الفصل الأول

«الأنثى … والبيولوجيا»

«إذا كان أبو قراط جديرًا إلى حدٍّ ما أن يكون أبًا للطب؛ فالأجدر أن يكون أرسطو أبًا لعلم الحياة.»

جورج سارتون، «تاريخ العلم»، ج٣، ص٢٧٧

«كان لآراء أرسطو في البيولوجيا تأثيرٌ هائل في القرون التالية، وهي آراءٌ بناها على التفكير النظري، أكثر مما أقامها على التجربة.»

سيمون دي بوفوار، «الشيخوخة»، ص٢١-٢٢
Simon de Beauvoir: Old Age, pp. 21-22.

أولًا: اهتمام أرسطو بالبيولوجيا

من الطبيعي أن يهتمَّ أرسطو بالبيولوجيا، وأن يبحثَ فيها عن تطبيقاتٍ عملية لآرائه النظرية في الوظيفة، والهيراركية، والصورة والهيولى … إلخ، مما يدعم نظريته عن المرأة؛ فقد كان أبوه «نيقوماخوس» من أسرةٍ توارثَت الاشتغال بالطب، وكان هو نفسه طبيبًا للملك أمينتاس الثاني Amyntas II جدِّ الإسكندر.١ والنظرة السريعة على مؤلَّفات المعلم الأول تكشف عن مدى اهتمامه «بالبيولوجيا» حتى صارت من أهم ميادين بحوثه الرئيسية، صحيحٌ أننا نستطيع القول إنه كان دائرةَ معارفَ كبرى في جميع ألوان المعرفة العلمية، والطبيعية، والفلكية، والرياضية في عصره — فضلًا عن العلوم الفلسفية بالطبع (وهذا هو السبب في تسميته بالمعلم الأول) — لكنه كان رائدًا في ميدان البيولوجيا.٢ سواء بالنسبة لقوة ملاحظاته، أو للشواهد التي جمعَها من ملاحظات الآخرين، أو لمناقشاته النظرية «فقد كان أرسطو أعظم علماء الحياة بين القدماء بلا منازع»، فيما يقول ديفيدروس D. Ross.٣ حتى إن أعظم علماء البيولوجيا المحدَثين «تشارلز دارون» يقول عنه: «لقد كان لينيس Linnaeus، وكوفييه Cuvier معبوديَّ على اختلاف في طريقة العبادة. لكني أراهما الآن — إذا قيسا إلى أرسطو العجوز — مجرد تلميذَين.»٤
ومن هنا تأتي خطورة آراء أرسطو البيولوجية التي سيطرَت على الفكر البشري فترةً زمنية ربما كانت أطولَ من الفترة التي ساد فيها منطقُه الصوري! فقد استمر عملاقًا ومؤثِّرًا حتى القرن الماضي، رغم ما في هذه الآراء من أخطاء: «وقُصارى القول أنَّ كتاب تاريخ الحيوان لأرسطو هو خيرُ مؤلَّفاته على الإطلاق، وهو أعظمُ ما أثمره العلم في بلاد اليونان في القرن الرابع ق.م. ولقد لبث علم الأحياء عشرينَ قرنًا ينتظر مؤلفًا يضارعه.»٥ لقد ذكر أرسطو في هذا الكتاب ما يقرب من ٥٠٠ حيوانٍ مختلف، وقد لا يكون هذا العدد ضخمًا بالنسبة إلينا الآن، لكنه كان هائلًا بالنسبة لعصره؛ فقد تعلَّم التشريح عن والده، وقام هو نفسُه بتشريح أكثر من خمسين حيوانًا، لكنه على الأرجح لم يشرِّح جسدًا بشريًّا قط. «وربما يكون قد شرَّح جنينًا بشريًّا»، لكنه لم يأخذ عنه معلوماتٍ مباشرة؛٦ فقد كان يأخذ معلوماته من مصادرَ كثيرةٍ ومنوَّعة؛ منها ملاحظات الآخرين، ومن الرعاة، والصيادين، وقنَّاصي الطيور، وصيَّادي السمك في بحر إيجة؛ ولهذا لم تكن مؤلَّفاته البيولوجية الثلاثة التي تتحدث عن «تاريخ الحيوان» — وهي «أجزاء الحيوان»، و«طباع الحيوان»، «وتوالد الحيوان»٧ — على درجةٍ واحدةٍ من القيمة؛ فبعضها إشاراتٌ عامة، بغير شرح أو تفصيل، وبعضها الآخر رواياتٌ لقصصٍ رواها رحَّالة؛٨ إذ يُروَى أن الإسكندر الأكبر أصدَر أوامره لصيَّاديه، وحارسي صيده، وصائدي السمك، وغيرهم ألَّا يمنعوا عن أرسطو أي نوعٍ يطلبه منها، وأن يُمِدُّوه بما يريده من المعلومات.٩ ويهمُّنا هنا أن ننتبه إلى نقطتَين أساسيتَين:
  • الأولى: أن البداية هي المبادئ التي يحدِّدها العقل كما ذكرنا؛ فها هنا نجد أرسطو يبحث عن المادة والصورة، والهيراركية التي تحدَّثنا عنها واضحة جدًّا؛ فهو يبدأ بالتفرقة بين الموجودات الحية، وغير الحية أو الجمادات. وقد سبق أن ذكرنا أن الثانية في خدمة الأولى؛ أعني أن الجمادات تخدم الحياة بصفةٍ عامة، لكنه هنا يُفرِّق داخل مملكة الحياة بين الكائنات الحية نفسها؛ فهي مرتَّبة منذ البداية بطريقةٍ تصاعدية؛ النبات أولًا، ثم يعلوه الحيوان، وفوقه الإنسان. ومعيار التفرقة بينها — بحيث تُوضَع في مرتبةٍ أدنى أو أعلى في سُلَّم الكائنات الحية — هو كمية الحرارة الموجودة في الكائن الحي؛ فأدنى الكائنات الحية مرتبة هي أقلها في درجة الحرارة؛ ولهذا نراه يقول: «إنه من خلال سُلَّم الحيوان كله نجد الاختلافات واضحة ومتدرجة في كمية الحرارة» (٥٨٨-١ب).١٠ والطبيعة تسير شيئًا فشيئًا من الأشياء غير الحية إلى الحياة الحيوانية.١١
  • النقطة الثانية: أن المنظور الذي يفهم به أرسطو البيولوجيا هو نفس منظوره الفلسفي في فهم العالم؛ فليس علم الحياة أو غيره من العلوم مجرد مجموعة من الوقائع Facts التي يجمعُها الباحث عن طريق المشاهدة أو الملاحظة ثم يقوم بتفسيرها … إلخ. وإنما العلم الحقيقي (أعني المعرفة الفلسفية في نهاية الأمر) أن نقدِّم المبررات العقلية التي تفسِّر لنا لِمَ كانت هذه الوقائع على نحو ما هي عليه، وليست على نحوٍ آخر، وفي أي ميدانٍ آخر من ميادين المعرفة، نسعى إلى الفهم الفلسفي، والفهم الفلسفي هو الكشف عن الضرورة العقلية، الكامنة في الوقائع.١٢ ومعنى ذلك: «أن تفسير الوقائع يعتمد على مجموعة من المبادئ، وهي عادةً مبادئ ميتافيزيقية؛ فنقطة البدء في أي موضوعٍ تتضمن هذه المبادئ التي تشبه اليوم ما نسميه «بالفروض» ونصل إليها عن طريق العقل أو النوس Nous على أن نبيِّن أن هذه هي الطريقة الفلسفية الوحيدة التي يمكن أن نفهم بها الواقع؛ فالعقل فيما يقول أرسطو هو الأساس الأول للعلم.»١٣ وهذه المبادئ الميتافيزيقية هي التي تقودنا في رأي أرسطو إلى الكشف عن «العلل» التي يمكن أن تكون هي «المقدمات» في الوقت الذي تكون فيه «الوقائع» التي نلاحظها هي النتائج؛ ذلك لأن مبادئ العلم عند أرسطو تتحدَّد وفقًا للنظام العقلي للعالم.١٤
وهكذا نجد أن البيولوجيا ليست مجرد «وقائع» يستخلص منها أسانيد تدعم النظرية الأرسطية عن المرأة، وإنما هي، على العكس، تطبيقٌ عملي نموذجي لأفكاره الميتافيزيقية؛ لفكرة الوظيفة، والهيراركية، والصورة والمادة … إلخ كما سنُبيِّن بعد قليل؛ فها هنا سنكتشف أن دونية الأنثى ترجع إلى أنها مجرد «هيولى»؛ فهي لا تُقدِّم في عملية الإنجاب سوى المادة الخام. في حين أن الذكر هو الموجود الأعلى؛ لأنه «الصورة» أو «العقل» أو «الروح» التي تبعث الحياة في هذه المادة الميتة.١٥ والمرأة أقل «حرارة» من الرجل؛ ولذلك فهي أدنى منه. والمرأة أضعف؛ لأن المادة سلبية والصورة إيجابية.١٦ وغير ذلك كثير من الأفكار التي تدعم الفكرة الأرسطية عن المرأة، وتهبط بها إلى مرتبةٍ وسط بين العبد والرجل الحر.

