مفتتح

سفر التكوين هو قصة البداية،
أو هو سفر الحكاية الأولى …

أو هو رواية المجتمع الإنساني مُذ كان تجمُّعًا، في البدء وكيف كان؟ إلى أن بلغت الرواية اكتمال نُضجها مع قمة تطور السلطة في المجتمع الإنساني. وعندما يحدُث التطور الجديد الآتي، فلن يكون ثمَّة حاجة للرواية، التي رُفعت من زمن بعيد لِعالم مُفارق، كمرآة للواقع الأرضي.

فعندما كان المجتمع في الابتداء مشاعًا، كانت أرباب السماء في مُتعة الشيوع تمرَح، وعندما تحوَّل المجتمع الأرضي إلى مُشتركات ترأسُها مجامع ديمقراطية بدائية، أصبح للآلهة ذاتُ المجامع، لكن لُتقرِّر للبشر على الأرض المصائر، وعندما تمَّ تقسيم العمل على الأرض، تحوَّل مجتمع السماء إلى آلهة شغِّيلة، وآلهة للتفكير والتدبير.

وعندما تمكن الإنسان من الابتكار وصُنع جديد، لم يكن من قبل كائنًا، تمكَّنت آلهة السماء من الخلق والتكوين، وعندما تمركزت السلطة على الأرض في يد ملكٍ على رأس دولة مركزية، وأصبحت كلمة الملك نافذةً لا تقبل الإرجاء، قيل إنه في البدء كانت الكلمة. رغم أنه في البدء كان المشاع، والفعل بلا كلام، فلم يكن ثمَّة لغة بعد.

وما كتابُنا هذا إلا شرحٌ لذاك.

وما كشُوفنا فيه إلَّا ناتج قراءة غير مقلوبة لأوضاعٍ مقلوبة، ورؤية غير مُعتادة لرؤًى معتادة، وربطٌ للأرض بالسماء، وتسجيل لأثَر الإنسان القدسي ووَحيِهِ الصاعد على مِعراج حركة المجتمع البشري.

وإذا وَجد قارئنا في تلك المقدمة العَجلى لُغزًا، فما عليه إلا أن يُشمِّر عن همَّتِه ليتابع معنا الحل في صفحات الكتاب.

سيد محمود القمني

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