أولًا: فلسفة التوسط١

فلسفة الدين باعتبارها فلسفة في التوسط تستحق المراجعة، وهي محاولة بول أورتيجا: «فلسفة الدين تركيب نقدي للمذاهب المعاصرة من أجل إقامة مذهب شخصاني وجماعي.»٢ ويلاحظ أولًا أن العنوان الفرعي «الواقعية الشخصانية والجماعية» نتيجة لنقد نظريات الحدس الفلسفي الديني، ويبدو أنها تبرير جديد للاهوت العقائدي وإعطائه اتجاهًا جديدًا موجودًا من قبل في الفلسفة المعاصرة.٣ يبين الجزء الأول من العنوان الفرعي بوضوح ارتباطَ فلسفة الدين بالمنهج بمعنى منهج التحليل الفكري ونقد فلسفة الدين التي تقوم على التصورات والمقولات والمخططات.٤ يعني النقد هنا ببساطة تبريرًا جديدًا للاهوت العقائدي، مبيِّنًا نقص المحاولات السابقة وعيوبها، ولفلسفة التوسط كفلسفة للدين ميزة على فلسفة التصور بتجنب أخطاء عديدة لهذه الفلسفة الأخيرة خاصةً فيما يتعلق بالثقل الهائل للمؤلفات المعاصرة المقدمة كنماذج،٥ وهي أكثر مباشرة وأكثر صراحة بالرغم من أنها تعمل على تحقيق نفس الغاية، كما أن لها ميزة وضع العمل داخل فلسفة الدين كما وضعت نظرية الفعل-القانون داخل الفلسفة الأخرى للتصور. ومع ذلك، هي محاولة غير ناجحة بسبب خلطها في تعريفات الدين، وعدم الاتساق في تصنيف المناهج، وتبرير اللاهوت العقائدي، وعدم التعرف على نظرية الأبعاد الثلاثة للشعور، والمساهمة القليلة للمنهج الظاهرياتي.٦

(١) الخلط في تعريفات الدين٧

إن غياب كل تحليل باستثناء نشأة الفلسفة الحديثة وماهيتها جعل مخطط إقامة فلسفة الدين على التوسط سطحيا للغاية؛ فالتعريفات والمناهج كلها تنتمي إلى المذاهب الفلسفية في العصور الحديثة.٨ ويختلط التعريف والمنهج داخل المذهب؛ فالتعريف العقلي يأتي من النظريات التأملية، والتعريف الحركي من النظريات الحركية، والتعريف الاجتماعي من النظريات الاجتماعية، والتعريف التاريخي من تاريخ الأديان … إلخ. وترجع أهمية التعريفات الفلسفية للدين ليس فقط في البحث عن التعريف الدقيق، بل في نشأة هذا النوع من التأمل في بدايات العصور الحديثة التي تُسمى فلسفة؛ فالواقع أن كل التعريفات الفلسفية أو على الأقل أكثرها قد بدأت في العصور الحديثة، أو على وجه أدق في التيارات الفلسفية في العصور الحديثة، وإظهار كل تعريف أحد الجوانب أكثر من الآخر سمة طبيعية عامة لكل الاتجاه الفلسفي الذي ينتمي إليه التعريف، وقد تم تحديد التعريف الفردي ضد تعريف العامة، والعقلاني ضد الدوجماطيقي، والوجداني ضد العقلي، والأخلاقي ضد الشعائري، والحركي ضد السكوني، والوجودي ضد الماهوي، والواقعي ضد التركيب المثالي، والتركيب الدنيوي لكل شيء ضد التركيب الديني.٩ وطبقًا لتطور الوعي الأوروبي بشكل تخطيطي عام، كان العقلاني ضد الدوجماطيقي في بدايات العصور الحديثة،١٠ وتعريف الدين بأنه «معنى المطلق» هو عود إلى تبرير «الله» الدوجماطيقي بظاهر اللغة الفلسفية. إن لم يتحقق من وجود المطلق بالاستقراء أو التجربة فإنه يكون باستمرار نقلًا عقليًّا ﻟ «الله» الدوجماطيقي.١١ وللغة أهميتها في نواة المعنى الاشتقاقي؛ إذ يكشف عن الاتصال الأول بين الشعور والعالم والتعبير عنه باللغة، يظهر الموجود العياني في المعنى الاشتقاقي كنواة للمعنى. صحيح أن للغة أيضًا معناها العُرفي الذي يمكن معرفته عن طريق العلوم الإنسانية، وهناك أيضًا المعنى القبلي الذي يعطيه الوحي، ومع ذلك يظل المعنى الاشتقاقي الضامن الأول لكل معنًى للفظ،١٢ ويستمر الخلط بين علوم الوقائع وعلوم الماهيات، وتنقد المعاني التاريخية للدين وكأنها ماهيات،١٣ ويساعد الإطار التاريخي لدين الوحي على التعرف على الآثار والتأثيرات التاريخية للبيئة داخل المعطى الديني وفي قلب تجلياته الحضارية. وتبدو أهمية تاريخ الأديان المقارن في وضع الدين في إطاره التاريخي الأول الذي ساعد على نشأة منهج تاريخ الأشكال الأدبية، والذي كان محط آمال عديدة، ويستمر الخلط بين الدين التاريخي ودين الوحي،١٤ ووُضع تعريفان مختلفان في النوع على نفس المستوى.

