ثانيًا: فلسفة التصور١

فلسفة الدين القائمة على التصور أحدث وأكثر كثافة من فلسفة الدين القائمة على التوسط، وتتسم أيضًا بعدم الاتساق في تصنيف المناهج، ونقص تحديد مسبق للفلسفة والدين، والهدف الوعظي الواضح حتى في نقد المنهج الظاهرياتي.٢

(١) الخلط بين المنهج والنظرية والاتجاه٣

والمناهج المحصاة؛ منهج التفسير، منهج المجابهة، ومنهج التوقع، ومنهج الفهم، ومنهج الفصل، ليست مناهج بحث، بل نظريات فلسفية تم تطبيقها في الدين؛ فمنهج التفسير نظرية فلسفية قائمة على حكم مسبق طبيعي يظهر في التفسير البيولوجي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي للدين، وكل النظريات اتجاهات علِّية.٤ أما النظريات الفلسفية للحلول والواحدية فليست على الإطلاق تفسيرات للدين، بل فهم لدلالته مع مدها إلى الحد الأقصى.٥ التفسير اتجاه مادي في حين أن الفهم تيار مثالي، وإن لم يكن المنهج نظرية فإنه لا يكون أيضًا اتجاهًا، أصبح المنهج وعيًا بمجموعة من الخطوات يمكن أن تؤدي إلى الحقيقة، في حين أن النظرية تدعي أنها الحقيقة ذاتها. الاتجاه ليس إلا توجهًا بسيطًا في نظرية مكتملة؛ فكل المناهج المحصاة في فلسفة الدين نظريات أو اتجاهات من العلوم الإنسانية كما تمت صياغتها في كل عصر، وللمنهج قواعد للتطبيق، أما النظرية أو الاتجاه فلا.٦

(٢) عدم الاتساق في تصنيف المناهج٧

وبسبب غياب تحديد مسبق للفلسفة والدين في الحضارة الأوروبية لم يتم الكشف عن هذه الأنواع الثلاثة؛ ومن ثَم فإن تصنيف المناهج إلى منهج تفسير، ومنهج مجابهة، ومنهج توقع، ومنهج فهم أو منهج فصل ليس متسقًا، ومنهج التفسير منهج نشوئي مستعار من العلوم الإنسانية، ومنهج الفهم هو المنهج المقابل ومستعار أيضًا من العلوم الإنسانية، والتفسير والفهم منهجان متعارضان، والثاني رد فعل على الأول. ومنهج المجابهة ليس منهجًا بل هو مشكلة العلاقة بين الدين والفلسفة، بين الإيمان والعقل كما يتم تصورها في فلسفة الدين من النوع الأول؛ أي فلسفة الدين كتبرير متبادل بينهما، تبرير الفلسفة للدين وتبرير الدين للفلسفة.٨ ومنهج التوقع أو الاستباق هو في الواقع تحول المعطى الديني في مطلع العصور الحديثة إلى قبلي، وهي صورة واحدة لهذا التحول لجانب واحد في الدين للنوع الثاني، وهو فلسفة الدين كتحول ثم كنقل، وأخيرًا منهج الفصل هو منهج للبحث ينتمي إلى فلسفة الدين من النوع الثالث، وهو فلسفة الدين كبحث.
وهكذا قُسمت فلسفة الدين الواحدة إلى عدة مناهج دون وجود وحدة القصد.٩ ومن السهل التمييز بين الأنواع الثلاثة لفلسفة الدين: التبرير، والنقل، والبحث. فلسفة الدين كتبرير هي الأنساق اللاهوتية الكبرى، الفلسفة فيها ليست إلا أداة للعمل، ومفاهيم للعرض، ولغة للتعبير. وليست على الإطلاق علمًا مستقلًّا قائمًا بذاته، وكل دراسة فلسفية على مثل هذه الفلسفة للدين لا تأخذ إلا المظهر والغطاء الخارجي،١٠ في حين أن فلسفة الدين كنقل هي تغطية للمذاهب الفلسفية بمد المذهب نفسه على الدين، والمذهب الفلسفي نفسه تحول لجانب واحد للمعطى الديني، فقد تحول الدين إلى فلسفة، ثم استعملت الفلسفة أي الدين المتحول كأساس مباشر للدين.١١ وأخيرًا تأتي فلسفة الدين كبحث خليطًا من الأولى والثانية؛ لأنه لم يتم تحديد العلاقة مسبقًا بين الفلسفة والدين؛ لذلك لم تستطِع فلسفة الدين التمييز بين أنواعها المختلفة بالرغم من اختيارها منهج الفصل، ولم تكن فلسفة الدين في صورة اللاهوت العقائدي، على نفس مستوى فلسفة الدين التي توَّجت المذاهب الفلسفية الكبرى في العصور الحديثة، وهاتان الفلسفتان للدين، النوع الأول والنوع الثاني، ليستا على نفس مستوى النوع الثالث؛ أي فلسفة الدين عند الباحثين.١٢
ويظهر أيضًا عدم الاتساق في تصنيف المناهج في مقاييس التصنيف، فلا يوجد الحكم المسبق الطبيعي، وهو أساس منهج التفسير في كل الاتجاهات الفلسفية التي يُعزى إليها هذا الحكم المسبق، يوجد فقط في الاتجاه العلِّي في التفسيرات البيولوجية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية للظاهرة الدينية،١٣ ويوجد في علوم الطبيعة، ولا يوجد في الاتجاه الحلولي، ولا في الاتجاه الواحدي، بل ينتمي الاتجاهان إلى المثالية، كما أن هذين الاتجاهين في الواقع هما اتجاه واحد، هي المثالية.١٤ وتبين بوضوحٍ المقاييس الموضوعية الغرض الوعظي نسبيًّا من التصنيف، ويقوم منهج التفسير على حكم مسبق طبيعي، كما يقوم منهج التوقع على خداع صوري. وفي مقابل ذلك، يقوم منهج المجابهة على افتراض ثنائي بسيط، ليس حكمًا مسبقًا ولا خداعًا بل مجرد افتراض. وتحت هذا الافتراض توجد فلسفة الدين من النوع الأول؛ أي فلسفة الدين كتبرير. ومن ناحية أخرى، يقوم منهج الفهم ببساطة على الوصف الظاهرياتي دون تسميته كحكم مسبق، كخداع أو كافتراض؛ لأنه العلم الذي تزعم فلسفة الدين الانتساب إليه بين الحين والآخر. والحقيقة أن منهج الفصل القائم على التحليل النظري النقدي لا يقوم على أي افتراض أو خداع؛ لأنه المنهج الذي تقوم عليه فلسفة الدين.
وتصنيف مناهج البحث ليس فقط غير متجانس ومختلط، ولكنه أيضًا غير كامل؛ فلم يذكر المنهج التاريخي الذي له باع طويل في البحوث الدينية على الإطلاق، مع أنه المنهج الأكثر استعمالًا والأعظم خطورة، لم تُدرك أهميته لأن فلسفة الدين تنهل مادتها من الدوجماطيقية التاريخية، وكان طبيعيًّا أن يكون التاريخ مصدرًا يعطي المادة الأولى للبحث؛ لذلك تم الصمت على المنهج التاريخي دون مقارعته، كما تمت مقارعة النظريات الفلسفة للحلول وكأنها مناهج. والمنهج التاريخي المقصود هنا ليس هو المنهج المطبق في النقد التاريخي، وهو أساس الاتجاهات التحديثية، بل هو المنهج المطبق في اللاهوت العقائدي، وهو أساس الاتجاهات الأكثر تقليدية، المنهج التاريخي المقصود هنا نتيجة اعتبار الحوادث التاريخية وكأنها هي العقائد، يعني فقط تاريخانية اللاهوت العقائدي.١٥

(٣) الاشتباه في تصنيف الاتجاهات١٦

ولا يوجد فقط عدم اتساق في تصنيف المناهج، بل يوجد أيضًا اشتباه في تصنيف التيارات داخل كل منهج؛ إذ يقوم منهج التفسير على حكم مسبق طبيعي إذا كان منهجًا نشوئيًّا فقط دون أن يقابله منهج الفهم النظري، ولم يتم رفضه لأنه يعطي تفسيرًا شاملًا للدين؛ لأن الدين نفسه تفسير شامل، بل لأنه يقوم على النزعة الطبيعية، وفي الاتجاه الطبيعي يكون التمييز بين النزعة الطبيعية المغلقة والنزعة الطبيعية المفتوحة ضروريًّا، في النزعة الطبيعية المغلقة الطبيعة محكومة بقوانين ضمنية، وهو ما يتناقض مع الطبيعة ذاتها التي تتضمن القفزات والطفرات والانقطاعات وعدم القدرة على التنبؤ وفردية الموجودات، في حين تقبل الطبيعة المفتوحة كل ما تقدمه الطبيعة من حتمية ولا حتمية، وتواصل وانقطاع، والقدرة على التنبؤ وعدمها، والعمومية والفردية. وباستعمال المصطلحات الشائعة في اللاهوت، يمكن التحقق من وجود الطبيعة والفضل في الطبيعة المفتوحة. وفي الحلول، هناك تمييز ضروري بين نوعين من الحلول، الحلول المثالي والحلول المادي، باستعمال لفظين من اللغة الفلسفية الشعبية، والحلول في الفلسفة المثالية يبرز الفكرة في حين أن الواقعة مجرد تمثل، الحلول في المثالية إثبات لواقع واحد هو الفكر،١٧ في حين أنه في الحلول في الفلسفة المادية، أي النزعة الطبيعية المغلقة، تبرز الواقعة. والفكرة مجرد إحساس، وتثبت واقعًا واحدًا وهو المادة.١٨ والظاهرة الدينية بالمنهج الظاهرياتي ظاهرة حالة بالمعنى الأول للحلول، المعنى المثالي. ويستطيع منهج التفسير، متكاملًا مع منهج الفهم، أن يكون اتجاهًا حالًّا مثاليًّا، والظاهريات فلسفة حلول تظهر فيها المفارقة أي الماهيات الخالدة، ومثل الحلول تتضمن الواحدية أيضًا نوعين متميزين، واحدية مثالية وواحدية مادية، باستعمال نفس الفلسفة الشعبية؛ الواحدية المثالية هي واحدية الحلول المثالي، تضع مبدأً واحدًا كأساس أو كذروة الفكر، ويُسمى هذا المبدأ المطلق أو الروح، في حين تفترض الواحدية المادية مبدأً واحدًا هو مصدر الفكر، ويُسمى المادة أو المجتمع أو ما تحت الشعور، ويمكن تفسير الظاهرة الدينية وفهمها في الواحدية المثالية التي تعتمد عليها الوحدة الإلهية، كما توجد علل متعددة في الاتجاه العلِّي، والاتجاه العلِّي بالمعنى الدقيق ليس تفسيرًا للظاهرة بعلة مادية، بل يفترض أن الظاهرة ظاهرة مادية تفسر نفسها بنفسها، ومع ذلك ليست العلة المادية هي العلة الوحيدة، وباستعمال نظرية قديمة توجد بجوار العلة المادية العلة الصورية والعلة الفاعلة والعلة الغائية؛ فالاتجاه العلي لا يقوم فقط على العلة المادية، ولكن قد يقوم على العلل الثلاثة الأخرى؛ الصورية أو الفاعلة أو الغائية، فإذا لم تُفسَّر الظاهرة الدينية بالعلة المادية، وهو الاتجاه العلي بالمعنى الدقيق، يمكن فهمها بالعلة الفاعلة أو بالعلة الغائية، والفاعلية أحد معاني الحقيقة التي تعني أيضًا الصحة التاريخية لنص الوحي أو تطابق معنى النص مع الخبرة اليومية، وتستطيع الغائية أيضًا أن تساعد على فهم العمل الإنساني بتحقيق الوحي المعطى كنظام مثالي للعالم.