ثانيًا: البيولوجيا … وطبيعة الأنثى

فكرة الفيلسوف الفرنسي جاستون بشلار Gaston Bachelard (١٨٨٤–١٩٦٢م) التي تقول: إن العالِم لا يُقبِل على موضوعات بحثه بذهنٍ خالٍ من الأفكار والآراء؛ أي «بنية عقلية فارغة»، وإنما يدرس الموضوعات العلمية المختلفة، «وهو مثقل بأفكارٍ جاهزة وآراءٍ مُعدَّة من قبل»؛ هذه الفكرة تكاد لا تصدُق على عالِمٍ قَدْر ما تصدُق على أرسطو، «عالِم البيولوجيا»! لكن إذا كان «بشلار» يذهب إلى أن «الروح» عندما تُقدِّم نفسها للثقافة العلمية لا تكون شابَّة أبدًا، بل هي بالأحرى تكون عجوزًا بلغَت من العمر شأوًا بعيدًا؛ فعمرها هو بالضبط عمر ما لديها من أحكام وآراء مبتسَرة Préjugées؛١٧ أي إن هذه الروح مثقَلة بآراءٍ مسبقة، إذا كان بشلار يقول ذلك، فإنه يطالب العالِم أن يبدأ أولًا بعملية تطهيرٍ عقلي Catharsis Intellectuelle لما يعلق بذهنه من أفكارٍ مسيطرة.١٨
وهذا ما يذكُره فرنسيس بيكون عن أرسطو من أنه كان ينقل فكره المنطقي والميتافيزيقي بصفةٍ عامةٍ إلى الطبيعة.١٩ ولعل أوضح ميدان تظهر فيه هذه الفكرة بالنسبة لنظريته عن المرأة، هو ميدان البيولوجيا، الذي يدخله وهو مسلَّح بخلفيةٍ ميتافيزيقية تُرشده وتوجِّه تفكيره؛ فهو يبحث فيه عن الصورة والهيولى، ولما كانت الصورة أرقى، كما لاحظنا في الفصل السابق، فلا بد أن تكون هي الرجل، بما يترتب على ذلك من تداعيات تظهر في فصل السياسة القادم؛ حيث نجد الرجلَ أرجحَ عقلًا فهو الذي يحكم، والمرأة ناقصة عقل فهي تسمع وتطيع فحسب! كما نجد أرسطو يبحث هنا في ميدان البيولوجيا عن «الهيراركية» — أو مراتب الكائنات الحية — حيث الأدنى موجود أساسًا لخدمة الأعلى! كما يبحث عن «الوظيفة» التي يقوم بها كل عضو، والعلل الأربع … إلخ. ولنبدأ من البداية.

لقد رأينا كيف كانت البيولوجيا موضوعَ اهتمامٍ رئيسيًّا عند أرسطو، أما نظرته إليها فقد كان يعتقد أنها تدرس موضوعاتٍ ثلاثة رئيسية هي:

  • (١)
    مشكلة الإنجاب أو التوالد Reproduction or Generation.
  • (٢)
    مشكلة الإحساس Sensation.
  • (٣)
    مشكلة الحركة Movement.
وتعد المشكلة الأولى بمثابة الأساس للمشكلتَين الأخريَين؛ إذ يمكن أن تُوجَد بذاتها Per se، في حين أن الأُخريَين لا تُوجَدان إلا بعد وجودها؛ ولهذا فإننا سوف نهتم بها بصفةٍ أساسية. ويسوق أرسطو الكثير من الشواهد الهامة، والملاحظات النافذة، حول مشكلة الإنجاب، وهو يرى أن الإنجاب يمكن أن يتم بثلاث طرق:
  • (أ)
    الإنجاب أو التولد التلقائي Spontaneous Generation.
  • (ب)
    الإنجاب عن طريق والدٍ واحد Generation From a Single Parent.٢٠
  • (جـ)
    الإنجاب عن طريق والدَين Generation From two parents.
وكان المعلم اليوناني في ذلك العصر يؤمن بالتوالد التلقائي، بل إن هذه النظرية ظلت مسيطرة على العقول لقرونٍ طويلة قبل أن يتم تفنيدها في القرن الماضي على يد عالم الكيمياء الفرنسي لويس باستير (١٨٢٢–١٨٩٥م) نتيجة لتجاربه على البكتريا.٢١

أما الإنجاب من والدٍ واحدٍ فقد كان أرسطو يعتقد أنه يتم في مملكة النبات، وفي بعض الحيوانات التي تشبه النبات في سكونها وعدم حركتها. والواقع أن النظرية الثالثة هي التي سيطرَت على اهتمامه، وهي في الوقت ذاته النظرية التي تهمُّنا في موضوعنا الحالي، وذلك لأنه ناقش فيها بعض المشكلات الهامة ذات الصلة المباشرة بنظريته عن المرأة.

لقد اهتم أرسطو اهتمامًا كبيرًا بعملية الإنجاب أو التوالد، ورأى أنها العملية «الطبيعية» أكثر من غيرها بالنسبة للكائنات الحية الناضجة أو المكتملة النمو، وهي وظيفةٌ طبيعية في هذه الكائنات؛ لأنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق الخلود، ويقول: «أقرب الوظائف إلى الطبيعة لكل كائن حي كامل ليس بناقص — ألا يكون فيه التوالد تلقائيًّا — هو أن يُخلِّف وراءه كائنًا شبيهًا به؛ الحيوان حيوانًا آخر، والنبات نباتًا آخر، بحيث يشارك في الأزلي والإلهي بحسب طاقته. وهذا هو موضوع النزوع بالنسبة لجميع الكائنات، وغاية نشاطها الطبيعي.» غير أننا سوف نتبيَّن بعد قليلٍ أن الذَّكَر هو وحده، في الواقع، الذي يحقق الخلود، لأنه هو الذي يزود الجنين بالروح. وها هنا تكون أهمية الأنثى التي يحدِّد أرسطو دورها بوضوح، فإذا كانت وظيفة العبد تزويد الأسرة بمطالبها، وحاجاتها اليومية، فإن الوظيفة الأولى للأنثى هي الإنجاب أو التوالد، فإذا أردنا أن نفهمَ وظيفة المرأة، كما عرضها أرسطو في كتاب «السياسة»، فهمًا جيدًا، كان علينا أن نعود إلى ما كتبه في البيولوجيا.

وإذا كان أرسطو قد اهتم بعملية الإنجاب أو التوالد، التي تجعل الكائن الحي يشارك في الأزلي أو الإلهي، ويكتب لنوعه الخلود، فإنه اهتم داخل هذه العملية بثلاثِ مشكلاتٍ رئيسية هي:

  • (١)

    مساهمة الذكر والأنثى في عملية الإنجاب.

  • (٢)

    المساهمة في تحديد جنس الجنين.

  • (٣)

    هل تتم المساهمة باشتراك الجسد كله، أم بعضوٍ معيَّن فيه فحسب.

وسوف نسوق كلمةً سريعة عن كلٍّ منها لما لها من أهميةٍ في إلقاء الضوء على طبيعة الأنثى عند أرسطو.

ثالثًا: دور الذكر والأنثى

يقدم أرسطو في كتابه «توالد الحيوان» تعريفًا للذكر والأنثى على النحو التالي:

«يختلف الذكر في تعريفه عن الأنثى بما له من ملكاتٍ خاصة؛ فنحن نعني بالذكر ذلك الذي يَنسُل في الآخر، ونعني بالأنثى تلك التي تَنسُل من داخل ذاتها؛ بحيث يخرج النَّسل من باطنها، وهو النَّسل الذي كان موجودًا في الناسل من قبلُ.»٢٢ ومثل هذا التعريف لا يشير إلى جوانبَ خاصة بالتشريح فحسب، وإنما يشير كذلك إلى مراتب أو درجات في الوجود؛ فهناك «قدراتٌ أو ملكاتٌ خاصة»، موجودة عند الذكر لكنها غير موجودة عند الأنثى؛ ولهذا فسوف يكون لكلٍّ منهما دورٌ خاص في عملية الإنجاب ووظيفة تختلف عن الآخر؛ ومن هنا سيكون الذكر باستمرار، وبطرقٍ شتى أرفع قيمة، وأعلى مقامًا من الأنثى.٢٣ فلننظر في مساهمة كلٍّ منهما في الإنجاب على أن يكون في ذهننا باستمرار المفاتيح الأساسية عند أرسطو التي سبق أن تحدَّثنا عنها، والتي تشكِّل الأساس الميتافيزيقي للنظرية، كما تشكِّل الأساس في بناء الكون بأَسْره. من ذلك، مثلًا فكرة المراتب أو التسلسُل التصاعدي أو الهيراركية، كذلك الفكرة التي تقول إن كل شيء في هذه الدنيا يتألف من هيولى وصورة، وأن الصورة (لأنها الروح) أعلى وأهم من الهيولى التي هي المادة؛ فهذه الأفكار كلها موجودة بل أساسية في البيولوجيا.
لقد سبق أن رأينا الأنواع الثلاثة من الإنجاب؛ التلقائي، والإنجاب من والدٍ واحد، كما هي الحال في النبات عندما تُوجَد هوية بين الجنسين. لكن من الأفضل في رأي أرسطو، أن ينفصل الجنس الأعلى «الذكَر» عن الجنس الأدنى «الأنثى». وإذا كانت الصورة، كما سبق أن رأينا، أفضل من المادة أو الهيولى، وإذا كانت طبيعتها إلهية أكثر منها، فإنه يكون من الأفضل، كلما كان ذلك ممكنًا، أن ينفصل الذكر عن الأنثى.٢٤
يقول: في جميع الحيوانات القادرة على الحركة ينفصل الذكر عن الأنثى ليصبح أحد هذه الحيوانات ذكرًا والآخر أنثى، على الرغم من أنهما متحدان في النوع، مثلما تقول: إن الرجل والمرأة موجودان بشريان، والفرس والمهرة كلاهما خيل … إلخ. وأما في حالة النبات فتندمج هاتان القوتان معًا بحيث لا ينفصل الذكر عن الأنثى، ولذا فهما يَنسُلان من ذوات نفسهما ولا يُنتِجان حيواناتٍ منوية، بل بذورًا.٢٥
مرةً أخرى علينا أن نلاحظ أن المنظور الميتافيزيقي الأرسطي هو السائد هنا، أو قل إنه ينقل فكرته الميتافيزيقية ليُطبِّقها على جميع الموضوعات التي يدرسها، فإذا كان هناك هيراركية في الكون، وهيراركية سياسية واجتماعية، فهناك أيضًا هيراركية بيولوجية؛ أعني ترتيبًا تصاعديًّا في عالم الحياة «إذ تسير الطبيعة متدرجة من الأشياء الجامدة إلى الكائنات الحية أو الحياة الحيوانية، بتلك الطريقة التي تجعل من المستحيل وضع خطٍّ فاصلٍ دقيق. لكن بصفةٍ عامة نجد أنه فوق الجمادات أو الأشياء التي لا حياة فيها يأتي النبات، ويختلف نوعٌ ما من أنواع النبات عن نوعٍ آخر في كمية الحرارة الحيوية الظاهرة، فإذا كان نوع النبات يبدو خاليًا من الحياة إذا ما قُورن بالحيوان، فإنه مزوَّد بالحياة إذا ما قُورن بالموجودات الجامدة. ومن المُلاحَظ أن هناك سُلَّمًا صاعدًا متصلًا من النبات متجهًا إلى الحيوان …».٢٦
ويفرِّق أرسطو داخل عالم الحيوان، وفي كل نوعٍ حيواني، بين الذكر والأنثى، ويرى أن الأنثى هي التي تَنسُل بداخلها أو يتم بداخلها الحمل، ونمُو الجنين؛ وهي لذلك تشبه الأرض. ولعل هذا هو السبب الذي جعل الشعراء يطلقون على الأرض لقب «الأم» وعلى السماء لقب الأب. ويعتقد أرسطو أن النفس (أو الروح) هي قوة الحياة، وهي الأساس في الكائنات الحية،٢٧ ولما كانت أنواع الكائنات الحية ثلاثة، كانت الأنفس ثلاثة؛ النفس الغازية، وتقوم بعملية التغذي وهي موجودة في النبات، ثم النفس الحاسة وهي التي تُوجَد في الحيوان، والنفس العاقلة الموجودة في الإنسان. والنفس في جميع الحالات هي: علَّة ومبدأ الجسم الحي «وهي» جوهرُ الأجسام المتنفِّسة، ما دام علَّة الكائن في كل شيء هو الجوهر.٢٨
ونصل الآن إلى مساهمة كلٍّ من الذكر والأنثى في عملية الإنجاب، لنجد أن أرسطو يذهب إلى أن الدور الحاسم هو دور الذكر، الذي يقدِّم لنا «الصورة» و«العلة» ومبدأ الحياة أو «الروح»، والنفس في الجنين. في حين أن الأنثى لا تقدِّم سوى «المادة» أو «الهيولى». على نحوِ ما تتمثل في دماء الطمث. وهكذا نتبيَّن بوضوحٍ أن المساهمة التي تقدِّمها الأنثى في عملية التوالد هي المادة المستخدمة في هذه العملية، وهي إنما تُوجَد في سائل الطمث. أما الذكر فهو يزوِّدنا بالصورة، وبمبدأ الحركة، والأنثى تزوِّدنا بالجسد أو الهيولى.٢٩ ولقد ظلت هذه الفكرة الأرسطية التي تحدِّد دور الأنثى في عملية التوالد بتقديم «دماء الطمث» — وهي المادة التي يتشكل منها الجنين — ظلَّت مسيطرة على الفكر البشري دون أن يطرأ عليها أي تغيير، أو حتى مجرد شك عدة قرونٍ طويلة، والغريب أنها موجودة في سفر الحكمة (الذي يلقَّب أحيانًا بحكمة سليمان) حيث يقول هذا السفر: «… وفي مدة عشرة أشهر صُنِعتُ من الدم بزرع الرجل واللذة التي تصاحب النوم» (الإصحاح السابع: ٢). ويمكن أن نراها مصوَّرة في كتب «علم التوليد» إبَّان القرن السادس عشر مثل كتاب «الحمل والولادة» الذي كتبه يعقوب رويف Jacob Rueff عام ١٥٥٤م ولم يبرهن على زيفها، على نحوٍ قاطع، سوى وليم هارفي William Harvey في كتابه عن توالُد الحيوان عام ١٦٥١م، بعد تشريحه لمجموعة من الظباء الإناث، التي كانت تعيش في حديقة الملك شارل الأول.٣٠
إن المناقشة السابقة، فيما يعتقد أرسطو، تُلقي كثيرًا من الضوء على وضع الأنثى، ودورها من الناحية البيولوجية؛ إذ على الرغم من أن الأنثى لا تُسهِم بأية حيواناتٍ منوية على الإطلاق، فإنها مع ذلك تُسهِم بشيءٍ ما هو العنصر الذي يتألَّف منه سائل الطمث، أو العنصر الذي يقابله في الحيوانات التي تُعوِزها الحيوية Bloodless.
وسيتضح لنا الشيء نفسه لو نظرنا إلى الموضوع من زاويةٍ نظرية؛ فها هنا نجد أنه لا بد من وجود مَنْ يُولد ومن تلد، وحتى لو اجتمع الاثنان في شيءٍ واحد فلا بد لهما أن يختلفا في النوع. وفي الحيوانات التي تنفصل فيها هاتان المَلَكتان فإن جسد المشارك الإيجابي، وجسد المشارك السلبي، لا بد أن يختلفا؛ ومن ثَم فإذا كان الذكر هو الجانب الإيجابي، فإنه هو الذي يخلق الحركة، أما الأنثى من حيث إنها هي الجانب السلبي، فلا بد أن يكون ما تُسهِم به، وما تقدِّمه للجنين ليس حيواناتٍ منوية، وإنما هو «المادة»، وهذا ما نجد أنه يحدث بالفعل؛ لأن العنصر الطبيعي لسائل الطمث هو المادة الأولى.٣١ وعلينا أن نلاحظ في هذا النص عدة أمور:
  • أولًا: أن أرسطو يفترض وجود صورة ومادة في ميدان البيولوجيا، ثم يشرع في البحث عنهما.
  • ثانيًا: أنه يرفض ما كان يقول به الأبيقوريون من أن الأنثى تُسهِم بحيواناتٍ منوية.
  • ثالثًا: أنه يجعل من الذَّكَر الصورة، ومن الأنثى المادة أو الهيولى؛ وبالتالي فالذَّكَر هو الإيجابي النشِط الذي يبعث الحركة والحياة في المادة. أما الأنثى فيقتصر دورها على تقديم «سائل الطمث»؛ ومن ثَم فهي تمثِّل الجانب السلبي المتقبِّل Passive.
  • رابعًا: لما كان الذَّكَر نشِطًا إيجابيًّا Active فإنه هو الذي يتسبَّب في الحركة؛ أعني أنه هو علَّة الحركة. ولمَّا كانت الأنثى سلبية فهي التي تقع عليها الحركة.
  • خامسًا: أن «الطبيعة في كل ما تعمل إنما تعمل ببراعةٍ فائقة في كل جزئيةٍ صغيرة على نحو ما يتوقع العقل تمامًا.»٣٢

وينتهي أرسطو من ذلك كله إلى هذه العبارة الجامعة:

«فلنقل إذن:

  • (١)

    إن الذَّكَر هو المبدأ أو العلَّة من حيث طبيعته ذاتها.

  • (٢)

    وإن الذكَر ذكَرٌ بفضل قدرته الخاصة، وإن الأنثى أنثى بسبب عجزها الخاص.

  • (٣)

    إن الخط الفاصل الذي يحدِّد القدرة والعجز هو ما إذا كان الكائن يؤثِّر أو لا يؤثِّر في إعداد الغذاء النهائي.

  • (٤)
    إن سبب ذلك يكمن في «المبدأ»؛ أعني في ذلك الجزء من الجسد الذي يملك الحرارة الطبيعية …».٣٣

رابعًا: تحديد الجنين

الذكَر هو الذي يهَب الصورة أو «الروح» لدماء الطمث التي هي أشبه بالمادة الميتة؛ ومن هنا كان الذكَر هو الذي يقوم بوظيفة العلَّة الفاعلة، في حين أن الأنثى لا تقدِّم سوى الهيولى «فدماء الطمث في الأنثى تقابل الحيوانات المنوية في الذكر؛ أعني الدم الفائض الذي عجزَت الأنثى، نظرًا لدونية الحرارة الحية عندها، أن ينطبع عليه السائل المنوي، ولما كان هذا السائل هو الصورة، فإنه يقوم بوظيفة العلَّة الغائية أو الصورية في النسل. في حين تكون دماء الطمث هي العلة المادية. إن عنصر الذكَر يعمل في عنصر الأنثى كما تخفر الإنفحة اللبن، وهذه مقارنة بين شيءٍ طبيعي وشيءٍ صناعي.»٣٤
وعلينا أن ننتبه جيدًا إلى أن الحيوانات المنوية ليست شيئًا ماديًّا يتحد مع دماء الطمث ليشكِّل جنينًا، إنها الصورة أو «الروح»؛ فعندما يقذف الذكر في الأنثى بهذه الحيوانات المنوية، فإنه في الواقع لا يقذف بشيءٍ مادي يمكن أن يكون جزءًا من جنينٍ مقبل،٣٥ تمامًا كما أنه لا يخرج من النجار الذي يصنع المنضدة جزءٌ مادي يُضاف إلى المادة التي يشتغل عليها وهي الخشب، وإنما يأتي من عنده بالشكل أو الصورة التي تنطبع على المادة بواسطة الحركة التي يقوم بها، فيداه تحرِّكان أدواته، وأدواته تحرِّك المادة … إلخ. والواقع أن معرفته بفنه أو «روحه» التي هي الصورة، هي التي تحرِّك يدَيه أو أي جزءٍ آخر من أعضاء جسمه حركةً من نوعٍ معين، وهي حركة تتغير بتغيُّر طبيعة الموضوع الذي يعمله. وبطريقةٍ مماثلة فإننا نجد أن الطبيعة تستخدم هذا السائل في الحيوانات التي يقذف فيها الذكر سائلًا منويًّا كأداةٍ تملك الحركة تمامًا كالأدوات المستخدمة في أي «فن»، وتلك هي الطريقة التي يُسهِم بها الذكر في عملية التوالد.٣٦
لقد نوقشَت أسبابُ تحديد جنس الجنين قبل أرسطو، وقد عرَض هو نفسُه للآراء المختلفة في كتابه «توالُد الحيوان» فقال: «لقد كانت هناك اختلافاتٌ كثيرة حول ما إذا كان الجنين ذكرًا أو أنثى، وما إذا كان هذا التمايز يتحدد داخل الأم أم حتى قبل ذلك؛ فذهب أنكساجوراس Anaxagoras وغيره من الطبيعيين إلى أن ذلك إنما يُوجَد منذ البداية في البذور؛ لأن البذور تأتي من الذكر، في حين أن الأنثى تهيِّئ المكان فحسب. وإذا كان الذكر يمثِّل اليمين، والأنثى تمثِّل اليسار، فإنه إذا كان الجنين ذكرًا فإنه يكون في الجانب الأيمن من الرحم، في حين أن إنباذوقليس Empedocles يذهب إلى أن التمايز يتم في الرحم، فإذا كان الرحم ساخنًا فإن ما يدخُل فيه يصبح ذكرًا، أما إذا كان باردًا فإنه يصبح أنثى. أما علة الحرارة والبرودة فتأتي من سائل الطمث تبعًا لبرودته وحرارته، ولحداثته وقِدَمه.
كما ذهب ديمُقريطس إلى أن الجنين يتحدَّد في الرحم أيضًا لا بسبب الحرارة والبرودة، وإنما بسبب أن سائل الوالدَين هو الذي ينتشر … إلخ.»٣٧
غير أن أرسطو لا يعتقد أن أحدًا من أسلافه قد درَس الوقائع دراسةً جيدة، أو اقترب من الحقيقة بقدرٍ كافٍ؛ لهذا نراه يقدِّم نظريته الخاصة التي يراها أكثر إقناعًا، وهي التي يذهب فيها إلى أن تحديد جنس الجنين يتم من حيث المبدأ، في نفس اللحظة التي يحدُث فيها الجماع. وتتشكَّل أجزاء الجنين الجنسية بعد ذلك استجابةً لحاجة الكائن الحي إلى هذا العضو أو ذاك.٣٨
وعلى أساسِ مبادئَ مماثلة يفسِّر أرسطو نوع الجنين، وخصائص الوراثة أيضًا، فإذا كان الذكر هو العنصر الغالب على الأنثى غلبةً تامةً جاء الجنين ذكرًا، ولو أن سائل الطمث كان معدًّا إعدادًا جيدًا، فإن الحركة التي يطبَعُها الذكر عليه ستجعل صورةَ الجنين شبيهةً بوالده … وهكذا لو أن هذه الحركة كانت لها الغلبة لجعلَت الجنين ذكرًا لا أنثى يشبه والدَه لا والدَتَه.٣٩ أما إذا كان الذكر هو العنصر الغالب، لكن الحركة التي يطبعها تتعدل بسبب ردود فعل الأنثى، جاء الجنين يشبه جدَّه لا والدَه، وإذا كانت التعديلات عميقة، جاء الصغير يشبه أجداده لأبيه. أما إذا كان الذكر هو العنصر الغالب من حيث هو فرد لا من حيث هو ذكَر، فسوف يكون الجنين أنثى، ولكنها تُشبِه والدها.٤٠
وإذا كانت الأنثى هي العنصر الغالب، فسيكون الجنين أنثى تُشبِه أمها، لكن إذا كان عنصر الأنثى، رغم أنه الغالب، يمكن أن يتعدل مساره، فسوف يكون الجنين أنثى تُشبِه أجدادها لأمها.٤١

