الباب السري لخزانة «بل موراي»!

كان «أحمد» يجلسُ شاردًا، مُفَكِّرًا في الخطوة التالية التي يأخذون طريقهم إليها الآن.

همس «خالد»: إنَّ الدولارات المُزَيَّفة ليست معنا.

نظر له «أحمد» قليلًا، ثم قال: إنها في الطائرة، في مكان سري لا يَعْرفه غيري الآن!

صمت الشياطين، كان الظلام كثيفًا، حتى إنَّ أحدًا منهم لم يُفكِّر في النظر من نوافذ الطائرة، لكن الرِّحلة لم تكن طويلة؛ فقد نظر «أحمد» في ساعة يده، ثم قال: سوف نكون مع بداية أول ضوء هناك، وهذه ساعة مناسبة لنا …

وفعلًا، ما إن ظهر أول ضوء حتى كانت جزيرة «هاواي» تظهر أمام الشياطين، كان المنظر رائعًا، حتى إنَّ الشياطين استغرقوا في تأمله. قام «أحمد» إلى قائد الطائرة، وقال له: أرجو أن تدور دورة حول الجزيرة حتى نراها كلها …

دارت الطائرة دورة كاملة، في نفس الوقت الذي كان الشياطين يُحدِّدون مكان قصر «بل موري»، إنهم يعرفون أنه يقع على الشاطئ مباشرة، لونه أبيض، يغرق وسط حديقة خضراء، يحوطها النخيل، ما إن اقتربت الطائرة من نقطة معينة في الجزيرة، حتى همس «باسم»: ها هو القصر. يا له من تحفة رائعة!

كانت أضواء الفجر تلفُّ كل شيء، ولم تكن هناك حركة ما في الجزيرة، قال «قيس»: إنه لا يَبعد كثيرًا عن المطار!

مرة أخرى، ذهب «أحمد» إلى قائد الطائرة، وطلب منه النزول في المطار، ثم عاد مُسْرعًا إلى مكان في نهاية الطائرة، ورفع «أحمد» أحد المقاعد فظهرت حقيبة سوداء، ترقد في بطن المقعد الخلفي، جذبها بسرعة، كانت ثقيلة نوعًا، نظر إلى الشياطين وهو يعود بالحقيبة، والابتسام يُغطي وجوههم، عندما جلس إلى مقعده وربط الحزام، كانت الطائرة قد بدأت تنزل إلى أرض المطار، ثم لامسَت عجلاتها الأرض، وبعد قليل توقفت.

نزل الشياطين بسرعة، كان بعض موظفي المطار هناك، ألقوا عليهم تحية الصباح، ثم خرجوا، لم يكن هناك تفتيش، أو أية إجراءات يمكن أن تعطلهم، خرجوا من المطار ثم أشاروا إلى أحد التاكسيات، فاقترب منهم بسرعة.

قال «أحمد»: نريد فندقًا قريبًا من الشاطئ الشرقي للجزيرة! …

هزَّ الرجل رأسه ثم انطلق، لم تمرَّ ربع ساعة، حتى كان التاكسي يقف أمام أحد الفنادق، كان فندقًا صغيرًا، يبدو مثل فيلَّا كبيرة نوعًا، وعليه كانت تظهر لافتة مكتوب عليها «ذي ستار» أي «النجمة»، أسرع الشياطين بالدخول.

كانت هناك سيدة عجوز، قد استيقظت لتوِّها من النوم ألقوا عليها تحية الصباح، ثم قال «أحمد»: نريد حجرة لأربعة.

ابتسمت السيدة، وهي تقول: اسمي «مادلين»، وأنا صاحبة الفندق، من حظكم أن لديَّ هذه الحجرة، وهي الوحيدة الخالية هنا؛ فالفنادق تزدحم في هذا الوقت من السنة!

تقدَّمتهم فتبعوها، صعدوا طابقًا واحدًا، ثم أشارت إلى الحجرة، وهي تقول: إنها تُطل على المُحيط، وسوف تستمتعون بها كثيرًا؛ فالنُّزلاء هنا لا يُصدرون أية ضوضاء إلا في أول الليل، قالت ذلك، ثم ضحكت ضحكة خافتة.

قال «أحمد»: أظنُّ أنَّ الجزيرة الآن، تستحق أن نتجول فيها قليلًا!