(٤) نقص التمييز بين الأنواع الثلاثة في فلسفة الدين١٩

ومنهج المواجهة ليس منهجًا، بل مشكلة العلاقة بين الدين والفلسفة في فلسفة الدين من النوع الأول؛ أي فلسفة الدين كتبرير. وإذ أمكن تقسيم منهج التفسير القائم على الحكم المسبق الطبيعي إلى اتجاهات، فإن منهج المجابهة عصيٌّ على أي تقسيم متسق؛ لأنه هو المشكلة القديمة لعلاقة الدين بالفلسفة. ويتضح ذلك في الافتراض الثنائي الذي يقوم عليه منهج المجابهة، وإذا كان الخطأ الأساسي في فلسفة الدين هو عدم التحديد المسبق للعلاقة بين الفلسفة والدين؛ وبالتالي عدم رؤية الأنواع الثلاثة في فلسفة الدين؛ تبرير الدين بالفلسفة كما هو الحال في الفلسفة المدرسية،٢٠ وتحول الدين ونقله إلى الفلسفة كما هو الحال في بدايات العصور الحديثة والبحث عن فلسفة للدين، كما هو الحال في العصر الحاضر، فإنه كان بالإمكان سد هذا النقص إذا تم تأسيس منهج المجابهة القائم على الافتراض الثنائي على أساس تاريخي رصين. وما يثير الدهشةَ هو أن الاتجاهات الثلاثة في منهج المجابهة: الإيمان والعقل في الفلسفة المدرسية، لعبة النقل التفسيري واكتشاف المتطلبات العقلية للإيمان، والاتجاه المزدوج لفلسفة العمل،٢١ هي نفسها الأنواع الثلاثة لفلسفة الدين: تبرير الدين بالفلسفة، ونقل الدين إلى الفلسفة، والبحث عن فلسفة للدين. والواقع أن منهج المجابهة يعترف بالاختلاف بين الدين والفلسفة بين عدة اتجاهات؛ الأول يُقر بأن الخطيئة الأصلية أفسدت العقل، وأن الإيمان وحده قادر على إرجاعه إلى كماله؛٢٢ فالإيمان يصحح العقل، وهذا الموقف في الواقع ليس إلا تبريرًا مقنعًا للدين، وهو إسقاط الإيمان بالفلسفة عمل العقل. والإنسان على البراءة الأصلية، وهو مسئول بمفرده عن أفعاله المكتسبة، عقله سليم، والبداهة يقينية وثابتة، أما الضعف، ضعف الإرادة، ونقصها؛ فإن كل ذلك ينتمي إلى الوجود وليس إلى المعرفة وليس إلى خطيئة أولى يُتهم بها الإنسان. ويمكن أن يقوم معطى الوحي، مصدر الإيمان، بدور القبلي في المعرفة، ويُستخدم كشعاع من صورة الشعور إلى مادته في الإدراك، ويقابل شعاعًا آخر من مضمون الشعور إلى صورته.٢٣ الأول من الذات إلى الموضوع، والثاني من الموضوع إلى الذات، وكلاهما بعدان للشعور القصدي، ويقوم العقل بدور التحليل النظري القائم على خبرات الحياة اليومية، ويكوِّن الإيمان والعقل والواقع هذه الميادين الثلاثة التي ترتبط بها البنية القبلية لمعطى الوحي، وهي الوحي والعقل والواقع؛ ومن ثَم فإن إعادة بناء العقل بالإيمان ليس إلا تبريرًا للإيمان بالعقل، وهو ما كان سائدًا في العصر المدرسي، يضع منهج المجابهة خطًّا فاصلًا بين الدين والفلسفة، بين الإيمان والعقل، ويُعتبر اللاهوت علمًا مقدسًا بحيث يصبح هو الدين ذاته، يحكم اللاهوت على كل شيء، طبقًا لمعطيات الوحي من المنظور الصوري للإيمان، في حين تحكم الفلسفة على الأشياء في ذاتها من المنظور الصوري للعقل،٢٤ هذه الطريقة في المجابهة هي على وجه الدقة ثنائيةٌ مقصودة لتبرير الدين، وتخصيص موضوع ومنهج له مختلفين عن موضوع الفلسفة ومنهجها، وتنتمي نظريات المجابهة إلى فلسفة الدين من النوع الأول؛ أي تبرير الدين بالفلسفة.
ولعبة النقل التبريري واكتشاف المضامين العقلية للإيمان هي تحول بعض جوانب الدين إلى الفلسفة، ثم نقل هذا الجانب ومده إلى مجموع الإشكالات الدينية. أليس الكوجيتو، أي الوعي بالذات كواقعة أولى بديهية، تحولًا للموعظة على الجبل؟ أو عبارة «ما قيمة أن يكسب الإنسان العالم ويخسر نفسه؟» هذا هو تحول أحد جوانب الدين، وهو الجانب الداخلي، إلى الفلسفة، ثم يصبح الكوجيتو بعد ذلك طريقًا إلى المفارقة الإلهية قبل أن يكون طريقًا إلى خلق العالم؛ ومن ثَم نُقل الدين كله ابتداءً من هذا التحول الأول لجزء منه، ثم أصبح علمًا فلسفيًّا عقليًّا شاملًا وإنسانيًّا.٢٥ وفي الفلسفة النقدية، القبلي والبعدي تحوَّل لأحد جوانب المعطى الديني، الإيمان والعقل وفهمها على نحو عقلي، الإيمان هو ما يعطي من قبل، والعقل ما يعطي من بعد. وابتداءً من هذا التحول نقل الدين كله باعتباره أخلاقًا عملية بالنسبة لفلسفة المعرفة النظرية.٢٦ وبعد تحول الإيمان إلى قانون أخلاقي نقل الدين كله كحضور مبدأَي الخير والشر في الإنسان، والصراع بينهما، وانتصار الخير على الشر وسيطرته عليه.٢٧ وفي المثالية المطلقة، الجدل تحول عقيدة تاريخية، وهي عقيدة التثليث، ثم نقل الدين كله عن طريق هذا الجدل الثلاثي كمعرفة مطلقة. وتم نفي الدين الطبيعي ثم إثباته كدين مطلق أو كدين يتجلى، وقد تحقَّق هذا في ملكوت الأب ثم الابن ثم الروح القدس.٢٨ وأخيرًا، فلسفة الحدس أيضًا هي تحول لمشكلة الإيمان والعقل إلى ثنائية الحدس والعقل،٢٩ وإذا كان الوحي يتجاوز العقل في العصر المدرسي، فتلك مهمة الحدس في فلسفة الدافع الحيوي. وإذا كانت الفلسفة النقدية قد حولت من قبلُ نفس السؤال في صورة عقلية، فإن فلسفة الخلق تنقل نفس السؤال في الواقع. وإذا كان المثل الأعلى في الفلسفة النقدية الرياضيات أو الفيزيقا، فإن فلسفة الطاقة الروحية كان لها جذورها في العلوم الطبيعية خاصةً علوم الحياة.
وكان الاتجاه المزدوج في فلسفة العمل، بالرغم من مظهرها المستقل عن الفلسفة المدرسية أو فلسفة الدين، مجرد تبرير للدين بالفلسفة.٣٠ فالواقع أن وجود فلسفة مستقلة ابتداءً من المسيحية أمرٌ ممكن ابتداءً من نقد الموضوع الديني؛ ومن ثَم يتعامل النقد الفلسفي على أرضية المعطى الديني، وقد اختير منهج الحلول من أجل البحث عن تحديد سلسلة شروط تحقق العمل على مستوًى مثالي، والواقع لم يكن الحلول إلا خطوة إلى الوراء لإثبات المفارقة المفترضة مسبقًا، لم يكن العمل إلا «تجويفًا» في الوعي يظهر فيه الله، ولم تكن الحرية إلا الفضل وهو يعمل. وباختصار كان الطبيعي أول تجلٍّ لما يفوق الطبيعة؛ ومن ثَم لا تتعدى فلسفة العمل نوعًا من التقريظ الرفيع للدين المسيحي. صحيح أنه لا يسمح بمجابهة بسيطة بين الدين والفلسفة، بين الإيمان والعقل، ولكنه يبحث عن الموضوع الديني ذاته بمساعدة التحليل المباطن للعمل. وتأخذ فلسفة الدين من النوع الأول كتبرير للدين بالفلسفة بنقلها إلى فلسفة للدين من النوع الثالث؛ أي فلسفة الدين كبحث. وهكذا استمد منهج التفكير والنقد الذي انتهى إلى فلسفة دين من النوع الثالث؛ أي كبحث من فلسفة العمل.

(٥) ضرورة تحديد مسبق للعلاقة بين الفلسفة والدين٣١

وقبل صياغة فلسفة الدين فإنه من الضروري أولًا تحديد العلاقة بين الفلسفة والدين في الفكر والتاريخ، وفي فلسفة الدين وحتى الآن لم تحدد العلاقة بينهما بوضوح؛ فإذا ما تحددت هذه العلاقة مرة واحدة وإلى الأبد، يتضح عديد من المسائل الأخرى، مثل العلاقة بين الجمال والأخلاق وكل العلوم الإنسانية والدين، كما تتضح أيضًا نشأة العلم.

تخضع فلسفة الدين إلى الجدل بين الدين والفلسفة؛ فالفلسفة ليست إلا نقل الدين إلى المستوى العقلي الخالص ثم استعادة الدين من أجل إنارته إنارةً عقلية كاملة، والظاهريات نفسها نموذج لذلك؛ فهي حدس ديني عميق في بدايتها بالرغم من المظاهر المعارضة بالنسبة لمصادرها الرياضية المنطقية، ثم تستعيد الظاهرة الدينية في النهاية كما تشهد على ذلك المخطوطات،٣٢ وتصبح فلسفة الدين مجرد تجاور بين الفلسفة والدين إن لم تتحدد العلاقة بينهما أولًا، وتبين بوضوح المقولات والمخططات، وهي موضوعات فلسفة الدين، هذا التجاور، المقولات هي التصورات العامة، والمخططات هي التصورات الفلسفية، لو تم تحديد العلاقة مسبقًا بين الفلسفة والدين في فلسفة الدين لتمَّ اكتشاف إشكال واحد يُعبر عنه بلغتين مختلفتين. المطلق والمفارقة شيء واحد، والذات والنفس أيضًا شيء واحد، والفضل والخارق للعادة متشابهان … إلخ، وكل لغة لها مستواها، المقولة على المستوى الإلهي في حين أن المخطط على المستوى الإنساني، ونظرًا لأن العلاقة بين الدين والفلسفة لم يتم تحديدها من قبل أولًا، تجاورت المقولات والمخططات دون رؤية اختلاف اللغتين للتعبير عن شيء واحد على مستويين مختلفين، ولو تم التعرف في فلسفة الدين على المعطى الديني في «الجهاز الحضاري» لأمكن إدراك العلاقة بين فلسفة الدين والعلم،٣٣ ولو تم تحديد مسبق للعلاقة بين الفلسفة والدين لسمح ذلك باكتشاف وحدة إشكالهما، واختلاف لغتهما ومستوييهما، ولأمكن إدماج العلم، وتحديد العلاقة مرة واحدة وإلى الأبد بين الدين والفلسفة والعلم؛ مما يسمح في نهاية المطاف برؤية بنية الحضارة الأوروبية وتطورها كلها، والواقع أنه نتج عن غياب هذا التمييز بين الأنواع الثلاثة لفلسفة الدين، كتبرير ونقل وبحث وضع الأنواع الثلاثة على نفس المستوى، وكما حدث ذلك في منهج الذوق القائم على الخداع الصوري، واعتبار الإيمان كمعطًى قبلي ليس خداعًا صوريًّا على الإطلاق، كان من الطبيعي تحول الدين إلى أخلاق عملية للإرادة الخيِّرة، ثم نقلها كليةً إلى مبدأ الخير في عصر كانت الرياضيات نموذج اليقين والأحكام فيه، وكان الدين كأخلاق عملية قد تمت دراسته من قبل، وعن حق في لعبة النقل في منهج المجابهة القائم على الافتراض الثنائي، ولا يمكن دراسته وتصنيفه من جديد مرة ثانية في منهج التوقع القائم على الخداع الصوري. «الدين في حدود العقل وحده» فلسفة دين من النوع الثاني؛ أي التحول ونقل الدين إلى فلسفة، وكانت هذه سمة المذاهب الفلسفية الكبرى المتوجة بالأخلاق، وهو الدين المنقول، وبفلسفة في الدين. وليس التحليل الترنسندنتالي للمقدس،٣٤ ولا الشروط القبلية للدين الوضعي،٣٥ ألعاب نقل؛ فليس للأول أو للثاني مذهب فلسفي متوَّج بفلسفة في الدين.٣٦
ومن ناحية أخرى، فلسفة الدين المسماة «التحليل الترنسندنتالي للمقدس» هي في الواقع منهج التوقع دون أن تكون قائمة على الخداع الصوري على الإطلاق،٣٧ هي في الواقع فلسفة توسط، والوحي توسط رفيع، بعد توسط المعرفة وتوسط الفعل، وتوسط الشخص، وتوسط الكنيسة. هي من نفس نوع فلسفة الدين نتيجة منهج التحليل النظري النقدي، والفلسفتان تفكيران جديدان في الدين كوعظ رفيع، ولكنهما ليسا على نفس مستوى فلسفة الدين نتيجة لعبة النقل، ونتيجة الفلسفة النقدية. فضلًا عن أن فلسفة التوسط ليست مذهبًا ولا تتويجًا لمذهب فلسفي كما هو الحال في الفلسفة النقدية، و«الدين في حدود العقل وحده» هي فلسفة دين من النوع الثالث، البحث، ولكن تلحق بفلسفة الدين من النوع الأول، وهو التبرير، ولكن هذه المرة تبرير ضمني ومستتر.٣٨
وتنتمي فلسفة الدين التي تبحث عن الشروط القبلية للدين الوضعي إلى منهج التوقع؛ لأنها تبدأ من قبل بافتراضات قطعية مثل الخارق للعادة،٣٩ ومع ذلك لا تقوم على خداع صوري، بل على العكس، هي بحث عياني في شروط العمل، وليست على نفس مستوى الدين المتحول إلى أخلاق عملية ومنقول إلى مبدأ الإرادة الخيرة؛ لأنها لا تكوِّن مذهبًا فلسفيًّا ولا تتويجًا لهن يمكن اعتبار فلسفة العمل فلسفة بمعنى المذهب، ولكنها ليست من نفس نوع المذاهب الفلسفية في بدايات العصور الحديثة. والواقع، لا يوجد أي بحث في الشروط القبلية للدين الوضعي؛ لأن كل شيء تم افتراضه من قبل، هي فلسفة من النوع الأول، وترجع إلى الفلسفة المدرسية التي تبرر الدين بالفلسفة، هذا صحيح؛ فقد تم تحليل نفس الفلسفة في منهج المجابهة القائم على الافتراض الثنائي، وهو المنهج الذي نتجت عنه فلسفة الدين من النوع الأول، وهو التبرير.
والتمييز بين أنواع عديدة من فلسفة الدين ضروري؛ إذ يرجع الخلط الحالي في فلسفة الدين إلى نقص هذا التمييز. أولًا: كانت فلسفة الدين في العصور الحديثة دائمًا اكتمالًا للمذاهب الفلسفية؛ فقد تم تتويج كل مذهب بالدين.٤٠ فلسفة الدين في المذاهب الفلسفية الكبرى مرتبطةٌ أشد الارتباط بالمذهب نفسه. ثانيًا: استخدمت فلسفة الدين حيث كانت الفلسفة في العصر المدرسي دائمًا هي الفلسفة القديمة كوعاء للدين، كان الهدف فقط إرساء العقيدة على الجانب الأكثر ملائمة، هي مجرد قشرة دون أن تكون فلسفة بالمعنى الدقيق.٤١ ثالثًا: فلسفة الدين عند الباحثين،٤٢ ويغيب عنها كل تحديد مسبق للعلاقة بين الفلسفة والدين، ويترك كل تحليل في حالة من التردد الكامل. أحيانًا يميل التحليل نحو الفلسفة، وأحيانًا أخرى نحو الدين؛ فمثلًا ليست مشكلة الفلسفة والدين هي نفسها مشكلة إصلاح فلسفة الدين عن طريق الظاهريات، وليست أيضًا مشكلة إصلاح الفلسفة عن طريق الفلسفة. فلسفة الدين فهم للدين بعيدًا عن كل خلط، وكل عقيدة، وكل تاريخ. هي فهم شامل وإنساني للدين؛ لذلك فلسفة الدين بالأصالة هي التي توجد في العصور الحديثة،٤٣ في حين أن إصلاح فلسفة الدين هو تصحيح لكل لاهوت جديد تتم صياغته باسم فلسفة الدين،٤٤ ونقد الفلسفة بالفلسفة هو استمرار في تحول بعض المفاهيم الدينية في صورة عقلية خالصة. مثلًا تحولت مشكلة الإيمان والعقل، وهي مشكلة دينية، مرتين؛ مرة في صورة فلسفية وهي مشكلة الحدس والعقل، ومرةً أخرى في صورة علمية وهي مشكلة القبلي والبعدي، أو مشكلة الفرض والتحقق، أو الافتراض والتجربة، وظلت المشكلة كما هي عليه، وهي ضرورة وجود مصدرين للمعرفة الإنسانية؛ واحد معطًى من قبل، والآخر مكتسَب بالنشاط الإنساني ذاته. كما تحولت مشكلة الروحي والزمنى أيضًا مرتين؛ مرة في صورة فلسفية وهي المثال والواقع، ومرة أخرى في صورة علمية وهي القانون والواقعة. ويتعلق الأمر هنا بوحدة الفكر والواقع معروضة على ثلاثة مستويات مختلفة بلغتين مختلفتين أيضًا، كما تحول الموضوعان الدينيان؛ التجسد والفداء مرتين؛ مرة كمشكلة فلسفية، مشكلة الذهاب والإياب أو النزول والصعود، ومرة ثانية كمشكلة علمية، مشكلة الاستنباط والاستقراء، وهي نفس المشكلة معروضة على مستويين، ومُعبَّرًا عنها بلغتين مختلفتين. كما تحولت أيضًا المشكلتان الدينيتان، الخلق والبعث، مرتين؛ الأولى فلسفية وهي مشكلة البداية والنهاية، أو الخلق الفني وتحقيق مشروع ما، والثانية علمية وهي مشكلة العلِّية والغائية، وهي نفس المشكلة معروضة على مستويين، ويُعبَّر عنها بلغتين مختلفتين.
صحيح أن فلسفة الدين متجذرة في حضارة، وكان يمكن هذا أن يدفع إلى فكرة مسبقة، وهو تحديد الصلة أولًا بين الفلسفة والدين قبل إجراء أي بحث في فلسفة الدين. وصحيح أيضًا أن فلسفة الدين داخلة في الحضارة، ولكن كيف؟ فلسفة الدين ليست في الواقع إلا جزءًا من نشاط أوسع، هي مجرد بداية له؛ فهناك العمل العقائدي؛ عمل فلسفة الدين الذي سبقه العمل المنهجي، وهناك العمل العارض لفلسفة العمل، والتي يرتبط بها العمل كله؛ فالمؤلف تلميذ لمؤسسها، وهناك العمل السجالي ضد اللاهوتيين أو الفلاسفة المعاصرين، وهناك العمل الفلسفي نسبيًّا حول المشاكل الأخلاقية والاجتماعية أو حول حوارات المعاصرين.٤٥
وتكون فلسفة الدين أحيانًا محاولة للسيطرة المباشرة للفلسفة على الدين دون أن تقدم نقدًا للدراسات السابقة،٤٦ ولا يتحقق هذا النوع، وتنضم إلى الدراسات السابقة، يكفي النظر في أسماء الأعلام التي تتجاوز السبعين، حيث ذُكر اسم كل مفكر وفيلسوف ولاهوتي وباحث.٤٧