وفي جميع الحالات فإن الذكر يقدِّم «الصورة»، في حين تزوِّدنا الأنثى بالهيولى أو المادة التي تنطبع عليها هذه الصورة، وكثيرًا ما تكون المادة غير مُعَدَّة إعدادًا جيدًا، فلا يجيء الانطباع جيدًا؛ ومن هنا فإن أرسطو ينفي بشدة قيامَ الأنثى بتزويد الجنين بشيءٍ آخر غير المادة. وهذا هو السبب الذي جعله يرفض وجهة نظر الأبيقوريين التي كانت تذهب إلى أن الأنثى تُسهِم بحيواناتٍ منوية؛ ولهذا نراه يؤكِّد مرارًا أنها نظريةٌ فاسدة؛ يقول: وهكذا نتبيَّن بوضوحٍ أن المساهمة التي تقدِّمها الأنثى في عملية التوالد هي المادة المستخدَمة في هذه العملية. وهي إنما تُوجَد في سائل الطمث.

وهناك من يعتقد أن الأنثى تُسهِم بتقديم سائلٍ منوي أثناء الجماع، بسبب ما تشعر به بعض النساء أحيانًا من متعة يمكن مقارنتُها بمتعة الذكر. كما أنهن يُفرِزن سائلًا أثناء العملية الجنسية. غير أن ذلك يحدُث عند بعض النساء دون البعض الآخر.٤٢ وهو بصفةٍ عامة يحدث عند النساء صاحبات الجلد الرقيق، الناعم الجميل، اللائي نجد عندهن طابعًا أنثويًّا أصيلًا، لكنه لا يحدث عند صاحبات الجلد الخشن، وذوات المظهر الرجولي.٤٣
وسبب هذا الجهد الذي يبذله أرسطو في تفنيد هذه الفكرة هو حرصه الشديد على الدفاع عن فكرته الأساسية التي تقول إن الأنثى تزوِّدنا بالطمث فقط،٤٤ وهو «الهيولى» — أو المادة التي يتشكل منها الجنين — وهو أدنى مرتبةً من الصورة في عملية التوالد (لأن المادة أدنى من الصورة باستمرار). في حين أن الحيوانات المنوية هي الصورة؛ ولهذا كانت العنصر الأعلى والأسمى لأنها تزوِّد الجنين بالروح، وبالمبدأ العقلي — الذي هو مصدر الحياة والحركة — فكيف يمكن، إذن، أن تكون لدى الأنثى حيواناتٌ منوية وهي الموجود الأدنى؟! أليس في ذلك هدم واضطراب لترتيب الموجودات، وللنظام الهيراركي التصاعدي في الكون؟! الواقع أن هذا النظام الأساسي عند أرسطو هو الذي يفسِّر كل شيء، بما في ذلك عملية الإنجاب، التي هي المبرر الوحيد لوجود الأنثى على الإطلاق. إن الأنثى موجودٌ يتسم بالعجز والقصور، والدونية، والسلبية؛ ولهذا ينبغي عليها الخضوع والاستسلام، أما الرجل فهو الإيجابي النشِط، وهو الأعلى، والأرقى، والأسمى؛ ومن ثم فهو الذي يأمر وهو الذي يحكم وهو الذي يفكر، ويناقش، ويكوِّن الآراء، ويقدِّم الحُجَج؛ ولهذا فهو الإنسان على الأصالة، ولا سيما الرجل اليوناني الحر، على نحو ما سنعرف بعد قليل عندما نتحدث عن السياسة. إنه المؤهل لا فقط لحكم النساء بل لحكم البشرية كلها، أما المرأة فيكفيها فخرًا أنها تقوم بدور «الوعاء» أو الحامل السلبي المتقبل الذي يُمَكِّن الذكَر من الإنجاب. وإذا تساءلنا الآن عن تحديد دَور الوالدَين «بدقَّة» في جنس المولود؟ لكانت الإجابة: الواقع أن أرسطو يشير إلى دور الأب والأم بطريقةٍ «فضفاضة»؛ ذلك لأن العنصر الحقيقي الذي يعترف أرسطو بدوره اعترافًا واضحًا هو الذكَر فحسب، طالما أنه هو الذي يُسهِم بأن يهَبَ الجنين «الحياة» عندما يهب «الروح» التي هي مبرِّر وجوده، أما الأنثى فإن دورها يقتصر، كما قلنا، على تزويد هذه الحياة الجديدة بالجسد أو المادة فقط!
وفضلًا عن ذلك فإن الوظيفة الأساسية والكاملة للتوالد هي إنجاب طفل يشبه الأب، وليس طفلًا يشبه الأم في الخصائص الجنسية وغير الجنسية على السواء. وأي انحراف عن هذا الشبه (شبه الأب) هو قصور؛٤٥ ومن هنا فإن أرسطو يقول: «إن ذلك الذي لا يشبه والدَيه من الأطفال هو، بمعنًى ما، تشوُّه خلقي Monstrosity؛ لأن الطبيعة تكون في هذه الحالة، قد انحرفَت بطريقةٍ ما عن النموذج أو المثال.
والواقع أن الانحراف الأول هو أن يجيء النسل أنثى بدلًا من أن يكون ذكرًا، وإن كان ذلك يمثِّل ضرورةً طبيعية (لأن فئة الحيوانات التي تنقسم إلى جنسَين لا بد أن تبقى، كما أن الذكر في بعض الحالات لا يستطيع أن يتغلب على الأنثى؛ ولهذا فمن الضروري للحيوانات أن تُنجب أنثى). وهكذا نجد أن التشوُّه الخلقي (أعني إنجاب الإناث) رغم أنه ليس ضرورةً تلقائية، فإنه مع ذلك حادثٌ ضروري.»٤٦
والواقع أن لدينا مفارقةً هنا؛ فعلى الرغم من أن السلوك الطبيعي في توالُد الحيوان هو، كما قلنا، أن يُنجِبَ الفرد فردًا آخر يُشبِهه، فإن الوظيفة الكاملة للأنثى هي إنجاب فرد يشبه الزوج أو الذكَر، فماذا يعني ذلك؟ يعني أن إنجاب الذكور بواسطة الذكور هو علامة تفوُّق؛ فهو سيطرةٌ كاملة وغلبةٌ تامة للذكَر؛ ولهذا نراه يقول: «لقد أنجب هرقل ابنةً واحدةً فحسب، وسط ذرية بلغَت اثنَين وسبعين طفلًا.»٤٧
فجانبٌ بارز من عظمة هرقل وفحولته أنه أنجب البنين بالعشرات، ولم ينجب من الإناث سوى طفلةٍ واحدة فحسب؛ لأن إنجاب الإناث ليس دليلًا على التفوق. حتى إن إنجاب الإناث بواسطة الإناث، هو علامة ضعف، إنه يحدث بسبب انعدام المزج الجيد أو الإعداد الصحيح لدماء الطمث. ومن ناحيةٍ أخرى فإن إنتاج الذكور بواسطة الأنثى ليس فخرًا للمرأة أو مجدًا لها أيضًا، بسبب فكرة أرسطو عن الصراع بين عناصر الذكر والأنثى في تحديد جنس الجنين، والنتيجة التي لا مندوحةَ عنها هي أن الوظيفة الأكثر كمالًا تعني خلق الظروف التي يسودُ فيها عنصر الذكَر.٤٨
ومن الواضح أن معيار الإنجاب هو معيار وضع الذكَر فحسب؛ فالأفراد الذين يسعَون للمشاركة في الخلود بإنجاب أفرادٍ شبيهةٍ بهم هم الذكور فحسب. أما مشاركة الأنثى فهي جدُّ مختلفة؛ إذ الواقع أن المرأة هي أداةٌ لخلود النوع؛ فهي موجودٌ بشري بالقوة لا بالفعل؛ لأن الوجود البشري الفعلي لوجودها هو أن تكون حاضنةً لطفلٍ ذكَر.٤٩

خامسًا: كيف تتم المساهمة؟

المشكلات البيولوجية التي ظهرَت في عصر أرسطو كثيرة؛ منها كما سبق أن رأينا: هل يفرز الذكر والأنثى حيواناتٍ منوية على حدٍّ سواء؟ علمًا بأن الحيوانات المنوية كانت تُفهَم، في ذلك الوقت، فهمًا واسعًا غير دقيق بوصفها المبدأ الذي يؤدي إلى حركة النمو في الجنين أو الكائن الحي الجديد، وتُسمَّى بالسائل المنوي.

