الفصل الثالث

في الصباح التالي، شاهد الملك ليوديجرانس — عاجزًا — وصول الدوق موردونت وبصحبته ستة فرسان واعدين، والعديد من الرسل وحاملي الدروع. واحتشد جمع من الناس لمشاهدة المعركة العظيمة.

لكن ليوديجرانس كان يحدث نفسه بأنها لا يمكن أن تكون معركة عظيمة وهو لا يملك أي فرسان لمبارزة رجال دوق شمال آمبر. لقد اعتاد أن يكون عنده فرسان في بلاطه منذ زمن طويل، لكن منذ أن أمسك الملك آرثر بزمام الحكم وعمّ الأرض السلام، والفرسان قد رحلوا إلى حيث هناك احتياج لهم.

ولمّا رأت الليدي جوينيفير والدها هكذا، حثته على ألا يفقد الأمل؛ فبطريقة ما، لديها شعور بأن …

في اللحظة التالية مباشرة، شاهد الجميع الفارس الأبيض الغامض وهو يعود إلى المدينة، ووراءه في منظر رائع الفرسان المشاهير الأربعة — سير جيواين، وإيواين، وجيراينت، وبيلياس — الذين يعرفهم الجميع بالفعل.

همست جوينيفير: «لقد نجونا.» وكأنهم قد سمعوها، رفع الملك آرثر والفرسان الأربعة مناديلهم في تحية لها وهم مارون تحت برجها.

قال دوق شمال آمبر في توتر: «لقد أعطيت هذا الفارس الأبيض شرف أن قاتلته من قبل دون أن أعرف اسمه أو منصبه. لكن هذه معركة أكثر جدية، فإذا أراد أن يقاتلني، فليكشف عن هويته!»

قال سير جيواين مؤكدًا: «هو ليس بارعًا فحسب بالدرجة التي تمكنه من قتالك، وإنما أؤكد لك أنه هو من أعطاك شرف قتاله.»

حاول الدوق مرة أخرى التنصل من القتال فقال: «حسنًا، أنتم خمسة رجال فحسب، فلن تقووا على سبعتنا، لذا لن أحاربك!»

قال جيواين: «من فضلك، ثق في حينما أقول لك إن خمستنا هم خصم مكافئ لسبعتكم.»

احمر وجه الدوق موردونت خجلًا، وبدأ القتال الذي انتهى سريعًا جدًّا. وكما أكد سير جيواين كان الخمسة أقوى من السبعة. انهزم موردونت ومات في واحدة من أشهر المعارك في تاريخ حكم الملك آرثر.

وتهلل شعب كاميليارد واحتفلوا بانتصارهم العظيم، وأرادوا أن يحتفوا بالفارس الأبيض، لكنه اختفى مرة أخرى تاركًا لهم الفرسان الأربعة ليهنئوهم.

غير أنه في الصباح التالي بدا أنهم جميعًا احتفلوا مبكرًا جدًّا. فبدلًا من أن يستسلم الملك رينس، زوّد مطالبه. ففي رسالة بعث بها مع أحد الرسل لم يأمر الملك ليوديجرانس بتسليم الأرض فحسب وإنما أيضًا أن يسلم الفارس الأبيض الذي قتل الدوق موردونت.

وجاء رد الملك ليوديجرانس بفخر بالغ إذ قال: «أخبر ملكك أنني لن أسلمه ورقة عشب واحدة من أرضي، ولن أسلمه الفارس الأبيض، حتى لو كنت أعرف من هو هذا الفارس!»

وتنهد الرسول؛ فمن الواضح أن الملك رينس كان قد توقع هذا الرد لأن الجزء التالي من الرسالة كان يفيد بأن الملك رينس سيأتي قريبًا ومعه جيش عظيم للاستيلاء على ما أراده بالقوة.

