الفصل السابع

كليوباترا ومارك أنطونيو والشرق

(١) لقاء أنطونيو وكليوباترا

من المرجح أن يكون أنطونيو التقى بكليوباترا في شبابها عندما كان يخدم في الجيش تحت إمرة القائد الروماني جابينيوس عام ٥٥ قبل الميلاد (بلوتارخ «حياة أنطونيو»: ٣؛ جونز ٢٠٠٦: ٩٥-٩٦). إن لقاءهما الرسمي، عقب وفاة يوليوس قيصر، مشهور رغم أننا نعتمد بالكامل في روايته على أدلة من المصادر الأدبية التي كُتبت بعد هذا الحدث ببعض الوقت. كتب أحد المؤلفين القدامى يقول: «لقد انبهر أنطونيو بشخصيتها، تمامًا مثلما انبهر بحسنها، وأَسرته كما لو كان شابًّا صغيرًا، رغم أنه كان في الأربعين من عمره. ويُقال إنه كان دومًا متأثرًا بها على هذا النحو، وإنه وقع في حبها من النظرة الأولى منذ وقت طويل عندما كانت لا تزال فتاة صغيرة، وكان هو يعمل قائدًا للخيالة تحت قيادة جابينيوس في الإسكندرية» (أبيان «الحروب الأهلية»، المجلد الخامس، الفصل الثامن؛ ترجمة ثاكري، طبعة لوب).

في الفصل الخامس والعشرين من كتاب «حياة أنطونيو» يقول بلوتارخ إن أسباب لقائها بمارك أنطونيو كانت من أجل الرد على اتهام بجمع المال من أجل جابينيوس ومساعدته ضد أعضاء الحكومة الثلاثية. وفي لقائهما الرسمي في مدينة طرسوس ظهرت كليوباترا بمظهر الربة في «سفينة مكسوة بالذهب ذات أشرعة أرجوانية بها مجدِّفين يجدِّفون بمجاديف فضية وعازفين يعزفون على مزامير بمصاحبة القيثارات.» ويستمر بلوتارخ (٢٦) في وصفه لكليوباترا وهي تجلس متكئة تحت ظُلة ذهبية مرتدية زي الإلهة الإغريقية أفروديت ومعها غلمان يرتدون زي كيوبيد في حين ارتدت وصيفاتها زي حوريات البحر، وآلهة الرياح وآلهة الخصوبة (جونز ٢٠٠٦: ٩٩–١٠٣). ثم ينتقل بلوتارخ (٢٧) إلى وصف المأدبة التي أقامها أنطونيو في المقابل. هكذا تمكَّن بلوتارخ من تصوير توازن في هذه العلاقة؛ فكليوباترا تتسم بالذكاء والجمال وهي المسيطرة، أما أنطونيو فهو جندي يطلب العشاء. ويتحول اللوم على سقوط أنطونيو، كما يراه الرومان، من أنطونيو نفسه بشخصيته الساذجة إلى كليوباترا التي تخطط وتدبر.

يقول يوسيفوس («آثار اليهود القديمة»، المجلد ١٣. ١. ٣٢٤) ببساطة إن كليوباترا جعلت مارك أنطونيو «أسيرًا لحبها». يتعارض هذا مع وصف بلوتارخ المطول في كتاب «حياة أنطونيو». تشيع فكرة خضوع أنطونيو لمفاتن كليوباترا من النظرة الأولى في جميع الكتابات القديمة (أبيان «الحروب الأهلية»، المجلد الخامس، الفصل الأول). علَّق أبيان قائلًا: إن هذه العاطفة «جلبت الدمار عليهما وعلى مصر كلها أيضًا»، وهو رأي قد يكون متأثرًا بهويته المصرية، وإن كان سكندري المنشأ عاش في مصر تحت الحكم الروماني. يشير أبيان أيضًا (المجلد الخامس، الفصل التاسع) إلى أنه بمجرد فوز كليوباترا بحب أنطونيو، استخدمت مكانتها في معاقبة أعدائها بما فيهم أختها أرسينوي الرابعة، التي نُفيت إلى أفسس.

(٢) العلاقة مع مارك أنطونيو

توجد فكرتان رئيسيتان يهتم بهما الكُتَّاب القدماء في موضوع أنطونيو وكليوباترا؛ أولًا: العلاقة بينهما، وهنا يُنظر إلى كليوباترا على أنها المسئولة عن سقوط هذا القائد الروماني. وتتمثَّل الفكرة الرئيسية الثانية في استخدام كليوباترا لسلطة أنطونيو السياسية من أجل الحصول على أراضٍ أجنبية. حتى الآن يوجد أكثر وصف تفصيلي لعلاقة كليوباترا بمارك أنطونيو في كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو»، فتُذكر عاطفة أنطونيو الجياشة تجاه كليوباترا (السمة التي تظهر دومًا في المصادر الأدبية لإظهار نقاط ضعفه) في الفصول ٣٢ و٣٦ و٣٧ من الكتاب. ويشير الفصل الثالث والثلاثون إلى التحذير المشئوم من العرافة المصرية لأنطونيو، وتهديد أوكتافيان، وربما يكون تكرار ذكر كليوباترا وعاطفة أنطونيو تجاهها على مدار الفصل الثالث والثلاثين لا يهدف إلا إلى التأكيد للقارئ على التهديد الحقيقي الذي كانت تمثِّله كليوباترا لهذا القائد، حتى إن بلوتارخ يقول إنه عندما لم تكن كليوباترا مع أنطونيو كان يتصرف كقائد قوي وكفء. وفي الفصل ٥١ عندما أجَّلت كليوباترا انضمامها مرة أخرى لأنطونيو في سوريا، يُقال إن هذا القائد الروماني أسرف في شرب الخمر. وبمجرد وصول كليوباترا وزع أنطونيو على جنوده المال، مدعيًا أنه هدية من الملكة، ويُقال إن كليوباترا وزعت على الرجال ملابس من مالها.

توضح المصادر الرومانية فكرة تأثير كليوباترا ومصر على حصافة حكم أنطونيو ورجاحة عقله عبر سرد روايات عن اتباعه لتقاليد غير رومانية. استُخدم ارتباط أنطونيو بديونيسوس بصفته تجسيدًا جديدًا لهذا الإله والتماثيل التي أمر بصنعها والتي صُنعت له، في شرح فشله (بلوتارخ «حياة أنطونيو» ٦٠). إن حقيقة كون بطليموس قيصر سُجل ضمن قائمة المواطنين السكندريين الشباب وأنه حصل مع أنتيلوس على الرداء الروماني الأبيض الفضفاض تدعم هذه الفكرة (٧١). بالتأكيد من المستحيل معرفة ما إذا كانت هذه القصص قد لُفقت من أجل تصوير شخصية كليوباترا كما يراها الرومان، إلا أن اختيار هذه الأحداث بالذات مثير للاهتمام.

توجد مقارنة مباشرة أيضًا بين أنطونيو وغريمه أوكتافيان في المصادر الرومانية. فيعرض بلوتارخ، على سبيل المثال («حياة أنطونيو» ٧٣)، نبذة مبسطة عن نفسية أوكتافيان، الذي يُقال إنه كان يتمتع بالذكاء والدهاء، وعن كليوباترا التي كانت «مدركة لجمالها الشخصي وشديدة الفخر به». أما أنطونيو، من ناحية أخرى، فيُصور على أنه غيور ولا يتصرف بعقلانية؛ فيضرب مبعوث أوكتافيان بسبب بقائه لوقت طويل مع كليوباترا، ثم يندم على أفعاله ويكتب خطاب اعتذار لعدوه. وفي الفصل نفسه نرى جانبًا آخر من كليوباترا، فهي سيدة قد تفعل أي شيء من أجل تهدئة أنطونيو وطمأنته، فنراها تقيم حفلًا فخمًا من أجل الاحتفال بعيد ميلاده. كذلك تظهر كليوباترا دومًا أنها السبب في القرارات السيئة التي يتخذها أنطونيو في مؤلَّف يوسيفوس («الحرب اليهودية» ١، ١٢. ٥. ٢٤٣)، ويقول عنه إنه كان «عبدًا لعاطفته تجاه كليوباترا». ويشكك أيضًا في نزاهة الملكة نفسها («الحرب اليهودية» ١، ٨. ٤. ٣٥٩–٣٦٣).