(٢) عدم تجانس تصنيف المناهج١٥

إن تصنيف كل النظريات الفلسفية تقريبًا في الدين تحت عنوان «النظرة التجريبية» مخاطرة؛ فقد صُنفت نظريات مثالية كنظريات تجريبية لأن كل النظريات تشرح الظاهرة الدينية دون أن تترك شيئًا يندُّ عن الشرح، ويظل سرًّا كموضوع للاهوت الدوجماطيقي، ويوجد نفس الشيء في فلسفة الدين التي تقوم على التصورات، المقولات والمخططات، التي تصنف تحت عنوان «منهج الشرح» عدة اتجاهات حالَّة وعليَّة وتوحيدية بالرغم من اختلافاتها النوعية، فإذا وقعت النظريات التجريبية في الخطأ النشوئي يقع اللاهوت الدوجماطيقي في نفس الخطأ؛ لأن نشأة العقائد وتكوينها ابتداءً من الوعي التبشيري الأول الفردي والجماعي، وداخل النظرية التجريبية يوجد منهج التفسير ومنهج الفهم، والعنصر الذي يندُّ عن الشرح صحيح مثل الانتقال المنقطع من المعرفة إلى الوجود أو من الوجود إلى المعرفة، وهي قفزة معروفة. ويمكن التحقق منها في الخبرات اليومية، كما أن قسمة النظرية التجريبية إلى تأملية حركية واجتماعية ليس تقسيمًا متسقًا؛ إذ تؤدي النظرية التأملية التجريبية إلى خلط شديد لو وجدت مثل هذه النظرية، والعقل العملي المصنف كنوع في هذه النظرية ليس تأمليًّا ولا نظريًّا طبقًا لمجرد العنوان.١٦ والنظرية التي سُميت العقل العملي هي نوع من النزعة الفردية الجماعية تدعو إلى لادينية المستقبل، والأولى إطلاق العقل العملي على دين نقد العقل العملي، بالإضافة إلى أن هذه النظرية هي نوع من الحركية، ويمكن تصنيفها مع النظريات الحركية المؤسسة على الحياة الغريزية والأفكار-القوة، وإن تفسير الدين بسيادة الإدراك أو الخيال، الأسطورة أو النزعة الحيوية لا تعد لهذا السبب نظرية تأملية، بل تعتبر جزءًا من النظرية التجريبية.١٧
ويظهر أيضًا عدم التجانس في التصنيف في النظريات الحركية؛ فهناك نظريات حركية مادية، وهو لفظ شعبي، مثل معظم النظريات المعدودة، وهناك نظريات حركية مثالية مثل: الدين الحركي المناقض للدين السكوني. ويظهر عدم التجانس أيضًا في النظريات الاجتماعية؛ إذ يمكن أن تكون بحثًا عن الطابع الخالص للظاهرة الإنسانية، كما يمكن أن تكون مصدر خلط بين مستويات عدة.١٨
وتصنيف النظريات الفلسفية فيه اشتباه، مثلًا وُضعت الحتمية المثالية تحت نفس عنوان الحتمية المادية؛ الأولى نتيجة الحضور الإلهي، في حين أن الثانية نتيجة سيطرة المادة؛ الأولى فلسفية للروح في حين أن الثانية فلسفة للطبيعة.١٩ ويظهر عدم التجانس في تصنيف النظريات الفلسفية في الدين بوضوح في الملحق عن نشأة الدين في الفلسفات المعاصرة،٢٠ وصُنفت المثالية الظاهراتية كتفسير تأملي بالرغم من أنها فهم للتجربة، فلا المثالية الميتافيزيقية ولا المثالية الظاهراتية ولا الفكر العياني شرحٌ تأملي، الحتمية الوضعية وحدها هي التي يمكن تصنيفها تحت هذا العنوان، ولا تشمل لا المثالية المطلقة ولا مثالية الشعور.٢١ كما صُنفت المثالية النقدية وليست المثالية الجدلية تحت عنوان الشرح الحركي، وباختصار حددت كل النظريات الفلسفية في الدين كنظريات شارحة دون تمييز بين الشرح والفهم، ويمكن إخراج بعض المؤلفين من صنف وإدخالهم في صنف آخر، وعلى نحو ملائم مثل الصنف الأول، ويصعب تصنيف بعض المؤلفين تحت نفس العنوان. ويمكن تصنيف نظرية واحدة تحت كل العناوين في نفس الوقت.
ويظهر عدم تجانس التصنيف أيضًا في الخلط بين أنواع التفكير الثلاثة في الدين؛ أولًا: فُصلت المذاهب المعاصرة عن جذورها في الفلسفة المدرسية بالرغم من أنها أشكال متحولة ومنقولة من بعض المعطيات المدرسية على المستوى الإنساني وفي لغة شاملة.٢٢ ثانيًا: تتوج فلسفات الدين المذاهب الفلسفية الكبرى، مثل: فلسفة الكوجيتو الغائبة تمامًا بالرغم من أنها هي التي شقَّت طريق الفكر الفلسفي المستقل، والمثالية النقدية، والمثالية المطلقة، والظاهريات، وفلسفة الحدس.٢٣ هناك أيضًا تأملات فلسفية على الإشكال الديني دون أن تكون ملحَقة بأي مذهب فلسفلي.٢٤ وهناك أيضًا مد مناهج العلوم الإنسانية على الظاهرة الدينية دون أن تُدرس بمنهج خاص بها،٢٥ وهناك أيضًا اللاهوت المعاصر المرتبط بالنظريات الفلسفية دون أن تكون ملحقة بالمذاهب.٢٦
وتظهر عدم الدقة في تصنيف النظريات في تصنيف نظرية واحدة تنتمي إلى نسق فلسفي واحد في نوعين مختلفين. مثلًا صُنِّفت المثالية النقدية مرة في توسط المعرفة لإثبات قيمة الفكر الميتافيزيقي،٢٧ وأحيانًا أخرى في توسط الفعل لإثبات مركزية العمل.٢٨ كما تظهر عدم الدقة في تصنيف النظريات في تقسيم مسألة في أنواع مختلفة، فمثلًا صلة العقل بالمطلق، في النظريات الغنوصية، هي نفس مشكلة توسط المعرفة في المثالية الحتمية،٢٩ وصلة الإرادة بالمطلق هي نفس مشكلة توسط الفعل في النظريات الإرادية والبرجماتية والأخلاقية،٣٠ ومصير الإنسان المطلق هي نفس مشكلة التوسط بالشخص،٣١ وصلة الفعل بالفكر، وهو الجزء الآخر من توسط الفعل، هي استرجاع لموضوع «الحدس والدين».٣٢
ومعظم النظريات المصنفة هي تعليقات على الدين من المذاهب الفلسفية في العلوم الإنسانية. فكل النظريات التأملية والحركية والاجتماعية هي نظريات في الفلسفة العامة دون أن تكون فلسفة في الدين على حدة، ففي النظريات التأملية، الإدراك والخيال من علم النفس، والعقل العملي من الأخلاق، وفي النظريات الحركية، الحلول الطبيعي من فلسفة الطبيعة، والسحر من الإثنولوجيا، والماركسية من الاقتصاد السياسي، والغريزة الجنسية من التحليل النفسي، والحالات الوجدانية من الوضعية، والمعنى التركيبي للإلهي من البرجماتية؛ وفي النظريات الاجتماعية، علم النفس الاجتماعي من ربط علم النفس بعلم الاجتماع، ونظرية التطور من العلوم الطبيعية، والنظرية الاجتماعية من المدرسة الاجتماعية؛ ومن ثَم فإن كل النظريات تقريبًا المصنفة في النظريات الفلسفية هي في العلوم الإنسانية وتطبيقاتها في الظاهرة الدينية. وكانت نتيجة إدخال نظريات فلسفية غريبة في الظاهرة الدينية نسيان النظريات الدينية الخاصة. ونادرًا ما تذكر النظرية المدرسية حول الخلود الزماني أو النظرية الحديثة حول الظاهريات الوجدانية.٣٣

(٣) تبرير اللاهوت الدوجماطيقي٣٤

وكما حدث من قبل في نقد نظريات الحدس الفلسفي والديني واستعماله من أجل تبرير اللاهوت الدوجماطيقي، فقد استُعمل نقد النظرية المسماة تجريبية أيضًا لنفس الهدف، فقد استُعمل نقد المدرسة الاجتماعية، وهو تطبيق النشأة الاجتماعية للحياة الروحية، والعلاقة الضرورية بين المجتمع كظاهرة والمجتمع كالشيء في ذاته، من أجل إثبات الله في النقد الأول، وإثبات الكنيسة في النقد الثاني، كانت الغاية من وضع كل النظريات الفلسفية عن الدين تحت نفس عنوان التجريبية لأنها لا تترك شيئًا يند عن الشرح مثل الشر من أجل تبرير اللاهوت الدوجماطيقي وإضفاء الشرعية عليه.٣٥ وحدث نفس الشيء في تحليل مساهمة تاريخ الأديان، ولو مساهمة محدودة، ومنفعته التي لا تخلو من اهتمام، ونسبيته التي لا يمكن التنازل عنها،٣٦ والفرصة الوحيدة ليكون للاهوت الدوجماطيقي دور أن يصبح تاريخًا للعقائد كما هو الحال في التاريخ المقارن للأديان الذي منه خرج منهج «تاريخ الأشكال الأدبية».