قالت مُبتسمة: نعم، الآن، لا يوجد أحد، وهذه فرصة، لمن يُريد أن يَستمتِع بهدوئها، ففي النهار تزدحم بالكثيرين الذين ينزلون فيها، والذين يأتون لقضاء النهار فقط!

شكرها الشياطين ثم دخلوا الحجرة، كانت حجرة واسعة تضُمُّ سريرين كبيرين، فتح «خالد» الشرفة الزُّجاجية المُغَطَّاة بستائر ثقيلة، فاندفع هواء منعش، في نفس الوقت الذي ظهر فيه المُحيط الهادئ، بلا نهاية.

قال «قيس»: إنه مكان للرَّاحة فعلًا، وقد فكر «بل موري» جيدًا عندما جاء إلى هنا! ثم ابتسم وأضاف: لكنه لم يكن يعرف أنَّ الشياطين في انتظاره.

في دقائق، كانوا يخرجون من الفندق، دون أن يحملوا أي شيء معهم، حتى الحقيبة، إنَّ الدولارات المُزيفة، كانت معهم؛ فقد لفَّ كل منهم مبلغًا حول وسطه، كان الضوء قد بدأ ينتشر، وتظهر شوارع الجزيرة الهادئة، في نفس الوقت الذي كان الهواء، يَمرح في الشوارع، أخذوا طريقهم إلى قصر «بل موري» الذي لم يكن يَبعُد كثيرًا، في البداية اتجهوا إلى الشاطئ حيث كان الموج الهادئ يضرب الشاطئ في رقة، بينما كانت أشجار النخيل القريبة من الشاطئ، تُكمل اللوحة الطبيعية البديعة، وفوق الرِّمال النَّاعمة، أخذوا يقطعون الطريق، حيث كان القصر يبدو أمامهم بلونه الأبيض، بينما أشجار النَّخيل والموز تُحيط به من كل اتجاه.

قال «خالد»: أقترح أنْ نَتَحَرَّك في طابور جري، فنبدو وكأننا من هواة رياضة الصباح، فذلك لن يَلفت نظر أحد، حتى ولا حُرَّاس القصر، هذا إذا كانت هناك حراسة، في نفس الوقت، فإننا في حاجة إلى بعض النشاط، لأننا لم ننم طوال الليل!

وافق الشياطين على الفكرة، ثم نفذوها فعلًا، تقدم «أحمد»، وخلفه «باسم»، ثم «خالد» و«قيس»، اقتربوا من القصر أكثر، حتى أصبحوا بجوار سور الحديقة، لم يكن هناك صوت ما، في هدوء، وبطريقة من يُمارسون الرِّياضة، اقتربوا من الباب الحديدي المُغلَق لسلسلة ضخمة، ألقوا نظرة سريعة إلى داخل الحديقة، غير أنه لم يظهر أحد.

همس «أحمد»: ينبغي أن نكون بالداخل الآن، إن هذه أحسن فرصة لنا!

قال «قيس»: على ألا ندخل من مكان واحد، يجب أن نتفرق!

وفي سرعة، كان كل اثنين يقفزان من مكان، فوق السور الحديدي، الذي تُغطيه النباتات المتسلِّقة، وفي ثوانٍ، كانوا يقفزون داخل الحديقة، لكن فجأة، توقفوا فقد سمعوا صوت كلب «يزوم»، أخذ صوت الكلب يرتفع حتى صار نباحًا، لكنه لم يكن يظهر، حدَّد «أحمد» مكان الكلب تبعًا لمصدر الصوت، اقترب من المكان الذي حدده في حذر، ارتفعت أصوات كلاب أخرى.

كان «خالد» بجواره، فهمس: من المؤكد أن أحدًا سوف يظهر الآن! …

انتظرا قليلًا لكن أحدًا لم يظهر، كان باب القصر مُغلقًا اتجها إلى إحدى النَّوافذ، التي كانت كلها مُغلقة، كانت نافذة الطابق الأول مُرتفعة قليلًا، مَدَّ «خالد» ذراعيه، فقفز «أحمد» فوقها ثم قفز مرة أخرى إلى «إفريز» النافذة، أخرج آلة حادة صغيرة، وبدأ يُعالج النافذة حتى انفتحت، ضغط عليها بهدوء، ثم مَدَّ يده إلى «خالد» الذي تعلَّق بها ثم قفز، فأصبحا معًا داخل الحجرة.

