تصدير

كما صدر من «النص إلى الواقع» في جزأين،١ الأول «تكوين النص» والثاني «بنية النص»، لإعادة كتابة الرسالة الرئيسة لدكتوراه الدولة بعد أربعين عامًا تقريبًا،٢ تصدر اليوم الرسالة التكميلية أيضًا في جزأين؛ الأول «تأويل الظاهريات: الحالة الراهنة للمنهج الظاهرياتي وتطبيقه في ظاهرة الدين»،٣ والثاني «ظاهريات التأويل: محاولة لهرمنيطيقا وجودية للعهد الجديد». فقد صدر الأول عام ١٩٦٥، والثاني عام ١٩٦٦. وتمَّت مناقشة الرسالتَين في نفس العام بعد طباعة الأولى طبقًا لقانون الجامعة الجديد، ضرورة طبع الرسالة الرئيسية قبل مناقشتها، وكتابة مراجَعتَين حولهما من متخصصين في المجلات العلمية، وهو القانون الذي أُلغي بعد مظاهرات الشباب في مايو ١٩٦٨م، ثم أُلغيت دكتوراه الدولة كليةً بعد ذلك، وانقسمت إلى عدة مراحل دكتوراه السلك الثالث أولًا، ثم تغيَّرت إلى دكتوراه النظام الجديد، كمرحلة أولى، بعدها تأتى مرحلة ثانية، وكلاهما يعادل دكتوراه الدولة القديمة. وهو أشبه بالنظام الشائع، الماجستير أولًا ثم الدكتوراه ثانيًا تخفيفًا على الطلاب من القفز إلى دكتوراه الدولة مباشرة. وقد استغرق الأمر عشر سنوات لإنهاء الرسالة الأولى والرسالة الثانية، وتمَّت مناقشتهما معًا وفي نفس الجلسة، السبت ١٨ / ٦ / ١٩٦٦م بعد الظهر من الواحدة حتى السابعة مساءً، أمام خمسة أعضاء؛٤ اثنان للرسالة التكميلية، وثلاثة للرسالة الرئيسية.٥
«من النص إلى الواقع» ليس ترجمة للرسالة الرئيسية Les Methodes d’Exégèse، بل إعادة دراسة للموضوع كليةً؛ فما كان متاحًا من متونٍ أصولية منذ أربعين عامًا كان لا يتجاوز الخمسين، والآن زاد على المائتين. الروح واحدة، والبنية الثلاثية — الوعي التاريخي، الوعي النظري، الوعي العملي — واحدة، والقصد واحد، ولكن لم تحدث ترجمة بالمعنى الدقيق؛ أي نقل العبارة الفرنسية إلى عبارة عربية، بل وضع نص عربي جديد. وتضخَّم الكمُّ بحيث تحوَّل الأصل الفرنسي «مناهج التأويل» إلى جزأين؛ «تكوين النص» و«بنية النص».

أما في «تأويل الظاهريات» و«ظاهريات التأويل»، فقد كان النص العربي أقرب إلى النص الفرنسي دون أن تكون ترجمةً حَرفية، بل إعادة صياغة وتفسير وتأويل، وظل جزأين مثل النص الفرنسي، وبقيت هوامشه باستثناء إضافة فقرة أو فقرتَين عندما كان المعنى مركزًا للغاية.

والحقيقة أن ثلاثية الشباب، «مناهج التأويل» و«تأويل الظاهريات» و«ظاهريات التأويل»، هي الجبهات الثلاث في مشروع «التراث والتجديد»، الذي أعلن بعد ذلك في ١٩٨٠م موقفنا من التراث القديم، موقفنا من التراث الغربي، موقفنا من الواقع أو نظرية التفسير. «مناهج التأويل» هي موقفنا من التراث القديم لإعادة بناء العلوم الإسلامية القديمة ابتداءً من تحديات العصر، وبدايةً بعلم أصول الفقه في «من النص إلى الواقع»، ثم علم أصول الدين في «من العقيدة إلى الثورة»، ثم علوم الحكمة في «من النقل إلى الإبداع»، ثم في علوم التصوف في «من الفناء إلى البقاء»، ثم في العلوم النقلية الخمسة، القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه، في «من النقل إلى العقل».