ولا يمكن إثبات ضرورة الظاهرة الدينية بنقد النظريات الغنوصية؛ لأن الغنوصية حقيقة إنسانية، بل إنها شرط الحصول على الوحي،٣٧ وإن استحالة تجاوز التجربة ليس بالضرورة نفيًا للمعرفة المطلقة؛ فالمعرفة المطلقة ممكنة، أولًا في التجربة الذاتية، وثانيًا في التجربة المشتركة، ودور الوحي هو دور القبلي في الإدراك، شعاع من صورة الشعور إلى مضمونه، من الذات إلى الموضوع، وإذا كان معنى النص الممكن مطابقًا لدلالة التجربة اليومية ففي هذه الحالة يمكن الحصول على المعرفة المطلقة؛ أي الحقيقة. المطلق إذَن حصيلة الاستقرار، ويؤكد التحليل النقدي للفكر استحالة تجاوز التجربة في المعرفة أو في الوجود، ولا يوجد ما يندُّ عن المعرفة إلا إذا قام بالانتقال المتقطع من المعرفة إلى الوجود، وحجج الغنوصية وقائع إنسانية،٣٨ ونقدها بأنها علاقة ضرورية بين المعرفة والمطلق، العلاقة الباطنية المحددة بين الفكر والمطلق هي أيضًا حقائق إنسانية ممكنة يمكن التحقق من صدقها بالتجربة، دون افتراضات مسبقة. النقص الوحيد في الغنوصية ليس النزعة التصورية السكونية؛ لأن الغنوصية معرفة غير تصورية قد تكون فاعلة؛ أي حركية، بل وقوفها في منتصف الطريق دون إمكانية الحصول على الحقيقة الموضوعية الشاملة مثل كون الوعي الفردي صورة للوعي الشامل، والوعي بالآخر في التجربة المشتركة، ودور معطى الوحي كحقيقة ممكنة تقوم بدور القبلي في الإدراك.٣٩
صحيح أنه يمكن مناقضة التشاؤم بتجارب الحياة اليومية: السعادة، الحب، الإخلاص، الأمل … إلخ، دون أن يكون فيها حجة لإثبات مطلق يندُّ عن التجربة؛ إذ ينفي الاستقراء ذلك. ويبين التحليل الداخلي للإرادة عكس ذلك؛ فالتحرير ليس فقط نتيجة العدمية، بل إنه يتم أيضًا في الوجود الإنساني وفي الوجود العام.٤٠ وإذا أثبتت تجربة السعادة علاقة ضرورة بين الرغبة والمطلق تكون هذه العلاقة ضرورية في رسالة الشخص، والمطلق ما هو إلا مشروعه. وإذا أثبتت تجربة الأمل وحدة تحقق الرغبة في المطلق يتم هذا التحقق بنشاط الشخص الذي يحقق رسالته في الحياة.٤١
صحيح أن للإنسان مصيره المطلق، وهو ليس خارجًا عن طبيعته، بل يخرج منها، إن هواية النسبية الشاملة ورد الفكر والعمل، والذي ينتهي إلى السخرية، مصير قصير الأجل؛ إذ يتحقق المصير المطلق للإنسان في الحياة الزمانية للفرد ثم في الحياة الزمانية للآخرين؛ أي في الحضارة،٤٢ وإن نقد الهواية بتعارض الفكاهة والضحك، وبتعارض الإخلاص والإنسانية من الهواية، لا يفسر هذا الأجل القصير للهواية، وهو محدود بحياة الشخص.٤٣ صحيح أن الإنسان هو مطلق ذاته، ولكن الإنسان مفتوح بفعله على أقرانه، يخلد الإنسان في الآخر، والآخر يخلد في الآخر، إلى ما لا نهاية، وباختصار يخلد الإنسان في جماعته الحضارية، وتخلد الجماعة الحضارية في الإنسانية جمعاء.
وليست فلسفة الدين التي تقوم على التوسط أي ضرورة؛ لأنها رفض تعسفي لكل النظريات الفلسفية في الدين دون تقديم شيء آخر باستثناء فلسفة مقنعة تحت غطاء اللاهوت الدوجماطيقي، وليس لها منهج محدد، وما سُمي منهجًا ليس إلا خليطًا من النظريات الفلسفية.٤٤ وإذا كانت شروط اليقين في اللاهوت العقائدي فلماذا تُسمى إذَن فلسفة الدين؟٤٥ ولا يقدم التمييز بين اللاهوت النقدي واللاهوت الوضعي أي جديد؛ فاللاهوت النقدي الذي يقدم على معطيات التاريخ ونتائج الفلسفة هو نفسه اللاهوت الوضعي، ويكوِّن عقائد اللاهوت التاريخ إلا أن الأول هو تنشيط وإعادة إعمال وتبرير جديد الثاني، وهذا هو المعنى الذي يشير إليه لفظ «نقد»؛ إذ يعني إيجاد أفضل تبرير مع تجنب عيوب الماضي والاستفادة من الاكتشافات الفلسفية الحاضرة، فإذا كان اللاهوت النقدي هو اللاهوت العقائدي المستتر مع مظهر تأملي فإن اللاهوت الوضعي هو لاهوت عقائدي صريح.٤٦ ولا تدعي فلسفة الدين القائمة على التوسط أنها لاهوتية أو وعظية أو تاريخية بل ميتافيزيقا نقدية، والحقيقة أنها تبشير باللاهوت التاريخي،٤٧ وقد استبدل ما يُسمى بلاهوت النقائض بلاهوت يُسمى لاهوت التوسط دون معرفة أن لاهوت النقائض هو مجرد رد فعل خالص على المظاهر المختلفة للاهوت التوسط، الفلسفة الأولى مكسب إنساني خالص ضد فلسفة التوسط التي هي في الواقع اللاهوت العقائدي، التوسط بالكنيسة، في صورة فلسفية، النقيض الأول، الروح والمادة، يحتوي على فلسفتين، فلسفة الروح وفلسفة الطبيعة، فلسفة الروح مكسب للعصور الحديثة في نضالها ضد الفلسفة المدرسية، اللاهوت العقائدي، التي سادتها فلسفة الطبيعة، وفلسفة الطبيعة، أو المادة، هي أيضًا مكسب للوعي الأوروبي باكتشافه الموضوع الواقعي للعلم ضد نسيان هذا الواقع في اللاهوت العقائدي. والنقيض الثاني، الفكر والعمل، يتضمن أيضًا فلسفتين؛ فلسفة النظر وفلسفة العمل. ولما توجهت فلسفة الوعي نحو المثالية الخالصة، وهو رد فعل على المادية والتاريخية في اللاهوت العقائدي، استدعيت فلسفة أخرى للعمل من أجل إيجاد التوازن بين «اللوجوس» و«البراكسيس»، والمثالية