فجأة، دوت طلقة رصاص بجوار النافذة، فهمس «أحمد»: إنَّ المعركة سوف تبدأ، هذه ليسَت في صالحنا … صمت قليلًا، ثم أضاف: ينبغي إرسال رسالة إلى الشياطين، ليتصرَّفوا دون اشتباك.

بسرعة كان «خالد» يُرسل رسالة شَفرية إلى «باسم» و«قيس»، في نفس الوقت الذي كان فيه «أحمد» يُفتِّش الحجرة بدقة، لكنه توقف فجأة وهمس: من الضروري أن تكون الخزانة في الطابق الثاني وليس في الأول؛ فهو أكثر أمانًا، وأقل تعرُّضًا للهجوم.

تعالت أصوات أقدام داخل القصر، وارتفع النباح أكثر، وازداد، فتح «أحمد» باب الحجرة في حذر، وألقى نظرة على الصالة الواسعة رأى البعض يجري، وهو يجرُّ كلابًا ضخمة، ظل مكانه، لكن فجأة، أبصر أحد الكلاب، يقع على الأرض، ثم يتبعه الرَّجل الذي يقوده، همس: إن «باسم» و«قيس» في الدَّاخل، وقد تصرَّفا تبعًا للخطة … خرج وخلفه «خالد»، غير أنَّ طلقات الرصاص دوت حولهما من الطابق الثاني.

قال «أحمد»: سوف أصعد إلى سطح القصر من الخارج، وعليك أن تدخل في الصراع حتى تشغلهم عني، حاول أن تُرسِل للشياطين هذا المعنى! …

وبسرعة، عاد قافزًا من النَّافذة إلى الحديقة، وأخذ يبحث عن شجرة قريبة من القصر حتى وجدها، كانت واحدة من النخيل، الذي نُسميه «النخيل الإفرنجي»، وهي شجرة ملساء عالية جدًّا، لا تُعطي سوى نوع من البلح الذي يشبه الزيتون، وهي لا تُزرع إلا للزينة فقط، كان الصعود صعبًا، لكن «أحمد» أخرج خنجره، وبواسطته استطاع أن يتسلق، كان يغرس الخنجر في ساق الشجرة، ثم يتعلَّق به ويصعد، وهكذا حتى أصبح قريبًا من سطح القصر الذي لم يكن يَرتفع إلا لطابقَين فقط.

قفز قفزة واسعة فأصبح فوق السطح، وبسرعة بحث عن الباب المؤدِّي إلى داخل القصر، ولم يكن بعيدًا عنه، غير أنَّه كان مُغلقًا، في هدوء أخذ يُعالجه بخنجره حتى انفتح، كانت الأصوات قد بدأت تقلُّ، فعرف أنَّ الشياطين قد استخدموا الإبر المخدِّرة بنجاح، وقف عند أعلى السلم، وألقى نظرة سريعة على الطابق الثاني، كانت الحجرات كلها مُغلَقة، إلا قاعة واسعة في نهاية الممر، وكانت بلا باب، غير أنَّ ما لفت نظره هو ظهور اثنَين يحملان المسدسات، ويقتربان من باب في منتصف الممر، وقف الاثنان في حالة استعداد، وقد اختفى كلٌّ منهما خلف تمثال ضخم، من التماثيل الكثيرة الموجودة في الممر، ابتسم ابتسامة هادئة، وقال في نفسه: من المؤكد أنَّ هذه هي الحجرة المطلوبة …

أخرج مسدسه وثبت فيه إبرة مُخدِّرة، ثم أحكم النيشان، وسددها إلى أولهما، مرت لحظة، ثم سقط الرجل على الأرض، في نفس الوقت، الذي كانت إبرة أخرى قد خرجت من المُسدس، في طريقها إلى الرجل الآخر، ولم تمض لحظة، حتى كان يتمدَّد بجوار التمثال. في خفة، نزل السلم بسرعة، متجهًا إلى الحجرة، وقف أمامها لحظة، كانت أكرة الباب النحاسية هي سبب توقفه، قال في نفسه: لعل هناك حراسة كهربائية …