(٦) تبرير اللاهوت العقائدي٤٨

وقد صُنفت بطريقة خاطئة وتأييدًا لها تحت عنوان «التحليل الترنسندنتالي للمقدس كاتجاه داخل منهج التوقع القائم على الافتراض الثنائي»، فلسفة أخرى للدين أقل قوة من الميراث الحضاري، ولكن أوضح فكرًا،٤٩ وهي فلسفة التوسط.٥٠ وكما سبق فلسفة التصورات (المقولات والمخططات) تفكير في المنهج والفكرة لمنهج التحليل النظري والنقدي، فقد سبق أيضًا فلسفة التوسط تفكير في المنهج، هو المنهج الواقعي الشخصاني. وإذا كان المنهج النظري والنقدي منهجًا أكثر من نظرية، فإن الواقعية الشخصانية نظرية أكثر منها منهج، ومع ذلك يشترك كلاهما في نفس العيب، وهو عدم التحديد المسبق للعلاقة بين الفلسفة والدين. والواقع أن التمييز في المذهب الحدسي بين النظريات الأساسية والنظريات الدينية ليس تمييزًا حاسمًا؛ لأن كثيرًا من النظريات المسماة أساسية هي تحول للنظريات الدينية، ويظهر هذا الخلط في المصدر التاريخي للمذهب الحدسي، وهو خليط من النظريات الأساسية والنظريات الدينية.٥١
وقد يصبح تجاوز المذهب الحدسي المثالي أو الوجودي إلى المذهب الحدسي الواقعي والشخصاني خطوةً متقدمة نحو اكتشاف الشخص الإنساني، وتبدو الخطورة إذا ما استُعملت هذه الخطوة المكتسَبة لتبرير لاهوت عقائدي أيًّا كان، كما حدث ذلك في فلسفة الدين القائمة على التصورات (المقولات والمخططات)، والتي قامت بخطوة متقدمة أخرى نحو نظرية الفعل-القانون، والأنا كخلق ذاتي، ثم فُقدت هذه الخطوة من جديد بعد توجهها نحو المفارقة والمطلق؛ أي نحو الدوجماطيقية المستترة، والاتجاهات التركيبية والأنطولوجية هي أكثر اكتمالًا ولا شك، ولكن الخطورة اعتبار اللاهوت الدوجماطيقي جزءًا من مركب أو إثباتًا ألوهيًّا أيًّا كان أو معيارًا أنطولوجيًّا.٥٢ صحيح أنه يمكن نقد المذهب الحدسي، فإذا ما أعطيت الأولوية إلى الوجود والحدس والحرية والشخص والجماعة فإن نقده يقوم على تضايف الوجود والماهية، والحدس والجدل، والحرية والضرورة، والشخص والجماعة، وأيضًا مع أساسها الأولى، وإذا أخذ الطريق الثاني: الماهية، الجدل، الضرورة، والأساس الأول كدليل إثبات ألوهي مستتر، ففي هذه الحالة لا يسمح هذا الإثبات التجريبي تقريبًا للتضايف بهذه النتيجة، تثبت التجربة الماهية في المصير الإنساني وفي رسالة الشخص دون استنتاج موجود ضروري مالك للماهيات الإنسانية. التشابك أيضًا تجربة إنسانية يومية فردية وجماعية، ولكنها لا تسمح بإثبات جدل قد ينتهي إلى إثبات ألوهي أيًّا كان، وفي الفعل الإنساني يوجد بجوار القصد الرغبة وإرادة العوامل المساعدة الخارجية كالمصادفة والحظ، وللزيادة غير المتوقعة للقوة، والانفعالات الوقتية. وهذا الإثبات أقل من إثبات ضرورة ترى كل شيء وتحدده، صحيح أن الشخص والجماعة حقائق بديهية يتم الشعور بها في كل لحظة في الوجود، ولكن وضع أساس أوَّلي كحامل لهذه الوقائع هو ما يتجاوز حدود التجربة.
ويمكن أيضًا نقد النظريات الدينية في الحدس، وأحيانًا يكون النقد صائبًا وأحيانًا أخرى خاطئًا؛ فالحركية العدمية ليست قبليًّا عقائديًّا. هناك عدمية حركية مثل إرادة القوة، تؤكدها التجربة. ويمكن لنقد العدمية كقبلي أن يحل محلها قبلي آخر من اللاهوت العقائدي، والحركية الإيمانية ليست أيضًا ذاتية؛ لأنها تجد موضوعيتها في خلق الموضوع من الشعور ذاته، صحيح أنه يمكن البحث عن نشوء صحيح للإيمان دون الوقوع مع ذلك في أي مذهب للتأليه، ويمكن الحصول أيضًا على فعل الإيمان الوجودي الموضوعي دون الاعتماد على أي موضوعية خارجية مصدرها الألوهية أيًّا كانت، وجدل الخطيئة أساسًا عقيدة من اللاهوت العقائدي، في حين تؤكد الخبرة اليومية تجارب التوبة وتأنيب الضمير … إلخ، دون أن يكون فعلًا ضروريًّا محددًا سلفًا.٥٣ صحيح أن الحب له طرقه إلى الذات وإلى الآخر وإلى العالم دون أن يتجه بالضرورة نحو إله أيًّا كان. وأخيرًا، التجربة الصوفية حقيقة واقعة تثبتها التجارب المشابهة، مثل التجربة الجمالية والتجربة الميتافيزيقية والتجربة الأخلاقية، دون أن يكون لها بالضرورة طبيعة تقود إلى إثبات ألوهي أيًّا كان. وباختصار، كان الهدف من نقد النظريات الفلسفية والدينية التمهيد للإثبات الألوهي كما هو الحال في اللاهوت العقائدي. وحتى إذا كان النقد الموجه إلى الحديث الفلسفي أو الديني خاليًا من أي إثبات ألوهي، فإن الواقعية الشخصانية التي يقود إليها تستحق التقدير مقارنةً باللاهوت العقائدي النسقي اللاشخصي. صحيح أن ميتافيزيقا واقعية كحقيقة خالصة مأمول فيها، أما إذا كانت هذه الواقعية إسقاطًا من اللاهوت العقائدي للتثليث فهذا ما يتجاوز العقل الإنساني. وصحيح أيضًا أن مشاكل الفكر والعمل والشخص تنتمي إلى الوجود الإنساني دون أن تكون استنباطًا من حوادث تاريخية داخل أي نسق عقائدي أيًّا كان؛ إذ تتكون الجماعة التي ينتسب الشخص إليها من خلال التجربة المشتركة دون أن تكون نقلًا من الأساس من مؤسسة دينية أيًّا كانت مثل الكنيسة. ويتكشف القصد الرئيسي من الواقعية الشخصانية في مشكلة «الله» والشخص، الشخص الإنساني واقعة إنسانية وسط العالم الإنساني والعالم الطبيعي، الدين الشخصاني دين بلا «إله» ودون فعل ديني بالمعنى الدقيق، هو البنية الذاتية للواقعية الإنسانية كوجود من أجل الآخرين، وكوجود في العالم. وتبدو الواقعية الشخصانية في النهاية تبريرًا جديدًا للاهوت العقائدي، صحيح أن التحول والنقل للاهوت العقائدي بعد «رد» الحوادث التاريخية كعلوم وقائع، من أجل إدراكها كماهيات للتجارب الإنسانية، وبالتالي كحقائق إنسانية، أمور ممكنة، ولكن لماذا لا يتم التوجه مباشرة إلى الحقائق الإنسانية دون المرور بهذا التحول؟ واللاهوت العقائدي نفسه ليس إلا تجارب إنسانية تكلست من خلال تاريخ العقائد الطويل.

(٧) الغاية الوعظية في نقد المنهج الظاهرياتي٥٤

ويظهر الغرض الوعظي بجلاء في نقد منهج الفهم؛ أي الوصف الظاهرياتي.

  • أولًا: إن ضرورة إعادة إقامة المبادئ الميتافيزيقية للإثبات الألوهي مناقض للمنهج الظاهرياتي؛ فالظاهريات خالية من أي مبدأ ميتافيزيقي خارج عنها، هي فلسفة كعلم محكم دونما حاجة إلى أي «ترقيع» ميتافيزيقي، وعلى العكس، الميتافيزيقا ممكنة بعد الظاهريات حتى تتأسس على التجربة، كما أن الظاهريات لا تنشغل بإثبات أو نفي ألوهي؛ هي منهج مستقل يتعامل معه وعي محايد ابتداءً من بداية جذرية، ولا يفترض أي نتيجة مسبقة، ولكنه بحث يتلمس الموضوع الذي ينكشف تدريجيًّا خطوةً خطوة. قد تكون الظاهريات في قصدها غير المعلن أو في مرحلتها الأخيرة حدسًا دينيًّا عميقًا، ولكن هذا لا يعطي أي حق في إلحاق أي إثبات ألوهي بها أيًّا كان،٥٥ وقد يكون الإثبات الإلهي مطلبًا لتقريظ ممكن لإثبات وجود «الله».
  • ثانيًا: إن ضرورة ربط مشاكل النشوء بمشاكل البنية قدَّمتها الظاهريات النشوئية من قبل في مقابل الظاهريات النظرية، والظاهريات الحركية في مقابل الظاهريات السكونية، تعطي الظاهريات من قبلُ نماذج للدراسة النشوئية في المنطق وفي الحضارة.٥٦ مشاكل النشوء إذن ليست غريبة على الظاهريات؛ لأن الغاية مرتبطة دائمًا ﺑ «اللوجوس»، ولا تقع الظاهريات في العلوم التفسيرية، وفي ظاهريات الدين للظاهريات النشوئية دورها الرئيسي في البحث عن النواة الأولى للمعطى الديني مع التخلص من شوائبها التاريخية المعلقة عليها أو المتسربة إليها، كما تحقق ذلك ببراعة في عملية ظهور المقدس في العقلية الإسقاطية.٥٧ ربما كانت الغاية من مشاكل النشوء المقترحة إثبات العقائد القائمة باعتبارها نتائج نشوء العقائد الأولى وتكوينها عبر التاريخ.
  • ثالثًا: ضرورة وجود مقاييس أنطولوجية هو أيضًا نوع من «الترقيع» ترفضه الظاهريات كعلم مستقل قائم بذاته، فضلًا عن أن الظاهريات تتضمن أنطولوجيتها الخاصة بها أنطولوجيا المناطق كافية لكل أنطولوجيا جذرية، ولها ميزة السيطرة على المناطق لأنها تنبثق من الشعور، الأنطولوجيا فقط تخاطر بوجود موضوعات ليست مناطق للشعور، ربما تكون المقاييس المطلوبة مجرد وسائل لتبرير مقولات المسيحية ومخططاتها دون بحث مسبق هل تكون أم لا مناطق للشعور.٥٨
ومن وقت لآخر وطبقًا لحاجات الوعظ، تُنقد الظاهريات الترنسندنتالية كمثالية أو حلولية مغلقة أو زمانية خالصة أو ثنائية جديدة بين فعالية البدن وسلبية الروح.٥٩ والواقع أن مثالية الظاهريات ليست صورية فارغة، بل مثالية تجريبية وملاء، والحلول الظاهرياتي ليس خلطًا بين المثال والواقع، بل غوص في أعماق الأشياء لإدراك ماهياتها، والزمانية الظاهراتية ليست إلا نمط حضور للخلود. وأخيرًا، الثنائية الظاهراتية هي وظيفة مزدوجة للشعور، وكقصدية تكوِّن الموضوع، وهو الروح، وكمركز للحركة في العالم، وهو البدن، وكيف يمكن إقامة ظاهريات لما يفوق الطبيعة إذا كان الموضوع في الظاهريات موضوعًا حالًّا بالأساس؟٦٠ لم تستعمل الظاهريات إلا كي تعطي أساسًا حديثًا أو تحديثًا للاهوت الرسمي، وليست تقويمية لتصحيح الموضوع والمستوى والأساس، وهل كل معالجة للاهوت القائم تُسمى ظاهريات؟
وفلسفة الدين مطعمة بالظاهريات بين الحين والآخر، هي أساسًا عود إلى الأشياء ذاتها، وليست نصوص الوحي أو النصوص المقدسة أو النصوص الدينية إلا وصفًا للحقائق الإنسانية؛ أي الوقائع.٦١ وفلسفة الدين ليست تأملًا نظريًّا في العقائد التاريخية، بل البحث عن هذا الواقع الإنساني الذي تصفه نصوص الوحي، والتي تم تشويهها في النصوص المقدسة أثناء نقل الوحي شفهيًّا ثم تدوينها وضياعها تمامًا في النصوص الدينية، وفي نفس الوقت بحث عن الواقع الإنساني المقابل في العالم الخارجي، وهذا البحث الأخير ممكن بمنهج التحليل النظري للخبرات اليومية، ويقوم على نظرية الإدراك يقوم فيها نص الوحي كنواة من صورة الشعور إلى مضمونه مقابل الموضوع الحي الذي يخرج منه شعاع مقابل من مضمون الشعور إلى صورته.٦٢ وهكذا تؤدي فلسفة الدين بالضرورة إلى منهج تأويل ضروري لفهم النص مع التحليل الوجودي للواقعة الإنسانية. ولو قامت فلسفة الدين بالعودة إلى الأشياء ذاتها لتخلصت من كثير من الخلط بين النص والتجربة، وبين الوحي والتاريخ، ولتخلصت أيضًا من اللغة الدوجماطيقية للعقائد التاريخية وأسماء الأعلام من أجل اقتناص الحقائق الإنسانية.٦٣ والفصل (جزء من الكتاب) ليس قطعة من التاريخ بل جانب مكتشف من الشيء ذاته.

(٨) عيوب منهج الفصل٦٤

ولمنهج الفصل القائم على التحليل النظري والنقدي ميزاتٌ كثيرة حتى من مجرد التسمية، ومع ذلك فعيوبه كثيرة، ويتكون، طبقًا لأسسه، من تحليل نظري ونقدي.