الخالصة رد فعل طبيعي ضد خليط تاريخ العقائد واللاهوت التاريخي. والنقيض الثالث، الحلول والمفارقة، يمثل فلسفتين؛ فلسفة المفارقة ضد التشبيه في اللاهوت العقائدي، وفلسفة الحلول ضد مغالاة فلسفة المفارقة التي نسيت أثرها في العالم، المفارقة ضد الحلول، والحلول ضد النزعة الخارجية في تصور الله. والنقيض الرابع، الشخص والمجتمع، يُشير أيضًا إلى فلسفتين؛ فلسفة الشعور أو الفرد أو الشخص الإنساني ضد نسيان الفرد في اللاهوت العقائدي، وفلسفة اجتماعية أو جماعات أو مجموعات ضد صورتها المنعزلة ممثلةً في الكنيسة، فإذا كانت النقائض تمثل فلسفتين رد فعل على اللاهوت العقائدي، وهي ما تُسمى فلسفة التوسط، فإن هذا لا يمنع أن تكون هاتان الفلسفتان تحولًا أو نقلًا لبعض مظاهر معطى الوحي الأول الذي يزعم اللاهوت العقائدي تمثيله، وهو زعم خاطئ؛ ومن ثَم فإن موضوع فلسفة الدين التي تقوم على التوسط ليس إلا تبريرًا جديدًا لشرعية الكنيسة وضرورة وجودها.٤٨

(٤) عدم إدراك أبعاد الشعور الثلاثة٤٩

مرَّت فلسفة الدين القائمة على التوسط مر الكرام على نظرية أبعاد الشعور الثلاثة؛ إذ يتضمن نسق المعرفة الدينية، الدراسة التجريبية والدراسة الفلسفية والدراسة اللاهوتية، أبعاد الشعور الثلاثة: الشعور التاريخي وهو الدراسة التجريبية لتاريخ النصوص، والشعور النظري وهو التحليل النظري للنص ابتداءً من اللغة، والشعور العملي وهو استعمال معطى الوحي كبناء مثالي للعالم.٥٠ ولا تستطيع فلسفة التوسط بسهولةٍ الإشارة إلى أبعاد الشعور الديني الثلاثة: الوعي التاريخي، والوعي النظري، والوعي العملي. ومع ذلك فإن التقريب بين نشوء المصير الديني ونظرية أبعاد الشعور الثلاثة ممكن؛ فتوسط الشخص للوعي الثلاثي الأبعاد، وتوسط الوحي للوعي التاريخي، وتوسط المعرفة للوعي النظري، وتوسط الفعل للوعي العملي، ويظل توسط الكنيسة لا محل له، ويظل موضوع ترتيب الأبعاد الثلاثة للوعى: الوعي التاريخي، والوعي النظري، والوعي العملي؛ فإن الترتيب في نشوء المصير الديني كالآتي: التوسط بالمعرفة، والتوسط بالفعل، والتوسط بالشخص، والتوسط بالكنيسة. الشخص هو الوعي في مركز معطى الوحي، والكنيسة زائدة لا مكان لها في فلسفة الوعي؛ فالنظام الموازي للوعي الثلاثي الأبعاد هو: الوحي، والمعرفة، والفعل. وما يهم هو التقدم المنهجي والواقعي الذي يمثله كل بعد بالنسبة للآخر، وطبقًا للوعي الثلاثي الأبعاد، الوعي التاريخي هو البعد الأول في حين أن توسط الوحي هو البعد الأخير في فلسفة التوسط، والوعي النظري ممر من الوعي التاريخي إلى الوعي العملي، في حين أن توسط المعرفة هو التوسط الأول، والوعي العملي هو ذروة الوعي الديني في حين أن توسط الفعل ليس إلا التوسط الثاني في نشوء المصير الإنساني. والسؤال الآن هو: هل كل توسط في نشوء المصير الإنساني يمثل تقدمًا بالنسبة للوعي اللاحق؟ هل يمثل توسط الفعل تقدمًا بالنسبة إلى توسط المعرفة؟ هل يمثل توسط الشخص تقدمًا بالنسبة لتوسط الفعل؟ هل توسط الكنيسة يمثل تقدمًا بالنسبة لتوسط الفعل؟ هل توسط الوحي يمثل تقدمًا بالنسبة لتوسط الكنيسة؛ وبالتالي يصبح الوحي ذروة نشوء المصير الإنساني؟ فإذا كان الرد بالإيجاب يصبح الشخص شرط وجود المعطى الديني نفسه؛ فالوحي المعطى هو نقطة البداية للشعور الديني، ثم تأتي المعرفة بعد ذلك بالفهم، ثم يأتي الفعل في النهاية ليحقق كلمة الله على الأرض كنظام مثالي للعالم.
صحيح أن للإنسان مصيرًا دينيًّا، أو بتعبير أدق إن للدين مصيره الإنساني، الدين واقع إنساني بالقوة، يصبح بالفعل بحضوره في الشخص الإنساني، الدين إذَن أساس بنية للشعور، يضع الشخص الإنساني كمحل لوجوده؛ ومن ثَم فإن توسط الشخص ضروري لوجود الدين،٥١ وتوسط الشخص الإنساني يتم التحقق منه في التجربة اليومية دون أن يكون استبدالًا لفلسفة الوجود بفلسفة الجوهر كما حدث في تاريخ الفلسفة الأوروبية التي كانت تبحث عن الإثبات المباشر والبسيط للتجربة للتخلص من النظريات الفلسفية من الميراث المدرسي.٥٢ والشخص هو أيضًا الشخص بالمعنى العادي للكلمة، دون المرور بنقد النظريات الثنائية والارتباطية في تاريخ الفلسفة الأوروبية.٥٣ ويتبع التعارض بين الأنا المثالي والأنا الوجودي تطور الوعي الأوروبي، من فلسفة الروح إلى فلسفة الطبيعة، أكثر منه تحليلًا لبناء الشخص.٥٤ صحيح أنه يوجد مسار منقطع من المعرفة إلى الوجود، ولكن هذه القفزة ليست ضرورية لمجرد حضور الشخص كشرط ضروري للدين، وخلافًا لذلك يعود التعارض مرة ثانية بين الكلمة الإنسانية والكلمة الإلهية في اللاهوت العقائدي.٥٥ الشخص الإنساني معروف تمامًا، أما الشخص الإلهي فإنه يتجاوز التجربة الإنسانية. الشخص الإنساني لا يقيم دينًا حتى ولو كان كاملًا، موضوعيًّا، حميميًّا، مباشرًا، ولكنه أصل كل دين، ولا تستطيع التجربة أن تقول شيئًا في الخلاص والتصوف. والشخص الإنساني إسقاط مثال الشخص الإنساني في صورة تشبيهية في العالم الخارجي.
