ثالثًا: التأويل الديني١

ويلمس التأويل الحضاري للظاهريات التأويل الديني؛٢ فالتأويل الحضاري ليس إلا مدخلًا للتأويل النهائي للظاهريات، وهو التأويل الديني، والأخلاق ليست إلا تحولًا إنسانيًّا للدين، وبالرغم من أن الإحالة إلى التأويل الديني في الظاهريات ليس شائعًا، ومع ذلك هو تأويل حاسم؛ فالمشاكل الأخلاقية والدينية موجودة في المجتمع، ومشاكل الواقع الحادث، الميلاد، والموت، والمصير، والحياة القويمة، هي أيضًا مشاكل الذاتية المشتركة كتجربة فريدة.٣ الدين نواة الحضارة؛ فقد «تحول الإيمان الديني في بداية فجر العصور الحديثة تدريجيًّا إلى اتفاق خارجي، إيمان جديد يكشف عن إنسانية عاقلة، الإيمان بفلسفة وبعلم مستقلين.»٤ هنا تشير الظاهريات إلى «التشكل الكاذب» في بداية العصور الحديثة بين الدين والفلسفة؛ فالذاتية الترنسندنتالية، مشروع النهضة، عود إلى الوحي. «الكوجيتو» في العصور الحديثة اكتشاف للإيمان المفقود داخل ميراث العصر الوسيط، والشعور الذي تم إبرازه في العصور الحديثة ليس إلا تصحيح انحراف منذ الإعلان عن «البشارة الطيبة» حتى القصور الحديثة، وقد تم اكتشاف الذاتية الترنسندنتالية بالنشاط التأملي الإنساني والاكتشاف التلقائي لنفس الحقيقة المعطاة سلفًا في الوحي، وإذا كانت الظاهريات عودًا إلى الذات الخالص، وهو مشروع النهضة، فإن ذلك يعني أنه عود إلى الوحي الذي أعيد اكتشافه بالجهد الإنساني في العصور الحديثة، وإذا أخذت الظاهريات كمنهج للبحث في الظاهرة الدينية فإن ذلك لم يكن مصادفة؛ فالظاهريات التي اكتمل فيها مشروع النهضة هي الوحي نفسه الذي أعيد اكتشافه مرتين؛ الأولى في بدايات العصور الحديثة باكتشاف «الأنا أفكر» «الكوجيتو»، والثانية في العصر الحاضر باكتشاف مضمون الشعور «الأنا مفكر فيه»، واكتشاف الذاتية في العصور الحديثة هو في الواقع عود إلى الإنجيل في صورة عقلية آتية من العقلانية القديمة، وأعيد التعبير عن شمول الوحي كمضمون بشمول العقل كصورة لغوية. الوعي الأوروبي وريث الوعي اليهودي المسيحي، ومادية الوعي اليهودي والروماني أصل مادية الوعي الأوروبي. ترجع مادية الوعي اليهودي إلى العهد القديم، بينما ترجع مادية الوعي المسيحي إلى تاريخ الإمبراطورية الرومانية وإلى الوعي الأوروبي في أزمة العلوم الأوروبية، الدين كرؤية أسطورية عملية للعالم أدنى من العقلانية والهم النظري الخالص تصور يأتي من تاريخ الأديان، الظاهريات نفسها هي استمرار نقل الدين إلى المستوى الإنساني، وقد بدأ ذلك منذ النهضة، واكتمل في الظاهريات.
١  Ex. Phéno., pp. 436-7.
٢  J. Wahl: Du colloque Phénoménologique, Husserl: Cahier de Royanmont, p. 430. فيما يتعلق باعتراف هوسرل على لسان رومان انجارون «قد يكون» «الله» أساس كل هذا التأمل الهوسرلي. المجتمع Communauté. القويمة Authentique.
٣  Méd. Car., p. 133. فريدة Monadique.
٤  Ibid., p. 4..

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