استدعى الملك ليوديجرانس جوينيفير وقال: «لقد أنقذنا البطل الأبيض العظيم مرتين حتى الآن. يقول الناس إن هذا البطل هو المحارب الخاص بكِ وأنه كان يرتدي العقد الخاص بكِ أثناء القتال. هل هذا صحيح؟»

احمر وجه جوينيفير وأومأت برأسها إيجابًا.

قال ليوديجرانس: «إذن، أرجوكِ يا ابنتي أخبريني، أين نجده؟ نحن في حاجة إلى مساعدته مرة أخرى! وها أنتِ قد بلغتِ سن الزواج وفي حاجة إلى زوج؛ شخص يحمي مملكتنا من أعدائها!»

قالت جوينيفير: «أبي، سوف أقودك إلى الرجل الوحيد الذي له علاقة بكل ما أعرفه.» وعندئذ أخذت والدها إلى الصبي البستاني مباشرة.

سألها الملك ليوديجرانس وقد تجمع حولهما أيضًا الفرسان العظماء الأربعة: «ما هذا يا ابنتي؟ هل تهزئين بي؟ هل هذه مزحة؟»

طلبت جوينيفير من الصبي البستاني أن ينزع قبعته. ونزع آرثر قبعته، فعرفه الملك ليوديجرانس على الفور وناداه باسمه. انحنت جوينيفير في رهبة فهي لم تكن تعرف أن الفارس الذهبي الذي رأته هو نفسه الملك آرثر. يا للهول! لقد تذكرت جوينيفير في الحال الطريقة التي كلمته بها وكيف سخرت منه!

غير أن آرثر أوقفها منتصبة وأخبرها أنه يحبها، وسألها هل تبادله الحب أيضًا أم لا. (أخبرته أنها أيضًا تحبه)، فقبلها آرثر، (وقبلته هي أيضًا). وشن الملك رينس الحرب التي توعد بها، غير أنه لم يكن ليصل إلى قوة الملك آرثر ورجاله. وبعدها بوقت قليل، وضع كل من آرثر وجوينيفير خطط زواجهما.

أعطى الملك ليوديجرانس هدية زواج للملك آرثر، وبناء على اقتراح من ميرلين، كانت الهدية قطعة أثاث مميزة للغاية؛ وهي الطاولة المستديرة التي كانت قد صُنعت أصلًا من أجل والد آرثر، وهي عبارة عن طاولة مستديرة هائلة الحجم تضم خمسين مقعدًا. ومن سمات هذه الطاولة أنه عندما يظهر الفارس المناسب ويأخذ مقعده حولها، يظهر اسمه محفورًا بالذهب على مقعده بطريقة سحرية، وعندما يتوفى هذا الفارس تختفي حروف اسمه الذهبية في الحال.

وأخبر ميرلين آرثر أن ثمة مقعدًا وسط هذه الخمسين، مقعدًا مختلفًا عن الباقين؛ وهذا المقعد معروف باسم «المقعد المحفوف بالخطر»، وقد سُمي بهذا الاسم لأنه إذا جلس عليه أي فارس آخر بخلاف هذا الفارس الحقيقي الذي وُضع من أجله، فإنه يموت ميتة مفاجئة وعنيفة.

وعندما مات الملك يوثر بيندراجون، ترك هذه الطاولة لصديقه الملك ليوديجرانس. وقد جلس عدد قليل من الفرسان حول هذه المائدة بعض الوقت، لكن كل الفرسان رحلوا مؤخرًا، فأُبعدت هذه المائدة العظيمة إلى الطابق السفلي، بلا استخدام لأنه لا حاجة إليها.

أكد ميرلين: «هذه الطاولة ستزيد بهاء ملكك، ولن ينسى الناس اسمك أبدًا.» ولمّا سمع آرثر هذه الكلمات من ميرلين استدارت عيناه من فرط الحماس كاستدارة الطاولة؛ فالطاولة والمجد العظيم سيكونان من نصيبه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