ويمكن التحقق من توسط الوحي في البعد الأول من الوعي الديني، وهو الوعي التاريخي، ووظيفته البحث عن الصحة التاريخية لنص الوحي بواسطة النقد التاريخي.٥٦ ليست مشكلة الوحي مشكلة فلسفية، صلة الطبيعة بالفضل الإلهي، بل مشكلة تقنية؛ إذ تؤكد التجربة اليومية الطبيعية المفتوحة على غير المتوقع والمنقطع واللاإرادي، في حين أن النقد التاريخي هو القادر على حل مشكلة الصحة التاريخية لنص الوحي، مشكلة الوحي أيضًا مستقلة تمامًا عن كل تأكيد ألوهي مهما كانت صورته. الوحي إثبات تاريخي بحضور المبلغين عن كلمات الوحي دون نسيان التحقق من وجود الوحي، بمعنى الإيهام، في التجربة الإنسانية خاصة في الإبداع الفني؛٥٧ ومن ثَم تدور النظرة الخارجية فوق الطبيعة والنظرة الداخلية الإنسانية حول هذين الإثباتين الأولين؛ وحي المبلغ وإلهام الفنان؛ ويتم التحقق منهما معًا في التجربة، ويعني توسط الوحي أن الوعي الديني مفتوح ببعده التاريخي لاستقبال كلمات المبلغ، ودور النقد التاريخي للبحث عن الصحة التاريخية للنص هو إلغاء هذه المسافة، قصيرة أم طويلة، بين لحظة التبليغ من المبلغ ولحظة الإسماع عند المستمع المعاصر أو التابعي حتى الوقت الحاضر، شفهيًّا أم تدوينًا.٥٨
وتوسط المعرفة إثبات البعد الثاني للوعي الديني، وهو الوعي النظري ودوره في فهم معنى النص بواسطة التحليل اللغوي والتحليل النظري للتجارب اليومية.٥٩ المعرفة إذَن ليست هي معرفة الأنساق الفلسفية الشامخة، النقد أو الجدل أو الحتمية، ولكن ما تسمح به المبادئ اللغوية لفهم معنى النص، وما يعطيه التحليل النظري للخبرات اليومية من أجل إثبات التماثل بين المعنى المفهوم من النص ودلالة الخبرة اليومية، والأنساق الفلسفية الشامخة هي تحولات إنسانية لبعض الجوانب الدينية في اللاهوت العقائدي منقولة على مستوى الوعي الإنساني. مشكلة القبلي والبعدي هي المشكلة القديمة؛ الإيمان والعقل، والدين والفلسفة، وعلاقة العقل العملي بالعقل النظري هي نفس العلاقة بين العمل والنظر في الدين. وهكذا تحوَّل الدين إلى معطًى قبلي ثم انتقل إلى الأخلاق؛ فالفلسفة النقدية عرضٌ إنساني للدين.٦٠
ونقد الفلسفة النقدية عود إلى القطعية الخارجية في اللاهوت العقائدي، وتمهد لضرورة النقد الداخلي للحضور الإلهي، وضرورة التمييز الصوري والتنسيق الداخلي للحساسية والعقل لهما نفس الغاية، ورفع فلسفة الطبيعة إلى مستوى فلسفة الروح عود إلى الله في التصور المدرسي، ورفض لتصور الله في عصر النهضة.٦١ الله، والمطلق في الفكر، والمطلق في الوجود، موضوعاتٌ متَّسِقة للعقل، وهو اعترافٌ واضح بوعظ اللاهوت العقائدي.٦٢ ومن ثَم كان للفكر الميتافيزيقي في الفلسفة النقدية حدوده في التجربة، ولم يكن بحاجة إلى الوصول إلى المثالية المطلقة لمعرفة هذه الحدود، والمثالية المطلقة بالرغم من أي عرض فلسفي لها هو تحول ونقل جديد للدين؛٦٣ فالواقع أن عقيدة التثليث تحولت إلى جدل، ثم نُقل الدين كله إلى مستوى المعرفة الإنسانية التي تم اكتشافها، وتشهد كتابات الشباب لواضع المذهب النقد الأساسي الموجه إلى مذهب «الحلول»، ويمهد لقدوم اللاهوت العقائدي وتصوره للمفارقة الخارجية، وإن وضع الطبيعة إلى هذا الحد الرفيع ليس وضعًا للمفارقة في مواجهة ذاتها، بل إظهار الحلول الترنسندنتالي للطبيعة المفتوحة، ووصفت المثالية بأنها خداع؛ لأنها لا تتبنى تصور الله في اللاهوت العقائدي.٦٤
ولقد أُخذت الحتمية المثالية أو المادية بعد المثالية النقدية أو المثالية المطلقة كصورة ثانية لتوسط المعرفة؛ فالحتمية المثالية عرض للدين على المستوى الإنساني من وجهة نظر «الله»، إذا رأى الله كل شيء فإنه يرى الأفعال الإنسانية.٦٥ وإذا كان الله كل شيء، فالوجود كله فيه. ومع ذلك، وبسبب أخذ وجهة النظر الإنسانية، ظهرت الحرية الفلسفية والسياسية، كان الخلط بين الاتجاهين شائعًا؛ إذ تنفي فلسفة الحرية الإنسانية للفكر والعمل إذا ما أخذت وجهة النظر الإلهية، وإذا أخذت وجهة النظر الإنسانية تنفي وجهة النظر الإلهية. إذا أعطت الحتمية أولوية مطلقة للفكر، والنسبية للإرادة والعمل والإحساس بالقيمة بأفكار حرية الاختيار، فإن هذا طبيعي من وجهة النظر الإلهية.٦٦ ويمكن التحقق في الخبرة اليومية للوجود من نقد الحتمية المثالية بالتمييز بين الفكر والفعل والشرط الداخلي للفكر بالفعل وليس العكس.٦٧ وفي تجربة الفكرة-القوة، الفكر هو الفعل نفسه، ولا تقام فلسفة في الحرية بالبراهين، بل بالوعي الداخلي بالرسالة الذاتية في تحقيق المصير الشخصي. فلسفة في الحرية هي بالضرورة في العمل.٦٨ يسهل إذَن نقد الحتمية المثالية. ويكفي في ذلك الطبيعة المفتوحة أو الروح، مثال ذلك الفكر الباطني الفعال، التمييز بين الرغبة والتمثل، والحب والتمثل.٦٩ وهنا يُستعمل الحلول في الحب والفكر وفي علاقة الزمان بالمكان ضد النزعة الخارجية الإلهية في رؤية الله «الخارجي» في اللاهوت العقائدي.
