جابر بن حيان

(١) ماهيته التاريخية

لعل أبا عبد الله أو أبا موسى١ جابر بن حيان بن عبد الله أشهر من يذكره تاريخ العلم في العصر العربي من العلماء، فإن اسمه يقترن من حيث الشهرة، ومن حيث الأثر النافع بأسماء العظماء من رواد الحضارة والعمران، ولقد قال فيه الأستاذ «برتيلو» المؤلف الفرنسوي وصاحب كتاب «تاريخ الكيمياء في القرون الوسطى»: إنَّ اسمه ينزل في تاريخ الكيمياء منزلة اسم أرسطوطاليس في تاريخ المنطق، فكأن جابرًا عند «برتيلو» أول من وضع لعلم الكيمياء قواعد علمية تقترن باسمه في تاريخ الدنيا.
ولقد عرف جابر بن حيان في العالم اللاتيني باسم «جيبر» Geber واشتهر بكتاب عرف في اللاتينية باسم Summa perfectionis، ويقول البحاثة «هولميارد» بأن هذا الكتاب مأخوذ عن كتاب جابر المسمى «الخالص»، على أنَّ لجابر في العالم اللاتيني كثيرًا من المؤلفات المنسوبة إلى من يعرفونه «جيبر»، غير أنَّ هذا الكتاب أشهرها وأعمها بين الناس انتشارًا، على أنَّ الفرق بين جابر وبين من يعرف في العالم اللاتيني باسم «جيبر» قد ذهب ببعض المؤلفين في العصور الأخيرة إلى القول بأنهما شخصان مختلفان، ولكن الأستاذ «هولميارد» قد أثبت أنَّ جابر بن حيان هو بعينه المعروف في العالم اللاتيني باسم «جيبر» وأنَّ كل الكتب المنسوبة في اللاتينية إلى الاسم الأخير هي تراجم أو اقتباسات عن مؤلفات العالم الفارسي أصلًا، العربي نسبة.
في القرن الثامن الميلادي «الثاني من الهجرة» عاش جابر بن حيان في بلاط الخليفة هارون الرشيد في بغداد، وكان على صلة حسنة بالبرامكة، والظاهر من سيرته أنه كان أشد تعلقًا بهم منه بخليفة المسلمين؛٢ لأن البرامكة كانوا يعلقون على علم الكيمياء شأنًا كبيرًا، وكانوا يشتغلون بذلك العلم ويدرسونه درسًا عميقًا، ولقد ذكر جابر في كتابه «الخواص» كثيرًا من المحاورات التي وقعت بينه وبينهم في معضلات هذا العلم. ويقول القفطي في ترجمة جابر في كتابه «تاريخ الحكماء»:٣ إنه برز في فروع العلوم الذائعة في عهده ولاسيما علم الكيمياء، والظاهر أنه كان له نصيب من الاشتغال بعلم الطب وطرق العلاج؛ لأنه كان من الشائع في ذلك العهد أن يقترن العلم بالكيمياء بالعمل في صناعة الطب.
كل هذه الأشياء تحوط اسم جابر بن حيان بكثير من الأسباب التي تدعو إلى التأمل والنظر، أما ماهيته التاريخية فالمحقق منها أشياء خمسة:
  • أولًا: أنَّ اسمه جابر بن حيان «بن عبد الله».٤
  • ثانيًا: أنه كان فارسيًّا أصلًا، عربيًّا نسبةً ومنشأً.
  • ثالثًا: أنه عاصر الرشيد والبرامكة.
  • رابعًا: أنه كان على صلة ما بجعفر الصادق.
  • خامسًا: أنه أشهر من ألف في العربية في علم الكيمياء.

(٢) حياته ومولده

هو أبو عبد الله جابر بن حيان الكوفي،٥ وقد يذكر بكنية أبي موسى، ولا يعرف بالضبط مكان ميلاده، ولكن كل الثقات من المؤرخين يكادون يجمعون على أنه ولد إما بطوس في خراسان في الشمال الشرقي من بلاد فارس، وإما في حران بالعراق، على أنَّ الذين ترجموا عن حياته من المشتغلين بعلوم المشرق وتاريخه يرجحون أنَّ طوس مسقط رأسه،٦ وكذلك يجمع كل الثقات على أنه قضى شطرًا من حياته في مدينة الكوفة،٧ وكان صديقًا للبرامكة وزراء هارون الرشيد،٨ وأنه عاش ردحًا من الزمان في بلاط بغداد، وقد ينسبه بعض الباحثين إلى طرطوس؛ كما فعل المستشرق واستنفلد Wastenfeld أو يذهب غيره إلى أنه صابئ من حران، كما فعل المستشرق «دريبلو» d’Herbelot في المؤلف المسمى «المكتبة الشرقية» Bibliotheque orienatale ص٣٦٠.
ومن أغرب ما عثرتُ عليه من أقوال بعض الذين ترجموا عن حياة جابر من الإفرنج أنَّ بعضهم نسبه إلى إشبيلية من بلاد الأندلس،٩ وليس هذا هو الخطأ الوحيد الذي وقع فيه الأوروبيون في ترجمة جابر، فقد ذكر في بعض التراجم أنَّ جابرًا «أشهر علماء العرب وفلاسفتهم»،١٠ وفي موضع آخر أنه «عربي» مجرد عن كل نعت،١١ ثم تجد أنه ملك العرب،١٢ وفي مخطوطة١٣ من المخطوطات نعت بأنه ملك العجم، وفي مخطوطة نادرة كتبت قبل سنة ١٥٠٠م يدعى بملك الهند،١٤ وهذا يدل على أنَّ الأوروبيين حتى عهد قريب لم يحققوا شخصية جابر بن حيان، وأنَّ كل علمهم بشخصه كان قاصرًا على أنه «شرقي»، وأنَّ غالبهم كان يعتقد أنه «عربي» في حين أنه فارسي، انتسب إلى المدرسة الكيماوية العربية.

