الفصل الثاني

بعد هذا بفترة، تاق الملك آرثر نفسه إلى مغامرة. ولمّا كانت الملكة جوينيفير وحاشيتها بعيدًا في كارليون، كان الوقت مناسبًا للذهاب في مغامرة. شرع آرثر في رحلته ولم يصطحب معه سوى حامل درعه المفضل بويزنارد.

وبعد أن تاه بعض الوقت في غابة حالكة الظلام، وصل الاثنان إلى قلعة عظيمة لكنها بغيضة. كانت القلعة مُضاءة من الداخل، وعندما قرعا بابها، فتح لهما بواب.

قال الملك آرثر: «نحن فارس وحامل درع نبيلان لكن متعبان. هل يمكن أن تُؤوينا هنا الليلة؟»

قال البواب: «لو كنتما تعلمان مصلحتكما لآثرتما المبيت في الغابة. لا خير للفرسان الذين يسعون إلى مأوى هنا.»

أثار هذا فضول الملك آرثر فأصر على الدخول. قاد البواب آرثر وبويزنارد إلى إحدى القاعات حيث يُقام حفل كبير. جلس فارس عجوز عند رأس الطاولة، وكانت له لحية بيضاء وصدر عريض، وقد ارتدى حول عنقه سلسلة ذهبية بها قلادة، ودعاهما إلى تناول الطعام.

تمثلت التحلية بعد الطعام في ممارسة لعبة ما، ففي مبارزة للشجاعة، يحاول كل متبارٍ أن يقطع رأس الآخر، كما أوضح لهما الفارس العجوز.

قال آرثر: «تبدو هذه لعبة غريبة.» فانفجر جميع من بالقاعة في الضحك، كما لو كان بينهم سر مشترك.

سأله الفارس: «هل أنت خائف؟»

أجاب آرثر في غضب إنه لا يهاب شيئًا، ووافق على المشاركة متجاهلًا توسلات بويزنارد. ولمّا كان آرثر ضيفًا، أصر الفارس العجوز على أن يلوح آرثر بسيفه أولًا.

شهر آرثر — الذي ما زال غاضبًا لكنه يشعر بالرضا لأنه سيبدأ أولًا — إكسكاليبور ولوح به، وفي سلاسة رائعة أطاح برأس الفارس العجوز.

قال آرثر ظنًّا منه أنه فاز: «حسنًا، هذا يكفي.»

لكن ما أثار دهشته الشديدة أنه بدلًا من أن يسقط جسد الفارس العجوز على الأرض، سار الجسد في هدوء إلى حيث وقعت رأسه، ثم التقطها، وأعادها إلى مكانها أعلى جسده حيث كانت في حالة جيدة كما لو كانت جديدة.

قال الفارس العجوز: «حان دوري كي ألوح بسيفي.» وانفجر جميع المتفرجين في الضحك مرة أخرى.

لوح الفارس العجوز، مرة ثم مرتين، لكن في كل مرة كان يقف عاجزًا عن قطع رأس آرثر. حرك سيفه ببطء بضع مرات أخرى، وفي كل مرة كان طرف سيفه يخدش جلد عنق آرثر قبل أن يتوقف.

قال آرثر: «اقطع رأسي إذا كنت تنوي هذا، لكن لا تعذبني أكثر من هذا.»

صرخ الفارس العجوز: «سأفعل شيئًا مختلفًا تمامًا! سأعفو عن حياتك مدة سنة ويوم، على أن تعدني أن تعود بعد هذا الوقت من أجل قطع رأسك.»

وعده آرثر.

أضاف الفارس العجوز: «ولسوف أعفو عن حياتك مرة أخرى حينها إذا استطعت أن تحل اللغز التالي: «ما أكثر شيء ترغب فيه المرأة في العالم؟»

تنهد آرثر؛ فالآن يعذبه الفارس العجوز بالفعل، إذ مَن ذا الذي يعلم ما الذي تريده النساء حقًّا؟ هل هي الثروة؟ أم الجمال؟ أم المقتنيات الجميلة؟ أم القدرة على الإرضاء؟ غير أنه قبِل التحدي بعد أن جعل بويزنارد يقطع له وعدًا بألا يخبر جوينيفير.

