها الغامض، ابتسمت في زهو وسعادة لأنها أعطت تذكار حب لمثل هذا الرجل العظيم.

ارتدى آرثر قبعته السحرية مرة أخرى بعد أن خبأ جواده ودرعه الأبيضين اللذين استعارهما في مكان آمن في الغابة، ثم عاد إلى كاميليارد. وهناك وجد نفسه في محنة؛ فقد كان رئيسه في العمل، كبير البستانيين، مستاء للغاية من آرثر بسبب اختفائه، في حين يوجد الكثير من العمل ليقوم به. جذب البستاني آرثر من ياقته وعنفه بشدة وتوعده بالضرب بالهراوة التي يمسكها.

جاشت روح آرثر الملكية بداخله ودفع كبير البستانيين في عنف بعيدًا عنه وانتزع منه هراوته. فذهب كبير البستانيين لتوه إلى الليدي جوينيفير يشكو لها.

بدت جوينيفير مستمتعة أكثر منها غاضبة. كانت تحدث نفسها أنه من الغريب أن يختفي البستاني الصغير في الوقت نفسه الذي يوجد فيه البطل الأبيض، وعندما يعود البستاني الصغير يختفي البطل الأبيض مرة أخرى. لم تكن واثقة من هذا الأمر، لكنها فكرت أنها ستكون مصادفة عجيبة أن يصل البستاني الصبي والبطل الأبيض إلى المملكة في نفس الوقت. وتساءلت هل يمكن ألا يكونا نفس الشخص، وقالت لنفسها باسمة: «أرجو أن يكونا نفس الشخص.»

لكنها توقفت عن الابتسام بعد وقت قليل. ففي اليوم التالي عاد الدوق موردونت. فبعد أن تعافى من جولة المبارزة الأولى مع الفارس الأبيض، عاد يحمل مطالب جديدة. قال إن هزيمته من قبل ما هي إلا حادثة وحظ سيئ، وسيعود في الغد ومعه ستة فرسان من أجل مبارزة جديدة، وبمقدور الملك ليوديجرانس أن يحضر سبعة فرسان أيضًا للمنافسة. وإذا فاز فرسان ليوديجرانس فسيتنازل موردونت عن مطالبه، على أنه إذا انهزم فرسان ليوديجرانس، فلن تكون جوينيفير وحدها له وإنما كل مملكة ليوديجرانس.

صار الملك ليوديجرانس في حيرة من أمره، فحتى إن استطاع أن يصل إلى البطل الأبيض، فلا يوجد فرسان آخرون لمساعدته. قطعًا لن يستطيع أن يتبارى وحده مع موردونت وستة رجال آخرين.

استدعت جوينيفير — التي كانت تمر بالقرب من والدها وسمعته مصادفة — فرسانها الأربعة، وطلبت منهم قبول مبارزة الدوق موردونت. وما أثار دهشتها أن سير جيواين رفض.

قال سير جيواين بوقاحة: «لقد تعهدنا بخدمتك وليس خدمة والدك. لن ندخل في عراك مع الدوق موردونت. وفي نهاية المطاف، نحن نخدم الملك آرثر ولا يمكننا أن نشترك في مثل هذا القتال إلا بناء على أمره.»

احمر وجه الليدي جوينيفير غضبًا وقالت: «لعلك خائف من مبارزة الدوق موردونت.»

عندئذ احمر وجه جيواين غضبًا أيضًا، وقال بصوت منخفض قبل أن يستدير ويرحل من أمامها: «من حسن حظك أنكِ امرأة.»

رحلت جوينيفير أيضًا، وفي طريق عودتها إلى قلعتها صادفت شخصًا ما. لقد كان كبير البستانيين الذي كان يحمل رسالة لها.

قال البستاني في ذهول: «الصبي الذي يعمل لدي تخطى حدود اللياقة إلى أقصى درجة، وتطاول للغاية حتى إنه أرسلني بأمر لكِ الآن.»

سألته جوينيفير: «أمر؟ أمر لي من البستاني الصغير؟»

أخرج الرجل عقد اللؤلؤ من جيبه ثم أومأ برأسه وقال: «أجل. بعد أن أعطاني هذا العقد لكِ، أمر أن تعدي له وليمة عظيمة ثم ترسلي الفرسان الأربعة كي يقدموا له الطعام في أطباق من فضة.» وهز كبير البستانيين رأسه وأردف: «قطعًا ستعاقبينه الآن، أليس كذلك؟»

لكن جوينيفير عرفت أن هذا هو نفس عقد اللؤلؤ الذي أعطته للبطل الأبيض، فردت: «كلا. سأفعل ما أمر به.»

كان سير جيواين مستاءً للغاية. قال للفرسان الآخرين في غضب: «إنها تعاقبنا لرفض مطلبها الأول. حسنًا، سنفعل ما طلبت، لكن بمجرد أن نبدأ خدمة البستاني الصبي، لن نعود في خدمتها بعد ذلك؛ فالوعد الذي قطعناه بأن نخدمها سينتقل إلى البستاني بناء على طلبها!»

وما أثار ذهول الفرسان هو أن الصبي البستاني كان يشعر بالثقة في وجودهم، فبدلًا من أن يبدو مرتاعًا، كان يتصرف كما لو كان يظن نفسه أفضل منهم. بل وعندما فرغ من تناول الطعام اتكأ إلى الوراء وبكل ثقة أعطاهم أمرًا آخر؛ فقد أمرهم أن يرتدوا زي قتال متكاملًا، وأن يتبعوه إلى معركة.

حذره جيواين قائلًا: «حذار وإلا سأعاقبك.»

لم يكن من الصبي البستاني إلا أن ابتسم وقال له: «لا أظن ذلك.» وعندئذ نزع عنه قبعته السحرية وكشف عن هويته الحقيقة.

قهقه الفرسان الأربعة بقوة وانحنوا أمام مليكهم. غير أنهم نهضوا بعد دقائق معدودات، فثمة معركة سيخوضونها!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