•••

يستدل من التواريخ المحققة أنَّ البرامكة ظلوا ممتعين بثقة هارون الرشيد سبعة عشر عامًا من سنة ٧٨٦ إلى ٨٠٣ ميلادية ١٧٠–١٨٨ﻫ، فعلى هذا نستطيع أن نرجع بحياة جابر في عهد فتوته وشبابه إلى تاريخ سابق على سنة ٧٦٥م/١٤٨ﻫ، وهي السنة التي توفي فيها جعفر الصادق، وأنَّ عهد رجولته يقع في الربع الأخير من القرن الثامن الميلادي إلى ما بين ٧٧٥–٨٠٠م/١٥٩–١٨٤ﻫ، أما حجي خليفة في كتاب «كشف الظنون» فيقول بأنه توفي سنة ١٦٠ﻫ؛ أي ما بين سنتي ٧٧٦ و٧٧٧م، غير أنَّ هذا القول ظاهر الخطأ إذا راعينا الاعتبارات السابقة وذكرنا علاقة جابر بالبرامكة، تلك العلاقة المحققة الوجود بكثير من المراجع التاريخية.

أما الجلدقي١٥ فقد روى في كتابه «نهاية الطلب» كثيرًا مما عانى كيماويو العرب لدى أول اشتغالهم بهذا العلم من الاضطهاد والمصاعب، وذكر عن جابر بن حيان أنه خلص من الموت مِرارًا عديدة، كما أنه قاسى كثيرًا من انتهاك الجهلاء لحرمته ومكانته، وأنهم كانوا يحسدونه على علمه وفضله، وأنه اضطر إلى الإفضاء ببعض أسرار الصناعة — أي الكيمياء — إلى هارون الرشيد وإلى يحيى البرمكي وابنيه الفضل وجعفر، وأنَّ ذلك هو السبب في غناهم وثروتهم، ولما ساورت الرشيد الشكوك في البرامكة وعرف أنَّ غرضهم نقل الخلافة إلى العلويين مستعينين بذلك بمالهم وجاههم، وقتلهم عن آخرهم، اضطر جابر بن حيان أن يهرب إلى الكوفة خوفًا على حياته١٦ حيث ظل مختبئًا حتى أيام المأمون فظهر بعد احتجابه. وكل ما يهمنا في هذه الرواية أنَّ المعروف على رواية ابن النديم وحجي خليفة أنه توفي سنة ١٦٠ﻫ/٧٧٦-٧٧٧م، ولكن إذا صحت رواية الجلدقي فلا بد من أن يكون جابر قد عاش بعد هذا العهد بزمان طويل؛ لأن المأمون لم يرتقِ عرش الخلافة إلا سنة ١٩٨ﻫ/٧١٣م، وهذه الروايات المتناقضة توسع مجالًا كبيرًا للبحث والتأمل.

(٣) مؤلفاته

كان جابر بن حيان أكثر العلماء كتابة وتأليفًا، أما قائمة كتبه الأصلية التي كانت بين يدي ابن النديم صاحب الفهرست فقد فقدت، ولذلك تجد أنَّ القائمة التي ذكرها في الفهرست ناقصة لا يعتمد عليها كمرجع يصح أن يعتبر كاملًا.

أما العلامة «فلوجل» Flugel الألماني فاعتمد عليها واتخذها مرجعًا تامًّا، وكان ذلك من أكبر الأخطاء التي اعتورت بحثه في حياة جابر هو وتلاميذه الملتفون من حوله، الناحون في البحث نحوه،١٧ أما ترجمة «برتيلو»١٨ لأسماء الكتب التي أخذها عن الفهرست لابن النديم فأكثرها غير صحيح، وفي ذلك دلالة على أنه لم يستطع أن يدرك معنى الأسماء إدراكًا تامًّا، وأنه لم يحقق ما وقع فيها من التصحيف والخطأ النقلي.
أما إذا أردنا أن نذكر كل مؤلفات جابر التي تناقلت الألسن أسماءها منسوبة إليه، فإن ذلك يشغل فراغًا كبيرًا ولكنا نذكر هنا أشهر كتبه المعروفة مقسمة إلى أربعة أقسام:
  • الأول: الكتب التي ذكرها صاحب الفهرست والكتب التي يوجد منها طبعات معروفة أو مخطوطات محفوظة.
  • الثاني: كتبه المشهورة التي لم تعرف في العالم العربي الحديث وعرفت في أوروبا.
  • الثالث: الكتب المذكورة في الفهرست، وهي إما معروفة بالاسم فقط، وإما موجودة بالفعل.
  • الرابع: الكتب التي لم تعرف إلا عناوينها.

ولقد أجمع أكثر من وقفت على كتاباتهم في جابر على أنَّ كتاب «السموم» من الكتب التي فقدت ولم يعرف منها إلا اسمها، ولكن الحقيقة على الضد من ذلك كما سنرى بعد.

الكتب التي ذكرها صاحب الفهرست والكتب التي يوجد منها طبعات معروفة أو مخطوطات محفوظة

  • (٢)

    كتاب إسطقس الأس الأول، نقل بالزنكوغراف في الهند سنة ١٨٩١.

  • (٣)

    كتاب إسطقس الأس الثاني، نقل بالزنكوغراف في الهند سنة١٨٩١.

  • (٤)

    كتاب إسطقس الأس الثالث، نقل بالزنكوغراف في الهند سنة ١٨٩١، ويظهر أنَّ الجزء الثالث من هذا الكتاب هو المعروف عند صاحب الفهرست بكتاب الإسطقس.

  • (٥)

    كتاب تفسير الإسطقس، وهذا يضاف إلى الكتب الثلاثة المتقدمة، ولم يذكره صاحب الفهرست.

  • (٦)
    كتاب الواحد الأول، منه نسخة بالقسم العربي من المكتبة الأهلية Bibliotheque Nationale بباريس في المجموعة رقم ٢٦٠٦ وأرجح أنه هو بعينه الكتاب الذي ذكره صاحب الفهرست باسم كتاب الواحد الكبير.
  • (٧)

    كتاب الواحد الثاني، منه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس بالمجموعة رقم ٢٦٠٦ ويرجح أنه المعروف عند ابن النديم باسم كتاب الواحد الصغير.