أخرج من حقيبته السِّحرية قفازًا، ثم لبسه، وأمسك أكرة الباب وأدارها، إلا أنَّها لم تَدُر معه، فكر قليلًا، ثم أخرج الجهاز الإليكتروني الصغير، ثبَّته على فُوَّهة المُسدس، ثم ضغط الزناد، خرجت أشعة غير مرئية، فاصطدمت بالأكرة، فانفتح الباب، دخل بسُرعة، ثم أغلقه من الداخل، كانت حجرة مكتب فاخرة، مفروشة باللون الأزرق، في الوقت الذي كانت فيه كل الأشياء بيضاء تمامًا، فكَّر لحظة، وهو يدير عينيه في الحجرة، قال في نفسه: إنَّ الخزانة لا بدَّ أن تكون سحرية، ولا بُدَّ أنها تُخفي خلفها شيئًا ما.

أخذ يستطلع المكان في حذر، لكنه فجأة، سمع صوت أقدام، اختفى بسرعة خلف أحد الكراسي، وانتظر، لم يُفتح الباب مباشرة، لكن بعد لحظة، بدأ يفتح في حذَر، فجأة ظهر أحد الرجال وهو يُشهر مسدسه، انتظر «أحمد» قليلًا، أغلق الرجل الباب، ثم تَقَدَّم بسُرعة إلى وسط الحجرة، رفع طرف السجادة لمساحة كبيرة، ثم ظلَّ يتأمَّل الأرض، مرَّت دقائق والرجل مُستغرقٌ في تأمُّله، ابتسم «أحمد» وقال في نفسه … دعني أشكرك يا سيدي لقد دللتني على ما أبحث عنه … بعد قليل، أنزل الرجل السجادة، ثم مشى عليها عدة خطوات في نقطة محدَّدة، وأخذ طريقه إلى الباب.

في لمح البصر، كان «أحمد» يرفع طرف السجادة على نفس المساحة، ظل يتأمَّل الأرض، غير أن شيئًا غير طبيعي لم يكن يظهر، مَرَّ بأصابعه على الأرض في تركيز شديد، ثم ابتسم، لقد اصطدمت أصابعه بخط رفيع لا يظهر، ظل يتبع الخط حتى نهايته، ثم تعرج معه حتى نهاية أخرى، وثالثة، ورابعة، كانت الخطوط ترسم مستطيلًا عرف «أحمد» أنه باب، تساءل في نفسه: لكن كيف يُفتح؟ …

فَكَّر قليلًا، ثم اتجه إلى المكتب، وظلَّ يدور حوله، وهو يتأمل كل شيء فيه، توقف عند نتوء صغير في إحدى قوائم المكتب، نظر في بقية القوائم، فلم يجد هذا النتوء، مَدَّ يده وضغط عليه، فرأى الباب السري يرتفع، ملأته الدهشة، وابتسم وهو يقول لنفسه: إنها طريقة ذكية تمامًا.

أسرع إلى الباب، ثم وقف في دهشة، لقد كانت رزم الدولارات مرصوصة في مساحة، ولم يستطع أن يعرف نهايتها، قال في نفسه: لا بُدَّ من وضع المبلغ الآن، وبطريقة تجعله يَستخدمه! أرسل رسالة إلى الشياطين، وحدد النقطة التي يقف فيها، قالت الرسالة: أحد الشياطين يحمل المبلغ كله، وينضمُّ إلى النقطة «ﻫ»!

ولم تَمض دقائق حتى كان «قيس» يدخل الحجرة مُسرعًا، أخرج بسرعة ما كان يحمله بقية الشياطين، وأخذ «أحمد» يرص الدولارات المزيفة في نفس الوقت الذي أخذ ما يُساويها، حتى إن «قيس» سأل: لماذا؟ …

قال «أحمد»: لعله يشُك، فمن المؤكَّد أنه يعرف كل تفصيلة في هذه الدولارات!

انتهى من عمله، فأسرع إلى المكتب، وضغط مرة أخرى على النتوء، فبدأ الباب ينغلق، جذب السجادة وغطى الباب، ثم مشى عدة خطوات فوقها، وأشار ﻟ «قيس» حتى يَنصرفا وهو يقول: الآن انتهت المهمَّة، نحن في انتظار وصول «بل موري»!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