(٣) نساء أخريات في حياة أنطونيو

كان أنطونيو متزوجًا عندما التقى بكليوباترا، تمامًا مثل يوليوس قيصر. وفي كتاب أبيان («الحروب الأهلية» ٥. ١١) يظهر أن لكليوباترا تأثيرًا مهدئًا على أنطونيو، الذي يُقال إنه «لم يكن يذهب إلا إلى المعابد والمدارس ومناقشات المتعلمين، ويقضي وقتًا مع الإغريق احترامًا لكليوباترا، التي كرس لها كامل إقامته المؤقتة في الإسكندرية» (ترجمة ثاكري، طبعة لوب). يذكر أبيان أيضًا («الحروب الأهلية» ٥. ١٩) سيدة أخرى مسيطرة في حياة أنطونيو؛ وهي زوجته فولفيا. كانت فولفيا ناشطة سياسيًّا، وعلى حد قول أبيان نفسه، سبَّبت مشكلة كبيرة لمارك أنطونيو، فيتحدَّث في الجزء الثاني من الفصل ٥٩ عن رد فعله تجاه وفاتها: «يبدو أن وفاة هذه السيدة المشاغبة، التي أثارت حربًا كارثية بسبب غيرتها من كليوباترا، كانت حادثًا سعيدًا للغاية لكلا الطرفين اللذين أرادا التخلص منها. ومع ذلك، حزن أنطونيو كثيرًا بهذه الواقعة لأنه اعتبر نفسه إلى حد ما السبب فيها» (ترجمة ثاكري، طبعة لوب). كتب أبيان في الفصل ٦٦ أن مارك أنطونيو أعدم رجلًا يدعى مانيوس لأنه أغضب فولفيا بسبب ذكره لعلاقة أنطونيو بكليوباترا. وفي الفصل ٧٦ يرد ذكر أوكتافيا، أخت أوكتافيان، بصفتها زوجة أنطونيو الجديدة، ويُقال إن أنطونيو قضى الشتاء مع زوجته الجديدة وإنه كان يحبها كثيرًا، رغم أن أبيان يضيف: إن هذا يرجع إلى حبه الشديد للنساء.

في كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو» تُذكر كليوباترا لأول مرة في الفصل العاشر، حيث كتب بلوتارخ يقول: «… إن كليوباترا تدين لفولفيا بتعليم أنطونيو إطاعة زوجته؛ فعندما التقت به كليوباترا كان مروَّضًا بالفعل وتعلَّم تقبُّل سيطرة النساء» (ترجمة سكوت-كيلفرت ١٩٦٥). لا يقابل القارئ الملكة مرة أخرى إلا في الفصل ٢٥، عندما «تدخل» حياة مارك أنطونيو في القصة، فتوصف في هذا الموضع على أنها تمثِّل «أكبر ضرر بجمالها الأخاذ». وكما ذكرنا، يشكل نمط حياة أنطونيو وكليوباترا الفاسد جزءًا من كتاب «حياة أنطونيو» لبلوتارخ (٢٨). وفي تناقض واضح يُشار إلى زوجة أنطونيو فولفيا؛ إذ يذكر بلوتارخ صراعها مع أوكتافيان، وهكذا ينقلنا من العالم الخيالي العابث حيث المآدب وتمثيل المسرحيات كي يذكِّرنا بالحقيقة القاسية للحرب. وصف بلوتارخ، في أواخر الفصل ٣٠ كيف أن فولفيا فقدت حياتها وهي تحارب من أجل قضية أنطونيو. وفي الفصل ٣١ يُذكر زواج أنطونيو من أوكتافيا، أخت أوكتافيان، ويعرف القارئ أيضًا أن أنطونيو لم يُنكر علاقته بكليوباترا لكنه لم يعترف أنها زوجته. وفي أواخر الفصل ٥٣ عندما أصبحت العلاقة بين أنطونيو وكليوباترا في أوجها، تظهر أوكتافيا في احترامها ونكرانها لذاتها على أنها النقيض لأنانية كليوباترا، التي شعرت بالتهديد من زوجة أنطونيو الجديدة، كما ذُكر في الكتاب. وورد أيضًا أن كليوباترا تظاهرت بأنها غارقة في حب أنطونيو حتى تثنيه عن تركها. وتمثَّل ولاء أوكتافيا في رفضها ترك أنطونيو وناشدت أخاها بعدم شن حرب على زوجها الذي ضل طريقه (الفصل ٥٤). اعتنت أوكتافيا بأطفال أنطونيو من زوجته السابقة فولفيا، وستعتني بعد انتحاره هو وكليوباترا بأطفالهما.

في الفصل ٦٩ من كتاب سويتونيوس «أغسطس المؤلَّه» تُذكر كليوباترا في مجموعة من الأسئلة الافتراضية التي طرحها مارك أنطونيو دفاعًا عن علاقته غير الشرعية معها يُزعم فيها أنه كتب يقول: «ما الذي يزعجك؟ أن لدي مكانة عند الملكة؟ هل هي زوجتي؟ هل بدأ هذا للتو أم أن الأمر مستمر من تسع سنوات؟» (إدواردز ٢٠٠٠).

يذكر أثينوس («مأدبة الحكماء» ٤. ٢٩) أنه يُقال إن كليوباترا تزوجت مارك أنطونيو في قيليقية. يذكر أيضًا يوسيفوس أنطونيو على أنه زوجها في «ردًّا على أبيون» (٦٩). قال بعض الكُتاب في العصر الحديث: إن الزواج حدث في أثناء احتفالات عطايا الإسكندرية عام ٣٤ قبل الميلاد (هولبل ٢٠٠١: ٢٤٤). وإذا كان الزواج قد حدث بالفعل فإن القانون الروماني لم يقرَّه لأن أنطونيو كان ما يزال متزوجًا من أوكتافيا. طلَّق أنطونيو أوكتافيا في عام ٣٢ قبل الميلاد، وعقب هذا بوقت قصير أعلن أوكتافيان الحرب (بلوتارخ «حياة أنطونيو» ٥٧. ٤-٥).

في مصر، أمام جموع الشعب لم يُقَم حفل زفاف، وإنما وُقع عقد بين الزوجين. سمح هذا العقد بوقوع الطلاق، وأعطى بعض الحقوق إلى حد ما للطرفين. بالنسبة للإغريق، لا سيما الأسرة الحاكمة، كانت الشرعية أمرًا مهمًّا. بالطبع وصل أطفال غير شرعيين إلى الحكم، وكان والد كليوباترا أحدهم، لكن الموقف الذي وجدت كليوباترا نفسها فيه كان فريدًا من نوعه؛ فقد أصبحت هي حاكمة مصر وتلعب دور العشيقة؛ فالعلاقات السابقة خارج إطار الزواج في الأسرة الملكية كانت تتضمن الحاكم الذكر لمصر وعشيقته. وعلى نحو غريب كانت كليوباترا تؤدي الدورين معًا، الحاكمة والعشيقة. كان كلٌّ من يوليوس قيصر وأنطونيو متزوجين من زوجات رومانيات. في حالة أنطونيو، كان لديه زوجتان؛ فولفيا وأوكتافيا فيما بعد، وقد تزوج الأخيرة بعد ولادة أطفاله من كليوباترا. تعتمد أهمية الزواج بالنسبة لكليوباترا إلى حد كبير على موضع طموحاتها؛ فإذا كانت تهتم بالحفاظ على الأسرة الحاكمة المصرية فقد نجحت في ذلك، ليس من خلال أنطونيو ولا أطفالها منه، وإنما من خلال ابنها الأول. قد يقول البعض إن كليوباترا حولت وفاة القيصر وتأليهه فيما بعد إلى صالحها. ومع ذلك، إذا كانت طموحات كليوباترا تتخطى حدود مصر وأقاليمها (كما قد نستنتج من عطايا الإسكندرية) فإن الوضع القانوني لأطفالها الرومان يصبح إحدى القضايا السياسية الرئيسية.