  • (٨)

    كتاب الركن، يرجح أنه هو بعينه كتاب الأركان، وقد أخذت مقطوعات منه في القسم السابع من كتاب «رتبة الحاكم» للمجريطي، ويقول هوليمارد بأن كتاب رتبة الحاكم نسب خطأ إلى المجريطي، وقد ذكر جابر نفسه كتابًا له باسم كتاب الأركان الأربعة في كتابه «نار الحجر» — أما المجريطي فهو أبو القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي الذي عاش في مدينة مدريد في حكم الحكم الثاني ٩٦١–٩٧٦م درس الفلسفة والرياضيات والفلك والكيمياء في الشرق، وكان على صلة بإخوان الصفا، ويظن أنه كتب بعض فصول من رسائلهم المعروفة، بما في ذلك الفصل المكتوب في الكيمياء، وقد أكثر من ذكرهم في كتاب رتبة الحاكم.

  • (٩)

    كتاب البيان، نقل الزنكوغراف في الهند سنة ١٨٩١.

  • (١٠)

    كتاب النور، نقل الزنكوغراف في الهند سنة ١٨٩١.

  • (١١)

    كتاب الزئبق، طبع برتيلو المؤلف الفرنسوي كتابين أحدهما باسم كتاب الزئبق الشرقي، والآخر باسم الزئبق الغربي، ونقلهما من مكتبة ليون في القسم العربي مجموعة رقم ٤٤٠، ومنهما نسختان بالمكتبة الأهلية بباريس بالمجموعة رقم ٢٦٠٦.

  • (١٢)

    كتاب الشعر، منه نسخة بالمتحف البريطاني بالمجموعة رقم ٧٧٢٢ نمرة ٥.

  • (١٣)

    كتاب التبويب، منه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس بالمجموعة رقم ٢٦٠٦ وذكره الطغرائي، (راجع المجموعة رقم ٨٢٢٩ بالمتحف البريطاني).

  • (١٤)

    كتاب الدرة المكنونة، في المتحف البريطاني محفوظة بهذا العنوان ضمن مؤلفات جابر بن حيان بالمجموعة رقم ٧٧٢٢.

  • (١٥)

    كتاب الشمس وكتاب القمر؛ أي كتاب الذهب وكتاب الفضة، يرجح أنه مختصر عن كتاب الأحجار السبعة، وقد ذكره الجلدقي في نهاية الطلب، ومنه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس بالمجموعة رقم ٢٦٠٦.

  • (١٦)

    كتاب التراكيب، منه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس بالمجموعة رقم ٢٦٠٦ ويرجح أنه الذي ذكر في الفهرست باسم كتاب التراكيب.

  • (١٧)

    كتاب الحيوان، يذكر الجلدقي كتابًا نسبه إلى جابر بعنوان كتاب حياة الحيوان.

  • (١٨)
    كتاب الأسرار، يرجح أنه كتاب «سر الأسرار» المحفوظة منه نسخة بالمتحف البريطاني «بالمجموعة رقم ٢٣٤١٨ نمرة ١٤»، وأنه هو الذي ذكر منه الطغرائي عدة مقطوعات في عدة مواضع (راجع مجموعة المتحف البريطاني رقم ٨٢٢٩)، وفي اللاتينية مخطوطة تنسب إلى جابر عنوانها Secreta secretorim في كلية جوفنيل وكايوس Govnille & Caius college رقم ١٨١ وفي كلية كوربس كرستي Corpus Christi كمبردج رقم ٩٩.
  • (١٩)

    كتاب الأرض، لجابر كتاب «أرض الأحجار» طبعة برتيللو مأخوذًا عن مجموعة ليدن رقم ٤٤٠، ومنه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس بالمجموعة رقم ٢٦٠٦.

  • (٢٠)

    كتاب التركيب الثاني، منه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس بالمجموعة رقم ٢٦٠٦.

  • (٢١)

    كتاب الخواص، منه نسخة بالمتحف البريطاني رقم ٤٠٤١ وبالمجموعة رقم ٢٣٤١٩.

  • (٢٢)
    كتاب التذكير، ترجم العلامة هولميارد اسم هذا الكتاب من الإنجليزية The book of rendering masculin فهو إذن خاص بالبحث في عنصر الإنتاج المعروف، وليس بمأخوذ عن مجرد التذكير الذهني، وفي المتحف البريطاني مخطوطة بهذا العنوان مذكورة ضمن مؤلفات جابر بالمجموعة ٧٧٢٢ رقم ١٢.
  • (٢٣)
    كتاب الاستتمام، ذكر الطغرائي بعض مقطوعات صغيرة من هذا الكتاب (راجع محفوظات المتحف البريطاني رقم ٨٢٢٩)، وكذلك ذكره الجلدقي في كتابه نهاية الطلب، وهذا الكتاب يقابل اسم الكتاب المعروف في اللاتينية ومنسوب إلى جابر بعنوان: Liber da investigatione perfectioni.
  • (٢٤)

    كتاب الأحجار، نقل بالزنكوغراف في الهند سنة١٨٩١.

  • (٢٥)

    كتاب الروضة، ذكره الجلدقي في الجزء الثامن من كتابه نهاية الطلب.

  • (٢٦)

    كتاب المنافع، في مكتبة برلين مخطوطة رقم ٤١٩٩ بعنوان كتاب منافع الأحجار.

  • (٢٧)

    كتاب الإيضاح، نقل بالزنكوغراف في الهند سنة١٨٩١.

  • (٢٨)

    كتاب مصححات أفلاطون، منه نسخة بالقسطنطينية بمكتبة راغب باشا مجموعة ٩٦ رقم ٤.

  • (٢٩)

    كتاب الضمير، منه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس بالمجموعة ٢٦٠٦، وذكره الجلدقي في الجزء الثاني من نهاية الطلب باسم كتاب الضمير في خواص الإكسير.