مشكلةٌ أخرى هي كيف تتم مساهمة الوالدين: هل تخرج الحيوانات المنوية بالمعنى الذي استخدم فيه أرسطو هذا اللفظ من جسد الأبوَين معًا (الذكر والأنثى) أم أنها تأتي من واحدٍ منهما فقط؟ لقد طرح أرسطو هذه المشكلة وأجاب عنها كما يأتي:

«من المهم أن نبحثَ فيما إذا كانت الحيوانات المنوية تأتي من الذكر والأنثى معًا، أم يُنتِجها أحدهما فحسب؟ وما إذا كانت تخرج من الجسد كله أو لا؛ إذ لو صح هذا الاحتمال الأخير، لكان من المعقول أن نفترض أنها لا تخرج من الوالدَين معًا.»٥٠
ولقد سبق أن رأينا كيف رفَض أرسطو أن تكون عند الأنثى حيواناتٌ منوية، وكيف ذهب إلى أن الأنثى لا تزوِّدنا إلا بالمادة فقط، وعلى ذلك لم تبقَ سوى مشكلة المساهمة: أهي من الجسد كله أم من جزء من أجزائه؟ ويُقال إن أرسطو كان يحاول تفنيد نظرية أبقراط Hippocrates (٤٦٠–٣٧٧ق.م.) العالم والطبيب الذي يُعَد أبا الطب اليوناني، فراح يسُوق الحُجَج التي يدحض بها النظرية التي تذهب إلى أن الحيوانات المنوية تخرج من جسد الوالدَين معًا؛ يقول: «إذا لم تكن الحيوانات المنوية تخرج من جسد الأنثى، فإنه من الصواب أيضًا أن نفترض أنها لا تخرج كذلك من جسد الذكر ككل. وإذا لم تكن قد نتجَت من جسد الذكر ككل، فليس من الخطأ أن نقول إنها لا تخرج من الأنثى، وإنما تشارك الأنثى في الإنجاب بطريقةٍ أخرى.»٥١ وهكذا نجد أن الموقفَ المعارضَ هو الأكثر قبولًا؛ فلو كانت الحيوانات المنوية لا تخرج فعلًا من الجسد كله، لكان من الضروري في هذه الحالة أن يُنتِجَها طرفٌ واحد (أعني أحد الوالدَين فقط) لتُشكِّل كائنًا جديدًا، والعكس، إذا خرجَت من جزءٍ معيَّن من الجسد، فإنه يمكن للوالدَين المساهمة فيها. وتبدو النظرية الأخيرة أكثر اتساقًا مع البيولوجيا الحديثة التي ترى أن نصف الجينات يأتي من الذكَر عن طريق الحيوانات المنوية، بينما يأتي النصف الآخر من الأنثى عن طريق البويضة.٥٢
لقد ذهب ديمقريطس Democritus، وإنباذوقليس Empedocles وأنكساجوراس Anaxagoras إلى أن السائل المنوي يخرج من الجسم كله. ولقد ساق أرسطو ضد هذه النظرية اعتراضاتٍ قوية.٥٣ وبدلًا من القول بأن السائل المنوي يخرج من الجسم كله، ذهب إلى أنه يصل إلى جسد الجنين كله، لكن كل طرفٍ من الوالدَين يُسهِم بعاملٍ خاصٍّ مختلف عن الآخر؛ فمادة الجنين ونمُوه يكتسبها من الأنثى، أما بث الحياة والحيوية في هذه المادة فهو يأتي من الذكَر؛ ذلك لأن الأنثى لا تُنجِب إلا إذا لقحَها الذكَر، تمامًا كما أن النجار وأدواته لا يصبح جزءًا من المادة المشكَّلة، فكذلك الحيوانات المنوية لا تصبح جزءًا من إفرازات الأنثى،٥٤ وأرسطو يُجهِد نفسه، في ذلك كله، للبرهنة على أن الأنثى لا تقدِّم في عملية التناسل سوى المادة التي هي دماء الطمث، وأن الذكَر هو الذي يقدِّم الصورة أو الماهية أو الروح كما أنه، كما سبق أن ذكرنا، هو الذي يقوم بالدور الإيجابي النشِط، والأنثى بالدور السلبي المتقبِّل … إلخ. وينتهي أرسطو من ذلك كله إلى القول بأن المرأة ليست موجودًا إنسانيًّا مكتمل النضج، وإنما هي أقرب إلى الطفل الذكَر أو قل إن الصبي يشبه المرأة في الصورة. أما المرأة فهي أشبه ما تكون برجلٍ عاجز أو مصابٍ بالعُنَّة٥٥ كما أعلن القديس توما الأكويني St. Thomas Aquinas (١٢٢٥–١٢٧٤م) متأثرًا بأرسطو أن «المرأة موجودٌ عارض» وأنها رجلٌ ناقص.٥٦
وفي استطاعتك أن تقول الشيء نفسه بالنسبة لعملية التوالد أو الإنجاب؛ فالذكَر ذكَرٌ بفضل قدرته الخاصة، والأنثى أنثى بفضل عجزها الخاص.٥٧
وعلى الرغم من أن أرسطو يصف الطبيعة بأنها لا تفعل شيئًا باطلًا، وأنها تعمل كما يتوقع منها العقل أن تعمل؛ فهي أشبه ما تكون بالصانع الماهر … إلخ،٥٨ رغم ذلك كله فإنه يقول: ينبغي علينا أن ننظر إلى الأنثى على أنها تشوُّهٌ خلقي أو أنها موجودٌ مشوَّه إن صح التعبير، رغم أنه تشوهٌ حدث في المجرى المعتاد للطبيعة.٥٩ وهو يفسِّر ظهور هذه المخلوقات الشاذة الشائهة في الطبيعة بسبب الانحراف الأول عندما تشكَّلَت الأنثى بدلًا من الذكَر. لكن ذلك كان ضرورةً اقتضَتْها الطبيعة لبقاء النوع الذي لا بد أن يظل موجودًا.٦٠ وما دامت الكائنات الحية تتطور فلا بد أن ينفصل الذكر عن الأنثى ليكون كلٌّ منهما ذا وجودٍ مستقل، فلا يكون الأمر على نحو ما هو عليه في النبات. وهكذا نجد أن الانحراف الأول في الطبيعة هو الذي أنتج الأنثى بدلًا من الذكَر؛ فالطبيعة لا تصنَع النساء إلا عندما تعجز عن صُنع الرجال!

ظهور الأنثى، إذن هو الانحراف الأول؛ لأن الأصل أن تنتج الطبيعة ذكرًا، غير أن الانحرافات تتكرر في عملية الإنجاب، فإذا كان الذكَر يعطي الصورة ويطبعها على المادة، فإن تفوُّقه يجعل الجنين ذكرًا (أي إذا كانت الغلبة للصورة) لكن إذا انحرفَت الطبيعة — وهي الآن ممثلة في الأنثى التي تَنسُل — كان الجنين أنثى!

وبعبارة أكثر وضوحًا: عندما يكون الجنين ذكرًا، فإن هذه «الميزة» تعود إلى الأب الذي استطاعت «الصورة» أو «الروح» التي يبعث بها عَبْر الحيوانات المنوية أن تتغلب على مادة الأنثى، أما إذا كان الجنين أنثى فإن هذه «السقطة» تعود إلى الأم التي لم تمزُج دماء الطمث جيدًا، ولم تُعِدَّه إعدادًا حسنًا لتنطبع عليه الصورة. وهي نفس الفكرة الموجودة عند العامة حتى الآن. في حين أن التفسير العلمي الصحيح يجعل الرجل وحده مسئولًا عن تحديد نوع الجنين؛ لأن المرأة لديها الاستعداد لإنجاب الذكَر والأنثى على حدٍّ سواء؛ ذلك لأن صبغيات الأنثى متماثلة ويُرمز لها بالحرفَين XX لكنها عند الذكَر مختلفة الشكل والحجم والتركيب، ويُرمز لها بالحرفَين XY.٦١