ويمكن إثبات توسط الفعل في البعد الثالث للشعور الديني، الشعور العملي. ورسالته تحقيق معطى الوحي كنظام مثالي للعالم من خلال العمل.٧٠ في الحياة اليومية، يمكن إثبات الوظيفة التحررية للمعيار، ولكن أي معيار؟ ليس هو المعيار الذي يفرضه اللاهوت العقائدي والذي يريد تحديد حرية الشخص الإنساني وطبيعته، بل المعيار الذي يثبت حياته وشخصيته. لفلسفة الإرادة والقوة أسبابها ومبرراتها في صراعها مع «الآلهة» المزيفة، والنزعة المضادة للعقلانية، والشذوذ، واللادينية، وإرادة القوة، كل ذلك دفاع عن العقل الإنساني والقيمة الإنسانية والوحي والعمل ضد أوثان اللاهوت العقائد. ليست فلسفة إرادة القوة تحللًا من كل شيء، بل على العكس تضم قيمًا إنسانية، وترجع المغالاة في العرض إلى الانفعال بالكشف، لها قيمتها، ولها أهميتها. أما عدميتها فمجرد طابع خارجي، ينتمي إلى الحضارة الأوروبية، وليس إلى الفلسفة ذاتها.٧١
ولا يتم نقد فلسفة إرادة القوة عن طريق العودة إلى الأوثان المحطمة، وليس تصوف العمل طريقًا إلى الله، بل هو تحقيق الوحي كنظام مثالي للعالم، له اتجاهه نحو العالم. واعتماد العمل على معيار لا يحدد مدى اتساع الحرية أو قوة العمل، بل على العكس، المعيار هو طبيعة الشخص ذاته الذي فيه ينبثق العمل، والذي بفضله يتم الحفاظ على الشخص ضد احتمال صورية المعيار. ليست إرادة القوة للمسيحي على وجه الخصوص، بل للإنسان من حيث هو كذلك، ولا تقوم على الخطيئة؛ لأن الإنسان على البراءة الأصلية، بريء بطبيعته، مسئول عن أفعاله الإرادية في الوقت الذي يعي فيه ذاته، ولا يخلِّص العزاء أحدًا؛ لأن كل إنسان قادر على خلاص نفسه بنفسه، كل إنساني محرر لنفسه. وانقلاب العالم نتيجة لتخلي الإنسان عن رسالته، وليست عقيدة ينتج عنها الاستحواذ على كل شيء في العالم، ليست البطولة خاصية مسيحية فقط بل إنسانية عامة، وليس الشهيد هو الذي يستسلم لقطع رأسه بلا دفاع، بل هو الذي يسقط في ميدان الوغى وساحة القتال.٧٢
وتمثِّل البرجماتية خطوة كبيرة فيما يتعلق بالفلسفة على وجه العموم، خاصةً فلسفة الدين، وبوجه أخص تصوُّر الله. وتعطي ميتافيزيقا التعددية الأولوية للموضوع وللعالم في تمامه دون خنقه بالمعيار. الحقيقة أثرها. وتعبر الحرية عن نفسها في ركوب المخاطر والسعي نحو الأفضل. الفعل الخلقي هو الذي يغير العالم، أما فيما يتعلق بتصور الله، فالله حال في التجربة، هو افتراض عملي، يمكن استخدامه ليس كشخص بل ككلمة، الله وظيفة في العالم الذي تحركه رسالة الشخص، وتحقيق رسالته في مصيره الخاص.٧٣ من الصعب نقد البرجماتية؛ لأنها تعتمد على التجربة، التجربة الأولى للحقيقة، والانتقادات التي وُجِّهت إليها مثل وحدة التماثل بين الموجودات تخاطر بفقد المكسب الذي حصلت عليه لصالح العودة إلى الدوجماطيقية المجدبة. وضرورة مقياس مطلق وعقلي للحقيقة يوجد من قبل في المعيار الذي وضعه الوحي دون البحث عنه في اللاهوت العقائدي. الأخلاق الطبيعية هي الأساس الواقعي لأخلاق الوحي دون معارضيها، ويوجد اليقين الديني بين المعنى المفهوم من النص طبقًا لمبادئ اللغة ودلالة الخبرة اليومية وتحليلها العقلي، دون أن توجد فقط في الاعتقاد والعقائد، والخبرة في البرجماتية هي أساس اليقين الديني نفسه، ولا يستبعد العمل النزيه العمل بالفاعلية وتحقيق غاية مثالية، ويتجاوز وجود الله اللانهائي خارج التجربة المستوى الإنساني. الكمال مثال إنساني، والمفارقة الوحيدة الممكنة هي مفارقة تجربة الكمال، ويدل عمل الأفضل وعدم الاكتفاء بالواقع على المفارقة الحالة في التجربة الإنسانية. وأخيرًا، مشكلة الشر مشكلة زائفة؛ فليس للشر وجود جذري، بل يشير فقط إلى مستويات الوجود.٧٤
والعمل متمركِز حول الله بمعنى أنه تحقيق الوحي، كلام الله، كمشروع في العالم. الله مشروع يتحقق تدريجيًّا، مشروع العمل والحياة، والشخص والقيمة والعالم والحقيقة. الإنسان إذَن قيمة في ذاته، وشدة المعيار رد فعل طبيعي ضد مضمونه الزائف مثل: المنفعة والهوس … إلخ. الله إذَن ليس وحيه، الوحي هو المقاصد الشاملة التي تكوِّن الحياة الإنسانية ويحقِّقها العمل الإنساني.٧٥ ويعود نقد أخلاق المعيار بعدم الاتساق والضعف إلى نقص في تأويل هذه المقاصد الثاقبة. وللإيمان طابعه اليقيني باستقراء وحدات معاني النص الموحى به ومطابقتها مع دلالات الخبرات في الحياة اليومية، والشعائر الوحيدة الممكنة هي شعائر الوعي، شعائر القصد والعمل.٧٦
وتوسط الكنيسة زائد سطحي ولا محل له؛٧٧ فلفظ «كنيسة» ليس لفظًا فلسفيًّا، وليس في متناول الجميع، كما أنه يشير إلى مؤسسة تاريخية خاصة وليس إلى معطى الوحي، وهو أساسًا نص. صحيح يمكن فهم الكنيسة كتوسط، ولكن التوسط يوجد من قبل في الشخص الذي يشير بدوره إلى الوعي الديني في الوحي كوعي تاريخي، وإلى المعرفة في الوعي النظري، وإلى الفعل في الوعي العملي. يمكن فهم الكنيسة كتجربة مشتركة، معرفية وواقعية؛ فللآخر دور في المعرفة والوجود. الشخصانية الاجتماعية حقيقة إنسانية، يمكن من خلالها فهم هذه التجربة المشتركة، الكنيسة كمؤسسة ليست توسطًا لا في الوعي التاريخي في بحث الصحة التاريخية للنص، ولا في الوعي النظري لفهم معنى النص، ولا في الوعي العملي لتحقيق معنى النص كنظام مثالي للعالم. النقد التاريخي وحده يستطيع تحديد الصحة التاريخية للنص، والمبادئ اللغوية وحدها والتحليل النظري للتجارب اليومية تستطيع فهم معنى النص، والعمل وحده يستطيع تحقيق الكلام الإلهي على الأرض. ليست الكنيسة مشكلة، الكنيسة المرئية موضوع لعلم الآثار ولتاريخ الفن وللتاريخ الاقتصادي والسياسي للبلد الذي يوجد فيه، والثقافة المنتشرة فيها، والكنيسة اللامرئية هي الوعي الفردي والجماعي الذي يشعر بها كل فرد دونما حاجة إلى «تخارج» في مؤسسة ما.٧٨ وتقلبات المشكلة تبين بوضوحٍ جهةَ الإصلاح والنهضة من أجل أنسنتها، مثل العودة إلى الكتاب وليس إلى التراث، وهو الكنيسة، العودة إلى الطبيعة والحياة البسيطة وليس إلى النص المدوَّن، ونشأة النقد التاريخي، وحرية الفكر والفهم والشرح والتفسير والتأويل، وتحولها إلى كنائس وطنية متعددة الثقافات وليست كنيسة رومانية واحدة، وإثبات الشخص الإنساني. وقد تم الحصول على هذه المكاسب ضد دين المؤسسات.