و«تأويل الظاهريات» هي موقفنا من التراث الغربي بدايةً بدراسة الوعي الفردي الذي أسَّسه ديكارت، والوعي الجماعي الذي أكمله هوسرل في «أزمة العلوم الأوروبية»، وصدر بيانها التأسيسي في «مقدمة في علم الاستغراب»، المشروع والتطبيق المبدئي، وتوالت الترجمات والدراسات في الفلسفة الغربية انتظارًا لصياغة ثانية لعلم الاستغراب في «الوعي الأوروبي: التطور والبناء».

و«ظاهريات التأويل» هي الجبهة الثالثة، «موقفنا من الواقع أو نظرية التفسير»، بدايةً بالصلة بين النص والواقع في العهد الجديد باعتباره نصًّا دينيًّا مقدَّسًا، يتلوه العهد القديم ثم القرآن في «المنهاج»، حيث يتم عرضُه موضوعيًّا في ثلاث دوائر متداخلة: الوعي الفردي، الوعي الاجتماعي، الوعي بالعالم.

كانت الرسالة في البداية جزءًا واحدًا «من تأويل الظاهريات إلى ظاهريات التأويل»؛ أي دراسة التأويل بمنهج ظاهراتي. كانت الظاهريات هي المنهج، والتأويل هو الموضوع، ثم تضخَّمت المقدمة التي تتناول المنهج الظاهرياتي حتى أصبحت جزءًا مستقلًّا في تأويل الظاهريات.

وكانت المقدمة تشمل ثلاث مقدمات؛ الأولى: المنهج الظاهرياتي (ملاحظات أولية)، تشمل لغة الظاهريات، وقواعد المنهج الظاهرياتي، والظاهريات الساكنة والظاهريات الحركية، والظاهريات النظرية والظاهريات التطبيقية. والثانية: المنهج الظاهرياتي، محاولة للفهم والتكوين والتفسير. والمقدمة الثالثة: المنهج الظاهرياتي وتطبيقه في الظاهرة الدينية، وتشمل فلسفة الدين، وظاهريات الدين، وظاهريات التأويل.

والآن قسَّمت الرسالة إلى أبواب وفصول؛ فالمقدمات الثلاث أصبحت أبوبًا ثلاثة؛ الأول: المنهج الظاهرياتي (ملاحظات أولية)، ويضمُّ خمسة فصول طبقًا لتقسيمٍ كمِّي خالص. الأول: اللغة، والقواعد، والحركة. والفصل الثاني: الظاهريات النظرية والظاهريات التطبيقية. والفصل الثالث: التطور الأخير، والحالة الراهنة. والفصل الرابع: الدراسات الثانوية، والظاهريات النظرية. والفصل الخامس: تفسير الظاهريات.

والباب الثاني: المنهج الظاهرياتي: محاولة للفهم والتكوين والتفسير. ويضمُّ ثلاثة فصول؛ الأول: فهم الظاهريات. والثاني: تكوين الظاهريات. والثالث: تأويل الظاهريات.

والباب الثالث: ظاهريات الدين. ويضمُّ أيضًا ثلاثة فصول؛ الأول: فلسفة الدين. والثاني: ظاهريات الدين. والثالث: ظاهريات التأويل.

ويمكن اعتبار «ظاهريات التأويل» الجزء الثاني من «مناهج التأويل»؛ الأول نقطة تطبيق ثانية للتأويل في نصوص العهد الجديد، في حين أن الثاني نقطة تطبيق أولى في النص القرآني ونص الحديث. أما «تأويل الظاهريات» فهي المقدمة المنهجية للاثنين معًا، تَعرِض المنهج الظاهرياتي الذي تم تطبيقه في «مناهج التأويل» على نحوٍ غير مباشر ودون الإعلان عنه؛ حتى يظل الموضوع والمنهج نابعَين من حضارةٍ واحدة، هي الحضارة الإسلامية، ثم تطبيقه في «ظاهريات التأويل» على نحوٍ مباشر وبالإعلان عنه؛ حتى يظل الموضوع والمنهج نابعَين أيضًا من حضارة واحدة، هي الحضارة الغربية.