  • أولًا: التحليل النظري من حيث المبدأ جزء من المنهج الظاهرياتي الذي رُفض من قبل كمنهج للبحث في فلسفة الدين، والتحليل النظري للخبرات اليومية هو الجزء الرئيسي في المنهج الظاهرياتي الخام قبل أي عقلنة لمفاهيمه أو أي ترتيب لقواعده أو أي صياغة لمصطلحاته؛٦٥ فالتحليل النظري من ناحية والخبرة اليومية من ناحية أخرى يكوِّنان جانبَي المنهج الظاهرياتي؛ ومن ثَم فإن التحليل النظري الذي يقوم عليه منهج الفصل هو نوع من التفكير ابتداءً من معطيات التاريخ في الظاهرة الدينية، هو تفكير في اللاهوت العقائدي أكثر منه تفكيرًا قائمًا بذاته مستقلًّا عن أي مضمون للتفكير. وبتعبير آخر، التحليل النظري هو نوع من اللاهوت الجديد، يأخذ العقائد القائمة ويبحث عن أفضل جانب ترتكن عليه، وأفضل واجهة تُعرَض فيها؛ فالتفكير ليس من جانب صورة الشعور بل من جانب مضمونه، فقد استقلاله التام كي يصبح مادة خالصة، والتحليل النظري لا يأخذ النقد شريكًا له؛ فالنقد بُعدٌ آخر للشعور، بل التجربة الحية في الحياة اليومية. النص من جانب والتجربة من جانب آخر هما مادة منهج التحليل النظري للخبرات اليومية؛ فالواقع أن النصوص، بعد التحقق من صحته بالنقد التاريخي، أمام الشعور. والشعور هو تراكم الخبرات الحية، النص صامت؛ يحتاج إلى تمثل المعنى، ويقوم الشعور بهذا الدور. يحتوي النص على المعنى كإمكانية مثالية، ويتضمن الشعور هذا المعنى كإمكانية واقعية، والتأويل هو إيجاد التماثل بين المعنى المثالي في النص ودلالة الخبرة الحية، وكلٌّ منهما يحيل إلى الآخر فيتم الفهم، يقوم المعنى المثالي بدور القبلي في نظرية المعرفة، هو شعاع من صورة الشعور إلى مضمونه، يجعل الإدراك ممكنًا إذا ما قابله شعاع آخر من مضمون الشعور إلى صورته، ثم يصبح بعد ذلك مثالًا للعمل، ويكوِّن البنية المثالية للعالم ثم تصبح بعدها بنية واقعية بالعمل، ولا ينتمي هذا التحول إلى التحليل النظري بل إلى التحقق العملي، لم يعد دور الشعور النظري بل دور الشعور العملي.

    وينقص منهج الفصل الذي بنت عليه فلسفة الدين آمالًا كبيرة شيءٌ واحد، وهو الفصل! إذ إن فلسفة الدين الذي انتهى إليها منهج الفصل، خليط من الدين والفلسفة، والتاريخ والعقائد، ولو أن العلاقة بين الدين والفلسفة قد تحدَّدت من قبل، وهذا هو الدور المنوط بالفصل، لأمكن الوصول إلى الأنواع الثلاثة في فلسفة الدين، وتجنب الخلط بينها، ويمكن لمنهج الفصل أن يقدم خدمة جليلة لو استُعمل كإجراء للتمييزات الأساسية في كل ميدان يحدث فيه الخلط، ولانضم إلى المنهج الظاهرياتي الذي يبدأ عادةً بتمييزات أساسية، حينئذٍ يكون لمنهج الفصل فضل الفصل بالفعل.

  • ثانيًا: النقد الذي يكوِّن مع التحليل النظري أساس منهج الفصل هو يقينًا نقد، ولكنه نقد فلسفي وليس نقدًا تاريخيًّا. صحيح أن اللاهوت العقائدي في حاجة إلى نقد فلسفي، من أجل إقامة العقائد على أفضل أوجهها العقلية، كما أنها في حاجة إلى نقد تاريخي، من أجل ربطها بمصادرها الصحيحة في معطى الوحي. نقد التحليل النظري هو فقط نقد فلسفي للاهوت العقائدي من أجل صياغة فلسفة للدين لتحقق نفس الغرض؛ أي تأسيس «علم الله». صحيح أنه تمَّت دراسة مقولة الذات، ولكن سبقتها مقولة المطلق الذي تنفتح عليه الذات، وقد أدى النقد إلى فهم أفضل للدين، بالنسبة للاهوت العقائدي، ولكنه ظل خاضعًا لمنطلقاته.٦٦ النقد من حيث المبدأ هو النقد التاريخي، يتناول المشكلة من أساسها؛ أي الصحة التاريخية للنص المقدس، وكل تحليل نظري غير مسبوق بالنقد التاريخي ينتهي إلى الفشل إذا كان للنص درجة ضعيفة من الصحة التاريخية أو كان غير صحيح على الإطلاق. مهمة النقد التاريخي استقبال معطى الوحي من فم المبلغ وتتبع مساره في التاريخ كتراث شفاهي أولًا، ثم كتراث مدوَّن ثانيًا، وما إن يثبت أن نص الوحي يحتوي على نفس الكلام المسموع من فم المبلغ، في هذا الوقت، وفي هذا الوقت وحده، يتدخل التحليل النظري من أجل فهم معنى النص؛ ومن ثَم يسبق النقد التاريخي التحليل النظري. وهما مهمتان متميزتان يقوم بهما وعيان متميزان؛ الوعي التاريخي، والوعي النظري.

    وينقص منهج الفصل كل قواعده العملية؛ إذ يتكون من مجموعة من الملاحظات العامة على فلسفة الدين حتى قبل نشأتها، ودون الاعتماد على الملاحظات الأولية، يتكون منهج الفصل من لحظتين؛ عملية الوحي والفهم الشرعي له أو الوصف القائم على المقاييس.

والملاحظتان الأوليتان تمهِّدان للمنهج؛ الأولى أن السذاجة والافتراض المسبق لا يتزاوجان كما يريد منهج الفصل، بل على العكس يتعارضان؛ فالسذاجة تنفي الافتراض المسبق. الأولى حياد الشعور في بداية جذرية، والثانية وضع للشعور في حالة افتراض مسبق، وحكم سابق، بل إنه ليس تغيير الحياد؛ لأن ذلك لا يأتي إلا بعد الحياد الذي يرفض الافتراض المسبق. الشعور أولًا محايد، ثم يتوجه طبقًا لمعطى الوحي الذي يقوم بوظيفة القبلي، والشعاع من صورة الشعور إلى مضمونه أو الشعاع الذاتي الموضوعي في الإدراك، هذا القبلي ليس مصادرة متخفية أو ظاهرة، بل يدخل في بنية الشعور بمجرد ما يواجه نص الوحي، وهكذا لا يوجد أي استدعاء واعٍ لأنها محكومة بحياد الشعور.٦٧ والنقاط التي تلخص الملاحظات إما بديهية أو مختلطة،٦٨ مثلًا لا تستغني أي دراسة نقدية عن الفلسفة، وتعلن هذه الفلسفة عن نفسها على الملأ، وفلسفة الدين لا تستحوذ على موضوع الدراسة. ومع ذلك، القول بأن فلسفة الدين لا تقوم إلا على أساس تيار فلسفي معين من بين تيارات أخرى في حاجة إلى مزيد من التوضيح، أي فلسفة للدين؟ هل تبرير الدين كما كلسه اللاهوت؟ وبأي فلسفة وفي أي عصر؟ هل يتم تحويل الدين إلى فلسفة ثم نقلها بمساعدة هذا التحويل؟ وأي بحث في فلسفة الدين؟ في النوعين الأولين الفلسفة ضرورية للدين لتبرير النوع الأول وتحويلها إلى الثاني، وفي النوع الثالث يتأسس الدين كبحث استقصائي من شعور محايد ابتداءً من بداية جذرية، ويمكن إنارته بالظاهريات بسبب التجانس المطلق بين الاثنين، أما إذا أحلت فلسفة الدين محل الدين فإنه حكم غامض، وذلك لا ينطبق على فلسفة الدين كتبرير، يمكن أن يحدث ذلك في فلسفة الدين كتحويل أو نقل إلى حد كبير، وتستطيع ذلك تمامًا فلسفة الدين التي تقوم على الظاهريات؛ لأنها هي الدين نفسه في أصله ونقائه.٦٩
وتبين الملاحظة الثانية فيما يتعلق بالدين الحي والتباين النقدي الهدف الوعظي الواضح لفلسفة الدين التي ستتأسس فيما بعد، وقد استُدعي الدين الحي لتحقيق مصالحة بين الدين والتفكير، وبين الدين والحضارة. ويقترح التباين النقدي مستويين للشعور، لو نقد أحدهما ظهر الآخر؛ ومن ثَم لا يخشى الدين من الفصل النقدي بعد استبعاد خطر النقد، وأقفل الطريق على النقد بحيث لم يعد إلا نمطًا جديدًا من العقل اللاهوتي، لم يكن هدف الفصل إلا ارتكاز العقائد على أفضل أركانها.٧٠ وتعني عملية الوحي أيضًا نقل الوحي المكتمل، المرحلة الأخيرة من تطوره، من المبلغ الأول إلى السامع الأخير، وهي عملية تاريخية تتحقق في وعي الرواة، ويتحكم النقد التاريخي في هذا المسار لأن مهمته هي البحث عن الصحة التاريخية لنص الوحي، يعني مسار الوحي أيضًا المراحل المتتالية لفهمه ابتداءً من مبادئ التشابه في اللغة حتى التحليل النظري للخبرات اليومية للانتهاء إلى البنية القبلية للوحي، وهي مهمة التحليل اللغوي من أجل فهم معناه. وأخيرًا يعني مسار الوحي التحقيق العملي لمعطى الوحي كنظام مثالي للعالم،٧١ ويتضمن تحليل مشروع الوحي كقصد وفعل وأنماط للسلوك، ومسار الوحي الذي يقترحه منهج الفصل مسار مادي، يبدأ من الموضوعات، ثم مسار لاهوتي يحيل إلى «الله»، نص الوحي ليس موضوعًا بل هو كلام منقول ومفهوم ومحقق بالفعل، ولا يحيل الكلام إلى أحد غير الشخص الإنساني. هو قصد تجاه الإنسان، الوحي قصد إلهي نحو الإنسان، وخطأ اللاهوت تصوره للوحي كقصد إنساني نحو الله، وهو قلب للوضع، وعلى نقيض القصد الإلهي.
وأول لحظة في منهج الفصل، مسار الوحي، ويتضمن ملاحظتين: الأولى رؤية الله من خلال الموضوعات الموحية، ومسئولية الإنسان عن تمثل الله.٧٢ ومسار الوحي أكبر من ذلك وأكثر شمولًا؛ إذ يعني مسار الوحي في التاريخ، وفي هذه اللحظة تتم دراسة المراحل المختلفة المتتالية للوحي حتى تحققه في المرحلة الأخيرة، هذا المسار موضوع فلسفة التاريخ الديني، وليس التاريخ المقارن للدين، يتبع الأول فقط تطور الوحي، في حين يدرس الثاني الآثار التاريخية داخل الوحي أثناء تطوره أو بعد اكتماله، هذا فضلًا عن أن التاريخ المقارن للدين يقوم بشيء غير مهمته الخاصة، يضع الوحي على نفس مستوى التدين التاريخي لما يُسمى الشعب البدائي لبيان سمو الأول على الثاني، موضوعات الوحي علامات الطبيعة، وتتجلى في الخبرات اليومية، فإذا كانت دلالاتها متطابقة مع المعاني المفهومة من نصوص الوحي ابتداءً من التحليل اللغوي، في هذه الحالة تكون الموضوعات موحية بالله، حيث إن الموضوع خبرة يومية، والله كلام الوحي. وإذا كان الإنسان هو المسئول عن تصوره لله، فهذا ما يؤكده تاريخ الدين المقارن؛ فقد خلق الله الإنسان على صورته وأعادها الإنسان إليه! ويبرهن أيضًا النقد التاريخي للنص المقدس على أن العقائد البدائية من خلق الجماعة الأولى لحاجة التبشير والوعظ الديني، ويشهد على ذلك مدرسة «تاريخ الأشكال الأدبية» الذي كان هدفه تخليص النص من شوائبه التاريخية.٧٣ وعلى العكس من ذلك استُعمل هذا الإثبات لتبرير الآثار التاريخية، بالإضافة إلى أن مسار تجلي المقدس الذي يوجد «في الواقع» لا يوجد من حيث المبدأ في دين الوحي، بينما يمكن أن يوجد «في الواقع» و«من حيث المبدأ» في الدين التاريخي.
وكان يمكن من خلال اللحظة الثانية في المنهج، الفهم التشريعي أو الوصف القائم على المعايير، تطهير النواة الأولى من شوائبها التاريخية، ولكنها اكتفت بمسار تجلي المقدس دون إصدار أحكام عليها، والبرنامج التنفيذي مثير: وصف الأبنية الدينية طبقًا لمنهج للفهم، وهي مهمة التحليل اللغوي، ودون نسيان أي تعاليم من الجوانب الموضعية؛ أي التاريخ، وتلك مهمة النقد التاريخي، وإضافة مبحث للوجود (أنطولوجيا) أو مبحث للقيم (أكسيولوجيا) إلى الظاهريات يسمح للوصف بالبحث في جذور الحركية الروحية وتبريرها له، وتلك مهمة التحقق العملي.٧٤ يحتوي البرنامج المقترح إذَن بطريقة ضمنية الأبعادَ الثلاثة للشعور، وتقسيم الحركية إلى روحية وموجَّهة وتعبيرية ما زال تقسيما مبكرا كي يُستخدم كتخطيط ما للوعي العملي،٧٥ ويضم الفهم الشرعي توصيتين: تراتب مستويات الشعور، والتقسيم إلى مقولات ومخططات، وتحتوي مستويات الشعور في الحقيقة على مذهب صغير، الإنسان الذي يتكون من ثلاثة مستويات: العقلي بين المعقول والمحسوس موجود بين الله والمادة.٧٦ ومن المبكر أيضًا صياغة ذلك أثناء البحث عن منهج لتصور مخطط لمستويات الشعور، ومع ذلك «الله» والمادة موضوعان بين قوسين، الإنسان وحده هو نقطة البداية، ونظام الإنسان ليس المحسوس والعقلي، وإذا كان المعقول المحسوس معروفًا فما الفرق بين العقلي والمعقول؟ ليس نظام الإنسان من أجل نظرية في المعرفة، ولكنه ينتمي أيضًا إلى الوجود، ومقولة الوجود من بين المقولات الأخرى، ومخطط مستويات الشعور خليط مركب بعضه فوق بعض من مفاهيم فلسفية لاهوتية.
ويمكن جعل مخطط مستويات الوعي أكثر فهمًا بطرق عديدة. أولًا: للوعي حتمًا بنية، وأبعاد الشعور الثلاثة، الشعور التاريخي والشعور النظري والشعور العملي، يمكن أن تحل محل الخطط المقترحة. الشعور التاريخي هو الله باعتباره كلامًا للنقل، والشعور النظري هو الإنسان وهو بصدد فهم الكلام، والشعور العملي هو المادة كعالم يقاوم فيه الإنسان ويكدح فيه. ثانيًا: معطى الوحي له بنية قبلية تتكون من الموحى به، والعقلي، والواقعي. الوحي هو «الله» في صورة كلام مُرسَل، والعقلي هو الإنسان كفهم وعقل، والواقعي هو المادة كواقع يعيش الإنسان فيه. ثالثًا: في بنية نص الوحي هناك اللفظ والمعنى والشيء نفسه؛ اللفظ هو «الله» باعتباره لغة، والوحي لغة كذلك، والمعنى هو الإنسان باعتباره أصل الدلالة، والحالة الشيء ذاته الذي يدل والذي يعبر عن ذاته. ويمكن لهذا المخطط الصغير لمستويات الشعور أن يُستعمل ليس فقط لبنية الشعور الديني أي الذاتية، بل أيضًا لبنية الحضارة وتطورها؛ أي الذاتية المشتركة؛ فالواقع أن الله والإنسان والمادة تكوِّن صورًا للروح والوجود والطبيعة، وطبقًا لنظام معين، الطبيعة والروح والوجود تكوِّن قانونًا لبنية الوعي الأوروبي وتطوره، فيما يتعلق بالبنية، الطبيعية والروح والوجود تكوِّن ثلاث مناطق بعضها فوق بعض، منفصلة أو متعارضة في الوعي الأوروبي: العلم للطبيعة، والدين للروح، والوجود للفلسفة.٧٧ وفيما يتعلق بالتطور، تسود فلسفة الطبيعة العصر المدرسي، وفلسفة الروح فلسفة العصور الحديثة، وفلسفة الوجود فلسفة العصر الحاضر؛٧٨ ومن ثَم كان يمكن للمخطط الصغير لمستويات الشعور أن ينتهي إلى نتائج باهرة لو بلغت نتائجه مداها الأقصى دون أن تكتفي بأن تكون مجرد تراصٍّ فوق بعض لتصورات فلسفية لاهوتية.
وأخيرًا كان التقسيم إلى المقولات والمخططات «مهمازًا» قدَّمته الفلسفة في العصور الحديثة خاصةً الفلسفة النقدية؛٧٩ فالمقولة هي وحدة المعقول والعقلي، والمخطط هو وحدة العقلي والحسي طبقًا لمستويات الشعور، وبتطبيق هذا المعيار في التمييز المقولات والمخططات التي تكون المشروع المتكامل لفلسفة الدين، من الملاحظ أن المقولة أكثر عيانية من المخطط، مثلًا مقولة «الله» أكثر عيانية من مخطط المفارقة. تعطي المقولة الموضوع الخاص، ويعطي المخطط الدلالة، وطبقًا للوصف النظري، العكس هو الصحيح، تعطي المقولات الدلالة في حين يعطي المخطط الموضوع الخاص، ويبرهن التقارب بين المقولة-المخطط والفكرة-الموجهة، الصورة الأصلية، على الإثبات العملي المضاد للوصف النظري، الفكرة الموجهة أكثر عمومية، والفكرة-الأصل أكثر عيانًا.٨٠ وهدف القسمة إلى مقولات ومخططات أساسًا الفهم وليس النقد التاريخي أو التحقق العملي، ومفاهيم النقد التاريخي هي مفاهيم العلوم التاريخية، وهي مستنبَطة من مناهج البحث في العلوم التاريخية، ومفاهيم التحقق العملي هي أنماط السلوك مثل: العمل، القصد، الممكن، الواقع، العقبة … إلخ. وهي ليست تصورات مفروضة سلفًا، بل وصف لميدان العمل، فهم معنى النص المقدس وحده هو الذي يستعمل المقولات والمخططات. وهي أساسًا كلمات-مفاتيح، مأخوذة من اللغة دون أن تكون عقائد. مثلًا: الحقيقة والمجاز، المحكم والمتشابه، المجمل والمبين، وربما أيضًا الحرفي والروحي دون الدخول في الإشكال الصوفي، المقولات والمخططات التي تكوِّن مشروع فلسفة الدين هي عقائد تاريخية مرتبطة بطريقة أو بأخرى بمترادفاتها الفلسفية، القصدية الحية، الرؤية المثالية، أو حركية الماهية. هي جوانب مختلفة للشعور العملي، ووظيفته تحقيق معطى الوحي كنظام مثالي للعالم، الشعور العملي منطقة وجود تند عن المقولات والمخططات التي ما زالت مرتبطة بالمعرفة، والتخطيط الوجداني ليس من نفس طبيعته التخطيط المعرفي.٨١