كان هناك أيضًا عشيقٌ ذكرٌ لأنطونيو اسمه ميسالا، كان رفيق بروتس، ثم أصبح، على حد قول أبيان («الحروب الأهلية» ٤. ٣٨) «على صلة وثيقة» بأنطونيو إلى أن أضحى أنطونيو عبدًا لكليوباترا. وهكذا لم تظهر كليوباترا على أنها دمرت مصالح أنطونيو فحسب، بل ربما يُستخدم هجره لميسالا أيضًا كدليل على تخليه عن التقاليد الرومانية.

(٣-١) وضع مارك أنطونيو في مصر

لم يتقلد مارك أنطونيو أيَّ منصب رسمي داخل النظام الملكي المصري؛ فقد كان بطليموس قيصر هو وريث كليوباترا المُختار ولم يستطع أنطونيو حتى ادعاء أنه والده. فلم يكن الجنرال الروماني يمارس دور الحاكم والوصي إلا خارج البلاد، ولا يوجد إلا عدد قليل من الآثار لمارك أنطونيو في مصر. يتمثَّل أحد هذه الاستثناءات في قاعدة تمثال عُثر عليها في الإسكندرية، تشير إلى رابطة محبي الحياة المتفردين، المشار إليها في كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو» (٢٨؛ ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٣٢). تشير الكتابة المنقوشة إلى تمثال لمارك أنطونيو، غير موجود حاليًّا لكنه بالتأكيد كان مصنوعًا على الطراز الإغريقي/الروماني، كما يظهر من آثار الأقدام الموجودة فوق القاعدة، وربما كان مصنوعًا من البرونز. صُنعت قاعدة التمثال من الجرانيت وكُتب النقش عليها بالإغريقية ويقول: «أنطونيو، العاشق العظيم، العاشق الذي لا نظير له، وباراسيتوس [أقام هذا التمثال] تكريمًا لربه والمنعم عليه، اليوم اﻟ ٢٩ من كيهك السنة اﻟ ١٩»؛ وكان تاريخ ذلك ٢٨ ديسمبر عام ٣٤ قبل الميلاد. وباراسيتوس (أي المتطفل) هو اسم صانع التمثال وهو على الأرجح تورية تشير إلى حالة التطفل التي كان عليها واعتماده على مارك أنطونيو وأمواله.

يبدو أن أنطونيو تبنَّى مفهوم الألوهية، وهو اهتمام أدى إلى سقوط قيصر، إذا كانت المصادر صحيحة، وللمفارقة سيصبح تأليه الحاكم مقبولًا في حالة أوكتافيان عند توليه الحكم بصفته إمبراطورًا وتحوُّله إلى أغسطس. ويُقال إن أنطونيو كان يرتدي زيَّ ديونيسوس في أثناء الاحتفالات الرسمية بالإسكندرية.

(٤) كليوباترا سفيرة لمصر

تركزت علاقات كليوباترا الخارجية على روما في الأساس. وسيطرت هذه العلاقة على كثير من جوانب حكمها؛ ونتيجة لذلك سيطرت على كثير من سير حياة الملكة. توجد ثلاثة محاور رئيسية تكوِّن السياسة الخارجية في عهد كليوباترا؛ أولًا: وجود الرومان في مصر، وثانيًا: وجود كليوباترا في روما، وأخيرًا: الأراضي والامتيازات التي حصلت عليها كليوباترا، خاصةً من مارك أنطونيو في الجزء الثاني من حكمها، فأصبحت سوريا وقبرص تحديدًا مناطق مهمة لدى كليوباترا.

كانت نسبة كبيرة من القوات المسلحة في مصر في عهد كليوباترا من الرومان (شوفو ٢٠٠٠: ١٦٧-١٦٨)؛ فقد أُعيد أوليتس إلى العرش بمساعدة القوات الرومانية وإضافةً إلى ذلك ترك قيصر ثلاثة فيالق في الإسكندرية لحماية حكم الملكة الضعيف مع أخويها. كانت قوات كليوباترا البحرية لا تزال قوية وكانت تقدِّم بها المساعدة للقادة الرومان في أثناء فترة حكمها. لقد ورثت كليوباترا مملكة ضعيفة من كافة النواحي تعتمد على المساعدة الخارجية في الحفاظ على نظامها. ورغم ذلك، كانت إنجازاتها التي حققتها بمجرد انفرادها بالحكم مذهلة، لا سيما بسبب كثرة الوقت الذي قضته في الخارج في أثناء حكمها، والذي سمح لأعدائها داخل البلاد بالسيطرة على الحكم في أثناء غيابها. ثمة تصوُّر بأن أوليتس وابنته كانا يعتقدان أنهما يستطيعان حكم منطقة البحر المتوسط كجزء من قوة رومانية بطلمية مشتركة (هولبل ٢٠٠١: ٣٠٦).

(٤-١) ممتلكات البطالمة خارج مصر

عندما تولت كليوباترا الحكم تقلَّص حجم ممتلكات البطالمة الخارجية إلى حد كبير؛ فقد قُدمت الأراضي هدايا للأعضاء غير الشرعيين في العائلة وإلى الرومان كأداة للتفاوض، فقد كان آخر حُكام الأسرة متعطشين للسلطة حتى إنهم كانوا مستعدين على ما يبدو للموافقة على أي عدد من الصفقات التي ربما دمرت فرص خلفائهم في البقاء. كانت كليوباترا مختلفة إلى حد ما عن أسلافها المباشرين وتمكنت في الجزء الثاني من حكمها من تجميع أراضٍ قد تضاهي ممتلكات البطالمة الأولى.

كان يُنظر إلى كليوباترا على أنها تمثِّل تهديدًا حقيقيًّا للأراضي الرومانية؛ فقد كانت الأراضي الرومانية تحت حكم مارك أنطونيو مقسمة إلى فئتين؛ الأراضي تحت حكم الملوك التابعين الذين يعيِّنهم أنطونيو، والأراضي التي ضمها بومبي في السابق (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٣٣). اتهم بروبيرتيوس كليوباترا بمحاولة «… نشر … خيمها … في هضبة الكابيتول» («المرثيات» ٣. ١١. ٥٥-٥٦؛ سلافيت ٢٠٠٢) في قلب روما ويستمر في التساؤل «ما معنى تاريخنا إذا كان يؤدي إلى حكم امرأة؟» (٦١، سلافيت ٢٠٠٢). يشير بعض الكُتاب، مثل يوسيفوس على سبيل المثال، إلى أن كليوباترا طلبت من أنطونيو الأراضي التي حصلت عليها.

طالما لعبت جزيرة قبرص دورًا سياسيًّا مهمًّا في إيواء المنفيين. لقد تُركت الجزيرة لروما عام ٨٠ قبل الميلاد وفي عام ٥٨ قبل الميلاد ضُمت إليها نهائيًّا (هولبل ٢٠٠١: ٢٢٦). تباطأ الرومان في السيطرة على هذه المنطقة. في موسوعة سترابو («الجغرافيا» ١٤. ٥. ٣) ذُكرت الأراضي التي حصلت عليها كليوباترا عرضيًّا وضمَّت أماكسيا، التي كان الخشب يُشترى منها من أجل بناء السفن، ومكان الإقامة الملكي الذي كان ملكًا للملكة، وقبرص التي أعطاها أنطونيو لكليوباترا وأختها أرسينوي (١٤. ٦. ٦).

استدعى أنطونيو كليوباترا وطفليها التوأمين البالغين من العمر ٤ سنوات إلى أنطاكية عام ٣٧ قبل الميلاد (بلوتارخ، «حياة أنطونيو» ٣٦. ٥). وحصلا في ذلك الوقت على لقبيهما كليوباترا سيليني والإسكندر هيليوس. كان أنطونيو مسئولًا عن إمبراطورية روما الشرقية وفي شتاء عام ٣٧ / ٣٦ قبل الميلاد أضاف عددًا كبيرًا من الأراضي إلى الأراضي البطلمية التي تحكمها كليوباترا (هولبل ٢٠٠١: ٢٤٢–٢٤٤). مُنحت كليوباترا مدينة قنسرين في لبنان عقب وفاة ملكها (فرفوريوس ٢٦٠ إف٢. ١٧)، ومنطقة يهودا في فلسطين، ومملكة الأنباط المجاورة لها. عززت هذه «الهدايا» ممتلكات البطالمة إلى حد كبير ويوجد اتفاق عام حاليًّا على أن أنطونيو لم يقدِّمها تعبيرًا عن عاطفته تجاه الملكة وإنما كجزء من برنامجه السياسي في الشرق (هولبل ٢٠٠١: ٢٤٢). توجد أهمية كبيرة للعملات التي ضُربت في هذه المنطقة بسبب أسلوب عرضها لهذين الحاكمين؛ إذ تشير إلى أن أنطونيو وكليوباترا حكما هذه المنطقة ككيان واحد (هولبل ٢٠٠١: ٢٤٢).