٧٩ ولا يؤكد تاريخ علم النفس أو تاريخ الفلسفة على الإطلاق ضرورة الكنيسة، بل على العكس من ذلك؛ إذ يبين التاريخ أن التقدم نفسه داخل الكنيسة يأتي من الانتقادات من خارجها، كما يثبت علم النفس استقلال الشخصية الإنسانية ووجودها الذاتي، كما تؤكد الفلسفة حرية الفكر.٨٠ الكنيسة المرئية ميراث العقلية الرومانية،٨١ وظائفها هي نفس الوظائف التي أُعطيت لخدام المعابد الرومانية، وتنتمي الطقوس العيانية إلى مظاهر العبادة التي هي بطبيعتها خارج فعل التدين كفعل للشعور. العبادة الشعورية هي العبادة الوحيدة الممكنة؛ فالفعل هو الفعل الواقعي في العالم، وليس مجرد فعل الإيماء الرمزي. ووظيفة الفقيه العياني، أي رجل الكهنوت، يقوم بها رجل العدالة العلماني كما هو الحال الآن، والوظيفة الروحية ليست قاصرة على رجل الدين، بل تمتد إلى كل عالم ضليع بالدين خاصةً الشريعة. والأخلاق العيانية للكنيسة أخلاق تاريخية خالصة، في حين توجد الأخلاق الروحية في بداهة الشعور، ولم تنتج الكنيسة النزعة الإنسانية أو الحضارة، بل كانت من آثار الإنسانيين في عصر النهضة، وتظل الكنيسة منبعًا لعديد من الأعمال الإنسانية ليس كفعل بل كرد فعل، هي سببه. وتستمد سلطتها الفعلية من سلطة الدولة ومن المصالح المشتركة بينهما، في حين أن سلطتها الروحية في وعي كل شخص،٨٢ والكنيسة الشخصية ليست في حاجة؛ لأن تُسمى كنيسة حتى لا تختلط بالكنيسة التاريخية، إنما تشير إلى الجماعة الإنسانية التي يوجد فيها الشخص دون أن ينتظم في أي مؤسسة تاريخية، ومهما كانت النظريات التي تبرر وجودها عقلية أو إرادية أو شخصانية، ومهما كانت وظائفها الوجودية أو المثالية تظل دائمًا حالة في الشعور الفردي؛ فالشخص وحده هو القادر أن يعطي نفسه وظيفة التقديس.٨٣

(٥) المساهمة الضئيلة للمنهج الظاهرياتي٨٤

ووضع فلسفة التوسط ثانوي؛ إذ تتداخل مع التاريخ وعلم النفس في مجموع يكوِّن الدراسة التاريخية للظاهرة الدينية، والظاهريات علم مستقل بذاته، تتضمن علم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ. هناك ظاهريات التاريخ من أجل النقد التاريخي، وظاهريات اللغة من أجل الفهم النظري، وظاهريات العمل من أجل التحقيق العملي، والطابع القصدي للوحي كمعطًى جزء من التحليل النظري له أثناء عملية الفهم.٨٥ وتُستعمل الظاهريات طبقًا للحاجة، وتُستخدم لنقد الظاهريات التي سُميت التجريبية للدين؛ لأن الظاهريات أقرب إلى الفهم منها إلى الشرح.٨٦ ولا تستطيع الظاهريات أن تبدأ بدون التجربة، فتنقد النظريات التجريبية بالتجربة. وتثبت فلسفة الدين القائمة على «معنى المطلق» بالتجربة كما تقتضي بذلك الظاهريات؛ ومن ثَم تستعمل الظاهريات فقط عندما يتم الاستفادة منها، فإذا أكدت المثالية الذاتية الوجود الذاتي الخالص لموضوع ما، وهو ما لا يُفضله كثيرًا اللاهوت العقائدي، تستعمل الظاهريات لإثبات الوجود المثالي والموضوعي للموضوع في نفس الوقت.٨٧ وأحيانًا تُذكَر الظاهريات الترنسندنتالية أو الوجدانية فقط كتيار في تاريخ الفلسفة في البحث عن المصادر التاريخية للحدس،٨٨ كما تُذكَر كفلسفة في الدين مع باقي الفلسفات الأخرى.٨٩ وظاهريات الدين أساسًا ظاهريات تقنينية تشريعية، وصفها لما هو كائن هو في نفس الوقت وصف لما ينبغي أن يكون. في النقد التاريخي، البحث عن تكوين النصوص المقدسة هو في نفس الوقت بحث فيما حدث في الماضي، والبحث في النص الأولى الأصلي الذي عليه نُسجت باقي النصوص، والدليل على ذلك منهج تاريخ الأشكال الأدبية، وفي الفهم النظري، تفسير النص هو في نفس الوقت تفنيد للعقائد التي بُنيت بإهمال شديد لمبادئ الاشتباه اللغوي؛ أي تفسير ما كان ينبغي أن يكون، ومن أجل التحقيق العملي يكون وصف مشروع تحقق معطى الوحي كنظام مثالي للعالم، في نفس الوقت إدانة للعقائد التي تفهم وكأنها غايات في ذاتها.٩٠
ولا تحتاج ظاهريات الدين إلى مؤسسات لأن الظاهريات الترنسندنتالية نفسها تقوم على نظرية في الحدس، ولا ينقصها المعنى الروحي للدين؛ لأنها أساسًا حدس ديني عميق كما ظهر ذلك في تأويل الظاهريات، وبالرغم من مراحلها الرياضية والمنطقية والفلسفية والحضارية، ولا تُصنَّف الظاهريات مع النظريات المسماة تجريبية؛ لأنها بالرغم من أنها تبدأ بالتجربة فإنها تريد إدراك ماهيتها كموضوع مثالي مستقل.٩١ وقد صُنفت المثالية الظاهراتية في ملحق نشوء الدين في الفلسفات المعاصرة تحت عنوان الشرح النظري.٩٢ والمثالية الظاهراتية ليست شرحًا نظريًّا بل هي فهم للتجربة، كما يتطلب الشرح في العلوم الإنسانية منهجًا نشوئيًّا ينتمي إلى علوم الطبيعة، في حين يقتضي الفهم منهجًا نظريًّا، ونموذجه المنهج الظاهرياتي. ينتمي إلى علوم الروح؛ أي العلوم الإنسانية، كما تم تصنيف المثالية الظاهراتية مع الحتمية الوضعية كتأمل شارح! وهكذا تُصنف الظاهريات تحت نظرية تعارضها الظاهريات! وتُعتبر كفرع نظرية تتكوَّن من نظريات خمس أخرى، في حين أن الظاهريات هي العلم الأساسي لكل النظريات الفلسفية؛ لأنها نظرية النظرية.
١  Ibid., pp. 459–82.
٢  P. Ortegat: Philosophie de la Religion, synthèse crtique des systèmes contemporains en fonction d’un realisme personnelle et communautaire.
٣  وهي الفلسفة الشخصانية عند مونييه E. Mounier.
٤  وهو المنهج الذي تبنَّاه هنري ديميتري H. Duméry، صاحب المحاولة الثانية. مخطط Schème. غير ناجحة Raté.
٥  وضمن دائرة المعارف الأعلام Encyclopédie Bibliographique منفصلة في ملحق خاص في آخر المجلد الثاني، pp. 620–8, 35.
٦  Ex. Phéno., pp. 459–60.
٧  Ibid., pp. 460–2.
٨  ومن ثَم فإن القسمة إلى التعريف والمنهج، وكلٌّ منهما منفصل عن الآخر، قسمة سطحية.
٩  انظر Appendices I, II, III, IV.
١٠  لذلك كان المشروع الأول لهذا البحث هو مقارنة لخاطئين في الوعي الأوروبي: الدين العقلاني كما يمثله كانط، والدين الوجودي كما يمثله كيركجارد. انظر المقدمة في «ظاهريات التأويل»، أولًا: نشأة العمل.
١١  Ortega, op. cit., pp. 17–29.
١٢  يقلِّل أورتيجا من أهمية المعنى الاشتقاقي Ibid., p. 14.
١٣  Ibid., pp. 14–6.
١٤  وقد ذكرت تعريفات سيسرون Ciceron، ولاكتانس Lactance على نفس المستوى Ibid., p. 13.
١٥  Ex. Phéno., pp. 462–6. خطأ النشأة والتكوين Erreur génétique. الأفكار-القوة Idées-forces. وهي فلسفة جان ماري جويو. النزعة الحيوية Animisme.
١٦  يلخص العقل العملي عند أورتيجا نظرية جويو في الدين.
