أولًا: المنهج الظاهرياتي كمنهج للإيضاح١

لقد تم عرض المنهج الظاهرياتي حتى الآن في لحظتين كبيرتين، «الرد» و«التكوين»، ونُسي تمامًا منهج «الإيضاح»، والمنهج الظاهرياتي هو أساسًا منهج للإيضاح، وهو أساس التكوين، ويظهر في أقوى أشكاله في «الرد». ليس ترتيب «الأفكار» إذَن هو الترتيب التصاعدي؛ الجزء الأول فالثاني فالثالث، بل الترتيب التنازلي؛ الثالث فالثاني فالأول. ويتابع منهج الإيضاح بدقةٍ درجات تكوين الموضوعات المرئية،٢ ولا يكون «التكوين» نفسه ممكنًا إلا بعد «الرد»؛٣ ومن ثَم فإن المنهج الاسترجاعي أو التراجعي هو أفضل طريقة لتكوين المنهج الظاهرياتي،٤ وبالتالي فإن اللحظات الثلاث للمنهج الظاهرياتي هي: أولًا «منهج الإيضاح»، ثانيًا «التكوين»، ثالثًا «الرد». ومنهج الإيضاح هو المقصد الداخلي للمجموع، وهو الوحيد الذي سُمي منهجًا.
وفي الجزء الثالث من «الأفكار» بعنوان «الظاهريات وأسس العلوم»، الفكرة الوحيدة التي سُميت منهجًا هي فكرة «الإيضاح»، و«منهج الإيضاح» هو آخر فصل فيه؛ ومن ثَم في كل الأجزاء الثلاثة، والواقع هو الفصل الأول في تكوين المنهج الظاهرياتي، ويمكن تفسير الجزء الثالث بطريقة تراجعية؛ فقد وُضع منهج الإيضاح خاصة لتحديد الصلة بين الظاهريات والأنطولوجيا والعلاقة بين علم النفس والظاهريات؛ فالواقع مكوَّن من عدة مناطق، وطبقًا للترتيب الطبيعي للفصول وُضع منهج الإيضاح في النهاية باعتباره الحل الأخير؛ إذ يتكون الواقع من مناطق عدة متضمنة في العلوم الثلاثة: علم النفس، والظاهريات، والأنطولوجيا. غاية منهج الإيضاح تحديد العلاقة بين هذه المناطق الثلاث للواقع، والعلاقة بين علومها المقابلة.٥
وعلاوةً على ذلك، ومن أجل تجنُّب كل سوء في فهم للمنهج الظاهرياتي، من الضروري أخذ «منهج الإيضاح» كمرشد؛٦ فقد أعلن صراحةً أن «منهج الإيضاح» وحده يمكن أن يكون نقطة البداية لكل تكوين ممكن للمنهج الظاهرياتي، وهو الذي يعطي الظاهريات حركاتها الفكرية وتمفصلاتها الداخلية.
ويُظهر «منهج الإيضاح» الحاجة إلى توضيح العلوم الدوجماطيقية، بل كل العلوم داخل الحضارة، والتي أنتجها خليط من الغريزة والحدس، وهو موجَّه ضد أحادية الطرف في العلوم التجريبية، ويقترح توجهات جديدة للفكر: التعميم، الرفع، التوسيع؛ من أجل إقامة المثال، كما يقترح توجهات في التاريخ، وقلب النظرة ضد قلب علوم الطبيعة، العود إلى الأصلي ضد الانحراف نحو التجريبية … إلخ. وبتعبير آخر يتضمن «منهج الإيضاح» كل عمليات التوجه في الفكر أو في الذاتية المشتركة.٧
والواقع أن «منهج الإيضاح» هو منهج للتمييز، وقد تم الإعلان عن ذلك بوضوح في «إيضاح وتوضيح» كفقرة أخيرة في الجزء الثالث من «الأفكار»؛ وبالتالي آخر تفكير في الأجزاء الثلاثة في مجموع «الأفكار»،٨ ويتم الإيضاح بين التصورات في حين ينشغل التوضيح بمضامين التصورات. يتعامل الإيضاح مع اللغة واللفظ والمعنى، في حين يذكر التوضيح حول الشيء ذاته. وباختصار ليس منهج الإيضاح فقط منهجًا للتوضيح، بل هو أيضًا منهج للتمييز، هو منهج للتمييز بين المعطيات المتوسطة.٩
ولا يكون التمييز فقط بين مستويين، بل قد يكون أيضًا بين ثلاثة مستويات أو أكثر، ومرة أخرى تشير التصورات التي يقوم «منهج الإيضاح» بتوضيحها إلى حضور الوعي بين عالمين. فتوجد ثلاثة أنواع من التصورات لتوضيحها؛ التصور الصوري، وتصور المنطقة (التصور الجهوي)، والتصور المادي.١٠ التصور الصوري مستقل تمامًا عن مضمونه المادي، في حين أن التصور الجهوي يلامس مضمونه كمنطقة أو جهة وليس كمادة، ليس التصور المادي إلا السمات الخاصة بالمضمون المادي.١١ وبإرجاع هذه المستويات للتصورات إلى العلوم الثلاثة: علم النفس، والظاهريات، والأنطولوجيا؛ يقابل كل تصور كل علم خاص. التصور المادي لعلم النفس، والتصور الجهوي للظاهريات، والتصور المنطقي الصوري للأنطولوجيا.