(٤-٢) التعامل مع حُكام آخرين

انصبَّ اهتمام يوسيفوس بطبيعة الحال في الأساس على منطقة يهودا وخاصةً علاقة كليوباترا بهيرودس الأول، الذي كان يستأجر دولته من الملكة، عقب حصولها عليها كهدية من مارك أنطونيو. في كتابه «الحرب اليهودية» المجلد الأول ١٢. ٥. ٢٤٣ في سياق حاجة هيرودس الأول إلى دعم عسكري من مصر، وعلى الرغم من استقبال كليوباترا «الرائع» لهذا الحاكم، يقول يوسيفوس إن هيرودس الأول قرر المخاطرة بالإبحار إلى روما من أجل الحصول على الدعم بدلًا من مساعدة الملكة نظير الحصول على دعمها («الحرب اليهودية» المجلد الأول، ١٤. ٢. ٢٧٩). وفي المجلد الأول من كتاب «الحرب اليهودية» ٨. ٤. ٣٥٩–٣٦٣ ذكر أن «كليوباترا، عقب قتلها لعائلتها، الواحد تلو الآخر، حتى لم يبق أي من أقاربها، أصبحت الآن متعطشة لدماء الأجانب؛ إذ عرضت على أنطونيو اتهامات افترائية ضد مسئولين كبار في سوريا، ثم حثَّته على إعدامهم؛ اعتقادًا منها أنها لن تجد صعوبة في الاستيلاء على ممتلكاتهم، وامتد طموحها إلى الحصول على منطقة يهودا وشبه الجزيرة العربية، وكانت تخطط سرًّا لتدمير ملكيهما هيرودس ومالخوس على التوالي» (ترجمة ثاكري، طبعة لوب). في كتب يوسيفوس يقع على عاتق كليوباترا جزء كبير من حملة اللوم التي يشنها، لا لتأثيرها فقط على أنطونيو وإنما بسبب فسقها.

يبدو أن يوسيفوس اهتم بسياسات كليوباترا السياسية أكثر من علاقتها بمارك أنطونيو، فيصف احتجاز الملك النبطي مالخوس بقدر من التفصيل في ١٤. ٢ (٣٧٥-٣٧٦). وفي المجلد ١٥ (٢. ٥. ٢٤) يذكر يوسيفوس مكاتبة بين كليوباترا وألكسندرا، زوجة الإسكندر بن أرسطوبولس. كتبت ألكسندرا إلى كليوباترا تسألها أن تطلب من أنطونيو إعطاء وظيفة الكاهن الأعلى لابنها. وكانت مريم ابنة ألكسندرا متزوجة من هيرودس. اتهم هيرودس ألكسندرا بالتآمر ضده (٢. ٧. ٣٢) من خلال العمل مع كليوباترا على حرمانه من سلطته. يتحدث المؤلف بتفصيل أكبر عن العلاقة بين هاتين السيدتين في ١٥. ٣. ٢. ٤٥-٤٦. فيقول إن هيرودس أجبر زوجته على البقاء في القصر:

ومن ثم كتبت إلى كليوباترا تخبرها في رثاء مطول عن الوضع الذي وجدت نفسها فيه وتحثها على مساعدتها قدر استطاعتها. وعليه أخبرتها كليوباترا بأن تهرب سرًّا مع ابنها وتأتي إلى مصر. بدت هذه فكرة جيدة لألكسندرا، ووضعت الخطة التالية: صنعت نعشين كما لو كانت ستنقل جثث موتى ودخلت فيهما هي وابنها بعد إعطاء الأوامر للذين يعلمون بالخطة من خدمها بنقل النعشين بعيدًا عن القصر في أثناء الليل. ذهبوا بعد الخروج من القصر إلى البحر وكانت توجد سفينة في انتظارهما من أجل الإبحار بهما إلى مصر. إلا أن خادمها إيسوب ذكر الخطة بتهور لسابيون أحد أصدقائها، ظنًّا منه بأنه على علم بها، وقُبض على ألكسندرا وهي تهرب (٣. ٢. ٤٨).

ربما يظهر التشابه بين هذا الموقف ولقاء كليوباترا المبكر بالقيصر، عندما اختبأت حتى تستطيع دخول القصور الملكية. هيرودس «تغاضى عن جُرم ألكسندرا لأنه لم يجرؤ على اتخاذ أي إجراءات قاسية تجاهها، حتى وإن كان يرغب في هذا؛ لأن كليوباترا بدافع كرهها له لم تكن لتسمح باتهامها.» والغرض من هذه القصة أن يتمكن يوسيفوس أن يُظهر أن هيرودس «تصرف بنبل» عند التعامل مع الموقف.

في المجلد ١٥ (٣. ٥. ٦٢–٦٥) يُذكر المزيد من تدخل كليوباترا، فيقول يوسيفوس، على عكس المصادر التاريخية الأخرى، أن:

ألكسندرا كتبت إلى كليوباترا عن خطة هيرودس وقتل ابنها. ونظرًا لأن كليوباترا كانت ترغب منذ وقت طويل أن تأتي من أجل مساعدة ألكسندرا استجابةً لتوسلاتها، وأشفقت على حظها السيئ؛ فقد جعلت الأمر كله شغلها الشاغل، ولم تتوقف عن حث أنطونيو على الانتقام لمقتل ابن ألكسندرا؛ إذ قالت إنه لم يكن من الصواب أن يُقدِم هيرودس، الذي عيَّنه أنطونيو ملكًا على دولة لم يكن له الحق في حكمها، على مثل هذا الفعل غير الشرعي تجاه ملوكها الفعليين.

قيل إن تدخل كليوباترا هذا حدث في عامي ٣٥-٣٤ قبل الميلاد، عندما كان أنطونيو في مصر. ويُشار إلى المزيد من ظلم كليوباترا لهيرودس في المجلد ١٥ (٣. ٨. ٧٥–٧٧)، عندما عاقب أنطونيو الملكة على ما يبدو لتدخلها في شئون هيرودس. يشير يوسيفوس إلى أن اهتمام مصر بهيرودس كان بالكامل من أجل ضم أراضي يهودا كجزء من أراضيها. ويُذكر طمع الملكة مرة أخرى في الموضع ٣. ٨. ٧٩، عندما يقول المؤلف إن أنطونيو أعطاها سوريا الجوفاء.

يحمِّل يوسيفوس كليوباترا أيضًا مسئولية الحروب التي نشبت بين هيرودس والملك النبطي مالخوس (٥. ١. ١١٠ و٥. ٣. ١٣١-١٣٢)، التي كانت في صالحها وكانت وسيلة للحصول على المزيد من الأراضي. يُشار أيضًا إلى استحقاق الملكة اللوم في الموضع ٦. ٦. ١٩١ عندما قيل لأنطونيو إن الطريقة الوحيدة لإنقاذ نفسه وسلطته هي التخلص من كليوباترا. وعقب سقوط كليوباترا وأنطونيو، قيل إن مريم التي ذُكرت مسبقًا لم ينقذها من الموت إلا هيرودس بسبب هزيمتهما (٧. ٣. ٢١٥). حصل هيرودس نفسه على ٤٠٠ من أهالي بلاد الغال الذين كانوا حراسًا شخصيين لكليوباترا بالإضافة إلى مكاسبه من الأراضي (٧. ٣. ٢١٧). وفي المجلد ١٥ (٢. ٦. ٢٨) توجد إشارة أيضًا إلى حبيب أنطونيو أو جنديه المفضل كوينتوس ديليوس (أيضًا في كتاب يوسيفوس «آثار اليهود القديمة» ١٤. ٣٩٤ و«الحرب اليهودية» ١. ٢٩٠)، الذي تركه وانضم إلى أوكتافيان قبل معركة أكتيوم. كتب ديليوس فيما بعد قصة عن حملات أنطونيو على بلاد فارس، التي ذكرها هوراس (القصيدة الغنائية ٢. ٣).