(٩) حدود محاولات فلسفة الدين٨٢

لفلسفة الدين ثلاث مهام:
  • (أ)

    النقد الفلسفي لمعطى الوحي، ويشمل:

    • نقد اللغة الدينية.

    • نقد البنيات الدينية ابتداءً من مصادرها في تطورها ومعانيها.

    • الحكم الشامل على القصدية التي تستعمل هذه البنيات في المستويات المختلفة للشعور.

  • (ب)

    مناهج بحث علم الدين التي تحتوي على مناهج خاصة في:

    • تاريخ الأديان، أشكالها، الدراسات المقارنة.

    • التأويل.

    • الوعظ أو التبرير أو الدفاع.

    • اللاهوت مع إمكانية علم النفس الديني، وظاهريات الدين، وعلم الاجتماع الديني.

  • (جـ)
    النقد المعرفي للبحوث الدينية الفعلية، وتتضمن نقد مذاهب اللاهوت الوعظي، وتاريخ الأديان … إلخ.٨٣

هذه المهمة الثلاثية نسق عقلي، ومع ذلك ليست المهمة الثانية، مناهج بحث علم الدين، مهمة مستقلة؛ فالعلوم الدينية جزء من دراسة فلسفة الدين للمعطى الديني، ويقدم تاريخ الدين مادة النقد التاريخي، ويقدم التأويل التاريخي أيضًا مساهمته في النقد التاريخي، في حين أن التأويل كمنهج للتفسير يكوِّن مادة التحليل اللغوي لفهم معنى نص الوحي، والوعظ واللاهوت يضلان الطريق، ويسيران معًا جنبًا إلى جنب. الأول لاهوت خطابي، والثاني وعظ عقائدي. ولا يكوِّنان أي علم ديني، والظاهريات الدينية ليست علمًا مساعدًا يُضاف مع علم النفس الديني وعلم الاجتماع الديني إلى العلوم الدينية الرئيسية: تاريخ الأديان، الوعظ، التأويل، اللاهوت … إلخ. وتحتوي الظاهريات منذ البداية في داخلها علم النفس الديني في صورة علم النفس الوصفي أو علم النفس النظري لتجنب النزعة النفسانية في علم النفس الديني، وتحتوي أيضًا على علم الاجتماع الديني في صورة التجربة المشتركة لتجنب النزعة «السوسيولوجية» أيضًا، وتستطيع الظاهريات ذاتها أن تخطو خطوة إلى الأمام كي تصبح ظاهريات الدين، ثم بعد ذلك ظاهريات التأويل.

إن أول مهمة لفلسفة الدين، النقد الفلسفي لمعطى الوحي، وثالث مهمة، النقد المعرفي للدراسات الدينية الفعلية، يسيران جنبًا إلى جنب، وعلاقة الأولى بالثانية مثل علاقة العام بالخاص، وعلاقة المعيار بالمُعار، وعلاقة النظرية بالتطبيق؛ فالواقع أن النقد الفلسفي للمعطى الديني الذي يمكن أن يكون من أي دين تاريخي يضع سؤال المعايير العامة لكل بحث ديني، فهل حقَّق النقد مهمته الثلاثية: نقد اللغة الدينية، ونقد البنية الدينية، والنطق بحكم شامل؟

والرد بالنفي. أولًا: لم يتم نقد اللغة الدينية؛ فالمصطلحات الدينية خاصةً مصطلحات اللاهوت العقائدي ما زالت باقية: الله، الكلمة، الخطيئة، الكنيسة … إلخ.٨٤ مهمة نقد اللغة الدينية وتطهيرها لجعلها أكثر شمولًا وإنسانية وانفتاحًا، ولم يقم النقد بهذه المهمة. ثانيًا: لم يتم نقد البنيات الدينية تمامًا؛ فقد تم نقدها من أجل إعادة بنائها على أحسن وجه، ومن أجل إعادة التركيب على نحو أفضل، كان الهدف من نقد المقولة إثبات المخطط؛ مما يؤدي إلى نفس نقطة البداية، وكأن النقد لفهم البنية ليس للبنية ذاتها، نقد السطح، وليس نقد العمق. صحيح أنه تم تتبع نشأة البنية وتطورها بطريقة رائعة، ولكن لم يحدث وصف مسار تجلي المقدس كمسار طبيعي حتمي، يقبل الوصف كواقع دون رفضه كمبدأ، وهكذا لم يُستعمل معنى النص كمعيار لمسار تجلي المقدس للحكم عليه. وهذا يقود إلى المهمة الثالثة، وهي إصدار حكم شامل، وهو ما لم يتم حتى الآن. كان الفهم التشريعي فهمًا خاليًا من أي معيار، وهذا يعود في آخر المطاف إلى معنى لفظ «نقد»، لا يعني «نقد» الحكم على ما هو موجود «في الواقع» لأنه موجود في المبدأ، بل يعني فقط فهم ما هو موجود بطريقة أقل عُرضة للتجريح مما هو عليه الآن؛ ومن ثَم فإن المهمتين الأولى والثالثة اللتين تتكاملان لم يتم القيام بهما، ولم تنتهِ فلسفة الدين إلى وضع معيار لكل دين ممكن؛ لأن النقد لم يتم إلا إلى المنتصف، وتوقف في منتصف الطريق، ولم ينتهِ إلى نقد للديانات الخاصة لأن النقد كان سلفًا فهمًا جديدًا لدين خاص، وهو الدين المسيحي.
وفي النقاط الاثني عشر للبحث، والتي تكوِّن فلسفة الدين، النقطة السادسة وحدها، مقولة الحدوث أو الحادثة، ومخططات الوحي والإلهام والعهد، يمكن أن تحتوي على بعض عناصر النقد التاريخي، وبوجه خاص مخططات الوحي والإلهام، وقد تمت دراسة الموضوعات الأربعة الأولى من قبل مع انتظار الباقي، وتتردد كل النقاط الأخرى بين أشكال الفهم وأشكال العمل (البراكسيس). ويسيطر عليهما معًا اللاهوت العقائدي؛ فمثلًا يمكن أن تشير مقولة المطلق إلى القصد الشامل لمعطى الوحي، كما يشير مخطط المفارقة إلى وجوده الواقعي والموضوعي، وكذلك تشير مقولة الذات إلى القصد الفردي، كما تشير مخططات النفس إلى القصدية الفعالة، ويمكن التحقق من مقولة الفضل ومخططها فيما يفوق الطبيعة في السلوك، في قوة الفرد الهائلة واللاإرادية في الفعل البطولي، أما مقولة الإيمان ومخططاتها الواقعية والعقائدية أو مع مخططاتها العقائدية بالمعنى الدقيق فإنها خليط من التاريخ والعقائد، ومضمون الإيمان ليس إلا الحقيقة الإنسانية التي تم تمثلها من نص الوحي والمطابقة للواقعة الإنسانية مصدر السلوك، ويمكن التحقق من مقولة المعجزة ومخططاتها في المعجز في تجربة السلوك في العمل الخارق للعادة للبطل، وتثبت مقولة الخطيئة ومخططاتها حول أشكال السلوك في مستويات الوجود في السلوك الإنساني ودرجات الالتزام، وتنفي البراءة الأصلية للشعور الوجود الفعلي والجذري للشر، كما تنكر المسئولية الفردية كل خطيئة أولى، وأخيرًا تنتمي مقولة الإحسان ومخططاتها الاجتماعية أيضًا إلى أشكال السلوك فيما يتعلق بالتجربة المشتركة الواقعية أكثر من التجربة المشتركة المعرفية، أما مقولة الكلمة ومخططات الرابطة فهي أساسًا مقولة للفهم؛ إذ تشير الكلمة إلى التحليل اللغوي؛ فاللغة هي الرابطة بين النص والشعور، وأخيرًا تنتمي مقولة الشامل أيضًا إلى الخصائص الجامعة لمعطى الوحي؛ فمعظم النقاط التي تكون خطة فلسفة الدين تدور حول السلوك، ومن حين إلى آخر حول النظر، ومرة واحدة حول التاريخ.٨٥

ولا تكون فلسفة الدين ممكنة دون نقد تاريخي مسبق للنص المقدس؛ فالنقد التاريخي هو العلم الوحيد الدقيق الذي بإمكانه إعطاء أساس لكل تحليل نظري لفلسفة في الدين، وأيضًا لظاهريات الدين، وأهمية ظاهريات التأويل هو إدخال النقد التاريخي في التحليل النظري القائم على اللغة والتحقق العملي في بنية ثلاثية الأبعاد للشعور، ويمكن استخدام مقولة الذات مع مخططات النفس طريقة للعمل للبعد الثالث للشعور الديني؛ أي التحقق العملي، وهي أكثر المقولات تفصيلًا من الناحية الفلسفية لأنها خالية من المفاهيم اللاهوتية والدينية، وكل الأجزاء الأخرى مثل: مقولات الفضل ومخطط الخارق للعادة، ومقولة الإيمان والمخططات الواقعية والعقائدية، ومقولة الله ومخطط المفارقة، وكل المقولات والمخططات التي ما زالت قيد الدراسة تتراوح بين التحقق العملي والتحليل النظري، بين السلوك والنظر، بين العمل والفكر. ويظل العمل (البراكسيس) تأملات نظرية في الذات كفعل-قانون دون استقصاء في أنماط عمل الذات كوجود في العالم، كما يظل الفهم اللاهوتي السابق التجهيز والعقائد التاريخية قائمًا وسائدًا.

(١٠) نقص الإحكام في التمييز بين المقولة والمخطط٨٦

فلسفة الدين القائمة على تحليل المقولات والمخططات ليست أولًا فلسفة دين لكل معطًى ديني، بل فقط للمسيحية.٨٧ ولو وجدت بعض المعطيات الدينية الأخرى فإن مقولات ومخططات أخرى مثل: الفضل-ما يفوق الطبيعة، الكلمة-التوسط، الخطيئة-الفداء؛ مسيحية تمامًا. فلسفة الدين إذَن هي فقط فلسفة مسيحية، ومن ناحية أخرى ليست مزاوجة هذه المقولة مع هذا المخطط دائمة في كل المعطيات الدينية. مثلًا ليست مقولة الشامل بالضرورة هو مخطط الكنيسة؛ فالشامل في معطيات دينية أخرى له مخططه في الشعور الجماعي، وليس لمقولة الإحسان مخططها بالضرورة في «الجذب» بل في العلاقات الاجتماعية، وليس لمقولة المعجزة مخططها بالضرورة في المعجز، بل في لا حتمية قوانين الطبيعة والحرية الإنسانية، ومن ناحية ثالثة لا يتطلب مخطط معين بالضرورة هذه المقولة، مثلًا توضع المخططات الواقعية والعقائدية لمقولة الإيمان بين قوسين مثل الوقائع، مقولة الإيمان هي مجرد مقولة الذات، والمخططات العقائدية بمعنى الكلمة لمقولة الإيمان توضع أيضًا بين قوسين كأبنية تاريخية خالصة؛ فالإيمان اتجاه مباشر نحو الأعمال.