سادسًا: ضعف الأنثى

عندما ناقش أرسطو الآراء الفلسفية التي كانت ترى أن الأنثى تحمل حيواناتٍ منوية تُسهِم بها في عملية التناسل، كما ذهبَت بعضُ المدارس الفلسفية في اليونان كالأبيقورية مثلًا، فإننا نراه يضَع بعضَ الوقائع المهمة التي تُساعِد على حل هذه المشكلة (وهي مشكلةٌ خطيرة في نظره؛ لأنها تهدم فكرته عن المادة والصورة — وبالتالي وضع الأنثى والذكر — منها قوله: الكائن الذي تزوِّده الطبيعة بقَدْرٍ أقل من الحرارة هو الكائن الأضعف … ولقد سبق أن قرَّرنا بالفعل أن تلك هي خاصية الأنثى).٦٢ وهو يقول في كتابه «أجزاء الحيوان»: أنبل الحيوانات جميعًا، تلك التي تكون دماؤها حارة؛ أعني ذوات الدم الحار الذي يكون في الوقت نفسه صافيًا؛ لأن مثل هذا الدم يتناسب مع تطوُّر الشجاعة والذكاء … ومن هذه الزاوية نجد أن الأجزاء العليا أرقى من الأجزاء السفلى. كما نجد أن الذكَر أرقى من الأنثى، والجانب الأيمن أرقى من الجانب الأيسر.٦٣
وعلى حين أن مسألة كمية الحرارة في الدم تبدو لأرسطو مسألةَ حقائقَ مؤكَّدة يقرِّرها فحسب، فإن زيادة الحرارة هي الأساس؛ لأنها كلما زادت دلَّ ذلك على زيادة مَلَكات النفس، وهذا التدرُّج في قوى النفس، وليست كمية الحرارة في حد ذاتها هي التي تقوم بالدور الأساسي في التمايز بينهما؛ ومن ثَم فإن تفوُّق الذكر يتخذ صورة زيادة قوى النفس؛ ومن هنا تكون الأنثى حرفيًّا «نقص الذكَر» (وهي عبارة سوف يردِّدها القديس توما الأكويني بعد ذلك بنَصِّها)، وعلينا أن نتذكر باستمرار تلك الحقائق الغريبة التي يقرِّرها أرسطو بلا برهان ولا دليل! المرأة هي ذكَرٌ واهنٌ أو ضعيفٌ إن صح التعبير؛ لأن الأنثى لا تكون أنثى إلا من خلال عجزٍ معين؛ أعني عندما تعجز عن إعداد المواد الغذائية، وتحويلها في مراحلها الأخيرة إلى حيواناتٍ منوية.٦٤ والسبب الأساسي في الخلط الأرسطي أن الحيوانات المنوية لم تكُن قد اكتُشفَت بعد؛ فقد كانت مجرد سائلٍ ينقل «الصورة» أو وسيلة لجلب «الروح» إلى المادة، ومن ناحيةٍ أخرى لم تكن البويضة — التي هي الإسهام الأساسي للأنثى في الإنجاب — قد اكتُشفَت أيضًا، هذا فضلًا عن أن الأفكار الميتافيزيقية الأساسية هي التي كانت تُوجِّه الفيلسوف في بحثه، وتجعله يبحث عن العلل والحُجج، والبراهين التي تؤيِّد نظرة رجل الشارع اليوناني إلى المرأة!
أما في كتابه «توالُد الحيوان» فإننا نراه يضع «الوقائع» الخاصة بضعف النساء وقلة الحرارة عندهن جنبًا إلى جنبٍ مع واقعةٍ أخرى من وقائع الملاحظة؛ فقد كتب يقول: إن إفرازات الحيوان الضعيف تكون أعظَم في الكم وأقَل في الكيف. ومعنى ذلك أنها ستكون أقرب شبهًا بالدم، وهو ما نجده عند الأنثى؛ فما دام أرسطو قد رتَّب الحيوانات طبقًا لكمية الحرارة، فقد حدَّد وضع الأنثى منذ البداية؛ فهي أقلُّ درجةً من الذكَر في سُلَّم الاختلاف بين الحيوانات. وهذه الدونية المزعومة للأنثى هي عند أرسطو، إحدى النقاط التي يبدأ منها العلم، والتي تتأسَّس على مظهرٍ من مظاهر التجربة. ومهمَّة فلسفة الطبيعة أن توضِّح هذه الحقيقة العلمية التي لم تأتِ نتيجةً لاستدلالٍ عقلي.٦٥

وهكذا يقرِّر أرسطو الواقع القائم في مجتمعه، والذي فرضَته العادات والتقاليد — وأعني به الوضع المتدني للمرأة — ثم يشرَع في البحث عن تفسيرٍ فلسفي له، تمامًا مثلما فعل في نظريته عن الرقِّ التي دافع فيها بقوة عن فوائد هذا النظام العجيب، وأنه مفيدٌ للسيد والعبد معًا، وأنه نظامٌ فرضَته الطبيعة التي لا تفعل شيئًا باطلًا.

ولقد سَخرَت هنيتكا J. Hintikka من نظرية أرسطو وتفسيره لهذا الواقع المتدني للمرأة عندما ساقت حوارًا تخيَّلَت أنه يدور بينها وبين المعلم الأول على النحو التالي:

– ليست المرأة مواطنة؟

– ولماذا …؟

– لأن المرأة أقلُّ من الرجل!

– ولماذا …؟

– لأنها تخلو من أعلى صورةٍ للعقل البشري.

– ولِمَ …؟

– لأنه لا تُوجَد لدى المرأة الحرارة الحية الكافية لممارسة أعلى صور العقل البشري.

– ولِمَ؟

– لأنه هكذا تكون المرأة؛ حرارتها الحية أقل من حرارة الذكَر، وهذا هو تعريف المرأة …٦٦
وهذا الحوار الطريف يُذكِّرك بعبارة برنارد شو عن وضع الزنوج في الولايات المتحدة، ونظرة الرجل الأبيض إليهم؛ يقول: «الرجل الأمريكي الأبيض يهبط بالزنجي إلى مستوى ماسحِ الأحذية، ثم يستنتج من ذلك أن الزنجي لا يصلُح إلا لمسح الأحذية.»٦٧

سابعًا: نتائج

  • (١)
    رأينا أن أرسطو يُقْدِم على دراسة البيولوجيا، وفي ذهنه مجموعةٌ من المبادئ الميتافيزيقية التي هي أقربُ إلى ما نسميه اليوم بالفروض، مع فارقٍ أساسي هو أن هذه المبادئ ليست فروضًا، وإنما هي حقائقُ مؤكَّدة يبحث لها عن أمثلةٍ تطبيقيةٍ في عالم الواقع؛ ولهذا فإن هذه المبادئ هي التي توجِّه تفكيره وتُرشده وتُنير أمامه الطريق؛ ولهذا نراه يبدأ الدراسة بحثًا عن الهيولى، والصورة، والوظيفية، والأعلى والأدنى، وسُلَّم الهيراركية الذي ينظِّم مراتب الموجودات في العالمَين العضوي وغير العضوي، على غرار نسيج البيئة الاجتماعية، والوضع القائم Status Quo في المجتمع اليوناني.
  • (٢)
    تفسير «الوقائع الموجودة» أو الكشف عن «العِلَل» التي يمكن أن تكون هي «المقدمات»، في الوقت الذي تكون فيه الوقائع التي نلاحظها هي «النتائج»؛ أي إننا لا نزال في ميدان البيولوجيا نبحث موضوعات الدراسة بمنظورٍ فلسفيٍّ ميتافيزيقي: «لأن مبادئ العلم عند أرسطو تتحدَّد وفقًا للنظام العقلي للأشياء».٦٨
  • (٣)

    من بين الأفكار الأساسية التي يضعها أرسطو في ذهنه وهو يدرُس موضوعات البيولوجيا، الفكرة التي كانت شائعةً في المجتمع اليوناني عن دونية المرأة، وانحطاط قواها العقلية، وسيطرة انفعالاتها وشهواتها عليها، أو ما سوف يسمِّيه بالعنصر اللاعقلي في النفس البشرية — على نحو ما سنعرف في الفصل القادم — ولهذا فلا بد أن تخضع مستسلمةً للرجل الذي عنده العنصر العقلي، ويتحكم في الجانب غير العقلي، وإلا فمن أين جاء بالفكرة التي ترى أن المرأة لا بد أن تكون هي «الهيولى» وأن يكون الرجل هو الصورة التي هي أعلى وأرقى وأسمى؟ ولِمَ لا يكون العكس؟ وما هي الأدلة أو البراهين العقلية على أن الرجل يُسهِم في عملية التوالُد بالصورة التي هي «الروح»؛ وبالتالي فالحيوانات المنوية ليست «مادة» وإنما هي وسيلةُ انتقالٍ تعبُر عليها الروح إلى دماء الطمث لتطبع عليها لكي يتخلق الجنين ويظهر …؟ قد يُقال إن أرسطو لم يكن يعرف ماهية الحيوانات المنوية، وهذا حق، لكنه لم يكن يعرف شيئًا أيضًا عن البويضة! وإنما كان يعرف عن يقين، أن المرأة لا بد أن تكون أقلَّ مرتبةً من الرجل تبعًا للهيراركية العامة للموجودات، وهي فكرةٌ ميتافيزيقيةٌ لا برهان عليها؛ وبالتالي فلا بد أن يكون هناك مَنْ هو أدنى، ومَنْ هو أعلى، لا بد أن يكون هناك، سيِّد ومَسُود، حاكم ومحكوم؛ فليس ثمَّة مساواة بل تفاوتٌ طبيعي واضح. ولما كان العُرف اليوناني قد جرى على أن تكون المرأة هي الأدنى، وهي المحكومة، وهي التي تطيع … إلخ؛ لهذا كانت هي المادة أو الهيولى، وكان الرجل هو الصورة والروح، والمبدأ العقلي.

  • (٤)

    وهكذا يصل أرسطو إلى النتيجة التي تقول: إن الذكَر هو الإيجابي النشِط الذي يبعث الحركة، ويهب الحياة في المادة، أما الأنثى فيقتصر دورها على تقديم سائل الطمث؛ ومن ثَم فهي تمثِّل الجانب السلبي المتقبِّل فحسب؛ ولهذا فإنه عندما ينتقل إلى عالم السياسة، على نحو ما سنرى في الفصل القادم، سيجعل الذكر إيجابيًّا أيضًا؛ فهو الذي يحكُم ويحفظ، ويُدير شئون السياسة في الدولة، وفي المنزل، وهو الذي يأمُر، أما الأنثى فليس عليها سوى السمع والطاعة؛ ولهذا سيكون من المنطقي في عالم الأخلاق أن يصبح الصمت هو زينة المرأة وتاجها، لكنه ليس كذلك بالنسبة للرجل.