في جزء لاحق من المجلد ١٥ (٧. ٩. ٢٥٦–٢٥٨) ورد تعليق يتحدث عن أحداث ماضية ويتناول سالومي (أخت هيرودس) التي تزوجت من حاكم منطقة إدوم، وكانت إحدى الشخصيات النسائية الأخرى البارزة التي يُعتقد بوضوح أنها كانت تتدخل في الشئون الدولية. طالبت سالومي بالسيطرة على أراضي دولتها، وعرضت إعلان ولاء دولتها إلى الملكة. ويُقال إن كليوباترا طلبت من أنطونيو الحصول على هذه المنطقة لكنه رفض.

في كتاب «الحروب الأهلية» (٤. ٦١) يصف أبيان بالتفصيل أفعال كاسيوس، الذي طلب المساعدة من كليوباترا وسيرابيو (نائبها في قبرص)؛ فيقول إن الملكة رفضت مساعدته بسبب معاناة مصر من المجاعة، لكن أبيان يضيف أن السبب الحقيقي كان تعاونها مع دولابيلا وإرسالها إليه بفيالق وأسطول. أرسلت كليوباترا أسطولها لمساعدة أوكتافيان وأنطونيو ضد كاسيوس، ويُقال لنا إن كاسيوس اعتقد أن مصر دولة ضعيفة بسبب ما بها من مجاعة وبسبب ترك الفيالق الرومانية لها. ترجع أسباب دعم كليوباترا لأوكتافيان وأنطونيو إلى علاقتها بقيصر (الذي كانا يدافعان عن اسمه) وأيضًا بسبب خوفها من كاسيوس، وبذلك تُظهر نوعين من المشاعر التي تتسم بها النساء عادةً. يقول أبيان أيضًا في كتابه «الحروب الأهلية» (٤. ٨٢) إن الأسطول دمرته عاصفة على السواحل الليبية وإن كليوباترا عادت إلى وطنها معتلة الصحة.

(٥) موكب الانتصار على الملك الأرميني وعطايا الإسكندرية

عقب عامين عصيبين من الحملات على فرثيا ثم أرمينيا، انتصر أنطونيو في النهاية، وأحضر ملك أرمينيا المهزوم معه إلى الإسكندرية وقدمه إلى كليوباترا (يوسيفوس، «آثار اليهود القديمة» ١٥، ٤. ٣. ١٠٤). ارتدى أنطونيو لهذا الموكب زي ديونيسوس، في إشارة واضحة إلى بطليموس الثاني عشر الذي أظهر نفسه على أنه ديونيسوس الجديد. يشير عدد من الكُتَّاب إلى هذا الحدث، الذي وقع في معبد سيرابيس. استقبلت كليوباترا ضيوفها وهي تجلس على عرش من الذهب (بلوتارخ، «حياة أنطونيو» ٥٠؛ ديو XLIX 41. 1). ثم أُقيم احتفال آخر، وهو حدث أصبح يُعرف باسم عطايا الإسكندرية. أُقيم هذا الاحتفال في ساحة عامة أكبر وهي ملعب الألعاب الرياضية. في وصف بلوتارخ («حياة أنطونيو» ٥٠) يقول للقارئ إن ملك أرمينيا المهزوم أُرسل إلى الإسكندرية من أجل كليوباترا ومصر؛ مما يشير إلى أن نفوذ كليوباترا كان له تأثير أوسع نطاقًا بكثير.

ذكرنا بالفعل عطايا الإسكندرية عند الحديث عن تشبه كليوباترا بالإلهة إيزيس. توجد روايتان لهذا الحدث في كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو» ٥٤. ٥–٩، وكتاب ديو «التاريخ الروماني» ٤٩. ٤٠. ٢–٤١. ٤ (جونز ٢٠٠٦: ١١٥–١١٧). أُقيم هذا الاحتفال عقب انتصار أنطونيو في حملته على أرمينيا واستخدمه المؤلفون الرومان بهدف إظهار زيادة تطبع مارك أنطونيو بالطبع «الشرقي»؛ إذ لم يكن أسلوب الاحتفال هو الأسلوب الروماني المعتاد في الاحتفال بالانتصار العسكري. الأهم من هذا أن هذه الفقرات التي تصف الحدث في هذه الكتب تُثبت عدم ارتباط أنطونيو بروما؛ حتى إن بلوتارخ يقول الأمر نفسه في تعليقه على الاحتفال.

يقول بلوتارخ إن الاحتفال الرئيسي أُقيم في ملعب الألعاب الرياضية، حيث وُضِعت منصة من الفضة عليها عرشان من الذهب لكليوباترا وأنطونيو، وعروش أصغر حجمًا للأطفال. قدَّم أنطونيو كليوباترا بوصفها ملكة مصر وقبرص وليبيا ووسط سوريا، وبطليموس الخامس عشر على أنه شريكها في الحكم. حصل ألكسندر هيليوس على أرمينيا وميديا وفرثيا. وحصل بطليموس فيلاديلفوس على فينيقيا وسوريا وقيليقية. يقول بلوتارخ أيضًا إن ابنَيْ أنطونيو حصلا على لقب ملك الملوك. كان البطالمة يرتدون زيًّا مناسبًا لهذه المناسبة؛ فقد كانت كليوباترا ترتدي زي إيزيس وتحمل لقب إيزيس الجديدة، وكان ألكسندر هيليوس يرتدي غطاء الرأس المميز لأهالي منطقة ميديا، وبطليموس فيلاديلفوس يرتدي حذاء الجندي طويل الرقبة، وعباءة وقبعة من الصوف وتاجًا إشارةً إلى أسلافه المقدونيين. لم تُذكر كليوباترا سيليني في هذا الموضع، ونص الفقرة كالتالي (٥٣):

بعدما امتلأ الملعب بحشد من الناس ووُضع على منصة من الفضة عرشان من الذهب، أحدهما لأنطونيو والآخر لكليوباترا، وعروش أخرى أصغر حجمًا لأبنائه، أعلن أنطونيو أولًا: أن كليوباترا هي ملكة مصر وقبرص وليبيا وسوريا الجوفاء، وتتشارك في حكمها مع بطليموس قيصر. هذا ويوجد اعتقاد بأن بطليموس قيصر هو ابن قيصر الراحل، الذي ترك كليوباترا حاملًا به. وثانيًا: أعطى لأبنائه من كليوباترا لقب ملوك الملوك، وخصص لألكسندر أرمينيا وميديا وفرثيا (حين يتم إخضاعها)، وأعطي لبطليموس فينيقيا وسوريا وقيليقية، وفي الوقت نفسه قدَّم ولدَيْه؛ ألكسندر مرتديًا زي ميديا، الذي يشمل تاجًا وغطاء رأس عموديًّا، في حين ارتدى بطليموس حذاءً طويل الرقبة وعباءة قصيرة وقبعة واسعة الحافة محاطة بإكليل؛ فقد كان هذا الزي هو زي الملوك الذين جاءوا بعد الإسكندر، بينما كان الزي الأول زي أهالي ميديا وأرمينيا. وبعدما احتضن الولدان والديهما حصل أحدهما على حارس شخصي أرمني وحصل الآخر على حارس مقدوني. (ترجمة ثاكري، طبعة لوب)

في رواية ديو نجد أن الملك الأرمني وأسرته أُحضروا إلى كليوباترا، التي كانت تجلس على عرش من الذهب فوق منصة من الفضة. وعقب هذا العرض أقام أنطونيو مأدبة لأهالي الإسكندرية وكليوباترا وأطفالها وجلس معهم. وفي خطابه أعلن كليوباترا ملكة الملوك، وبطليموس الخامس عشر ملك الملوك. وأعطى لكليوباترا وابنها حكم مصر وقبرص. وأعطى إلى أصغر أبنائه، بطليموس فيلاديلفوس، حكم سوريا وكافة أراضي وادي نهر الفرات حتى مضيق الدردنيل. حصلت كليوباترا سيليني على ليبيا وبرقة، وأخيرًا حصل ألكسندر هيليوس، توأمها، على أرمينيا والأراضي الموجودة على طول نهر الفرات حتى الهند.