فالتمييز بين المقولة والمخطط، الأول ينتمي إلى الفلسفة والثاني إلى اللاهوت، ليس دقيقًا؛ فكثير من المقولات مخططات، وكثير من المخططات مقولات. أولًا: المقولة أحيانًا مخطط لأن المطلق تصور فلسفي مثل المفارقة، في حين أن «الله» تصور ديني، ومقولة الذات أيضًا مخطط، ولكنه تصور فلسفي مثل النفس، والخلق تصور ديني؛ ومن ثَم فإن المقولة والمخطط تصوران فلسفيان، يشيران إلى نفس الشيء بلفظين فلسفيين مختلفين. ثانيًا: يكون المخطط أحيانًا مقولة؛ فمخطط ما يفوق الطبيعة تصور ديني تمامًا مثل مقولة الفضل، والمخططات الواقعية والعقائدية والمخططات العقائدية بالمعنى الدقيق وقائع خاصة باللاهوت العقائدي، مثل مقولة الإيمان دون أن تكون على الإطلاق تصورات فلسفية، ومخططات السقوط والفداء والجحيم تصورات دينية، مثل مقولة الخطيئة، دون أن تكون على الإطلاق تصورات فلسفية، ومخطط الجذب تصور ديني مثل مقولة الإحسان. ثالثًا: المقولة أحيانًا مخطط، والمخطط مقولة؛ فمقولة الحدوث أو الحادثة تصورات فلسفية في حين أن مخططات الوحي، والإلهام، والعهد، والخلق، والعناية، وتاريخ الخلاص، والأخرويات، والبعث، والخلود؛ تصورات دينية، ومقولة الشامل تصور فلسفي في حين أن مخطط الكنيسة تصور ديني. رابعًا: ليس للمقولة مخططها الملائم، وليس للمخطط مقولته الملائمة؛ فلمقولة المعجزة مخططها في الحرية الإنسانية وفي لا حتمية قوانين الطبيعة، وليس في مجرد المعجز، ولمقولة الكلمة مخططها في الكلام وليس في المتوسط أو الرابطة، وهي مخططات تنطبق أكثر على الكنيسة كمقولة.

وعلى فرض أن التمييز بين المقولة والمخطط تمييز دقيق ومحكَم، فإن فلسفة الدين الناتجة عن ذلك فلسفة تصورات «محاولة في دلالة المسيحية» ممكنة ابتداءً من فلسفة في الدلالة، والمسار من التصورات إلى الدلالة ليس مسارًا مباشرًا، بل يمرُّ عبر الشيء المقصور والدال، ويكون دور التصور هو مجرد اللفظ، يميل اللفظ إلى الشيء، ويحيل الشيء إلى الدلالة بعد فهمها والتعبير عنها باللفظ، فلسفة التصورات هي فلسفة اللغة بعد تكبيرها ونسبة وحدات عقلية ووجود واقعي للألفاظ أكثر مما لها.٨٨ فلسفة الدلالة بحث في الأشياء حتى قبل أي محاولة لوضعها في قالب تصوري، وتؤدي إلى ظاهريات التجارب السابقة على الحمل المنطقي. فلسفة التصورات إذَن نقيض فلسفة الدلالات. وإذ انتهى منهج التحليل النظري والنقدي إلى فلسفة التصورات، كان يمكن للمنهج الظاهرياتي أن ينتهي إلى فلسفة الدلالات، صحيح كان يمكن لدراسة المقولات والمخططات أن تكون أكثر أهمية لو تمت باسم فلسفة التصورات وليس فلسفة الدين. التصورات موضوعات للدراسة: مصادرها، طبيعتها، علاقاتها … إلخ. وفي هذه اللحظة يخضع للدراسة كل جهاز تصوري للدين خاصةً المسيحية، ولو طُبق المنهج الظاهرياتي لأصبح للتصورات استقلالها بالنسبة لمضامينها، ووجودها الذاتي بالنسبة لمصدرها، ولشمولها بالنسبة إلى النزعات النفسية.٨٩ كان بالإمكان إحالة التصورات إلى مضامينها الحية المثالية، وإلى تجاربها النمطية، وإلى وقائعها الموضوعية في الحياة اليومية. التصورات نصوص دينية؛ إذ يأتي المعطى الحي من التجربة اليومية، وتقدم العلاقة بين النص والتجربة مادة منهج للتأويل؛ وبالتالي لظاهريات للتأويل.

(١١) الخلط بين الفلسفة والدين في مشكلة الله٩٠

مشكله الله في فلسفة الدين ليست على نفس المستوى المرتفع للتحليل مثل مقولة الأنا والفضل والإيمان، والتحليل ابتداءً من بداية جذرية أقل قوة من تحليلات المقولات الأخرى، ويتحدد التحليل عن طريق المقابلة، وتتطلب اختيارًا مثل: الله الحي في مقابل «الله» كما يتصوره الفلاسفة، الرد في مقابل البرهان، الألوهية في مقابل الأنطولوجيا،٩١ اللاهوت الإيجابي في مقابل اللاهوت السلبي، وتدخل هذه المتقابلات وهذه الاختيارات كليةً في تاريخ الفلسفة فيما يتعلق بمشكلة الله، ولكن لم يحلل السؤال نفسه بعيدًا عن النظريات والأنساق الفلسفية التي تحيط به؛ ومن ثَم فإن «مشكلة الله في فلسفة الدين» هي مشكلة الله في تاريخ فلسفة الدين، وبداية مشروع فلسفة الدين بمشكلة الله لم يتم تبريره من البداية؛ إذ تبحث أي فلسفة دين عن نقطة بداية بديهية بداهةً أولية، ولو كانت البداية مقولة الذات لأمكن لفلسفة الدين إيجاد واقع بديهي؛ فالكوجيتو بديهي، في حين أن مقولة الله ليست بديهية، فإذا أُنكرت فمن أين تبدأ فلسفة الدين؟ وفي فلسفة «الكوجيتو» يتم إثبات الله بعد إثبات الكوجيتو، ولكن في فلسفة الدين كيف يمكن إثبات وجود الله أولًا؟ البداية بالله دون تبرير تبين طبيعة اللاهوت العقائدي الذي لم تستطِع فلسفة الدين التخلص منه، بل إن لفظ «الله» نفسه ينتمي إلى اللاهوت؛ فالله الذي درس كمقولة أولى في فلسفة الدين يظل هو «الله» كما يتصوره الفلاسفة، وما هو الفرق بين مقولة «الله» ومقولة الإيمان وهي أيضًا تحليل لله في اللاهوت العقائدي؟ أي تصور لله يتم اختياره، الله في تاريخ الفلسفة أو الله في تاريخ العقائد؟ ما هي العلاقة في الواقع أو من حيث المبدأ للمقولتين؟ هذه المشكلة تركتها فلسفة الدين دون أن تدركها أو أدركتها ثم علقتها، التعارض بين إله الفلاسفة والإله الحي ليس تعارضًا واقعيًّا؛ لأن الفلسفة عرفت الإله الحي.٩٢ كان إله الفلاسفة مرة عقليًّا في بدايات العصور الحديثة، ومرة أخرى حيًّا وجدانيًّا وجوديًّا في العصر الحاضر، والتعارض بين إله الفلاسفة وإله الوحي ليس تعارضًا حقيقيًّا، بل على العكس، إله الفلاسفة عقليًّا أو حيًّا، مفارقًا أو حالًّا، إله العقل أم إله القلب أقرب إلى إله الوحي من إله اللاهوت العقائدي، وهو إله تكوَّن في التاريخ أثناء عملية تجلي المقدس، وهو موضوع الدراسة في مقولة الإيمان، والتحليل النظري لفكر تلقائي هو بحق اكتشاف الفلسفة.٩٣ الله في فلسفة الدين مجموع النظريات الفلسفية، مثل: فلسفة العمل، والظاهريات الترنسندنتالية، وفلسفة الواحد.٩٤ في الأولى، الله حي في مقابل الإله العقلي، وفي الثانية الله قريب من الحلول ونتيجة الرد من أجل اعتباره مرحلة انتقالية، وفي الثالثة وضع مذهب الواحد في تعارض مع الأنطولوجيا مكتفية بالوجود دون الواحد من أجل الارتباط بالحي، ونقد البراهين والأدلة باستعمال الرد، واعتبار الصفات الإلهية كرؤًى قصدية، والمطلق كمطلب وليس لا شخصيًّا، ومع ذلك تسقط هذه الخطوة المتقدمة من أعلى من أجل اللحاق باللاهوت العقائدي بعد أن تم تطهيره نسبيًّا؛ فالله فوق العادة، الله الواحد نوع من موضعة الله في الحوار بين الإنسان والله.٩٥

(١٢) نقص التمييز بين الأنواع المختلفة للنص الديني في مقولة الفضل٩٦

وإذا كان لمقولة الذات ولمخطط النفس بعض النجاح في التحليل بسبب بعدهما عن الأَسر اللاهوتي والديني، فإن لمقولة الفضل ولمخطط ما يفوق الطبيعة مصيرًا مخالفًا؛ فقد كان التحليل مجموعًا من التاريخ والدين والعقائد واللاهوت باسم فلسفة الدين، وأحيانًا باسم المنهج الظاهرياتي.٩٧
والسؤال هو: هل هناك مشكلة فلسفية للفضل؟ وكيف توضع؟٩٨ وهي نقطة جيدة للبداية؛ إذ تؤكد الخبرات الحية في الحياة اليومية واقع الفضل، وهي خبرات الإلهام، والمساعدة غير المنتظرة، وقوة الذات بالرغم من حدود الإرادة، وتجارب أخرى تؤكد الفضل في المظاهر المختلفة للحياة الإنسانية، لم يكن تحليل النصوص الدينية إلا حجرة العثرة.
لم يتم التمييز في المستويات بين النصوص الدينية. أولًا: ليس نص العهد القديم على نفس مستوى العهد الجديد، صحيح يوجد بعض الاتصال بين العهدين، ولكن يوجد أيضًا انقطاع جذري بينهما، لم ينتج الجديد عن القديم بل له أصالته الجذرية، ويمتد هذا التواصل المزعوم إلى درجة الخلط الذي يظهر في لفظ «كتاب» للإشارة إلى العهدين معًا في نفس الوقت، وبالرغم من أن تحديد «العهد القديم» و«العهد الجديد» يشير إلى الاتصال باللفظ المشترك «عهد» كما يشير اللفظان المتعارضان «القديم» و«الجديد» إلى الانفصال، فإن الخلط بينهما ما زال قائمًا. وإن تسمية العهد الجديد قد أسقطت إلى الوراء التسمية الأخرى «العهد القديم» على التوراة ويعني فقط القانون؛ فالجديد هو الذي خلق القديم، كانت تسمية «العهد الجديد» تسميةً وعظية للإنجيل الذي يعني فقط البشارة الطيبة. الألفاظ الصحيحة هي إذَن «الكتاب»، ويشير إلى الوحي المدوَّن، و«التوراة» للإشارة إلى شريعة موسى، و«الإنجيل» إشارة إلى البشارة الطيبة التي أعلنها المسيح. ثانيًا: نصوص الإنجيل ليست على نفس المستوى؛ فالنص المتواتر في الأناجيل الأربعة ليسوا على نفس مستوى نص من الرسائل؛ فيسوع هو المسيح، وليس بولس أو يوحنا أو بطرس أو يعقوب … إلخ. والنص المتقابل في الأناجيل الثلاثة الأولى ليس على نفس مستوى نص الإنجيل الرابع.٩٩ ثالثًا: النصوص الدينية التي تكوِّن الكتب ليست على نفس مستوى الأعمال اللاهوتية التي تكوِّن التراث؛ فتراث آباء الكنيسة اليوناني أو الروماني ليس له أي علاقة بمجموع الكتب المتكاملة، والكتاب هو معيار التراث، وكل أثر تاريخي أساس تكوين العقائد يمكن التخلص منه بالكتاب. رابعًا: ليست الفلسفة تواصلًا مستمرًّا مع الدين، كتابًا أو تراثًا. فمن الناحية التاريخية، الإصلاح والنهضة يكوِّنان انقطاعًا جذريًّا في التاريخ الديني لأوروبا، بل إن فلسفة العصور الحديثة هي الدين نفسه مفهومًا فهمًا صحيحًا لأول مرة، «التأملات» عود إلى «الموعظة على الجبل»؛ فالدور الأساسي لفلسفة الدين هو تحديد العلاقة بين الدين والفلسفة، إما كموضوع مثالي أو كموضوع واقعي، وهو ما لم يتم في مشروع «فلسفة الدين».١٠٠
ومع ذلك قدمت فلسفة الدين نظرية في الأنا الروحي مثل الفعل-القانون. وبعبارة أخرى للشعور قطبان: الأول القانون، والثاني الفعل. القانون مستنبَط من معطى الوحي، ويمثل الوعي العام، وينتمي الفعل إلى السلوك الإنساني، وينبثق من الوعي الفردي؛ ومن ثَم فإن نظرية الفعل-القانون مكسب كبير باكتشافها الوعي الشامل والوعي الفردي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى القصد الشامل والقصد الفردي؛ ومن ثَم إلى الفعل الواضع والفعل القصدي.١٠١

(١٣) ضرورة نقد تاريخي جذري لمقولة الإيمان١٠٢

وقد تمت دراسة مقولة الإيمان كموضوع مثالي دون أي علاقة مع أي مضمون مادي، في حين تتعلق المخططات الواقعية والعقائدية بمضمون الإيمان، ويوضع هذا المضمون بين قوسين، تُرد الواقعة كما تُرد العقيدة القائمة على الواقعة، ويتم تكوين الإيمان كموضوع مثالي، وتقدم بنية الشعور الصوري المادي إلى الذاتي الموضوعي نمطين مقابلين نمط الاعتقاد ونمط الوجود؛١٠٣ ومن ثَم يمكن القضاء في الإيمان على النزعة الصورية للأنساق العقلية للاهوت العقائدي والنزعة المادية للحوادث التاريخية لما يُسمى باللاهوت الوضعي، ولا يكون هناك مكان لمؤسسة أو لرابطة بين الواقعة والعقيدة؛ فقد وُضع كلاهما بين قوسين، كما يمكن استخدام فكرة نواة مضمون الشعور وخصائصها في ميدان الحضور والاستحضار من أجل اقتناص النواة الأصلية للعقائد ابتداءً من تكوينها من نصوص الوحي.١٠٤ ويمكن أيضًا استخدام فكرة الانتقال إلى أبعاد جديدة في تشخيص مضمون التصور من أجل التخلص من كل الشوائب التاريخية التي ساهمت في تكبير العقائد.١٠٥ ولا تأتي قيمة الربط بين الواقعة والعقيدة من الحادثة كواقع تاريخي؛ فقد ثبت بالنقد التاريخي أنها إسقاط من الوعي الجماعي الأول، بل من شيئين اثنين؛ الأول استقلال هذه الرابطة من كل مضمون مادي ووجودها الذاتي كحقيقية إنسانية؛ أي كواقع، والثاني فاعلية هذه الرابطة في السلوك كمصدر للفعل؛ فإذا نقصت الحقيقة التاريخية فهناك الحقيقة الإنسانية والحقيقة العملية.