١٧  Ortegat: op. cit., pp. 36–43.
١٨  مثلًا ليس التطور عند سبنسر هو نفس التطور عند هيجل، Ibid., p. 63.
١٩  Ibid., pp. 250–305.
٢٠  Ibid., pp. 670–828.
٢١  الحتمية الوضعية تشير إلى فلسفة كومت A. Combte وسبنسر H. Spencer وتين Taine، وليست فلسفات رينان E. Renan أو برنشفيج L. Brunschvicg.
٢٢  القصدية عند توما الأكويني وبرنتانو وهوسرل، والقبلي والبعدي من الفلسفة المدرسية عند كانط، والتثليث في الجدل عند هيجل، والإيمان والعقل هما الحدس والعقل عند برجسون، والمواعظ على الجبل عند ديكارت وهوسرل … إلخ، أشكال متحولة.
٢٣  إثبات وجود الله بعد الكوجيتو عند ديكارت، والدين كإيمان أخلاقي عند كانط، وكمعرفة مطلقة عند هيجل، وكقيمة مطلقة عند هوسرل أو كحركية عند برجسون.
٢٤  وهي مدرسة العاطفة Sentiment عند شيلرماخر Schleiermacher، وأوتو Otto ، وفريس Fries.
٢٥  وذلك مثل آراء كومت ودوركايم وليفي بريل في الدين بتطبيق المنهج الوضعي، ومثل آراء دلتاي Dilthey وزمِّل Simmel أو جيمس بتطبيق منهج الحركية الشخصية أو التاريخية … إلخ.
٢٦  مثل لاهوت بولتمان وبارت.
٢٧  Ortegat: op. cit., pp. 160–98. عدم الدقة Inobservance.
٢٨  Ibid., pp. 389–428.
٢٩  Ibid., pp. 103–20, 160–305.
٣٠  Ibid., pp. 121–41, 306–428.
٣١  Ibid., pp. 142–59, 527–71.
٣٢  Ibid., pp. 474–528 وأيضًا Ortegat: Intuition et Religion. ويوجد عدم تجانس مادي أيضًا في غياب التناسب الكمي بين الأجزاء الأربعة. فمن ص٦٨٩ بعد الاستهلال والمقدمة (ص١٣)، يشغل الجزء الأول ص١٧، والثاني ص٧٣، والثالث ص٥٦، والرابع ص٥٦٠. ويشغل الملحق ص٢١٦.
٣٣  الخلود الزماني عند القديس أوغسطين، والظاهريات الوجدانية عند ماكس شيلر. ويرجع هذا النسيان إلى أن المؤلف أورتيجا ينتمي إلى المدرسة التوماوية المعاصرة.
٣٤  Ex. Phéno., pp. 466–70.
٣٥  Ortegat: op. cit., pp. 74–83.
٣٦  Ibid., pp. 84–92.
٣٧  Ibid., pp. 103-4.
٣٨  Ibid., pp. 104–9. من صورة الشعور إلى مضمونه Noético-noêmatique.
٣٩  Ibid., pp. 109–20.
٤٠  Ibid., pp. 121–30. الوجود الإنساني Existence. الوجود العام Etre.
٤١  Ibid., pp. 130–40. هواية Dilettantisme.
٤٢  Ibid., pp. 142–8.
٤٣  Ibid., pp. 148–59.
٤٤  Ibid., Partie2.
٤٥  Ibid., pp. 92–102.
٤٦  Ibid., pp. 8–9.
٤٧  Ibid., p. 9. وعظ، تبشير Apologétique. الحلول Immanence. المفارقة Transcendance. التشبيه Anthropomorphisme.
٤٨  Ibid., pp. 10–12. النزعة الخارجية Extériorité.
٤٩  Ex. Phéno., pp. 470–80.
٥٠  Ortega: op. cit., pp. 5–9، ممر Passage.
٥١  توسط الشخص هو التوسط الثالث عند أورتيجا بعد توسط المعرفة وتوسط الفعل Ibid., pp. 527–71.
٥٢  Ibid., pp. 527–35.
٥٣  Ibid., pp. 535–45.
٥٤  Ibid., pp. 545–50.
٥٥  Ibid., pp. 550–71. كامل Plenière.
٥٦  توسط الوحي هو التوسط الخامس عند أورتيجا بعد توسط المعرفة، وتوسط الفعل، وتوسط الشخص، وتوسط الكنيسة.
٥٧  Ortegat: op. cit., pp. 647–54. إثبات Constataion.
٥٨  Ibid., pp. 654–82.
٥٩  توسط المعرفة هو التوسط الأول عند أورتيجا في نشوء المصير الديني.
٦٠  فلسفة الطبيعة هي فلسفة توما الأكويني، وفلسفة الروح فلسفة كانط.
٦١  Ibid., pp. 160–76. عرض كانط هو تكرار لفلسفته دون الوصول إلى جوهرها، وتصنيفها تحت عنوان «قيمة الفكر الميتافيزيقي» مُربِك؛ لأن عند كانط بالرغم من أن الميتافيزيقا تقوم على التجربة ضد الميتافيزيقا القطعية إلا أنها لا تصل إلى يقين الإيمان الأخلاقي.
٦٢  Ibid., pp. 177–98.
٦٣  Ibid., pp. 199–222.
٦٤  Ibid., pp. 222–49.
٦٥  هذه هي فلسفة اسبينوزا.
٦٦  Ortega: op. cit., pp. 250–8.
٦٧  Ibid., pp. 268–79.
٦٨  Ibid., pp. 279–305.
٦٩  Ibid., pp. 258–68. باطني Immanent.
٧٠  توسط الفعل هو التوسط الثاني في نشوء المصير الديني عند أورتيجا. معيار Norme.
٧١  إذَن يمكن إعادة تفسير فلسفة نيتشه لرد الاعتبار إليها Ibid., pp. 306–23. التحلل من كل شيء Libertanisme.
٧٢  Ibid., pp. 323–42. نظام Structure.
٧٣  Ibid., pp. 343–58. ركوب المخاطر Risques. السعي نحو الأفضل Méliorisme.
٧٤  Ibid., pp. 358–88.
٧٥  Ibid., pp. 389–404. متمركِز حول الله Théocenrique. شدة Rigorisme.
٧٦  Ibid., pp. 404–21. زائف Inauthentique.
٧٧  الكنيسة عند أورتيجا هي التوسط الرابع بعد توسط المعرفة والفعل والشخص.
٧٨  Ortega: op. cit., pp. 572–31. الشخصانية الاجتماعية Personalisme Communautaire.
٧٩  Ibid., pp. 273–81. العبادة Culte. الفقيه Magistère.
٨٠  Ibid., pp. 581–8.
٨١  أوضح هارناك والبروتستانتية الليبرالية من قبلُ هذا التحليل.
٨٢  Ibid., pp. 588–721.
٨٣  Ibid., pp. 721–46. التقديس Santification.
٨٤  Ex. Phéno., pp. 480–2.
٨٥  Ortega: op. cit., pp. 5-6.
٨٦  Ibid., p. 91.
٨٧  Ibid., p. 189.
٨٨  Ibid., pp. 459–60.
٨٩  Ibid., pp. 702–4. تقنينية، تشريعية Judicatoire. تاريخ الأشكال الأدبية Formegeschichte. الاشتباه Amphibologie.
٩٠  Ibid., pp. 100–02.
٩١  Ibid., p. 102.
٩٢  Ibid., pp. 702–5.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