١  من النص إلى الواقع، ج١ تكوين النص، مركز الكتاب للنشر، القاهرة ٢٠٠٣م؛ ج٢ بنية النص، مركز الكتاب للنشر، القاهرة ٢٠٠٤م.
٢  Les Méthodes d’Exégèse, essai sur la science des fondements, de la compréhension Ilm usul al-Fiqh, Le Caire, 1965.
٣  L’Exégèse de la Phénoménologie, l’etat actuel de la Méthode Phénoménologique et son application an phénomène religieux, Paris, 1966, Dar al-Fikr al-Arabi, Le Caire 1976. La Phénoménologie de L’Exégèse, essai d’une Herméneutique existentielle à partir du Nouveau Testament, Paris, 1966, Dar al-Fikr al-Arabi, Le Caire, 1987.
٤  أشرف على الرسالة الرئيسية روبير برنشفيج أستاذ الدراسات الإسلامية ومدير معهد الدراسات الإسلامية في السربون. وكانت البداية مع هنري كوربان الذي أراد أن تكون الرسالة عن «التأويل في الفكر الشيعي»، وكان يجمع بين هيدجر ويونج والباطنية، ولم يستطِع الإشراف الرسمي نظرًا لأنه كان مدير الدراسات في المدرسة العليا للدراسات التطبيقية التي لا تعطي شهادات، بل تقوم بالبحث العلمي فحسب L’Ecole des Hautes Etudes Pratiques. وفي نفس الوقت اقترح ماسنيون «مناهج التأويل في علم أصول الفقه» ما دامت أريد أن أقيم منهجًا إسلاميًّا عامًّا، وهي خطة البحث بعنوان La Méthode Islamique Générale. وكان له صورتان؛ ثابتة تشمل التصور والنظام، ومتحركة وتشمل الطاقة والحركة. واستغرب ماسنيون عن عدم دراستنا في قسم الفلسفة بجامعة القاهرة علم أصول الفقه بالرغم من تنبيه مصطفى عبد الرازق على ذلك، وحذَّرني من كوربان بأنه «شيعي» وأنا «سني»، ولم يستطِع الإشراف رسميًّا لأنه كان أستاذًا بالكوليج دي فرانس التي تقوم بالبحث العلمي للعلم، ولا تعطي شهادات. وطلب من برنشفيج القيام بالمهام الإدارية نيابةً عنه. كان برنشفيج مستشرقًا أكثر منه فيلسوفًا، وكذلك كان لاوست الذي خلف ماسنيون في الكوليج دي فرانس. يعرفون «المادة» الإسلامية ولكنهم لا يعرفون تأويلاتها الفلسفية. وكان الفلاسفة الخُلَّص، مثل جان فال وبول ريكير وجان جيتون وجانكليفتش، يعرفون التأويلات الفلسفية ولكنهم لا يعرفون «المادة الإسلامية»، وقد أسرَّ أحدهم: «يا أستاذ حنفي أنت تجمع بين ثقافتَين، ولا يستطيع أحد أن يُشرِف عليك إلا رينان.»
٥  كان الأعضاء الخمسة هم: روبير برنشفيج المُشرِف الرسمي على الرسالة، هنري لاوست من المستشرقين، دي جان ياك الذي كان أستاذًا للفلسفة في العصر الوسيط، وكان ينظر للدراسات الإسلامية على أنها جزء منها نظرًا لسيادة التحقيب الثلاثي الأوروبي؛ قديم، وسيط، حديث. للرسالة الرئيسية «مناهج التفسير» بول ريكير، المشرف الرسمي على الرسالة الثانية «من تأويل الظاهريات إلى ظاهريات التأويل» جان جيتون، أستاذ تاريخ الفلسفة والفلسفة والمتخصص في الفكر المسيحي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