  • (٣٠)
    كتاب الموازين، طبعة برتيلو مأخوذًا عن نسخة بليدن محفوظة بالمجموعة ٤٤٠، ويظن مستر هولميارد أنَّ هذا الكتاب هو المعروف بعنوان: Liber de ponderibis artis المحفوظة منه نسخة في مكتبة الجمعية الكيماوية بباريس رقم ١٦٥٤ ص١٠٣ في فهرست المكتبة.
  • (٣١)
    كتاب الملك، ذكر صاحب الفهرست أنَّ جابرًا قد ذكر أنه ألف كتابًا باسم «كتب الملك»، وهذا يدل إن صح، على أنَّ الكتاب المذكور كان يتكون من عدة كتب جمعت تحت عنوان واحد، ومما يؤيد هذا الزعم أنَّ برتيلو طبع كتاب الملك عن نسخة بليدن رقم ٤٤٠ من المجموعة العربية، في حين توجد نسخة أخرى مختلفة عما طبع برتيلو في المكتبة الأهلية بباريس رقم ٢٦٠٥، وهاتان النسختان مختلفتان عن نسخة من كتاب الملك نقلت بالزنكوغراف في الهند سنة ١٨٩١، ويرجح هولميارد أنَّ هذا الكتاب نقل إلى اللاتينية وذكره بوريليوس Borellius (راجع محفوظات الجمعية الكيماوية بباريس رقم ١٦٥٤ ص١٠٣) وذكره كاريني Carini أيضًا بعنوان Rivista sicula.
  • (٣٢)

    كتاب الرياض، منه نسخة بمكتبة بودلي رقم ٧٠ وأخرى بالمتحف البريطاني المجموعة ٧٧٢٢ رقم ٥.

كتب ذات خطر لم تعرف في العالم العربي الحديث

  • (٣٣)
    كتاب أبي قلمون، في الجدول الذي ذكر فيه صاحب الفهرست مؤلفات جابر يذكر كتابًا بعنوان «كتاب إلى قلمون»، وقد ترجم برتيلو اسم هذا الكتاب إلى الفرنسوية فكان عنده Livre a Qalamoc (Plus-etre fait-il) lire le livre du Cameleon.
    وكلمة Caméleon معناها الحرباء وبالإنجليزية Chameleon أما البحاثة «فلوجل» فيقرر أنَّ قراءة «إلى قلمون» في الفهرست تصحيف أو خطأ في النقل، وأنها تقرأ «أبي قلمون» ويقول «هولميارد»: إنَّ ما قرره «فلوجل» لا يحتمل شكًّا؛ لأن كلمة «أبي قلمون» في العربية اسم للحشرة المعروفة في الإنجليزية باسم Jasper وهي حشرة تأكل الذباب، وقد ضرب المثل في العداء بالضب والنون والذباب وأبي قلمون.
  • (٣٤)
    كتاب اﻟ «ب د و ح» ذكر في الفهرست، ويقول هولميارد: إنَّ برتيلو قد أخطأ في قراءة الاسم إذ قرأه كتاب البدوح al-Badouh من غير أن يفسر ما البدوح هذا، ويقول بأن القراءة الصحيحة هي كتاب اﻟ «ب د و ح»؛ لأن مجموع هذه الأحرف يمثل القيمة العددية ٢٤٦٨، غير أني أرجح صحة قراءة برتيلو، فإنا لا نزال نرى على بعض الخطابات كلمة «بدوح» وتحتها الرقم ٨٦٤٢، وهو الأصح لا الرقم ٢٤٦٨ كما ذكر هولميارد، وهو طلسم يفيد السرعة والإنجاز، ولعله كان يستعمل كما قال هولميارد كتعويذة طلسمية تسهل على الوالدات إذا تعسرن في الوضع، والعلامة دي ساسي من هذا الرأي.
  • (٣٥)
    كتاب المجردات، ذكر في الفهرست، وهو بعينه المعروف في اللاتينية باسم Liber denudatorum ونسب إلى الرازي خطأ (راجع دوزي)، وذكره أيضًا بوريليوس.
  • (٣٦)
    كتاب التصريف، وهو المعروف في اللاتينية باسم Liber mutatorium.
  • (٣٧)
    كتاب الثلاثين كلمة، معروف في اللاتينية باسم Liber de xxx verbis.
  • (٣٨)
    كتاب الخمسة عشر، معروف في اللاتينية باسم Liber xv منه نسخة عربية في مكتبة جامعة ترينتي بإكسفورد رقم ٣٦٣.
  • (٣٩)
    كتاب مصححات سقراط، يظن هولميارد أنه نفس الكتاب المعروف في العالم اللاتيني باسم: Ad landem Socratis dixit Geberis منه نسخة في مكتبة بودلي رقم ١٤١٦.
  • (٤٠)
    كتاب السبعين، ذكره برتيلو ووصفه أتم وصف، وهو معروف في العالم اللاتيني باسم Liber Lxx في المتحف البريطاني بالمجموعة ١٠٧٦٤.
  • (٤١)
    كتاب شرح المجسطي، ذكر في الفهرست وترجمه «جيرار الكريموني» Gerard of Cermona منه مخطوطة بجامعة كوربس كرستي بإكسفورد بالمجموعة ٢٣٣، وأخرى بمكتبة بودلي، وثالثة بمكتبة جامعة كمبردج.
  • (٤٢)
    كتاب الوصية، منه نسخة بالمتحف البريطاني بالمجموعة ٧٧٢٢، ومنه ترجمة لاتينية Geberi testamentum في جامعة ترينتي بكمبردج «مجموعة ٩٢٥ و١٣٨»، وقد طبعت هذه الترجمة عدة طبعات.
  • (٤٣)

    كتاب الملاغم، ذكر في رتبة الحاكم، أما الملاغم في الكيمياء فيراد بها خليط من معدن وزئبق، وفي المعادن الملغمى معدن يكون على هيئة بلورات أو كتل كبيرة أو نصف سائل أبيض اللون فضيه، إذا قصم أو قطع أحدث صريرًا، وهو مؤلف من فضة وزئبق، أما ملغم الذهب فهو حصى معدنية صغيرة الحجم كالحمص بيضاء اللون حُبيبية القوام سهلة التفتت، وقد تكون على هيئة موشورات بيضاء ضاربة إلى الاصفرار ثلثها ذهب وثلثاها زئبق.