(١٤) فلسفة الدين ووحدة العلوم الدينية١٠٦

تتضمن فلسفة الدين كل العلوم الدينية الأخرى، والعلاقة بينهما مثل العلاقة بين المنطق والفلسفة، فلسفة الدين شرط كل علم ديني، وتاريخ الأديان والتأويل علوم دينية، ولكن ليس الدفاع أو اللاهوت.

(أ) عيوب الدفاع١٠٧

الدفاع سواء كان مرتبطًا أو مستقلًّا عن اللاهوت ليس علمًا، لا في غايته ولا في منهجه ولا في موضوعه. هو دفاع عن الدين المسلَّم به قبليًّا دون أي فحص سابق أو نقد لغوي أو عملي، هو خطاب يوم الأحد الذي يندُّ عن التحليل النظري، يمارس الخطابة والجدل من أجل تقوية الإيمان في وعي السامع، يقنع أكثر من يبرهن، يقوم على نوع من الحمية الطائفية يُعبر عنها بمنطق شفاهي بالاعتماد على حجج عاطفية وخيالية، ويفرض أشياء من الخارج دون الكشف عنها من داخل وعي الآخرين، وينتمي إلى هذا النوع الإعلان والإعلام والدعاية والتجارة والسياسة وعلوم أخرى من نفس النوع، وتجنيد الشباب ينبع من نفسية المراهق، وليس من الوعي النظري. والخوف والخشية، والمصلحة والأمن؛ ليست أنماط اعتقاد ولا أنماط وجود، ليس الدفاع علمًا، بل هو خليط من تاريخ العقائد والدين والفلسفة والمنطق الوجدان، بل إن الدفاع الرفيع بالرغم من أنه خطاب تربوي إلا أنه في النهاية دفاع.١٠٨ وإذا رجع نجاحه بسبب استعمال العقل والتجربة في نفس الوقت، فإنه يستعمل منهج التحليل النظري للخبرات اليومية. اللاهوت والدفاع من نفس النوع؛ فاللاهوت دفاع عقائدي، والدفاع لاهوت خطابي، اللاهوت دفاع عن العقيدة؛ لأنها تثبت دون أي بحث مسبق ميراث العقائد التاريخية بل والزيادة عليها. كانت العقيدة قبل الأخيرة العصمة البابوية، والأخيرة كانت الحمل العذري.١٠٩ وما زال الأمر مستمرًّا إما على نحو واسع بزيادة العقائد أو على نحو ضيق بالتقنين المستمر لمعجزات جديدة،١١٠ هذا الميل للخلق المستمر لعقائد جديدة ميلٌ دفاعي في حين أن الدفاع هو خطابة اللاهوت، هو اللاهوت الرخيص الثمن، لاهوت الشعب إذا كان اللاهوت العقائدي غالي الثمن، لاهوت العلماء. الدفاع هو لاهوت العاطفة إذا نقص السامعين الذكاء. هو لاهوت للجميع، والحقيقة أن الدفاع الوحيد الممكن هو الدفاع العلمي، وهو أخذ معطى الوحي كافتراض للعمل يثبته أو ينفيه البحث العلمي؛ فمعطى الوحي معطًى إنساني. والبحث دائمًا في العلوم الإنسانية، وبتعبير آخر يأخذ الدفاع العلمي معطى الوحي كحقيقة ممكنة، ويبحث عن عقلانيتها الداخلية؛ أي حقيقتها الواقعية. يحول الحقيقة إلى واقع، ويقوم بتحويل سماع كلام الوحي إلى رؤية الواقع الذي يشير إليه كلام الوحي؛ ومن ثَم يضع الدفاع العلمي منهجًا للتأويل يتكون من إيجاد الواقع المطابق في العالم الخارجي مع حقيقة الوحي المعطى سلفًا.١١١

(ب) رفض اللاهوت١١٢

اللاهوت نموذج العلم الكاذب، ليس له موضوع أو منهج أو غاية؛ فطبقًا للمعنى الاشتقاقي للفظ يعني اللاهوت «علم الله»، والله ليس موضوعًا لأي علم؛ لأن الله ليس موضوعًا. العلم الديني الوحيد الممكن هو العلم الذي يدرس الوحي؛ فالوحي موضوع الاتصال والفهم والعمل، الوحي إذَن هو الطريق الوحيد لتأسيس «علم الله» إذا كان ذلك ممكنًا، الوحي كلام الله معطًى في كلام إنساني.١١٣ الوحي إذَن قصدية متجهة نحو الإنسان، هو أساسًا علم إنسان وليس علم الله، من جهة المرسَل إليه، وليس من جهة المرسِل. ومن أجل تجنب أي مصطلحات معرَّبة، الوحي «أنثروبولوجيا» وليس «ثيولوجيا».١١٤ وتشير الأنثروبولوجيا الآن إلى علم إنساني محدد لا شأن له بالوحي كقصدية متجهة نحو الإنسان، يمكن تسميتها إذَن «علم الذات» أو «علم الأنا»، والظاهريات علم الأنا؛ أي إنها هي الوحي؛ فاللاهوت طبقًا لتعريفه هو الاتجاه المعاكس للوحي، يقلب الوحي ككلام الله متجهًا نحو الإنسان إلى كلام الإنسان متجهًا نحو الله! اللاهوت قلب للوضع. اللاهوتي هو أول من يعصي كلام الله بانحرافه عن القصدية الإلهية، في اتجاه معاكس، ويجعل «الله» منغلقًا على ذاته. والله قد انفتح بالوحي كقصدية متجهة نحو الإنسان. يشخص اللاهوت كلام الله في شخصه، يترك الكلام لاقتناص الشخص، والله نفسه ينكشف ككلام وليس كشخص، كان يسوع آخر معجزة لبني إسرائيل؛ ليذكِّرهم للمرة الأخيرة وإلى الأبد بالحضور الإلهي، وكان مولده ومعجزاته ورفعه آخر براهين على التدخل الإلهي في العالم، إنه اللاهوت طبقًا لعقائد الجماعة الأولى، والذي أحل شخص يسوع محل كلام الوحي، هو اللاهوت الذي وضع يسوع محل الحضور الإلهي.

ليس اللاهوت غاية في ذاته، وتكوين العقائد وتجميع المعتقدات في مذاهب لا تخلق موضوعات عقلية أو حوادث تاريخية. والمعنى المفهوم من النص أساس السلوك دون أن يكون على الإطلاق نسقًا عقليًّا، لا يوجد مذهب عقلي جامع للدين، بل اتجاهات في الحياة اليومية واقتراحات للممارسة (البراكسيس)، ليس «اللوجوس» هو العالم على الإطلاق أو التاريخ أو مادته أو شخص، بل فقط الأساس العقلي للممارسة، الفكر هو العمل الضمني، والعلم هو الفكر في حالة الفعل، معارك العقائد إذَن معارك على الورق دون تغيير حالة العالم قيد أنملة، هجوم مضاد لهجوم، وقضية مناقضة لقضية، وفكرة مخالفة لفكرة. ولا يتجاوز كل ذلك بنية عقلية مجردة، ومجرد تغيير في فاصلة في النص أو وضع نقطة على حرف أو حرف عطف يولِّد أنساقًا لاهوتية كثيرة. والعالم كما هو لم يتغير، ينتظر لحظة تغير اتجاه الفكر نحوه كما حدث بعد ذلك في الإصلاح والنهضة والعلم في العصور الحديثة.

كان غرض اللاهوت إكمال أوجُه النقص في تكوين العقائد أو لرفع التناقض بينها، وكان نتيجة أحداث تاريخية وقت المجامع السكونية الأولى في عصر آباء الكنيسة، ولو أخذت حوادث التاريخ في القرون الستة الأولى مسارًا آخر غير الذي أخذته لأخذت العقائد أيضًا منحًى آخر، ولو أن قيصر أيَّد فريقًا ضد فريق لتغيرت العقائد، وكان يمكن لأقل هبَّة ريح أن تغير تمامًا مسار التاريخ. العقائد أشياء لأنها تشير إلى موضوعات وحوادث وأشخاص ومؤسسات، توجد في الخارج على الإطلاق لأنها تنسب إلى نفسها وجودًا واقعيًّا مستقلًّا عن الشعور الذي خلقها، ثم تكلست وأصبحت مجردة، صورية مغلقة بفضل وضعها في أنساق عقلية مستمرة، في حين أن المعنى المفهوم من النص دلالة خالصة تدل على حقيقة إنسانية يدركها الشعور، وهي مفتوحة على أي دلالة أخرى مشابهة أو مخالفة، وهي عيانية لأنها تدل على واقع إنساني، الوحي أساسًا بلا عقائد، وقوة الأشياء في الأشياء ذاتها وليست في الوحي الذي تحول إلى أشياء.١١٥
وكما يُفهم معطى الوحي ليصبح أساسًا للسلوك في الشعور العملي، فإنه يُستعمل أيضًا في الوعي النظري في نظرية الإدراك، معطى الوحي ليس عقيدة مستقلة موجودة بذاتها، ولكنه نموذج قبلي في نظرية المعرفة في صورة شعاع من قالب الشعور إلى مضمونه، من الذات إلى الموضوع، مقابل شعاع آخر من مضمون الشعور إلى صورته، من الموضوع إلى الذات حتى يتم الإدراك.١١٦ تأخذ العقيدة معطى الوحي كموضوع مغلق على ذاته، مقطوع الصلة بجانبه الحي، وهذا يؤدي إلى البنية القبلية الثلاثية لمعطى الوحي؛ الوحي والعقل والواقع. تأخذ العقيدة العقلي مضاعفًا إلى عدد لا نهائي من العقلي حتى تسودها ظاهرة التفريع أو التشعيب العقلي بحيث يصبح كل شيء ممكنًا عقليًّا، ويغيب عن العقائد تمامًا الوحي الذي يقوم بدور القبلي في الإدراك والواقع الذي يربط الفكر به، فإذا ما غابت العقيدة عن السلوك وفي الفهم فإنها تغيب أيضًا كليةً في البحث عن الصحة التاريخية للنص المقدس؛ فالواقع أن العقائد التي تكوَّنت في الوعي الجمعي طبقًا لحاجة التبشير تظل ثابتة حتى لو أثبت النقد التاريخي أن روايات العهد الجديد من وضع الجماعة الأولى، مثل روايات أخرى انتشرت لدى الجماعة ثم فُقدت أو لم يكن لها حظ التقنين وفضله، بل على العكس، كانت هذه العقائد هي مقياس التقنين! وكل الروايات التي كانت متطابقة مع العقائد التي سادت القرون الأولى اعتُبرت صحيحة، في حين تم استبعاد الروايات الأخرى التي كان الناس يتناقلونها كذلك جنبًا إلى جنب مع الروايات الأولى المقننة؛ ومن ثَم فالقانوني ليس هو الصحيح بالضرورة، القانوني هو ما تم إثباته كذلك بالعقائد في حين أن القانوني هو ما يتم إثباته كذلك عن طريق النقد التاريخي.
ولم يتوقف اللاهوت العقائدي على أن يكون لعبة التيارات الفلسفية للعصر، ولم يكن معزولًا عن الحركات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بيئتها، يكفي تتبع نشأة اللاهوت العقائدي وتطوره لرؤية دور الحوادث التاريخية في تشكيل العقائد، كان اللاهوت العقائدي في عصر آباء الكنيسة اليوناني أو الروماني على صلة وثيقة بالهِلِّينستية وميراثها، وفي المسيحية البدائية دخلت المسيحية اليهودية، والمسيحية الهلينستية، والمسيحية الوثنية الرومانية. وكان اللاهوت العقائدي في العصر المدرسي يُنسَج في إطار الفلسفة اليونانية حتى عصر الإصلاح والنهضة وظهور العلم. اللاهوت العقائدي تاريخ ديني للوعي الأوروبي، شارك فيه الاقتصاد والسياسة والاجتماع، وفي أشد صوره، ليس مقدسًا ولا دينيًّا ولا موحًى به،١١٧ هو مجرد بناء تاريخي ابتداءً من تكوين العقائد بالوعي الجمعي بمناسبة حوادث تاريخية معينة ومحددة في عصر آباء الكنيسة، ليس موحًى به. إنما الموحى به هو الكلام المباشر للمبلغ، وهو سابق على تكوين اللاهوت العقائدي، وليس دينيًّا لأنه لا ينتمي إلى النواة الأولى المعطى الديني، وليس مقدسًا لأنه الحوادث التاريخية التي وراء نشأة العقائد ليست مقدسة، يمكن أن يصبح اللاهوت العقائدي علمًا إذا تخصص في الوحي المعلن والكلام الشفاهي ثم المدون، ويحاول البحث عن النواة الأصلية للوحي بعد التخلص من كل الشوائب التاريخية التي تسربت إليه وعلقت به. يتتبع نشأة العقائد وتطورها كخلق الجماعة الأولى كما تفعل مدرسة «تاريخ الأشكال الأدبية»؛ ومن ثَم يُصبح اللاهوت العقائدي نقدًا تاريخيًّا، وفقط في هذه اللحظة، وبهذا المعنى يستطيع أن يأخذ وضعًا شرعيًّا.
إن اللاهوت الوحيد الممكن، لو كان ذلك ضروريًّا، هو اللاهوت السلبي، وهو لا يتدخل في الشخص الإلهي بل يتناول صفاته فقط، والصفات مقولات إنسانية مثل: العقل والإرادة. ميزة اللاهوت السلبي تنزيه الله من كل نزعة شيئية، وينكر كل تحديد ممكن، لا يُعرف الله إلا سلبًا؛ ومن ثَم يظل التعالي الإلهي بعيدًا عن كل تشبيه، رسالة اللاهوت السلبي رسالة تطهير، وهو ضروري من أجل استبعاد النزعات الشيئية والتشبيهية في اللاهوت العقائدي، وقد يكون للاهوت الوضعي المرتبط بالدين الوضعي بعض الأهمية لو تم فهمه.١١٨ لا يعني «وضعي» تاريخيًّا كما هو الحال في الدين، أو مؤسسيًّا كمعناه في اللاهوت، بل يعني فقط «واقعيًّا»؛ يعني اللاهوت الوضعي أن معطى الوحي يتضمن الواقع في داخله نظرًا لأنه بنيته الثلاثية تتضمن الوحي والعقل والواقع، كما يشير إلى أن الحالة الخاصة الجديدة قد يكون لها وضعها المثالي بالقياس، يعني «وضعي» وجود علاقة تماثل بين معطى الوحي كأصل لمعطيات خاصة أخرى مشابهة كفروع، يصبح اللاهوت الوضعي بهذا المعنى العنصر المحرك للدين الوضعي؛ لأنه يدرج دائمًا الحالة الحديدة داخل الأصل، والاتجاهات الحديثة هي أكثر الحركات ازدهارًا في اللاهوت الوضعي، واللاهوت الفيزيقي، وهو أقل خطورة من اللاهوت العقائدي، يضل الطريق أيضًا إذا حاول أن يجد في العالم، مثل: الغائية والعلية، براهين على وجود الله. ليس الله موضوعًا لأي علم، ولا يمكن البرهنة عليه بأي برهان؛ لأنه ليس له أي وجود مسبق. الله قصدية إنسانية يتم الاتصال بها عن طريق كلماته؛ أي بالوحي، الوحي حقيقة ممكنة تتحول إلى واقع، ويصبح الوحي نظامًا مثاليًّا للعالم، يصبح «الله» العالم، ويصبح العالم «الله»، وتتحقق هذه العملية بعمل الشخص الإنساني؛ ومن ثَم لا «يكون» الله، بل «يصير» ويجد دلالته العميقة وواقعه في العالم، ومع ذلك يستطيع اللاهوت الفيزيقي أن تكون له أهمية كبرى في تأويل العلامات الطبيعية في بحث معنى الأشياء، وقد يكون العالم كله علامة تُعطي دلالة معينة، يستطيع اللاهوت الفيزيقي بعد رد العالم كموضوع طبيعي أن يصبح نوعًا من الكونيات النظرية تقدم خدماتها طبقًا للحاجة أثناء فهم نص الوحي، ويصبح النص العلامة اللغوية، ويصبح العالم العلامة الطبيعية، واللاهوت الطبيعي القائم على العقل والتجربة لا علاقة له باللاهوت، بل يشبه منهج التحليل النظري للخبرات اليومية، وهو المنهج الذي يستعمله الوعي النظري من أجل فهم معنى نص الوحي بعد تطبيق المبادئ اللغوية، ليس للاهوت الطبيعي أي علاقة باللاهوت العقائدي؛ لذلك يمتلك وضعه القانوني الخاص، يعطي مجموع دلالات التجارب الإنسانية المتطابقة في مقابل معنى نص الوحي، ولا غنى عن اللاهوت الطبيعي لتأويل نص الوحي؛ لأنه هو الذي يعطي الواقع الإنساني، في حين لا يعطي نص الوحي إلا الحقيقة الموحى بها، أما اللاهوت الأخلاقي، وهو أيضًا أقل خطورة من اللاهوت العقائدي، فإنه يضل الطريق إذا أراد أن يعطي الأدلة الأخلاقية على وجود «الله»، ليس «الله» موضوعًا للإثبات أو النفي، بل مشروع للتحقق بالعمل، ومع ذلك تبرز أهمية اللاهوت الأخلاقي عندما يدرس السلوك الإنساني بالبحث عن أساس السلوك، وفي هذه الحالة يرتبط بالشعور العملي، ومهمته تحقيق معطى الوحي كنظام مثالي للعالم بالعمل.