كانت المشكلة، كما يشير ديو، أن هذه الأراضي لم تكن ملك مارك أنطونيو ليهبها. أشار بعض الباحثين إلى أن عطايا الإسكندرية كانت مجرد عرض وأنه فعليًّا لم يحصل أي فرد على أية أراضٍ (شوفو ٢٠٠٢: ٦٠). ومع ذلك توجد في النص التاريخي بعض السمات التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة؛ فقد غضب مجلس الشيوخ الروماني عند سماع أخبار هذه العطايا (بلوتارخ «حياة أنطونيو» ٥٥)، ويبدو أن تفاصيل محتوى هذا الاحتفال استُخدمت في هذا السياق من أجل التأكيد على طبيعته التي اتسمت بالتباهي.

في رواية بلوتارخ جلس الأطفال، بما فيهم بطليموس الخامس عشر، على عروش أصغر حجمًا تحت عرشي كليوباترا وأنطونيو. أما في رواية ديو تتميَّز كليوباترا عن الآخرين بجلوسها على عرش. إذا كانت الروايات دقيقة فإن كليوباترا تلعب دورًا مختلفًا تمامًا عن ذلك الذي يظهر على نقوش المعابد المصرية البارزة التي يظهر فيها بطليموس الخامس عشر؛ ففي دندرة يسيطر الحاكم الشاب على المشاهد التي تُظهره في موقعه عندما تكون معه والدته بالإضافة إلى ظهوره وحده عادةً على الجدران الداخلية. يقول ديو إن ألقاب ملكة الملوك وملك الملوك مُنحت إلى الملكة وابنها، وهو ما يتفق أكثر مع الصور التي عُثر عليها في المعابد. ومع ذلك، يقول بلوتارخ إن لقب ملك الملوك لم يُمنح إلا لأبناء مارك أنطونيو. ويمكنني توقع أن كليوباترا سيليني حصلت على بعض الأراضي، كما جاء في رواية ديو، لكن كان هذا أمرًا غير مسبوق حتى بمعايير البطالمة؛ ففي المجتمعات القديمة كان بالطبع يُفترض بالنساء الزواج والانتقال إلى دولة أزواجهن. ربما كانت الأمور ستختلف إذا كان بطليموس قيصر بنتًا، وربما كانت كليوباترا عندها ستحكم مع ابنتها. كانت تلك ستصبح مشكلة مثيرة للاهتمام تحتاج إلى حل. لعب أنطونيو طوال العرض دور حاكم دولة أجنبية. لا يرد في أي موضع في المصادر التاريخية أي ذكر لحكمه لمصر، وفي الواقع كان يتصرف، على حد قول ديو، باسم يوليوس قيصر.

يُقال إنه تمثالين لألكسندر هيليوس بالرداء الشرقي ما زالا موجودين (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٥٠-٢٥١، رقم ٢٧٠). يظهر التمثالان شابًّا يتمتع بوجه ممتلئ مستدير شبهه البعض بالوجه الذي يظهر في صور الإمبراطور نيرو (هيرمان ١٩٨٨: ٢٨٨–٢٩٣)، لكنه لا يختلف كثيرًا عن صور بطليموس الثامن، خاصة فيما يتعلق بوجود الوجه الممتلئ والذقن الممتلئ المستدير والعينين القريبتين إحداهما من الأخرى. يُعتبر التمثالان كبيرين حجمًا بالنسبة للتماثيل المصنوعة من سبيكة نحاسية؛ أحدهما يوجد حاليًّا في متحف متروبوليتان ويصل ارتفاعه إلى ٦٤ سنتيمترًا. يرتدي الطفل نوعين مميزين من الملابس؛ غطاء رأس على شكل هرم وبنطالًا طويلًا على الطراز الذي يرتديه الفرس عادة في الفن الإغريقي. ومع ذلك، لا يوجد شيء محدد يمكن من خلاله تحديد هوية هذا التمثال على أنه تمثيل لألكسندر هيليوس في زيه الشرقي في أثناء الحفل.

يقول يوسيفوس («آثار اليهود القديمة» ١٥. ٤. ١. ٨٨–٩٥) إن أنطونيو أعطى كليوباترا المدن التي تقع بين النهر الكبير الجنوبي (إليوثروس) ومصر باستثناء مدينتي صور وصيدا، اللتين تعرفان أنهما كانتا حرتين منذ عهد أسلافه، رغم «أنها طالبت بشدة بالحصول عليهما» (ترجمة ثاكري، طبعة لوب). في ٤. ٤. ١٠٦ يرد ذكر هيرودس مرةً أخرى وهو يمدح كليوباترا التي كان عليه استئجار أرضه منها. وعند ذكر أن هيردوس كان سيعرض نفسه لخطر إذا لم يفعل ذلك فإن هذا لا يشير إلى سلطة الملكة فحسب وإنما إلى تأييد أنطونيو لها وبالتالي الرومان.

(٦) عملات كليوباترا وأنطونيو في الخارج

ضُرب عدد من العملات احتفالًا بالأراضي التي حصلت عليها كليوباترا حديثًا. في بعض الأحيان تظهر كليوباترا وأنطونيو معًا على العملة، بحيث تكون الملكة على أحد وجهَي العملة والقائد الروماني على الوجه الآخر.

ضُرب بعض العملات في خالكيس، إحدى المناطق التي حصلت عليها كليوباترا من مارك أنطونيو، ويظهر على أحد وجهَي العملة رأس كليوباترا وكتفاها، وعلى الوجه الآخر يظهر أنطونيو. وفي أحيان أخرى كان يحل إله معروف محل أنطونيو (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٣٣، رقم ٢١٤–٢١٧). صدرت العملات التي ضُربت في الفترة بين عامي ٣٢ و٣١ قبل الميلاد باسم كليوباترا ويقول الكلام المنقوش عليها «للملكة كليوباترا». تظهر كليوباترا كحاكمة؛ فشعرها مصفف ومربوط إلى الخلف كالمعتاد وترتدي إكليلًا. لا يظهر من صورة مارك أنطونيو إلا الرأس والعنق. وتتشابه الصورتان من حيث التأكيد على ملامح الوجه الجادة، والعين الكبيرة، التي تُعتبر دون شك إشارةً إلى سلالة هرقل التي ينتميان إليها بشكل أو بآخر (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٣٦).

تُظهر العملات التي ضُربت في أنطاكية حدوث تطورات في شكل ملامح هذين الحاكمين (ووكر ٢٠٠٣ب)؛ فيظهر أنطونيو وكليوباترا مرةً أخرى كلٌّ على حدة على عملات ضُربت في هذه المنطقة، ويظهران معًا أيضًا، فتظهر كليوباترا على التيترادراخما الفضية، التي ضُربت بين عامي ٣٧ و٣٢ قبل الميلاد، على أحد وجهَي العملة مع عبارة «الملكة كليوباترا ثيا الثانية». يعني مصطلح «ثيا» الإلهة بالإغريقية، ويشير أيضًا إلى أحد أسلاف كليوباترا؛ كليوباترا ثيا. يظهر أنطونيو على الوجه الآخر للعملة مع عبارة «أنطونيو الإمبراطور للمرة الثالثة وعضو الحكومة الثلاثية». يشبه شكلهما الشكل الموجود على عملات خالكيس؛ فلا يظهر من كليوباترا إلا رأسها وكتفاها، وترتدي في هذا التمثال رداءً مزخرفًا وقلادة، ولا يظهر أنطونيو إلا عند أسفل رقبتها. ظهر الحاكمان كلاهما على العملات التي ضُربت في أنطاكية منفصلين أحدهما عن الآخر (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٣٤، رقم ٢١٨–٢٢٢). في حالة كليوباترا تظهر الصورة نفسها والزي الذي ترتديه على عملات غير معروفة المصدر في شكل دنانير فضية (ووكر ٢٠٠٣: ٥٠٩-٥١٠). تظهر كليوباترا على هذه العملات مع عبارة «ملكة الملوك وأطفالها الملوك» مكتوبة باللاتينية بدلًا من الإغريقية كما هي العادة. ويحتفل أنطونيو بانتصاره على أرمينيا على أحد وجهَي العملة بعبارة «مارك أنطونيو انتصر على أرمينيا». ويُقال إن الدنانير ارتبطت على نحو مباشر بتخليد ذكرى عطايا الإسكندرية (ووكر ٢٠٠٣ب: ٥١٠).