  • (٤٤)
    كتاب الخالص، يقول «هوفر» Hoefer في كتابه «تاريخ الكيمياء» إنَّ كتاب الخالص هو الأصل الذي أُخِذَ عنه الكتاب المعروف في العالم اللاتيني باسم Summa perfectionis، غير أنه لم يؤيد قوله هذا ببرهان.

الكتب المذكورة في الفهرست، وهي إما موجودة أو معروفة بالاسم فقط

  • (٤٥)

    كتاب صندوق الحكمة.

  • (٤٦)

    كتاب إخراج ما في القوة إلى الفعل.

  • (٤٧)

    كتاب الحدود، منه نسخة بمكتبة القاهرة.

  • (٤٨)
    كتاب كشف الأسرار وهتك الأستار، منه نسخة بالمتحف البريطاني في المجموعة ٧٧٢٢ رقم ٥٤ وأخرى بمكتبة القاهرة، وطبعه في لوندرا مصحوبًا بترجمة إنجليزية للأستاذ «ستيل» R. Stule سنة ١٨٩٢، ونشره «لوزاك» Luzae & Co.
  • (٤٩)

    رسالة في الكيمياء، منها نسخة بمكتبة القاهرة.

  • (٥٠)

    كتاب في علم الصنعة الإلهية والحكمة الفلسفية، من نسخة بمكتبة القاهرة.

  • (٥١)
    كتاب خواص إكسير الذهب، منه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس بالمجموع ٢٦٢٥ رقم ٦، وترجمه إلى الإنجليزية العلامة هولميارد ونشر بمجلة Science progress سنة ١٩٢٢ ص٢٥٨، حيث ذكر خطأ أنه رسالة من كتاب الخواص المار ذكره.
  • (٥٢)

    كتاب المقابلة والمماثلة، بمكتبة برلين رقم ٤١٧٧ قسم عربي.

  • (٥٣)

    كتاب الرحمة، طبعه برتيلو عن نسخة مخطوطة بمكتبة ليدن رقم ٤٤٠ قسم عربي، أما الأستاذ هولميارد فيقول: إنَّ هذا الكتاب من تأليف أبي عبد الله محمد بن يحيى ذكر فيه كثيرًا من المقطوعات عن جابر، ودليله على هذا أنَّ مؤلفه ذكر اسم نفسه في أكثر من موضع من الكتاب.

  • (٥٤)

    كتاب الرحمة الصغير، طبعه برتيلو ومنه نسخة في المكتبة الأهلية بباريس رقم ٢٦٠٥، ونقل بالزنكوغراف في الهند سنة ١٨٩١.

  • (٥٥)

    كتاب التجميع، طبعة برتيلو عن نسخة في مكتبة ليون رقم ٤٤٠ قسم عربي.

  • (٥٦)

    كتاب التجريد، نقل بالزنكوغراف في الهند سنة ١٨٩١، وذكر جابر أنه ألف هذا الكتاب بعد ١١٢ مؤلف له، وأنه يؤلف حلقة من سلسلة كتبه في الميزان.

  • (٥٧)

    كتاب السهل، منه نسخة بالمتحف البريطاني رقم ٧٧٢٢.

  • (٥٨)

    كتاب الصافي، منه نسخة بالمتحف البريطاني رقم ٧٧٢٢.

  • (٥٩)

    كتاب الإحراق.

  • (٦٠)

    كتاب التخليص.

  • (٦١)

    كتاب الإبدال.

  • (٦٢)

    كتاب زهر الرياض.

    هذه الكتب الأربعة الأخيرة ذكرها الجلدقي.

  • (٦٣)
    كتاب الأصول، في المتحف البريطاني بالمجموعة ٢٣٤١٨ رقم ١٣، وذكر بوريلوس أنه ترجم إلى اللاتينية تحت عنوان Liber Radicum.
  • (٦٤)

    كتاب مهج النفوس، ذكره الجلدقي في الجزء الثاني من نهاية الطلب.

  • (٦٥)

    كتاب شرح كتاب الرحمة، ذكره الجلدقي في الجزء الثاني من نهاية الطلب.

  • (٦٦)

    كتاب العفو، ذكره الطغرائي، وبالمتحف البريطاني نسخة رقم ٨٢٢٩.

  • (٦٧)

    كتاب الراحة، ذكره الطغرائي.

  • (٦٨)

    كتاب السر المكتوم، ذكره الطغرائي.

  • (٦٩)

    كتاب العوالم، ذكره الطغرائي، وكذلك ذكر برتيلو مؤلفًا بهذا العنوان في الطبعة التي أخرجها لكتاب الموازين، ومن هذا الكتاب نسخة في المكتبة الأهلية بباريس رقم ٢٦٠٦.

  • (٧٠)

    كتاب الذهب.

  • (٧١)

    كتاب الفضة.

  • (٧٢)

    كتاب النحاس.

  • (٧٣)

    كتاب الحديد.

  • (٧٤)

    كتاب الأسرب.

  • (٧٥)

    كتاب القصدير أو القالي.

    ومن هذه الكتب الستة نسخ بالمكتبة الأهلية بباريس رقم ٢٦٠٦.

  • (٧٦)
    كتاب الخارصيني أو الخار الصيني، والخار الصيني معدن سُمِّيَ في اللاتينية Katesim ويرجح أنه تركيب من الزنك والحديد: ويقول دوزي: إنه اسم صرف على الزنك وحده، ومنه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس رقم ٢٦٠٦.
  • (٧٧)

    كتاب الإيجاز.

  • (٧٨)

    كتاب الحروف.

  • (٧٩)

    كتاب الكبير.

    ومن هذه الكتب الثلاثة نسخ بالمكتبة الأهلية بباريس رقم ٢٦٠٦.

  • (٨٠)

    كتاب نار الحجر، منه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس رقم ٢٦٠٦، وطبعه برتيلو عن نسخة بمكتبة ليون رقم ٤٤٠.