وقد تم تصور المناطق المختلفة للواقع طبقًا لتمييز بين ثلاثة مستويات: الشيء المادي، موضوع علم الطبيعة خاصةً الفيزيقا، والبدن موضوع علم البدن «السوماتولوجيا»، وأخيرًا النفس. موضوع علم النفس الذي يماس «السوماتولوجيا» ومع ذلك مستقل عنه؛ ومن ثَم يكوِّن الشيء والجسد والنفس ثلاث مناطق للواقع،١٢ وفي إيضاح العلاقة بين علم النفس والظاهريات، تُستخدم الظاهريات لرفع علم النفس التجريبي بإعطائه أساسًا أنطولوجيًّا، وخفض علم النفس العقلي بتحويل تصور النوع إلى تصور جهوي مع تمييز جذري بين الفيزيقا وعلم النفس بالنسبة للأنطولوجيا.١٣ وتتحدد العلاقة بين الظاهريات والأنطولوجيا بالعلاقة بين الماهية ومضمون الشعور. وإذا كانت الظاهريات علم الماهيات، فإن الأنطولوجيا علم مضمون الشعور الصوري؛١٤ ومن ثَم يبين تحليل الجزء الثالث من «الأفكار» أن فكرة الإيضاح هي فقط التي أطلق عليها اسم المنهج، ومنهج الإيضاح هو أساسًا منهج للتمييز، ولا يكون التمييز فقط بين مستويين بل قد يكون بين ثلاثة أو أكثر، وقد انتهى منهج الإيضاح إلى تكوين مناطق الوجود؛ مما يؤدي أيضًا إلى التكوين بالمعنى الدقيق.
وفي الجزء الثاني من «الأفكار» بعنوان «بحوث ظاهراتية للتكوين»، التكوين ممكن بفضل إيضاح الشيء المكوَّن، ويتم طبقًا لمنطق العلاقة بين المستويات المختلفة للوجود. وبالرغم من قلة ظهور لفظ «تمييز» في التكوين، تتم أغلب التحليلات ابتداءً من الواجهتين اللتين يكوِّنان الشيء موضوع التحليل، وينتهي إيضاح «الروحي» من منظور نفسي إلى التمييز بين تصورين للطبيعة: «الطبيعة كمادة، والطبيعة كروح»،١٥ ويظهر الإيضاح مرةً أخرى كمنهج للتمييز.
ويظهر لفظ «منهج» في «التكوين» كوعي منهجي ﻟ «الرد» المفروض على الواقع الطبيعي من قلب النظرة من الاتجاه الطبيعي إلى الاتجاه الشخصاني،١٦ وإذا أدى «منهج الإيضاح» إلى تكوين مناطق الآخر، فإن التكوين بالمعنى الدقيق يقود أيضًا إلى «الرد». وبتعبير آخر، التكوين «إنجاز عملي» يستعمل «منهج الإيضاح» كمنهج للتمييز.