•••

مر العام، ومع أنه كان يسأل طوال العام كل امرأة يلتقيها خلال هذا الوقت، شعر آرثر أنه لم يقترب بعد من معرفة ما الذي تريده المرأة. إلا أنه انطلق متجهمًا كما وعد عائدًا نحو قلعة الفارس العجوز ونحو موته المحتمل.

بيد أنه قبل أن يبلغ القلعة مباشرة، التقى بمحض الصدفة امرأة عجوزًا تسكن كوخًا محفورًا في شجرة بلوط مكسوة بالطحالب. كان وجه المخلوقة المسكينة مليئًا بالتجاعيد وقبيحًا على نحو مرعب، وعيناها مغشاة بطبقة رقيقة، وأذناها بارزتين، ولم يتبق بفمها سوى سنّة واحدة. ومع كل هذا، حياها آرثر في لطف، وقام بمحاولة أخيرة للحصول على حل للغزه.

قالت المرأة: «أنا أعرف الإجابة، لكنني لن أخبرك بها إلا بشرط واحد. إذا كان تخميني في محله، فلا بد أن تقطع لي وعدًا بأن أختار أي فارس في بلاطك ليكون زوجًا لي.»

تردد آرثر، إذ لم يكن واثقًا أنه يستطيع أن يقطع وعدًا نيابة عن رجل آخر. غير أنه لمّا كان يعرف أن الاختيار البديل الوحيد هو موته، وأن فرسانه النبلاء كانوا سيفعلون أي شيء كي ينقذوه من الموت، وافق.

قالت المرأة العجوز: «أكثر شيء ترغب فيه المرأة هو أن تحصل على ما تريد.» كما أخبرته أيضًا أن الفارس العجوز هو ساحر شرير وقد لعب هذه اللعبة مع رجال كثيرين، وأنه استطاع أن يفوز في كل مرة بسبب القلادة الذهبية التي يتقلدها حول عنقه، فكلما سقطت رأسه، تذهب روحه بأمان إلى هذه القلادة، وهذا هو السر وراء خدعته.

وحينما وصل آرثر قلعة الفارس العجوز، كان أول شيء فعله هو أن ذكر إجابة المرأة العجوز للغز كلمة بكلمة. جحظت عينا الفارس العجوز من الدهشة، فعرف آرثر أن الإجابة صحيحة.

وكان ثاني شيء فعله هو أن اقترب وأمسك بالسلسلة والقلادة الذهبية.

قال آرثر: «والآن أيها الفارس العجوز، لعلنا نلعب لعبة أخرى، تعطيني فيها هذه السلسلة والقلادة التي حول عنقك.» ثم نزعها آرثر بقوة. انكسرت السلسلة وانفتحت القلادة فظهرت بداخلها كرة متلألئة من الكريستال كانت تحتفظ بروح الفارس العجوز. ألقى آرثر بكرة الكريستال بقوة على الأرض حيث انكسرت، وعندئذ انكسر الساحر العجوز الشرير بالمثل، وأخيرًا خرّ على الأرض ميتًا.

كان آرثر متحمسًا للرجوع إلى بلاطه. وبعد أن توقف بكوخ الشجرة القديم، رفع برفق المرأة العجوز ووضعها بحذر أمامه على الجواد. وطول رحلته كان يعاملها بمنتهى الاحترام كأنها ملكة صغيرة جميلة وليست امرأة عجوزًا.

وعندما وصلا بلاطه، أنصت الجميع إلى آرثر في حيرة صامتة وهو يخبرهم كيف أن المرأة العجوز أنقذت حياته، ويخبرهم بشأن الوعد الذي قطعه لها في المقابل.