كتب لم تعرف إلا عناوينها

  • (٨١)

    كتاب الأربعة.

  • (٨٢)

    كتاب التصعيد.

  • (٨٣)

    كتاب الأطيان.

  • (٨٤)

    كتاب التنقية.

    وهذه الكتب الأربعة ذكرها الجلدقي بلا تعليق في نهاية الطلب.

  • (٨٥)

    كتاب التنزيل.

  • (٨٦)

    كتاب المنتهى.

    ذكرهما جابر نفسه في كتاب الخواص.

  • (٨٧)

    كتاب الخمسين، ذكره جابر في كتاب الزئبق الغربي.

  • (٨٨)

    كتاب الأدلة، ذكره جابر في كتاب الموازين.

  • (٨٩)

    كتاب صفة الكون، ذكره جابر في كتاب الرحمة الصغير.

  • (٩٠)

    كتاب تدبير الحكماء، ذكره جابر في كتاب الموازين.

  • (٩١)

    كتاب السموم.

    ولقد اضطررت هنا إلى ذكر كتاب السموم بين كتب جابر التي لم تعرف إلا عناوينها مجاراة للرأي الشائع في أوروبا في حين أنَّ هذا غير صحيح كما سيبين بعد.

(٤) كتاب السموم

من أشهر مؤلفات جابر بن حيان كتاب السموم؛ لأن السموم في الكيمياء وفي المادة الطبية Materia Medica من أشد الأشياء علاقة بعلم الطب، غير أنَّ الظاهر أنَّ أكثر الباحثين من المستشرقين، ومن بينهم فئة من مثل الأستاذ روسكا وهولميارد وده ساسي لم يعثروا على نسخة من كتاب السموم، غير أني عثرت في المقتطف على مقالة نشرت بالمجلد ٥٨ ص٤٠ و٤١ على شيء عن كتاب السموم نجتزئ منه مما يأتي إتمامًا لفائدة البحث:

ولجابر بن حيان كتاب اسمه السموم، منه نسخة بالمكتبة التيمورية بمصر يقال فيها: إنَّ مؤلف الكتاب هو أبو موسى جابر بن حيان الصوفي تلميذ جعفر الصادق، وأنَّ هذه النسخة نسخت بشيراز سنة ثلاث وخمسمائة خراجية، وإذا ثبتت نسبة هذا الكتاب إلى جابر بن حيان فهو إذًا أقدم الكتب العربية التي وصلت إلينا؛ لأن جابرًا توفي سنة ١٦٠ للهجرة على ما ذكره حجي خليفة في كشف الظنون، وذلك يطابق سنة ٧٧٦ ميلادية، وفي رواية أخرى أنَّ جابرًا كان تمليذًا لخالد بن يزيد وهذا توفي سنة ٨٥ للهجرة، وقد تضاربت الأقوال في مسقط رأسه، فقيل في طوس، وقيل في الكوفة، وقيل بِحَرَّانَ في القرن الثالث الهجري، وإنه كان صابئًا.

وهذه النسخة مبدوءة بالبسملة ولكنها خلو من الحمدلة والصلاة والتسليم. وهذا يدل على أنه كان صابئيًّا، ولعل البسملة زيادة من النساخ.

والكتاب مقسوم إلى ستة فصول:
  • الأول: في أوضاع القوى الأربع وحالها مع الأودية المسهلة والسموم القاتلة، وحال تغير الطبائع والكيموسات المركبة منها أبدان الحيوانات.
  • والثاني: في أسماء السموم ومعرفة الجيد منها والرديء وكمية ما يسقى من كل واحد منها، وكيف يسقى، وأوجه إيصالها إلى الأبدان.
  • والثالث: في ذكر السموم العامة الفعل في سائر الأبدان، والتي تخص بعض أبدان الحيوان دون بعض، والتي تخص بعض الأعضاء من أبدان الحيوانات دون بعض.
  • والرابع: في علامات السموم المسقاة والحوادث العارضة عنها في الأبدان والإنذار فيها بالإخلاص والمبادرة إلى علاجه والحكم بالإياسي مما لا حيلة فيه.
  • والخامس: السموم المركبة وذكر الحوادث الحادثة عنها.
  • والسادس: في الاحتراس من أخذ السموم قبل أخذها، فإذا أخذت لم تكد تضر، وذكر الأدوية النافعة في السموم إذا شربت من بعد الاحتراس منها.

وقد قسم السموم إلى ثلاثة أنواع: حيوانية ونباتية وحجرية، فمثال الأولى مرارة الأفاعي، ومرارة النمر، ولسان السلحفاة، وذنب الإيل، والأرنب البحري، والضفدع والذراريح والعقارب والكلب الكَلِب، ومثال الثانية البيش، وقرون السنبل والأفيون، والبنج الأسود والشوكران، والشيلم والجوز ماثل، والكسيرة، وبزر قطونا، والقطر، والكمأة، وصمغ الشذاب والبلاذر والدفلى والخربق واللفاح واليبروج وعنب الثعلب والحلتيت، ومثال الثالثة الزنجار والزئبق والزرنيخ والنورة والزاج والشب والطلق وبرادة الحديد وبرادة الذهب.

وقد أكثر المؤلف من ذكر فلاسفة اليونان وأطبائهم كأنه اعتمد عليهم، ولا سيما في الكلام العلمي عن فعل السموم كقوله قد أطلق بقراط وجالينوس وأندروماخس، وسائر أصحاب المهنة الطبية أنه لا شيء في أجسام الحيوان من الأخلاط أكرم من الدم، وأنه قاعدة البدن.