ومن ثَم يعطي الجزء الأول من «الأفكار» بعنوان «مقدمة عامة للظاهريات الخالصة» تعريفًا أوليًّا ﻟ «الرد»؛ لأنه موضوعه الرئيسي، وهو أول لحظة في المنهج. وهي أفكار ما زالت مترددة على طريق الظاهريات، ويبدو هذا التردد في الأقسام والفصول ذات العناوين العامة، مثل: «اعتبارات ظاهراتية أساسية»، «مناهج الظاهريات ومشاكلها»، «اعتبارات أولية للمنهج».١٧ أما العناوين، مثل: «الماهيات ومعرفة الماهيات» و«العقل والواقع»، فهي وحدها التي تكوِّن المقاربات المباشرة للظاهريات كعلم ومنهج.١٨
ولم يبرز موضوع «المنهج الظاهرياتي» كثيرًا، بل تم التعرض له مرة واحدة في «مناهج الظاهريات ومشاكلها»؛١٩ ومن ثَم فالمنهج عدة مناهج، والمنهج والمشكلة لا ينفصلان، ولا تتجاوز «الاعتبارات الأولية للمنهج» «الاعتبارات الأولية» كما يدل العنوان.٢٠ وإذا ما تُرك لفظ «المشاكل» جانبًا وضُمَّت «المناهج» في منهج واحد، يبدو المنهج الظاهرياتي كبنية عامة للوعي الخالص، صورة الشعور ومضمون الشعور في تحليل صوري مادي،٢١ ويبدو بوضوح أن منهج الإيضاح هو الوحيد المنهج بالمعنى الدقيق، بل يطبق في المعطى كي يُعرف مدى قربه أو ابتعاده عنه. يقترب المعطى عندما يتم إدراكه بحدس واضح، ويكون القرب كاملًا عندما يُدرك المعطى في صفاته، على وجه التمام والكمال، وكما هو عليه، ويكون بعيدًا عندما لا يتم إدراكه حدسيًّا، وفي هذه الحالة يكون غامضًا، والدرجات الصحيحة للوضوح هي درجات كيفية في النصاعة، والدرجات الخاطئة هي درجات الكثافة الكمية، ويتضمن الإيضاح نفسه حركات؛ واحدة تجعله حدسيًّا، وأخرى تزيد من وضوح عناصره المدركة حدسيًّا من قبل. الإيضاح مسار يتقدم باطراد، ينزع الأغلفة عن المعطيات المتوسطة مفككًا إياها في سلاسل متعددة من التمثلات، وللإدراك دوره في منهج الإيضاح كإدراك أصلي واهب للمعاني، والخيال عنصر حيوي في الظاهريات كما هو الحال في كل العلوم النظرية،٢٢ وهكذا يبدو «منهج الإيضاح» مسبقًا على أنه نظرية في البداهة.
وينطبق «منهج الإيضاح» على اللغة، ولا تحتاج التعبيرات الصادقة المطابقة للمعطيات الواضحة إلى إيضاح، الألفاظ المتشابهة وحدها هي التي تحتاج إلى إيضاح،٢٣ ويتأكد من جديدٍ التمييز بين الإيضاح والتوضيح؛ الأول للغة، والثاني للتجارب، في هذه الميادين.٢٤
ومنهج التوضيح، مثل المنطوق، عنصر حيوي في العلم،٢٥ وهو بالضرورة منهج تمييز في المعرفة الغامضة، ويتكوَّن أولًا من نقل كل الأفعال المنطقية التي ما زالت غامضة إلى نمط الواقع الأصلي التلقائي وفي تحويل على المستوى الضمني اللاحي إلى حي، واللاحدسي إلى حدسي.٢٦ وهكذا تقدم الأجزاء الثلاثة لمجموعة «الأفكار» المنهج الظاهرياتي كمنهج للإيضاح يقوم على عمليات للتمييز.

وبالإضافة إلى هذه المجموعة يظهر لفظ «منهج» مباشرة كتحليل نظري للتجارب، كما يظهر لفظ «إيضاح» ومشتقاته «توضيح» خاصةً «تفسيري» و«شرح» أيضًا كتحليل نظري للتجارب، يقوم على التمييز دون أن يطلق على نفسه لفظ «منهج» بالمعنى الدقيق. وهذا يدل على أنه حتى في مجموع الأعمال الظاهراتية، المنهج الظاهرياتي هو أساسًا منهج للإيضاح، بالرغم من التمييز بين هذين اللفظين؛ «منهج» و«إيضاح».