سأل آرثر الفرسان الواقفين أمامه: «هل كنت على صواب عندما قطعت هذا الوعد؟» أجابه جميع الفرسان الحاضرين المخلصين بأنه كان صائبًا في قراره. ولمّا سمعت المرأة العجوز هذا، تفرست في جميع الفرسان هنيهة قبل أن ترفع إصبعها الصغير وتختار سير جيواين كي يكون زوجها. وشاهد الجميع بحزن سير جيواين وقد تقدم نحو المرأة العجوز وأمسك بيدها وقبلها.

أخذت الجواري المرأة العجوز وألبسنها ملابس تليق بملكة، مما جعلها تبدو أكثر قبحًا في أعين كل من يراها. وعندئذ تزوجت المرأة العجوز وسير جيواين في كنيسة بلاط الملك آرثر.

وبينما كان يفعل كل ما بوسعه كي يؤدي واجبه، كان جيواين العزيز النفس يعاني في داخله. وبعد الاحتفال، اتجه إلى غرفته وجلس هناك حيث طلب أن يكون بمفرده. غير أنه بحلول منتصف الليل، أدرك أنه كان يُسيء معاملة عروسه ويعاملها بوقاحة، فذهب ليبحث عنها ويعتذر لها.

قالت المرأة: «أنا أقبل اعتذارك. والآن، هذه الغرفة شديدة الظلام، لماذا لا تذهب وتحضر شمعة؟»

عاد جيواين حاملًا شمعة، لكن عندما اقترب، ووقعت دائرة الضوء على وجهها، لم ير المرأة العجوز التي تزوجها، بل امرأة آية في الجمال ذات شعر أسود طويل، وعينين سوداوين كالجواهر، وشفتين مثل المرجان.

شهق جيواين قائلًا: «من أنتِ؟»

ردت المرأة: «أنا زوجتك، وقد كنت قبيحة وعجوزًا لأنني سُحرت بسحر شرير، لكن عندما عطفت عليّ وتزوجتني حررتني جزئيًّا.»

سألها جيواين: «ماذا تقصدين بجزئيًّا؟»

أجابت: «لا بد أن أظل عجوزًا قبيحة نصف اليوم، لكنني سأدعك تختار أي نصف.»

أجاب جيواين بأنه لا يأبه برأي الآخرين أثناء النهار، وأنه يفضل أن ترافقه بجمالها الحقيقي أثناء الليل عندما يكونان معًا وحدهما. لكن زوجته ردت بأنها تؤثر أن تكون جميلة أثناء النهار حتى لا يسخر منها الناس.

أجاب جيواين: «حسنًا إذن، أنتِ زوجتي وأنا أكن لكِ الاحترام، ليكن ما تريدين في هذا الأمر وفي كل أمر.»

ضحكت زوجته وأقرت بأنها كانت تمتحنه امتحانًا أخيرًا، وأنه اجتازه بنجاح على نحو رائع. وأوضحت له أنها واحدة من سيدات البحيرة لكنها أحبته منذ أن رأته عندما كان يودع سير بيلياس، وهكذا صارت امرأة من أجله.

دعا جيواين كل من في البلاط ليأتوا ويحضروا معهم الأنوار والشراب. وعندما وصلوا، ابتهجوا للغاية لدى علمهم بما حدث، والتقوا بزوجة جيواين الحقيقية.

إذن ليكن هذا درسًا لك، فكما أن زوجة جيواين بدت له في بادئ الأمر بغيضة، فكذلك يبدو الواجب لكل إنسان. لكن ما إن يكرس المرء نفسه لهذا الواجب، كما يفعل العريس بطول أناة مع عروسه، حتى يصبح الواجب عادة جميلًا. أتمنى لك عزيزي القارئ أن ترى نفسك على قدر الواجب الموكل إليك وأنت تنعم بالسعادة مثل سير جيواين.

وفي مناسبة أخرى سوف أخبرك بقصص بعض الفرسان العظماء الآخرين. لكن حتى ألقاك مرة أخرى، وداعًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