  • (٥)

    إننا لكي نعرف أي شيء عن المرأة؛ ضعفها، وضعها، دورها، وظيفتها، مركزها … إلخ؛ فلا بد أن نعرف «طبيعتها»؛ ومن هنا كان لبيولوجيا أرسطو علاقةٌ واضحة بآرائه السياسية والأخلاقية تجاه النساء، وليس في استطاعة المرأة أن تعرفَ شيئًا عن «طبيعتها»؛ لأن عقلها لا يستوعب هذه الدراسة، وليس لديها «قدرة» على تحمُّل المسائل النظرية أو فهمها؛ ولهذا فإن فضيلة الرجل الأساسية هي أن يُسيطر على المرأة ويُجبرها على طاعته، أما الرجل الذي يعامل المرأة على قدم المساواة ويتصوَّر أنها مساويةٌ له أو أنها «ند» فإنه يسلُك، في الواقع، سلوكًا مخجِلًا ومُشينًا.

  • (٦)

    الخلود لا يكون إلا للكُلي؛ فمن المستحيل على الجزئي أو الفردي أن يشارك في الإلهي والأزلي (٤١٥-ب). وتلك هي الغاية من التوالُد؛ فما دامت الكائنات الحية لا تشارك في الخلود كأفراد، فإنها تسعى لإنجاب أفرادٍ شبيهةٍ لها تصبح أعضاء في نوعٍ خالد (٤١٥-ب). وما دام الأب هو الذي يهَب «الروح» فضلًا عن أن الوظيفة الأساسية الكاملة للتوالد هي إنجاب طفلٍ يشبه الأب، وليس طفلًا يُشبِه الأم، فإن أيَّ انحرافٍ عن هذا الخط هو قصورٌ واضح (٧٦٧-ب). والواقع أن الانحراف الأول هو أن يصبح النسل أنثى بدلًا من أن يكون ذكرًا (٧٦٧-ب، المجلد الأول من المؤلفات الكاملة، ص١١٨٧-١١٨٨).

  • (٧)
    هنا يصل أرسطو إلى مفارقةٍ غريبة هي أنه على الرغم من أن السلوك الطبيعي للحيوان هو، كما قلنا، أن يُنجِب فردًا آخر يُشبِهه حتى يشارك في الخلود، فإن الوظيفة الكاملة للأنثى هي أن تنجب فردًا ذكرًا يشبه الأب، فما معنى ذلك؟ معناه أن إنجاب الذكور للذكور هو علامة تميُّزه وتفوُّقه، كما هي الحال عند «هرقل» البطل الأسطوري الشهير، الذي كان من علامات تميُّزه وتفوُّقه أن أنجب اثنَين وسبعين ولدًا وأنثى واحدة (٥٨٥-ب، والمجلد الأول، ص٩١٨) أما إنجاب الإناث للإناث فليس علامة تفوُّق، وإنما هو قصورٌ سببُه عدم المزج الصحيح لدماء الطمث، وعدم إعداده إعدادًا مناسبًا لاستقبال الصورة. وهكذا يصل أرسطو إلى نتيجةٍ حاسمةٍ هي أن وظيفة المرأة الكاملة هي أن تخلق الظروف المناسبة التي ينتشر فيها عنصر الذكَر، والتي تمكِّنه من أن ينعَم بالخلود٦٩ مما جعل ليندا لانج Lynda Lange تقول بحق: «إن النظرة التي ينبغي احتقارُها هي هذه النظرية القضيبية للعالم»؛٧٠ أعني النظرة التي تدمج كلمتَي «ذكَر» و«بشَر» لتجعلَهما مترادفتَين، وهي نظرةٌ لا تزال حيةً معروفة،٧١ ولا شك أن دراستَنا لتاريخ الفكر تُفيد دائمًا في السيطرة على هذه النظرة وتفنيدها.٧٢
  • (٨)
    لا بد أن نشير سريعًا إلى أن المعلم الأول وقع في كثيرٍ من الأخطاء البيولوجية حتى قيل: إن مؤلفات أرسطو في البيولوجيا غريبة؛ فهي خليطٌ مشوَّه من الشائعات والأقاويل، والملاحظات الناقصة، والتفكير بالتمنِّي، والسذاجة، وسرعة التصديق.٧٣ فما هي الشواهد التي أقنعَت أرسطو بأن السائل المنوي للشباب، فيما بين سن البلوغ وسن العشرين خالٍ من التخصيب …؟ وأن الشباب من الرجال والنساء يَنسُلون ذريةً ناقصةً وأصغر من الحجم العادي؟
وأنه إذا حدث الحيض ثلاث مرات في الشهر دلَّ ذلك على أعراضٍ للرغبة الجامحة المفرطة؟٧٤
وفضلًا عن ذلك كله، فقد كان أرسطو يؤمن إيمانًا راسخًا بالقاعدة السبعية التي تقول إن كل شيءٍ يسير في سبعة أدوار؛ فللإنسان سبعة أعمار، ولكلٍّ منها سبعة أعوام.٧٥ ومن ثَم فمن يُرِد أن يفهم الطبيعة فهمًا جيدًا فلا بد أن يتحقق من أن السائل المنوي سيكون ضعيفًا في الفترة من سن ١٤ (دورتَين) إلى سن ٢١ (ثلاث دورات)؛ لأن الإخصاب في هاتَين الفترتَين يتعارض مع القاعدة السبعية.٧٦

ويلخِّص جورج سارتون ما وقع فيه أرسطو من أخطاءٍ في البيولوجيا في ثلاثةِ أخطاءٍ فادحة هي:

  • الخطأ الأول: أخطأ في قوله: إن الذكر لا يُمِد الأنثى بشيءٍ ملموس في عملية التلقيح. وفي قوله: إن الحيوانات المنوية إنما تُحدِث الصورة في دماء الحيض، وهي مادةٌ غيرُ مشكَّلة، خطأ مؤداه أن السائل المنوي خِلْو إلا من روح لا مادة له. وطبيعيٌّ أن أرسطو لم يتبيَّن وجود الحيوانات المنوية.
  • الخطأ الثاني: أضلَّه بعض ما شاهده من أحوال الحيوانات المخصيَّة، فلم ينسب إلى الخصية وظيفتَها الصحيحة.
  • الخطأ الثالث: خاص برأس الدودة الشريطية.٧٧ وهو خطأ ربما يخرج عن موضوعنا، لكن من الأخطاء التي ترتبط بموضوعنا، وهي كثيرة جدًّا، قوله إن الصلَع لا يصيب النساء، ولا يكون الصبي أصلع الرأس ولا المرأة، ولا أحدٌ ممن يُخصى (تاريخ الحيوان، ٦١٨-أ) وهو يستنتج من ذلك دونية النساء لأنهن أشبه بالأطفال الغلمان. وقوله: إن للنساء أسنانًا أقل من الرجال (تاريخ الحيوان، ٥٠١-ب) ولقد سَخِر منه برتراند راسل بقوله: إن أرسطو لم يكن من الممكن أن يرتكب أبدًا مثل هذا الخطأ لو أنه طلب من زوجته أن تفتح فمَها لحظةً واحدة! وقوله إن الأنثى هي ذكر بلا أعضاءٍ جنسية؛ أي بغير قضيب توالُد (٧٢٨أ) فهي ذكرٌ ممسوخٌ ومشوَّه (توالد الحيوان ٧٣٧-أ)، وإن كان البعض يرى أن في ذلك استباقًا لنظرية فرويد S. Freud (١٨٥٦–١٩٣٩م)، عن فقدان القضيب لدى المرأة!٧٨
١  جورج سارتون، «تاريخ العلم»، ج٣، ص١٥٢، دار المعارف.
٢  قارن أيضًا ما يقوله ول ديورانت: «أما علم الأحياء فهو ميدان أرسطو؛ فهو واسع الملاحظة، عظيم الاطلاع، وفيه أيضًا يرتكب أكثر الأغلاط» (قصة الحضارة، مجلد ٧، ص٤٩٩).
٣  W. D. Ross: Aristotle, p. 12. Meridian Book, N.Y. 1959.
٤  «دارون: حياته ورسائله»، نقلًا عن كتاب روس السابق، ص١٢. وقد ذكر العبارةَ نفسَها جورج سارتون في «تاريخ العلم»، ج٣، ص٢٧٧. أما العالمان فهما كارلوس ليتيس (١٧٠٧–١٧٧٨م) عالم نبات سويدي، يُعَد مؤسِّس علم النبات. أما البارون كوفييه (١٧٦٩–١٨٣٢م) فهو عالمٌ فرنسي يُعَد مؤسِّس علم التشريح المقارن.
٥  ول ديورانت، «قصة الحضارة»، مجلد ٧، ص٥٠٤.
٦  ولهذا السبب فقد كان أرسطو يعرف عن الأعضاء الداخلية للحيوان أكثر مما يعرفه عن الإنسان. ويلُوح أنه لا هو، ولا أبقراط، قد تحرَّر من سلطان الدين، فأقدَم على تشريح الأجسام البشرية (ول ديورانت، مجلد ٧، ص٥٠٣).
٧  كان لهذه المؤلفات تأثيرٌ قوي على التراث العربي، ولا سيما عند الجاحظ، وابن قتيبة، والنويري في «نهاية الأرب»، والدميري في «حياة الحيوان» … إلخ. انظر مثلًا منقولات الجاحظ عن أرسطو في كتابه «الحيوان»، نصوص ودراسة، بقلم د. وديعة طه نجم، منشورات معهد المخطوطات العربية بالكويت، عام ١٩٨٥م.
٨  W. D. Ross, Aristotle, p. 112.
٩  ول ديورانت، «قصة الحضارة»، مجلد ٧، ص٤٩٩.
١٠  Aristotle: The Complete Works, vol. I, p. 922.
١١  Ibid..
١٢  J. H. Randall: Aristotle, p. 46.
١٣  Ibid..
١٤  Lynda Lange: Discovering Reality, p. 7.
١٥  لا بد أن نشير إلى أن أرسطو يستخدم باستمرار كلمة النفس Anima، لكن ربما كانت كلمة «الروح» هنا أكثر تعبيرًا عن المعنى المقصود.
١٦  لأنه كان يعتقد، كما أشرنا، أن كمية الحرارة هي المعيار الذي يرفع الكائن في سُلَّم الوجود، فإن نقصَت كان موجودًا أدنى، وهي بالطبع فكرةٌ خاطئة.
١٧  G. Bachelard, La Formation de L’Esprit Scientifique, p. 18.
١٨  Ibid..
١٩  F. Bacon, The New Organon, p. 45, ed. by Fulton H. Anderson, The Bobbs-Merrill Company 1960.
٢٠  W. D. Ross, Aristotle, p. 117.
٢١  Ibid..
٢٢  Aristotle: Generation of Animals 7—A Susan Okin, Women in Western.
٢٣  Political Thought, p. 81.
٢٤  وانظر أيضًا قوله في عبارةٍ بليغةٍ ومُوجَزة: «لما كانت العلَّة الفاعلة أفضل وأكثر قداسة من المادة التي تعمل عليها، فمن الأفضل أن يكون المبدأ الأعلى والمتفوق منفصلًا عن الأدنى؛ ومن ثم فلا بد أن ينفصل الذكر عن الأنثى كلما كان ذلك ممكنًا» (توالد الحيوان، ٧٣٢-أ، المجلد الأول، من مجموعة المؤلفات الكاملة لأرسطو، نشرة بارنز السالفة الذكر، ص١١٣٦).
٢٥  Aristotle: Generation of Animals, 732-A.
٢٦  Aristotle: History of Animals, 588-A.
٢٧  هذا الربط كان قائمًا في الفكر اليوناني، والروماني بعد ذلك، وهو ما يوضِّحه أن كلمة النفس اللاتينية Anima هي التي جاءت منها كلمة الحيوان في اللغات الأوروبية الحديثة = الإنجليزية والفرنسية Animal.
٢٨  أرسطو، «في النفس»، ٤١٥م، وص٥٣-٥٤، من ترجمة الدكتور أحمد فؤاد الأهواني.
٢٩  Aristotle: Generation of Animals, 719-A.
٣٠  كان عالم الفسيولوجيا الإنجليزي وليم هارفي (١٥٧٨–١٦٥٧م) طبيبًا للملك شارل الأول، وقد قام بتشريح مجموعة من إناث الظباء في مراحلَ مختلفة عقب الجماع، فلم يجد كتلة الدم المتوقعة، ولا منيًّا أو بذرة، مما سبب إرباكًا شديدًا لهارفي نفسه؛ ذلك لأن «البويضة» التي تفرزها الحيوانات الثديية لم يكن قد تم اكتشافها بعدُ (إذ لم تُكتشَف إلا بعد وفاة هارفي بمدةٍ طويلة). ونحن نعرف الآن أن دماء الطمث هي مرحلة في الدورة الجنسية، وهي مرحلة تعقب عادةً مرحلة التحرر الدوري للبويضة من المبيض والتحامها بجدار الرحم في حالة الإخصاب (راجع تعليقات Peck في ترجمته لكتاب توالد الحيوان، لأرسطو، ص١٠١ Aristotle: Generation of Animals, Trans. by A. L. Peck, Harvard University 1942). وتقول سيمون دي بوفوار: إن هارفي أجرى مجموعةً أخرى من التجارب على إناث الكلاب بعد عملية الجماع فوجد عند عنق الرحم حبيبات ظنها بويضات لكنها كانت أجنة حقيقية (ص٤٠ من كتابها “The Second Sex” p. 40. Penguin Books).
٣١  Aristotle: Generation of Animals, 799-A.
٣٢  راجع في ذلك كله «توالد الحيوان»، ٧٢٩-ب و٧٣١-أ (والمجموعة الكاملة لمؤلفات أرسطو، المجلد الأول، ص١١٣٥).
٣٣  المرجع ذاته، ٧٦٦-أ.
٣٤  Aristotle: Generation of Animals, 730-B.
٣٥  معنى ذلك أن الذكر لا يقدِّم شيئًا ماديًّا في عملية التناسل بل «روحيًّا». ولقد استخدم القديس توما الأكويني هذه النظرية الأرسطية التي تقول: إن الذكَر لا يقدِّم «مادة» من أجل تكوين جسم الجنين في الدفاع عن فكرة ميلاد المسيح من العذراء (ألفرد تيلور، «أرسطو»، ص٩٢، ترجمة د. عزت قرني، دار الطليعة، بيروت، عام ١٩٩٢م).
٣٦  Aristotle: op. cit..
٣٧  Aristotle: Generation of Animals, 764-A.
٣٨  W. D. Ross: Aristotle, pp. 121-122.
٣٩  Aristotle, op. cit. 767-B.
٤٠  W. D. Ross: Aristotle, p. 122.
٤١  Ibid..
٤٢  واضحٌ أن هذه إشارة إلى ما يُسمَّى بإفراز المهبل، وهو إفرازٌ طبيعي، قارن توالد الحيوان ٧٣٩–أ. وكذلك ٧٣٧-أ. لكن يبدو أن الجزء الأخير من العبارة يصف السيلان الأبيض المهبلي وهو يدخُل في علم الباثولوجي (علم الأمراض)، ومن الواضح أن هناك خلطًا بين الاثنَين، قارن ترجمة بيك A. L. Peck من طبعة جامعة هارفارد Harvard University ص١٠٢ وما بعدها في سلسلة لويب Loeb. قارن أيضًا المجلد الأول من مجموعة مؤلفات أرسطو، ص١١٤٣ وما بعدها، وكذلك ص١١٤٦-١١٤٧ من نشرة بارنز J. Barnes السالفة الذكر.
٤٣  Aristotle: Generation of Animals, 739-B.
٤٤  «تخيَّل أرسطو أن الجنين ينشأ من اتحاد الحيوان المنوي مع دماء الطمث، وأن المرأة لا تزوِّده إلا بالمادة السلبية فحسب، بينما يزوِّده الذكَر بالقوة والحركة والحياة والنشاط. وقد أخذ أبقراط بنظريةٍ مماثلة فاعترف بوجود نوعَين من البذور، بذور ضعيفة عند الأنثى، وبذور قوية عند الذكَر، ولقد ظلت نظرية أرسطو مسيطرةً طوال العصور الوسطى والعصور الحديثة.»، ص٤٠. Simone de Beauvoir: The Second Sex, p. 40. Eng. Trans. by H. M. Parshley, Penguin Books.
٤٥  Lynde Lange: Woman is Not a Rational…, p. 11 in Discovering Reality.
٤٦  Aristotle: Generation of Animals, 767-B.
٤٧  Ibid., 585-B.
٤٨  Lynda Lange: op. cit. p. 11.
٤٩  Ibid., p. 12.
٥٠  Aristotle: Generation of Animals, 721-B.
٥١  Ibid..
٥٢  Lynda Lange: Woman is Not a Rational Animal, p. 11.
٥٣  قارِن الحُجَج الأربعة التي يسوقها في توالد الحيوان ٧٢١-ب (المجلد الأول من المؤلفات الكاملة، ص١٢٠ أو ما بعدها).
٥٤  J. H. Randall: Aristotle, p. 238 (Columbia University 1968).
٥٥  Aristotle: Generation of Animals, 728-A.
٥٦  Simone de Beauvoir: The Second Sex, p. 38.
٥٧  Aristotle, op. cit. 766-A.
٥٨  Ibid., 767-A.
٥٩  Ibid., 767-B.
٦٠  Ibid..
٦١  قارن مقالنا «ذكر وأنثى»، في كتابنا «أفكار ومواقف»، مكتبة مدبولي، القاهرة.
٦٢  Aristotle: Generation of Animals, 726-B. Aristotle: Parts of Animals, G 43-A.
٦٣  وقارن الترجمة العربية القديمة ليوحنا البطريق، التي نشرها الدكتور عبد الرحمن بدوي، بعنوان «أجزاء الحيوان»، ص٧١-٧٢، وكالة المطبوعات بالكويت، عام ١٩٧٨م.
٦٤  Aristotle: Generation of Animals, 728-A. (Complete Works, vol. 1. p. 1130).
٦٥  Lynda Lange, op. cit. p..
٦٦  «مقومات العلم الأرسطي …»، مقال في مجلة نوس، عدد ٦، ص٥٥، ٦٩ (نقلًا عن ليندا لانج). The Ingredients of An Aristotelian Science, Nous, 6, pp. 55–59.
٦٧  Quoted by Simone de Beauvoir in “The Second Sex” p. 24. Trans. by H. M. Parshley, Penguin (Classics Books, 1953).
٦٨  Lynda Lange, op. cit. p. 7.
٦٩  امتدت فكرة أرسطو حتى العصور الحديثة حتى إن إعجاب نيتشه Nietzsche (١٨٤٤–١٩٠٠م) بالحضارة اليونانية يُعَد انعكاسًا لها؛ ومن هنا جاء قوله: «ليس للمرأة رسالةٌ أخرى سوى إنجاب طفلٍ جميلٍ قوي تعيش فيه شخصية الأب على نحوٍ لا ينقطع بقَدْر الإمكان» (أمور إنسانية، إلى أقصى حد، ص٢٣٨).
٧٠  كانت هذه النظرة التي سادت عصر أرسطو بصفةٍ خاصةٍ حتى أطلقَت إيفا كيولز Eva Keuls على العصر الكلاسيكي في أثينا اسم «عهد القضيب»، انظر كتابها Eva Keuls “The Reign of the Phallus” University of California Press, 1993.
٧١  لا تزال العامة في بلادنا تجعلهما مترادفَين، بل قد تجعل من كلمات ذكَر، وقضيب، وبشَر مترادفات!
٧٢  Lynda Lange, op. cit. p. 12.
٧٣  A Philosophical Dictionary of Biology, p. 27, ed. by P. B. Medawar, Weidenfeld, London 1984.
٧٤  Ibid., p. a7.
٧٥  قارن ذلك بما تقوله العامة من أن لبعض الحيوانات — كالقط وغيره — سبعة أرواح!
٧٦  Philosophical Dictionary of Biology, p. 28.
٧٧  جورج سارتون، «تاريخ العلم»، المجلد الثالث، ص٢٧٠، ترجمة لفيف من العلماء، دار المعارف بمصر.
٧٨  Eva C. Keuls: “The Reign of Phallus: Sexual Politics in Ancient Athens” p. 145, University of California Press, 1993.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