كذلك ضُربت عملات برونزية تُظهر الزوجين الملكيين؛ كالمعتاد كليوباترا على أحد وجهَي العملة وأنطونيو على الوجه الآخر، في بطلمية-عكا (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٣٥، رقم ٢٣١). وفي عام ٣٤ / ٣٣ قبل الميلاد، ضُربت في مدينة دورا، على طول الساحل جنوب بطلمية، عملات يظهر عليها الحاكمان معًا (جنبًا إلى جنب وجه واحد من العملة).

يحاكي ظهور كليوباترا بالزي الشرقي على عدد من هذه العملات على الأرجح زيها الحقيقي في موكب احتفال عطايا الإسكندرية. لم يكن أنطونيو وكليوباترا أول الذين أظهروا هذا النوع من التبادل الثقافي؛ فقد اشتهر الإسكندر بارتداء ملابس الشعوب التي يهزمها ومن الواضح أن أسرة كليوباترا نفسها كانت متحمسة لأداء أدوارها المصرية.

إن ملامح وجه كليوباترا التي ظهرت على هذه العملات بالتحديد هي التي دفعت كثيرين إلى الإشارة إلى أنفها الكبير المعقوف وذقنها الحادِّ؛ فقد كانت هذه الملامح تحاكي ملامح وجه والد الملكة؛ بطليموس الثاني عشر، ويبدو أنها ظهرت بدورها في صور مارك أنطونيو.

(٦-١) عملات تظهر عليها كليوباترا وحدها

ضَربت دارٌ لسك العملة، يتحدد مكانها عادةً بدمشق رغم أن هذا في الواقع غير مؤكَّد، عملاتٍ تظهر عليها كليوباترا (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٣٥، رقم ٢٢٣-٢٢٤ و٢٣٠). إذا كانت هذه العملات ضُربت في دمشق فإنها كانت تكريمًا لكليوباترا لأن هذه المدينة فعليًّا لم تكن منطقة تابعة للبطالمة (ووكر ٢٠٠٣ب: ٥١٠-٥١١؛ ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٣٥، رقم ٢٣٠). تُظهر الملامح الموجودة على العملة الملكة بإكليلها المعتاد، وربما كانت أنحف قليلًا في النموذج الظاهر في الصور سابقة الذكر (ووكر وهيجز ٢٠٠١) مقارنة بشكلها المعتاد. صدر هذا النوع من العملات في عام ٣٧ / ٣٦ قبل الميلاد و٣٣ / ٣٢ قبل الميلاد، ومن ثم في أواخر فترة حكم كليوباترا. تُظهر الصورة رأس وكتفي الملكة بدلًا من رأسها فقط وترتدي فيها قلادة مزخرفة.

ضُربت عملات برونزية في فينيقيا أيضًا وأُرِّخت بأعوام مختلفة من حكم كليوباترا، بدأت من ٣٧ / ٣٦ قبل الميلاد، على سبيل المثال في أورثوسيا (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٣٥، رقم ٢٢٥-٢٢٦)، وطرابلس (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٣٥، رقم ٢٢٧)، وبيريتوس (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٣٥، رقم ٢٢٨-٢٢٩). يظهر في هذه الصور الرأس والعنق فقط، وترتدي الملكة الإكليل المعتاد، وشعرها مقسم إلى خصلات عريضة ومربوط إلى الخلف. توجد أشكال متنوعة من الصور، لكن في الغالب كان الذقن والأنف بارزين على غرار ملامح صور بطليموس الثاني عشر. وفي بعض الصور يظهر القرطان بوضوح.

(٧) معركة أكتيوم وما بعدها

يوجد عدد من الأسباب لإعلان أوكتافيان الحرب على كليوباترا هي: طلاق أخته، والأراضي التي تنتمي فعليًّا لروما وأُعطيت لكليوباترا، والأسلوب السافر الذي احتفى به أنطونيو بعلاقته بكليوباترا، على سبيل المثال بظهورهما معًا على العملات.

في أثناء السنوات الأخيرة من حكم أنطونيو وكليوباترا قضيا وقتًا طويلًا خارج مصر (هولبل ٢٠٠١: ٢٤٤–٢٤٧). وفي مطلع عام ٣٢ قبل الميلاد استقر الزوجان في أفسس، وفي شهر أبريل من هذا العام ذهبا إلى جزيرة ساموس، وفي شهر مايو أو يونيو زارا أثينا. وفي شتاء عام ٣٢ / ٣١ قبل الميلاد انتقل أنطونيو وكليوباترا إلى مدينة باتراس وفي الربيع التالي اندلعت الحرب، وانتهت في ٢ سبتمبر عام ٣١ قبل الميلاد بمعركة أكتيوم، على الساحل الغربي لليونان.

في كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو» طوال الاستعداد للمعركة (٦٠) تظهر كليوباترا بأنها لا تأخذ الأمور على محمل الجد، وفي الفصل ٦٣ تُلام على القرار المصيري بمحاربة أوكتافيان في البحر بدلًا من البر؛ فقد تكون لدى أنطونيو قوة أكبر. لا تظهر كليوباترا فعليًّا في وصف المعركة، إلا في أواخر الفصل ٦٦ عندما أدارت سفنها وتركت المعركة، ويشتهر أنطونيو بلحاقه بكليوباترا؛ ومن ثم هُزم الزوجان على يد أوكتافيان والأسطول الروماني. وفقًا لما يقوله بلوتارخ، بعد معركة أكتيوم وبعد فترة قصيرة من الاكتئاب (٦٧ و٦٩)، عاد الزوجان إلى الإسكندرية وإلى نمط حياتهما المستهتر. حُلت رابطة «محبي الحياة المتفردين» وتكونت «رابطة الذين لا يفرقهم الموت»، وفي إشارة أخرى لتقبُّل كليوباترا للوضع القائم، يقول إنها بدأت في تجميع المخلوقات السامة واختبار سمها على المساجين (٧١).

يبدأ ديو (١) بوصف المعركة البحرية التي اندلعت في الثاني من سبتمبر. وعقب هروب أنطونيو وكليوباترا يقول إن أوكتافيان أرسل مَن يطاردهما لكنه عندما أدرك أنه لن يمسك بهذين الهاربين حوَّل انتباهه إلى مؤيديهم والقوارب المتبقية، التي استسلمت دون قتال. في الفصل السادس لا يظهر أنطونيو وكليوباترا على أنهما رهينتان مكتئبتان وإنما يُقال إنهما كانا يستعدان للحرب. ويُظهر ديو أن خطتهما الاحتياطية كانت تتمثَّل في الإبحار إلى إسبانيا وتحريك ثورة فيها أو الذهاب إلى البحر الأحمر وشن حرب على روما من هناك. وتظهر كليوباترا أنها الأكثر خداعًا. ويقول إنها أرسلت صولجانًا وتاجًا إلى أوكتافيان إشارةً إلى أنها تقدِّم إليه مملكتها. يقول ديو إنها كانت تأمل أن يشفق عليها (على الأرجح لكونها امرأة). ثم يقول: إن أوكتافيان، بعد قبول الهدايا، عرض عليها صفقة بأنها إذا قتلت أنطونيو فسيعفو عنها ويتركها تحكم مصر.

