عمليات اختطاف!

من الأعمال التي يقوم بها رجال البوليس السري اختطاف العناصر المعادية للشيوعية في برلين الغربية، وتقدر بعض المصادر عدد من خطفوا حتى الآن بأكثر من ٢٠٠ شخص.

وقد وقع أول حادث خطف من هذا النوع في برلين في نوفمبر سنة ١٩٤٧، وكان ضحيته الصحفي ويترفريد، حيث اعتقلوه وحكموا عليه بالسجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة.

وقد أثار اختفاء فريد عامئذ عاصفة من الاحتجاجات في البلاد الغربية ضد أعمال الخطف، وفي الفترة الأولى لاختفائه نفى الشيوعيون علمهم بشيء عنه، ولكنهم أعادوه بعد ثماني سنوات في أكتوبر من عام ١٩٥٥، إلى ألمانيا الغربية مع عدد آخر من أسرى الحرب الألمان.

ومن حوادث الخطف الأخرى حادثة خطف الدكتور ولتر ليتر، رئيس القسم الاقتصادي في رابطة المحلفين الأحرار، التي وقعت في يوليو من عام ١٩٥٤، حين هاجمه في رائعة النهار أربعة من الشيوعيين يرتدون الملابس المدنية، ودفعوه إلى سيارة أجرة، أوقفوها أمام منزله في برلين الغربية، ثم «طاروا» بالسيارة بأقصى سرعة إلى برلين الشرقية.

figure
بوابة براندنبرج، كما تبدو اليوم (في النصف الأعلى من الصورة)، وكما ظهرت عقب نهاية الحرب (في النصف الأسفل)! مَن يصدق!

وشهد أحد المارة الحادث فصرخ يطلب النجدة، وسرعان ما بدأت مطاردة السيارة التي تحمل الضحية، ولكن الخاطفين راحوا يطلقون النار على السيارات المطاردة حتى وصلوا إلى الحدود، وهناك رفع الحرس الشرقي الحاجز حتى لا تضطر السيارة إلى الإبطاء من سرعتها، ومكنوها من الاختفاء في منطقة الاحتلال السوفييتية.

ولم يكد الجنرال ليمويل ماتوسون القائد الأمريكي في منطقة برلين، يسمع بالحادث الذي راح ضحيته ذلك المحامي المشهور بدفاعه عن حقوق الإنسان حتى بعث باحتجاج شديد اللهجة إلى السلطات السوفييتية في برلين، ولكن الاحتجاج لم يلق آذانًا صاغية، ولم يسمع عن الدكتور ليتر أي شيء بعد ذلك.

وفي ليلة ١٣ أبريل سنة ١٩٥٤ هاجم الشيوعيون الدكتور ألكسندر تروشنوفيتش، الطبيب ورئيس ومؤسس لجنة الإنقاذ «الروسية» في برلين الغربية، هاجموه في المنطقة البريطانية من برلين، وضربوه ضربًا مبرحًا ثم خطفوه، وأسفر التحقيق الذي أجراه بوليس برلين الغربية عن أنَّ الدكتور تروشنوفيتش كان ضحية خيانة واسعة النطاق تزعمها هايتز جليسكا، وهو شيوعي كان يتظاهر بأنه من أعداء الشيوعيين، وتبين كذلك أنَّ أمر الخطف صدر من جانب السلطات العليا، وأنَّ الغرض منه انتزاع «اعتراف» كاذب من الدكتور تروشنوفيتش؛ للانتفاع به في حملة واسعة النطاق ضد المهاجرين الروس.

وكان مصير الدكتور تروشنوفيتش كمصير الدكتور ليتر، فلم يسمع عنه شيء بعد ذلك، ولم يكن هناك أثر للاحتجاجات التي قدمتها السلطات البريطانية والأمريكية ومسز تروشنوفيتش وغيرها من الأفراد والمؤسسات، وفي شهر يوليو من ١٩٥٤ أثارت لجنة مكافحة الخطف المسألة في الأمم المتحدة مؤيدة بمئات العرائض.

لقد كان الدكتور تروشنوفيتش يوم خطفه في الحادية والستين من عمره، وهو سلوفيني المولد، روسي الجنسية، اشتهر منذ سنة ١٩١٧ بمقاومته للدكتاتورية الشيوعية، وأصبحت لجنة الإنقاذ التي أسسها في سنة ١٩٥٠ رمزًا للحرية وملاذًا لألوف اللاجئين الفارين من الشيوعية، وكان اسمه في تلك الآونة رمزًا للبسالة والأمل وراء الستار الحديدي.

وفي أبريل من عام ١٩٥٥ خطف صحفي ألماني اسمه كارل فريك، ونقل من برلين الغربية إلى الشرقية، وأظهر التحقيق الذي أجراه بوليس ألمانيا الغربية أنَّ فريك خطف بعد أنْ خُدر بقطعة من الحلوى، وأنَّ عملية الخطف تمت بمساعدة عميل شيوعي فرَّ إلى برلين الشرقية هو كيرت ريتواجن.

وفريك المخطوف كان في التاسعة والعشرين من عمره يوم خطف، وهو لاجئ من ألمانيا الشرقية، التحق بجامعة وليهلشافن في ألمانيا الغربية، وفي سنة ١٩٥٢ تلقى نبأ يفيد بأن والده قد أعدم في أحد معسكرات الاعتقال في ألمانيا الشرقية، فترك الجامعة فورًا، وبدأ نشاطه الفعلي ضد الشيوعية بكتابة المقالات في الصحف.

وفي أوائل أغسطس من عام ١٩٥٥ خطف الماجور سيلفستر ماراو الذي فرَّ من بوليس ألمانيا الشرقية ولجأ إلى برلين الغربية، وقد خطفه اثنان من العملاء في المنطقة الأمريكية من برلين.

وفي ٦ فبراير عام ١٩٥٦ خطف رجال البوليس الشيوعي السري روبرت بيالك في المنطقة البريطانية، وكان بيالك هذا مفتشًا عامًا للبوليس في ألمانيا الشرقية، ثم فر إلى برلين الغربية في عام ١٩٥٣ وراح يفضح أساليب الحكم الشيوعي في ألمانيا الشرقية عن طريق الصحف والإذاعة، وقد جاء في التحقيق أنه خطف أثناء حفلة عيد ميلاد أقامها زميل له من رجال البوليس اللاجئين هو بول دروزويكي، وقد تبين أنْ أُصِيب بإغماء أثناء الحفلة فحمله اثنان من «الأصدقاء» في سيارة بحجة نقله إلى المستشفى، وكان ذلك آخر ما عُرِف عنه.

وفي الأسبوع نفسه احتجت السلطات الأمريكية في برلين على محاولة خطف أربعة آخرين من الألمان من المنطقة الأمريكية، وجاء في مذكرة الاحتجاج أنَّ رجال بوليس ألمانيا الشرقية حاولوا خطف الرجل وابنتيه وزوجة شقيقه، ولكن المحاولة فشلت، فقد قاوم الرجل الجناة بينما راحت أخته وكريمتاه تصرخان في طلب النجدة.

وفي ٢٢ أغسطس عام ١٩٥٨ أعلن رجال البوليس في برلين الغربية أنَّ الدكتور إيروين ثيومان، مدير رابطة المحلفين الأحرار، لم يعد من نزهة بحرية قام بها في نهر هافل، وأنَّ من المعتقد أنه راح ضحية لحادث من حوادث الخطف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