(٥) تلمذته على جعفر الصادق

يقع في أكثر التراجم التي كُتبت عن حياة جابر بن حيان أنَّه تلميذ للإمام السادس جعفر الصادق١٩ ٨٠ أو ٨١ إلى ١٤٧ﻫ، ٦٩٩ أو ٧٠٠ إلى ٧٦٥م، وليس في التاريخ الزماني ما يناقض ذلك، فإن المرجح أنَّ جابرًا قد عاش ما بين سنتي ١١٢ أو ١٢٣ إلى ١٩٥ﻫ، ٧٣٠ أو ٧٤٠ إلى ٨١٠م،٢٠ ولكن الشك الكبير يقع في أنَّ جعفرًا قد اشتغل بالكيمياء.
نترك هذا البحث إلمامًا لنحقق النظر في مسألة أثار غبارها الأستاذ روسكا Ruska٢١ فإنه يقول بأن المسلمين ينقسمون إلى قسمين عظيمين، الشيعيون والسنيون، وأنَّ الشيعة غالبهم من الفرس، ويقدسون علي بن أبي طالب، ولهم فيه معتقدات شتى، وأنهم أكثر نزعة إلى الصوفية؛ أي الباطنية الإسلامية من نظرائهم الآخرين، وإذ كان جعفر الصادق سليل بيت علي بن أبي طالب، لذلك يحترمه الشيعيون احترامًا كبيرًا، ويُحِلُّونَهُ مكانة عالية من نفوسهم، ولهذا فالأستاذ روسكا يرجح أن يكون جابر، وهو فارسي، ولا يبعد أنه كان ذا نزعة صوفية٢٢ قد احتك بجعفر الصادق، وأنه كانت بينهما صلة وصداقة، وهذا القول هو الذي يرجح به الأستاذ روسكا أنَّ علاقة كانت بين جابر وبين جعفر الصادق.

غير أنَّ الأستاذ روسكا لا يقف عند هذا الحد، بل يذهب بعد هذا إلى رأي آخر، حيث يحاول أن يثبت أنَّ جعفرًا لم يشتغل بعلم الكيمياء، ويريد من جهة أخرى أن يقول بأن كتب الكيمياء المنسوبة إلى جعفر منتحلة فعلًا، وأنه لم يشتغل بذلك العلم، ولم يؤلف فيه. وهو يمضي في هذا الرأي مُورِدًا كثيرًا من الأسباب التي تحمله على الاستمساك به، غير أننا نورد سببًا واحدًا من الأسباب التي ذكرها، فهو يقول بأنه مما يبعد تصوره أنَّ الاشتغال بعلم الكيمياء، وإن كان قد انتشر وذاع في الإسكندرية وبغداد ودمشق، قد يحتمل أن يكون قد وصل إلى المدينة، حيث كان يعيش جعفر الصادق، أحد أركان الشيعة، وإمام من أئمتها العظام، وأن يكون قد اشتغل عن الدعوة الشيعية بالزئبق والفوسفور، أو بتعليم أمثال جابر بن حيان طريقة تحويل المعادن بعضها إلى بعض، واستنادًا على هذا الرأي، لا يقف عند حد الاعتقاد بأن جعفرًا لم يشتغل بالكيمياء لا غير، بل يمضي معتقدًا بأن كل الكتب المنسوبة إلى جابر والتي ذكر فيها أنَّ جابرًا كان تلميذًا لجعفر يجب أن تعتبر مدخولة على جابر، وأنها من مختلقات العصور التالية لعصرهما.

على أنَّ في مذهب الأستاذ روسكا كثيرًا من مواضع الشك وترجيحات لا مرجحات لها، وذلك للأسباب الآتية:
  • أولًا: لم يستدل في التواريخ الموثوق بها أنَّ جعفرًا الصادق أمضى كل حياته بالمدينة لم يبرحها.
  • ثانيًا: أنَّ قول الأستاذ روسكا في أنه لم يعرف أنَّ المدينة كانت مركزًا لدراسة علم الكيمياء إن كان صحيحًا، فإن صحته لا تنافي مطلقًا أن يكون الإمام جعفر قد درس الكيمياء في مكان آخر.
  • ثالثًا: أنَّ علم الكيمياء لم ينتعش ويثمر إلا بين أيدي الفارسيين أولا، وأنهم كانوا يعكفون على الاشتغال به.
  • رابعًا: أنَّ الصوفيين غالبًا ما كانوا يدخلون المصطلحات الكيماوية في أشعارهم الباطنية.
  • خامسًا: ولهذا نقول بأن جعفرًا إذ كان من عمد الشيعة وأئمتها الكبار، وإذ كان على اتصال بشيعيي فارس، فلهذا لا يوجد من سبب ظاهر يحول دون الاعتقاد بأنه كان يشتغل بعلم الكيمياء من طريق نظري على الأقل، إن لم يكن من طريق عملي تجريبي.
  • سادسًا: أنَّ جابرًا كان صوفيًّا كما هو مرجح من مقدمة كتاب السموم الذي ذكر قبلًا، ومن ترجمة القفطي له في تاريخ الحكماء.
  • سابعًا: أنَّ العادة في الطريقة الصوفية أن يتبع كل صوفي منهم شيخًا له، ولا يبعد أن يكون جابر قد تلمذ بالفعل على جعفر في الصوفية، ولا يبعد أن يكون قد سمع منه شيئًا في الكيمياء.

كل هذه الحقائق والاحتمالات لا تدل، حتى ولو لم يثبت أنَّ جعفرًا كان مشتغلًا بالكيمياء، على انبتات حبل الصلة بين جعفر وجابر، كما أنه لم يثبت أنَّ جعفرًا لم يكن عارفًا بمبادئ الكيمياء وأغراضها.

على أنَّ القول في ذلك عديدة وجوهه مشعبة نواحيه، وقد يحتمل أن يكون رأي الأستاذ روسكا صحيحًا، وقد يكون هو الواقع، غير أنَّ البراهين تنقصه.