وتبين كل استعمالات لفظ «منهج» معنى التمييز؛ إذ يظهر لفظ «منهج» من وقت إلى آخر أثناء معركة الظاهريات ضد النزعة النفسانية؛ ومن ثَم يتم التحقق من صدق الإجراءات المنهجية في العلوم. المناهج اللوغارتمية والمناهج الآلية إجراءات منهجية للحصول على أحكام تجريبية،٢٧ ومن المعروف أن معركة الظاهريات ضد النزعة النفسانية تقوم على خلط هذه الأخيرة بين مستويين متمايزين تمامًا، واستعمال لفظ «منهج» للإشارة إلى هذه المعركة يدل على دوره كمنهج للتمييز. وللمنهج الظاهرياتي مبادئه التي تتركز حول التحليل الترنسندنتالي باعتباره تحليلًا نظريًّا،٢٨ ويبدأ التحليل النظري ذاته بتمييزات أساسية، كما يظهر لفظ «منهج» على استحياء من وقت إلى آخر مثلًا: منهج توحيد التكوين الذي يقوم به الشعور في الدلالة الفلسفية الشاملة،٢٩ ويتم التكوين نفسه بإجراءات تمييز، وأيضًا يشير استعمال لفظ «منهج» إلى «التكوين» و«الرد» في نفس الوقت. وعندما يقع المرئي والمفكر فيه تحت «الرد» الظاهرياتي الأكثر إحكامًا، فإنهما يكشفان عن سماتهما الخاصة، وهذا هو جوهر منهج فلسفي خاص بقدر ما ينتمي هذا المنهج أساسًا إلى نقد المعرفة ونقد العقل بوجه عام.٣٠ ويعتبر «الرد» الظاهرياتي انفتاحًا على الحلول،٣١ ويكوِّن «الرد» الظاهرياتي النفسي والتحليل النظري لحظتَي منهج علم النفس الخالص، وله عنصران: الرؤية والتفكير.٣٢ وهكذا يتأسس كلٌّ من «الرد» و«التكوين» على التمييزات.
ويطلق أيضًا لفظ «منهج» لتوضيح الخبرات، وتُعتبر رؤية الماهيات كمنهج عام لإدراك القبلي،٣٣ والتنوع خطوة حاسمة للتحرر من المصطنع من خلال الخيال، الفكرة وحدها هي الثابت، وليس التنوع هو التغير، يقوم إذَن منهج رؤية الماهيات على التمييز بين التنوع والتغير، وبين فصل التعميم التجريبي وتحويل الواقع إلى مثال، وتُستخدم لحظة تحويل الواقع إلى مثال كنموذج بعد استبعاد عدد لا نهائي من التنوعات، ويوجد أيضًا منهج مشابه وهو منهج التعميم الحدسي وتحويل الواقع إلى مثال، كآلة للحصول على تصورات عامة لبنية عالم بسيط ابتداءً من عالم التجربة، ويشير أيضًا منهج رؤية الماهية إلى مضمون منهج الإيضاح القائم على التمييز.
ومنهج توضيح التجارب هو منهج رؤية الماهية أولًا وقبل كل شيء، وهو منهج قادر على الحصول على العمومية الخالصة، ويضع التنوعات الحرة كأساس لرؤية الماهية، وتوجد صورة الحياد كأساس لتكوين التنوعات، في حين أن إدراك مجموع الكثرة للتنوعات أساس رؤية الماهية، ولهذه علاقة مع التجربة والفردي، ونظرية التجريد خطأ.٣٤ وهكذا توصف رؤية الماهية هنا كمنهج للحصول على العمومية الخالصة من خلال التنوعات والتغيرات في التجربة، ويبدأ المنهج بالتمييز بين عموم تجريبي وضرورة قبلية، بين فروق الواقع وفروق الإمكانية … إلخ. ويؤدي التمييز إلى التراتبية في بناء درجات العموم والحصول على الأجناس العليا العيانية،٣٥ ويطلق لفظ «المنهج أيضًا» لإقامة نماذج متعددة بالنسبة لصعوبة الحصول على أجناس عليا مثل منطقة «الشيء».٣٦ مهمة المنهج هنا تجاوز المتحول إلى الثابت، والمتغير إلى الدائم، والكثير إلى الواحد، والنسبي إلى المطلق. ويفيد لفظ «منهج» هنا دور الإيضاح دون التعبير عنه بوضوح، والمقصود هنا التوضيح أكثر من الإيضاح لأنه يتعلق بمضمون التجارب، وبفضل المنهج يظهر التمييز بين الثابت والمتغير، بين الواحد والكثير، بين الوحدة المثالية والتغطية الجزئية، المنهج الظاهرياتي بوضوحٍ منهج تمييز دون المرور بالإيضاح العلني.
