تمهيد

لم يمر وقت طويل على تسلُّمي منصب أستاذ الاقتصاد التجاري والقانون التجاري — الذي اختُصر لاحقًا إلى أستاذ علم الاقتصاد — في جامعة إدنبرة، حتى تلقَّيتُ دعوةً لعقد ندوة في جامعة هارفارد عام ١٩٥٨، وكان ذلك بعد فترة وجيزة من صدور كتاب «مجتمع الوفرة» لكينيث جالبريث، وكان هذا الكتاب يحتوي على بعض كلمات الثناء بحق آدم سميث. كان جالبريث من الشخصيات التي كثُر عليها الطلب لإلقاء الأحاديث وعقد المقابلات في تلك الأيام؛ ولذلك اعتقد أحد أصدقائي في هارفارد بأنه حقَّق «إنجازًا» نوعًا ما حين رتَّب أمر لقائي به على مأدبة غداء. ولتلطيف الأجواء، سألني صديقي: «آلان، ماذا يبدو عليه الحال عندما تكون متربِّعًا على أهم كرسي للاقتصاد في العالم؟» أُصِبْتُ بالحيرة، ثم ذكرت له أن شركة ميرشانت كومباني أوف إدنبرة قد أسست هذا الكرسي في الأصل، وقدَّمت التمويل له عام ١٨٧٠ بسبب الاعتقاد السائد بأن الاقتصادي قادر على التنبؤ بمسار الدورات الاقتصادية. وهنا أدلى جالبريث بدلوه فقال: «لكنك تجلس على كرسي آدم سميث.» فأجبته: «آسف، لكنك أخطأت في الجامعة، والمادة، والقرن.» (فكلنا نعلم أن آدم سميث كان أستاذًا للمنطق، ثم أستاذًا لفلسفة الأخلاق في جامعة جلاسكو.) وهكذا لم تثمر المأدبة عن نتائج مُرضية …

أشعر بشيء من الندم على كشفي لجهل جالبريث؛ لأن آدم سميث كان على أي حال وثيق الصلة بجامعة إدنبرة، حتى وإن لم يتسلَّم أي منصب أكاديمي فيها. لقد دُفِن آدم سميث في إدنبرة، ويوجد بالجوار تمثاله الأول منتصبًا في اسكتلندا تكريمًا لذكراه، وذلك بفضل الجهود الهائلة التي بذلها معهد آدم سميث، وخصوصًا جهود إيمون باتلر الذي كتب هذا المدخل الرائع إلى فكر آدم سميث. يُضاف إلى ذلك أنني، كالعديد ممَّن عبَّروا عن معرفتهم وإعجابهم واهتمامهم الخاص بما جاء به سميث — باعتباري اسكتلنديًّا — كنت أميل إلى تركيز انتباهي على ما ورد في كتابه «ثروة الأمم»؛ ولذلك فشلت فشلًا ذريعًا في إدراك أن كتابه «نظرية المشاعر الأخلاقية» يشكِّل حجر الأساس، لا لمفهومه عن الأخلاق فحسب، وإنما لتحليله للآراء حول إدراك الأفراد لما يُفترض وما يجب فعله في معاملاتهم اليومية بعضهم مع بعض.

يتناول هذا الكتاب التمهيدي العديدَ من القضايا، وكم أضافَتْ إليه تلك المقدمة البارعة التي وُفِّقَ في تأليفها البروفيسور كينيدي. وتكفي الإشارة إلى أن الكتاب يشير بوضوح إلى أنه لم يكن هناك في الحقيقة أي «مشكلة تخص آدم سميث» في التوفيق بين فلسفته الأخلاقية وتحليله الاقتصادي، وهذا يكذِّب الخرافة السائدة بأنه كان برجوازيًّا يختلق الأعذار ﻟ «الرأسمالية» والتربح الاستغلالي (بَيْدَ أن كلمة الرأسمالية لم تُذكَر قطُّ في أعمال سميث). وهذا يشرح جزئيًّا أحد المميزات غير الاعتيادية لهذا الكتاب، وهو التركيز المكثَّف على تفسير آراء سميث حول الأساس الأخلاقي للفعل البشري الوارد في كتاب «نظرية المشاعر الأخلاقية»؛ مما يقدِّم تبريرًا لادعاء دكتور باتلر بأن سميث يجب أن يُنظر إليه باعتباره مختصًّا في علم النفس الاجتماعي في المقام الأول.

إن ما ورد يكفي للدلالة على أن هذه الدراسة التي أتاحها دكتور باتلر بين يديك ليست مجرد عرض ماهر لما عُرِف عن حياة سميث وعصره، وإنما تحتوي أيضًا على التفاتات مهمة يقدِّر قيمتَها المختصون. وإلى هنا تكتمل مهمتي الممتعة، فأنا لا أرغب في أن أؤخر استمتاع القارئ بهذا الكتاب مثلما استمتعت به شخصيًّا.

آلان بيكوك
أستاذ التمويل العام المتقاعد
كلية إدنبرة لإدارة الأعمال
جامعة هيريوت-وات

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