(٦) منزلته في التاريخ

ليس من شك في أنَّ اسم جابر بن حيان من الأسماء الخالدة في التاريخ، وسواء أكان عربيًّا أم فارسيًّا، مسلمًا أم صابئًا، خراسانيًّا أم كوفيًّا، فإنه من مفاخر الشرق برمَّته، بل من مفاخر الإنسانية كلها، لهذا نود في هذه الخاتمة أن ننبه بعض الذين يُنْحُونَ علينا بقولهم إننا نريد أن ننتقص العرب في مدنيتهم وعلومهم، على أنَّ النصفة والإقساط في القول، لا سيما لدى النظر في مباحث التاريخ، لن تتوافر أسبابهما إلا بتوافر أسباب الاستقلال في الرأي، ولهذا نختتم هذا البحث متسائلين كما سأل أرسطوطاليس إخوانه في التلمذة: «إذا اختلف أفلاطون والحق، فأيهما أولى بالمحبة؟»٢٣
١  يقول بعض المؤرخين: إنَّ اسمه أبو عبد الله وآخرون يقولون: إنه أبو موسى، وإذا صحت الروايتان دلتا على أنه كان لجابر ولدان يدعى أحدهما عبد الله، والآخر موسى.
٢  ولعل هذه الصلة راجعة إلى عاطفة قومية أكثر منها علاقة علمية.
٣  «جابر بن حيان الصوفي الكوفي، كان متقدمًا في العلوم الطبيعية بارعًا في صناعة الكيمياء، وله فيها تآليف كثيرة ومصنفات مشهورة، وكان مشرفًا على كثير من علوم الفلسفة ومتقلدًا للعلم المعروف بعلم الباطن، وهو مذهب المتصوفين من أهل الإسلام، وذكر محمد بن سعيد السرقسطي المعروف بابن المشاط الإصطرلابي الأندلسي أنه رأى لجابر بن حيان تأليفًا في عمل الإصطرلاب يتضمن ألف مسألة لا نظير له.» (راجع تاريخ الحكماء ص١١ طبع مصر).
٤  ولعل عبد الله تسمية لغير معروف كالعادة المتبعة في صرف اسم «عبد الله» على الجد غير المعروف في نسبة شخص ما.
٥  راجع ابن النديم في كتاب الفهرست.
٦  يقول الأستاذ هولميارد Holmyard: «إنَّ الراجح أن يكون جابر بن حيان قد ولد بطوس مسقط رأس الفردوسي الشاعر الفارسي المشهور (راجع مجلة Science progress عدد شهر سنة ١٩٢٥ ص٤٢٠).
٧  قال الأستاذ هولميارد «يقال: إنَّ معمل جابر بن حيان الكيماوي قد عثر عليه، في أثناء الحفر في أنقاض منازل بالكوفة منذ قرنين من الزمان» (راجع مجلة Science progress عدد يناير سنة ١٩٢٥ ص٤٢٠).
٨  يستدل على ذلك بأنه أهدى إليهم كثيرًا من كتبه المعروفة.
٩  يرجح كثيرًا أنَّ السبب في هذا الخطأ راجع إلى تشابه في الاسم بين جابر بن حيان، وجابر بن أفلح الإشبيلي الفلكي المعروف الذي عاش في القرن الحادي عشر الميلادي «القرن الخامس الهجري».
١٠  راجع ترجمة روسل Russell لمؤلفات جابر المطبوعة بالإنجليزية في لندن سنة ١٦٧٨؛ حيث ذكر أنه: The most Famous Arab Prince & Philosopher.
١١  راجع النسخة المطبوعة من مؤلفات جابر في نورمبرج Nuremberg سنة ١٥٤١م.
١٢  في النسخة المطبوعة من مؤلفاته في دانزج Danzig سنة ١٨٤٢م، ومن الغريب أن تطبع هذه النسخة في أواسط القرن التاسع عشر، ويدعى فيها جابر بأنه ملك العرب مع أنَّ الأوروبيين كانوا قد جاسوا خلال الشرق، وكل كتب التراجم العربية المشهورة لا يخلو منها كتاب من ترجمة لجابر.
١٣  في مكتبة بودلي بإكسفورد Liber bracticus Gaberis de inveatigatione perfectai Majistrii.
١٤  Liber qin Flos maturarum iocanr-1493 طبع سنة ١٤٧٣م.
١٥  مؤلف واسع الاطلاع على تاريخ كيماويي العرب توفي سنة ١٣٦٠م/٧٦٢ﻫ.
١٦  هذا هو السبب في نسبته للكوفة عند بعض المؤرخين.
١٧  راجع الأستاذ هولميارد رئيس القسم العلمي في الجمعية الطبية الملكية بإنجلترا في مقالاته عن جابر بن حيان.
١٨  راجع الأستاذ هولميارد رئيس القسم العلمي في الجمعية الطبية الملكية بإنجلترا في مقالاته عن جابر بن حيان.
١٩  الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
٢٠  راجع تحقيق الأستاذ هولميارد في مجلة الكيمياء والصناعة — Chemistry & Indusitry — عددي ٥ و١٢ أكتوبر سنة ١٩٢٣، وذكر حجي خليفة في كشف الظنون أنَّ جابرًا توفي سنة ١٨٠ﻫ، وهذا مناقض لتحقيق الأستاذ هولميارد، على أنه في رواية أخرى أنه كان تلميذًا لخالد بن يزيد، وهذا توفي سنة ٨٥ﻫ/٧٠٤م، فالفرق بين وفاة خالد ورواية كشف الظنون عن وفاة جابر ٧٥ سنة قمرية، وعلى تحقيق الأستاذ هولميارد لم يعمر جابر أكثر من ٨٠ عامًا على الأكثر أو ٧٠ عامًا شمسيًّا، وهذا يعادل ٨٣ عامًا على الأكثر أو ٧٢ عامًا قمريًّا، وهذا يوسع مجالًا كبيرًا للشك والبحث معًا.
٢١  للأستاذ روسكا — Prof. Roska في كتابه كيماويو العرب جزء ثان مطبوع في هيد لبرج سنة ١٩٢٤. Arabische alchimesten. Vol. II Heidelburg 1924.
٢٢  في كتاب السموم المخطوط المحفوظ في المكتبة التيمورية بمصر يذكر أنَّ مؤلفه جابر بن حيان الصوفي — كذا — تلميذ جعفر الصادق، وترجمه القفطي بأنه جابر بن حيان الصوفي، (راجع تاريخ الحكماء القفطي ص١١١ طبع مصر).
٢٣  نشرت بعددي مايو ويونيه سنة ١٩٢٦ من المقتطف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