يذكر ديو (٧) قائمة بالحلفاء المزعومين الذين تخلوا عن أنطونيو وكليوباترا والذين استمر ولاؤهم لملوكهم. ويتحدث عن يأس كلٍّ من أنطونيو وكليوباترا في الفصل الثامن؛ إذ يقول إنهما أرسلا مبعوثَين واحدًا تلو الآخر يذكِّران أوكتافيان بصداقتهما معه ويعرضان عليه ثروة ضخمة. قبِل أوكتافيان هدايا من ابن أنطونيو أنتيلوس لكنه لم يرسل إليه شيئًا في المقابل. في حين يقول إنه في حالة كليوباترا «أرسل إليها كثيرًا من التهديدات والوعود على حد سواء». يدعي ديو أن كليوباترا «جمعت كل ثروتها في قبرها، الذي كان يُبنى على أراضٍ ملكية، وهددت بإحراق نفسها معها كلها إذا فشلت في الحصول على أبسط مطالبها.» عندما أدرك أوكتافيان أنه لم يكن أفضل مَن يتفاوض مع الملكة، التي تظهر طبيعتها غير العقلانية في هذه الفقرة، أرسل أوكتافيان رجلًا أُعتق من الأسر اسمه ثيرسِس ليتفاوض معها. يدعي ديو أيضًا أن ثيرسِس كان يُفترض به أن يخبر الملكة أن «أوكتافيان يحبها» أملًا في أن تترك أنطونيو لأنها «كانت تظن أنها تستحق أن يحبها كل البشر».

بعد فاصل قصير عن تحركات أنطونيو، عاد ديو إلى الحديث عن كليوباترا وأوكتافيان، وذكر استيلاء أوكتافيان على مدينة الفرما، التي سقطت «ظاهريًّا بسبب اجتياح الجنود لها، لكن السبب الفعلي في سقوطها كان خيانة كليوباترا». ويقول: إن السبب الرئيسي في ترك الملكة لهذه المدينة هو أنها كانت تعتقد أن أوكتافيان يحبها. ويواصل ديو حديثه قائلًا إنه عند دخول أوكتافيان الإسكندرية منعت الملكة أهالي الإسكندرية من مهاجمته؛ لأنها «لم تتوقع الحصول على عفوه والسيادة على المصريين فحسب، وإنما على الإمبراطورية الرومانية بأكملها».

من ناحية أخرى، يُذكر أن مارك أنطونيو (١٠) حاول منع أوكتافيان من الاستيلاء على الإسكندرية بالقوة والرشوة، عن طريق قذف منشورات على مخيم أوكتافيان يعرض فيها على جنود الأخير مكافآت إذا تركوا جيشه. هُزم أنطونيو على البر وفي مساعيه لرشوة رجال أوكتافيان؛ لذا عاد إلى أسطوله، كما يرد، عازمًا على الاستعداد إما لمعركة بحرية أخرى أو الهروب إلى إسبانيا. ويُقال إن رد فعل كليوباترا تمثَّل في حل الأسطول؛ مما يشير إلى عدم اتفاق بين الحبيبين. في ذلك الوقت حبست كليوباترا نفسها في ضريحها. كان تفسير ديو لترك كليوباترا لأنطونيو أنها كانت تأمل أن ينضم إليها. وفي تحليل نفسي لتصرف كليوباترا يقول ديو إنها كانت تأمل أن ينهي أنطونيو حياته عند سماعه لخبر وفاتها.

يقول ديو (١٥) إن أوكتافيان عفا عن أهالي الإسكندرية والمصريين الذين أيدوا كليوباترا. يواصل ديو حديثه فيذكر بعد الاستيلاء على مصر:

لم تمطر السماء ماءً فقط في مكان لم تكن تسقط فيه قطرة ماء من قبلُ، وإنما أمطرت دماءً، وظهرت ومضات من الدروع في السحب التي أمطرت هذه الدماء. وفي الأماكن الأخرى كان يُدوي صوت قرع الطبول والصنج وموسيقى المزامير والأبواق، ثم ظهرت لهم فجأة أفعى هائلة الحجم وأصدرت صوت فحيح يصم الآذان. في الوقت نفسه شوهدت مذنبات وظهرت أشباح رجال أموات، وعبست التماثيل، وخار أبيس منتحبًا وانخرط في البكاء. (ترجمة ثاير، طبعة لوب)

يُقال إن كليوباترا أخذت كل القرابين حتى من «الأضرحة المقدسة»، وقد ذكر يوسيفوس هذه الفكرة أيضًا.
يحتوي كتاب يوسيفوس «الحرب اليهودية» ٢٠. ١. ٣٨٩–٣٩١، و٢٢. ٣. ٤٤٠ على إشارات إلى كليوباترا عقب حرب أكتيوم؛ ففي ٢٠. ١ يقول: إن هيرودس قال:

عندما لم أعد حليفًا مفيدًا (عقب معركة أكتيوم)، أصبحتُ أقرب مستشار له [مارك أنطونيو]، وأخبرته أن الحل الوحيد لمشكلاته هو موت كليوباترا. ووعدتُ بإعطائه المال، وتوفير مكان لحمايته وجيش وأن أقف بجواره كرفيقه في ساحة المعركة ضدك يا أوكتافيان، شريطة أن يقتلها فحسب. لكن يبدو أن شيئًا من هذا لم يدخل أذنيه بسبب افتتانه بكليوباترا وبتدبير من الرب الذي منحك السيادة. (ترجمة ثاير، طبعة لوب)

من الواضح أن يوسيفوس، في تسجيله لأفعال هيرودس، اتبع النهج الرسمي للرومان في إلقاء اللوم على كليوباترا بدلًا من أنطونيو القائد الروماني الذي يسهل خداعه.

توجد أيضًا أجزاء متفرقة من أوراق البردي باللغة اللاتينية تحتوي على فقرات تتحدث عن الأحداث عقب معركة أكتيوم، تحدَّث عنها جاروتي باللاتينية (١٩٥٨). تصف هذه الأجزاء الصغيرة هروب كليوباترا بعد معركة أكتيوم (١٩٥٨: ٥١–٥٦)، وتتحدث عن كورنيليوس جالوس، الشاعر وأول حاكم على مصر (٥٦–٥٨)، وعن كليوباترا ومارك أنطونيو (٥٨–٦١)، وعن كورنيليوس جالوس والفيالق الرومانية (٦١–٦٧). تتحدث الأعمدة أيضًا عن الفترة التي أعقبت وصول أوكتافيان إلى مدينة الفرما (٧٠–٧٦)، وتخطيط أنطونيو وكليوباترا للانتحار (٨١–٨٦) مع وضوح تأزم الموقف.

عُثر على نقش بارز من الرخام، يُظهر على الأرجح سفينة حربية رومانية من معركة أكتيوم، في مقبرة كبيرة قديمة في مدينة برانستي. أصبحت هذه المدينة الصغيرة تُعرف حاليًّا باسم بالسترينا وتقع في ضواحي روما النائية. تشتهر هذه المدينة بصنع قطع كبيرة من فسيفساء النيل، التي شكلت جزءًا من الأسلوب الرئيسي المتبع في زخرفة المعابد الرومانية (ميبوم ١٩٩٥؛ ووكر ٢٠٠٣ج). يوجد حاليًّا النقش الرخامي البارز لهذه السفينة الحربية في متاحف الفاتيكان (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٦٢-٢٦٣، رقم ٣١١). تنتمي هذه الكتلة في الأساس إلى إفريز وتظهر عليها سفينة حربية ذات صفين من المجاديف عليها ١١ رجلًا. نُحتت هذه الأشكال بمستويات مختلفة من النقش البارز مما يجعل الشكل يبدو ثلاثي الأبعاد. على جانب الشكل يظهر جندي على صهوة جواد. تشير صورة مرسومة ظهرت في القرن السابع عشر للنقش نفسه إلى أنه جاء من مقبرة ترجع إلى عصر الجمهورية الرومانية، وهو ما يشير في هذه الحالة إلى أنه كان جزءًا في الأصل من نصب تذكاري جنائزي (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٦٢). أثيرت علاقة النقش بمصر ومعركة أكتيوم على أساس التمساح الموجود بجوار مقدمة السفينة. وقيل إن صاحب هذا النصب التذكاري الجنائزي ربما كان أحد جنود أنطونيو في مصر في ذلك الوقت. كذلك وردت إشارة إلى الصلة بين فسيفساء بالسترينا من ناحية وكليوباترا وأنطونيو من ناحية أخرى (ووكر ٢٠٠٣).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