ويتضمن لفظ «إيضاح» في نفس الوقت ألفاظ «إلقاء الضوء» أو «الإنارة» أو «الشرح» أو «التوضيح»، وتظهر الإنارة وحدها في العنوان «عناصر لإنارة ظاهريات المعرفة»،٣٧ وتساعد الإنارة على إدراك التمييز وإنارة معنى الموضوعية في المنطق الموضوعي على بيان إشارة المنطق التقليدي إلى عالم واقعي، تساعد الإنارة على الاكتشاف والاستكشاف، ويبدو أنها درجة في الإيضاح قبل الشرح والتوضيح.٣٨
وتؤدي الإنارة إلى الشرح، ويظهر الشرح في تعارض مع الإدراك البسيط الذي هو في تعارض مع الاعتبار، وفي الاعتبار هناك تمييز بين الاعتبار الشارح والتركيب الشارح، وهذا الأخير هو المكان الأصلي ﻟ «الحامل» وتحديد المقولات، هناك أيضًا استدراك شارح كطريقة خاصة لتركيب مراوغ. ويتميز الشرح عن التعدد، ويقع الشرح عادة وينخفض ويصبح انطباعًا حسيًّا تاركًا وظيفته كتمييز بين التوقعات طبقًا للآفاق في مواجهة التمييز التحليلي، وهناك أنماط للتنفيذ أصلية وغير أصلية للشرح، مثل: شرح التوقع والتذكر … إلخ. وللشرح أيضًا نظرات متعددة؛ لذلك يتميز عن الاستدراك.٣٩
ويعتبر الشرح كتمييز بين آفاق التوقع في مواجهة التمييز التحليلي،٤٠ وهو نفس التمييز السابق بين التوضيح والإيضاح؛ في الأول الشعور مملوء، وفي الثاني الشعور فارغ. وقد أعطت نسبة التمييز بين الحامل والتحديد الفرصة لتقديم مفهوم الشرح «المتعدد النظر»، فالتمييز بين الحامل المطلق والتحديد المطلق له ثلاثة معانٍ: الحامل كالطبيعة كلها، والحامل كموضوعات فردية في الحساسية الداخلية، والحامل كموضوعية بعد التأسيس. وبعد أن يتم الشرح يبدأ منهج التوضيح في العمل.
والتوضيح بحثٌ تكويني للأصلي، يدرك انحراف الرؤى القصدية المتشابهة، وتوضيح التصورات المختلفة الأساسية في العلوم المنطقية تعرية للمنهج الذاتي المستور الذي يكوِّن التصورات وفي نفس الوقت نقد لهذا المنهج، وتتركز كل مشاكل العلوم في البحث التكويني للأصلي الذي يكون ممكنًا بفضل التوضيح،٤١ ويظهر التوضيح بجلاء من حين لآخر كمنهج للتمييز؛ إذ يتم التمييز بين الاتجاه الصوري في القضايا المنطقية والاتجاه الأنطولوجي أثناء تحليل مهمة التوضيح، وتنحصر هذه المهمة في منهج المسار، لا يتوجه فعل الحكم نحو الحكم ولكن نحو موضوعية الموضوعات في الشعور؛ فالموضوع الموضوعي في الشعور مماثل لتنوع العمليات التركيبية اللغوية، هنا تبدو الظاهريات وكأنها بحث عن الهوية، وأنماط صور التركيب اللغوي للموضوع هي أنماط موجهات شيء ما، ويبدو التمييز مباشرة كتفريع لعمليات تركيبية لغوية ذات وظيفة مزدوجة، خلق الصور وحامل لموضوعية المناطق، ثم تلتقي هذه الوظيفة المزدوجة في تأسيس توافق الحكم على وحدة الموضوعية الحامل، إلا أن تكوينات المقولات امتلاكات ذاتية فردية وذاتية مشتركة، وهكذا يعود التشعب لينتهي كتمييز فعلي بفضل الإنارة. وهكذا يبدأ التوضيح، وتنتهي الإنارة، وبينهما يتم التمييز عدة مرات كاتجاه مزدوج، يتشعب ثم يتوحد من جديد.٤٢
إن «الإنارة» و«الشرح» و«التوضيح» كل ذلك إجراءات للفكر تشير بعدة طرق إلى منهج الإيضاح، وللشرح الأنطولوجي مكانه في مجموع الظاهريات التكوينية الترنسندنتالية، كما تستدعي تجربة الآخر الشرح، ويتطلب المصدر النفسي الإيضاح الظاهرياتي، وتمهد «الإنارة» و«الشرح» و«التوضيح» لوضع منهج توضيح الخبرات.٤٣
١  Ibid., pp. 350–61.
٢  Ideen III. p. 103.
٣  Ibid., II, pp. 179–80. الاسترجاعي التراجعي Ruckfrage, Regressive.
٤  Ibid, III, Nachwort, p. 139.
٥  Ibid, III, pp. 70–5.
٦  Ibid., pp. 93-4.
٧  Ibid., pp. 94–9. انظر فيما بعدُ (١٢) الإصلاح في التاريخ.
٨  Ibid., 20, pp. 101–5. الإيضاح Eclaircissement. التوضيح Clarification.
٩  Ibid., pp. 222-3. منهج الإيضاح Klärungsmethode. التعميم Généralization. الرفع Elévation. التوسيع Elargissement.
١٠  Ibid., pp. 79–100.
١١  تذكِّر هذه القسمة الثلاثية بالمستويات الثلاثة في نقد العقل الخالص عند كانط، يطابق التصور الصوري مثال العقل، ويوازي التصور الجهوي مقولات الذهن. والتصور المادي على نفس مستوى صور مقولات الذهن، والتصور المادي على نفس مستوى صور الحدس، والفرق أن نقطة الارتكاز في الظاهريات توجد في المنطقة الوسطى؛ أي التصور الجهوي، وهي منطقة الشعور، ويلاحظ ذلك أيضًا في «المنطق الصوري والمنطق الترنسندنتالي»، في حين أن نقطة الارتكاز في الفلسفة النقدية في المستوى الأعلى، مثال العقل.
١٢  Ideen III, 1 Ch., pp. 1–21. والملحق الأخير أيضًا محاولة للتصنيف pp. 131–7.
١٣  Ibid, 2 Ch., pp. 21–75.
١٤  Ibid, 3 Ch., pp. 359–63. مضمون الشعور Noême.
١٥  Ibid., II, B1. 10, pp. 359–63.
١٦  Ibid., pp. 179–80. الاتجاه الشخصاني Personaliste.
١٧  العنوان الأول هو عنوان القسم الثاني، والعنوان الثاني عنوان القسم الثالث، والعنوان الثالث هو عنوان الفصل الأول من القسم الثالث.
١٨  العنوان الأول هو عنوان القسم الأول، والعنوان الثاني هو عنوان القسم الرابع.
١٩  Ideen I، القسم الثالث.
٢٠  Ibid، القسم الثالث، الفصل الأول.
٢١  Ibid، القسم الثالث، الفصول الثاني والثالث والرابع. واستُعمل لفظ «البنية» في صيغة الجمع. صورة الشعور Noèse. مضمون الشعور Noême. التحليل الصوري المادي L’Analyse noètico-noêmatique. النصاعة Intensité. الكثافة Extension. واهب للمعاني Donnatrice.
٢٢  Ibid., pp. 217–27. النظري Eidétique.
٢٣  Ibid., pp. 215–17. متشابه Equivoque.
٢٤  الإيضاح Eclaircissement. التوضيح Clarification. تفسير، شرح Explication.
٢٥  Ibid., pp. 423–5.
٢٦  الواقع Actualité. المستوى الضمني La couche sous-jacente.
٢٧  Rech. Log. I, pp. 122–4. آلي Mécanique.
٢٨  Méd. Car., pp. 58–61.
٢٩  Log. For. Trans., pp. 327–9.
٣٠  Idee der Phäno., p. 58.
٣١  Phäno. Psycho., pp. 187–92.
٣٢  Ibid., pp. 260–3, 306–8.
٣٣  Ibid., pp. 72–93.
٣٤  Er. Ur., pp. 410–20. تحويل الواقع إلى مثال Idéation.
٣٥  Ibid., pp. 409–10, 432–7.
٣٦  Ibid., pp. 437–40. الإنارة Eluicidation. وشرح Explication, Erklärung. توضيح Clarification, Klärung.
٣٧  Rech. Log. III, Rech III.
٣٨  Log. For. Trans., pp. 300–10.
٣٩  Er. Ur., pp. 124–50, 178. الاعتبار Considération.
٤٠  Ibid., pp. 139–43, 159-60. الحامل Substrat. الهرب Elissement . استدراك Recouvrement. مسار Passage. موضوعية الموضوعات في الشعور. التوضيح Clarification. الإيضاح Eclaircissement.
٤١  Log. For. Trans., pp. 240–6. موضوعية الموضوعات Objectivité Thématique.
٤٢  Ibid., pp. 150–61. التركيبية اللغوية Synthaxique. المسار Passage.
٤٣  Med. Car., pp. 115–26.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