(١٥) تاريخ الأديان وعلوم التأويل١١٩

ومع ذلك يبرز علمان رئيسيان مفيدان لفلسفة الدين، هما تاريخ الأديان وعلوم التأويل.

(أ) فائدة تاريخ الأديان١٢٠

تاريخ الأديان جزء من النقد التاريخي، مهمته البحث عن الصحة التاريخية للنص المقدس، يستطيع أن يكتشف المصادر والآثار التاريخية في النص المقدس عبر تاريخه للتخلص منها، وتخليص النواة الأولى من شوائبها التاريخية، تاريخ الأديان إذَن مادة ملحَقة بالنقد التاريخي دون أن يكون علمًا مستقلًّا، وفك رموز الكتب المقدسة طبقًا لأكثر القواعد إحكامًا للفلسفة، النقد التاريخي أمر ضروري،١٢١ هو شرط بحث الصحة التاريخية للنص المقدس. والدليل الوحيد على أن النص المقدس وحي أم لا هو أن يكون الكلام المدون قد نطقه الرسول، وإذا كان النص صحيحًا تاريخيًّا فإنه يمثل ثلث الحقيقة، والثاني إذا كان المعنى المتضمن في النص مطابقًا لتجربة الحياة اليومية، والثالث تحول المعنى المفهوم من النص كقاعدة للسلوك وبنية مثالية للعالم. فإذا نقص النص الثالث الثاني عن الحقيقة يبقى الثالث، وإذا نقص الثالث أيضًا يصبح موضوعًا تمامًا ولا يتضمن أي وحي، وإذا سادت النزعة التاريخية تاريخ الأديان فإن ذلك يكون امتدادًا للمنهج الوضعي في العلوم الإنسانية، ونقد النزعة التاريخية مهمة الفلسفة وليست مهمة تاريخ الأديان، ويتكون النقد التاريخي بالضرورة من البحوث الموضوعية حول الصحة التاريخية للنص، ولا تسيطر عليها النزعة التاريخية لسبب بسيط هو وجود شعور الراوي كوعاء للنقل، تنبع مناهج النقل التاريخي من الشعور وليس من الوقائع المادية؛ لذلك نجحت مدرسة «تاريخ الأشكال الأدبية» نجاحًا باهرًا؛ لأنها تضع الشعور الفردي والجمعي كالموطن الأول في تكوين النصوص المقدسة. وأهمية «الرد» هو بالضبط وضع كل الوقائع التاريخية بين قوسين من أجل الإبقاء عليها كمضامين حية في الوعي الجماعي، وبالإضافة إلى النقد التاريخي يمكن الاستفادة من تاريخ الأديان في دراسة تطور الوحي من خلال مراحله المختلفة عبر التاريخ. فإذا كانت مهمة النقد التاريخي المحافظة على الصحة التاريخية لنقل الوحي، الشفاهي أو المدون بعد اكتماله، تكون مهمة تاريخ الأديان دراسة تطور الوحي قبل اكتماله في مرحلته الأخيرة. ودون الدخول في أي دراسة مقارنة بين الوحي والتدين التاريخي، يمكن تتبع تطور الوحي من الداخل لرؤية منطقه الداخلي في جدل الكمال والاكتمال.١٢٢
ويخضع المنهج المقارن، المعروف من قبل في فلسفة الدين، لإمكانية التبرير إن لم يتم تطبيقه بشعور محايد،١٢٣ ويخاطر بفقد موضوعيته لو أن معيار المقارنة كان مستمدًّا من دين محدد، وفي هذه الحالة يحدث تقييم دين على حساب دين آخر طبقًا لمخطط الدين الذي ينتمي إليه الباحث. ولما نشأت فلسفة الدين في أوروبا، على ما هو شائع، مهد الدين المسيحي، يخاطر المنهج المقارن بأخذ مخططات الدين المسيحي كمعيار عام صالح لكل الأديان، ويصبح التاريخ والعقائد والمؤسسات والأشخاص؛ أي باختصارٍ كل النسق المسيحي مقياس الأديان الأخرى ومعيارًا لها، خاصةً تلك التي تنكر هذا النسق، وارتباط المنهج المقارن بتاريخ الأديان قد يسبِّب مخاطر جمة؛ أولًا: فهم الدين دائمًا كتاريخ، والديانات المحددة ديانات موجودة بالفعل في التاريخ، وتكون هناك خطورة خلط الأنثروبولوجيين بين دين الوحي ودين التاريخ أو ما يُسمى بالبدائي، والفرق بين الدينين ليس فقط فرقًا في الدرجة بل أيضًا فرق في النوع، كما يخاطر المنهج المقارن بالوقوع في النزعة السوسيولوجية، برؤية الظاهرة الدينية كظاهرة فردية أولًا، ثم تتدخل بالضرورة البحوث «الإثنية» والأنثروبولوجية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية.

(ب) التأويل ذروة العلوم الدينية١٢٤

التأويل هو العلم الديني بالأصالة، والذي يكوِّن لُب فلسفة الدين؛ فالواقع أن النص المقدس هو نقطة البداية والأساس الفعلي لكل تفكير موضوعي ومحكَم في الدين؛ فقد عُرف الوحي عن طريق الكتاب، كما عُرفت النبوة، وهي علاقة النبي بمصدر الوحي (الله)، أيضًا عن طريق الكتاب، وباستثناء الطريق الصوفي، الكتاب هو المصدر الوحيد للمعطى الديني، بل إن الطريق الصوفي لا يعطي الوحي كلامًا أو لغة بل حقيقة وشخصًا، إذَن النص المقدس هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة الوحي، والتأويل هو منطق النص، هو العلم الأول لكل علم ديني ممكن آخر، ويقوم التأويل عادةً بمهمتين متمايزتين تمامًا: البحث عن الصحة التاريخية للنص المقدس عن طريق النقد التاريخي، وفهم معنى النص عن طريق المبادئ اللغوية، كل العلوم التاريخية مرتبطة بالأول، وكل العلوم اللسانية مرتبطة بالثاني، وكل مسائل التراث الشفاهي والتراث المدوَّن والإلهام والتقنين والعصمة والوعي الجمعي مسائل في النقد التاريخي، في حين أن كل مشاكل المعنى الحرفي والمعنى الروحي وطبقات المعنى المختلفة تتعلق بالبحوث اللسانية؛ ومن ثَم يخلط التأويل في الحالة الراهنة المهمتين؛ مهمة النقد التاريخي ومهمة التحليل اللغوي. هذا بالإضافة إلى أنه يهمل تمامًا مهمة التحقيق العملي لمعطى الوحي كنظام مثالي للعالم، وإذا اختلط الشعور التاريخي بالشعور النظري فإن الشعور العملي يكون غائبًا تمامًا.١٢٥

(١٦) حدود فلسفة التصور والمساهمة الضئيلة للمنهج الظاهرياتي١٢٦

وفلسفة التصور لها حدود ليس فقط من داخلها، ولكن أيضًا في المساهمة الضئيلة للمنهج الظاهرياتي.

(أ) حدود فلسفة التصور١٢٧

في فلسفة الدين كان من الممكن الحصول على نتائج ملموسة لو ذهب البحث إلى أبعد مدًى وبشجاعة تامة دون أي اهتمام بالعقائد القائمة. مثلًا، إذا ظل الذات الإنساني هو صانع التاريخ بمعنيين، كمسئول عن التطور الفعلي، وكمسئول عن تأويله، فلماذا لم يُدفع ذلك إلى أقصى مدًى؟ الذات الإنساني هي الوعي الفردي للمبشر، وأحيانًا الوعي الجمعي للجماعة الأولى، هذا الشعور هو الذي خلق الأشكال الأولى للعقائد القائمة رسميًّا، وأهمية منهج «تاريخ الأشكال الأدبية» هي الشجاعة في إطلاق الحكم بالرغم من ملاحظة هذه المادة العلمية عدة مرات.١٢٨
لم تستطِع فلسفة الدين حل مشكلة اللغة، وما زالت اللغة الدينية واللاهوتية والتاريخية هي السائدة، وتدخل اللغة الفلسفية بين الحين والآخر، وإذا كان هذا الخليط يبدو أحيانًا، تنحت مصطلحات جديدة لتحديث سطحي للاهوت العقائدي أو بالإحالة إلى الأنساق الفلسفية القديمة أو الحديثة أو المعاصرة خاصة، تعبر فلسفة الدين عن نفسها في لغة فلسفية؛ أي في لغة شاملة وإنسانية، ويرجع تردد اللغة بين عدة مصطلحات إلى الخلط بين الدين واللاهوت والتاريخ والفلسفة؛ فالواقع أن فلسفة الدين خليط من هذه العلوم الأربعة، الخلط بين الدين واللاهوت دائم، ويؤخذ اللاهوت باستمرار على أنه الدين ذاته، واللاهوت في الواقع ليس إلا خليطًا من الأبنية التصورية والحوادث التاريخية، ولا شأن لها بالدين كظاهرة؛ لذلك يستمر الخلط أيضًا بين الدين والتاريخ؛ فالدين لا شأن له بالتاريخ دون أن ينال ذلك من وضعية الدين، ويرجع الخلط بين الدين والفلسفة إلى غياب أي تحديد مسبق للعلاقة بينهما، ويرتكن هذا الخليط على أكثر الجوانب ملائمةً في الدفاع الجديد، ومع ذلك تعطي بعض الملاحظات اللغوية المهمة بين الحين والآخر، ولكن داخل الخلط التام. مثلًا، عدم كفاية الدراسة الفلسفية من أجل استخلاص مخطط كلمة وضرورة أخذ السياق، ولو دفعت هذه الملاحظة خطوة إلى الأمام لاستطاعت فلسفة الدين أن تكتشف منطقًا لغويًّا بأكمله، ألفاظًا ومعاني وأشياء. وإذ كان المنهج الظاهرياتي قد طُبق على نحوٍ جادٍّ لأمكن اكتشاف المنطق اللغوي طبقًا للمعاني الثلاثة لكلمة «لوجوس»؛ يتكلم، يفكر، موضوع الفكر أو الشيء الذي يحيل إليه اللفظ والمعنى، وهي علم الصور الخالصة، ومنطق الاتساق، ومنطق الحقيقة.١٢٩ وبدلًا من استعمال مكاسب الفلسفة المعاصرة خاصةً تلك التي أبرزت أنطولوجيا اللغة، أعطيت ملاحظة عابرة، ومرَّت مرور الكرام.١٣٠
وقد سادت الفلسفات المعاصرة، الرئيسية والفرعية، فلسفة الدين سيادةً كاملة، بحيث إنها أصبحت رصدًا للأعمال الفلسفية في السنوات الأخيرة،١٣١ ويخفي هذا الرصد للأعمال المعاصرة إلى حدٍّ كبير الأشياءَ ذاتها، والتي أتى هذا الرصد لكشفها، وقد تمَّت الاستعانة بالإحالات الإنسانية. وتطغى الأعمال الفلسفية كفلسفة العمل مختلطةً بالأعمال الفلسفية لفلسفة الخلق،١٣٢ وكل نظرية يتم نقدها تمثل نظرية فلسفية معاصرة، أما فيما يتعلق بالجوهر-الأنا، فالأنا موضوع الخلاص من اللاهوت، والأنا-الصورة من الفلسفة النقدية، والأنا-الشخص من الشخصانية، أما الأنا-الروحي، والأنا السابق على التفكير، فمن المثالية، والأنا-اللاشيء من الوجودية، ونظرية الأنا الروحي والفعل-القانون خليط من فلسفة العمل وفلسفة الخلق، وتبين اللوحة الأنثروبولوجية الميدان الفسيح للأعمال المعاصرة.١٣٣ وقد تم الجمع بين الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس وتقريبًا كل العلوم الإنسانية بعضها مع بعض في بانوراما للأعمال المعاصرة، وتاهت فلسفة الدين وسط هذا اللانهائي الذي لا يمكن حصره من الأفكار المعاصرة، وضاعت وسط هذا الحشد الهائل من أسماء الأعلام وعناوين المؤلفات والسجالات، ما تقترحه فلسفة الدين هو السيطرة الكاملة على تاريخ الأفكار والنظريات الدينية والأنساق الفلسفية لملفات متحف للأفكار الحديثة،١٣٤ كان يمكن لفلسفة الدين أن تنجح لو أخذت معطى الوحي كنواة للحضارة كي تحدد فيما بعدُ العلاقة بين الدين والفلسفة واللاهوت والتاريخ … إلخ.١٣٥ فلسفة الدين هي مشكلة من الدفاع الراقي بالرغم من تكذيب ذلك علنًا،١٣٦ ويكشف الدفاع عن نفسه من خلال الألفاظ المركبة من المقاطع «ما بعد» مثل: «ما بعد الطبيعة»، أو «ما فوق» مثل: «فوق العادة»، أو «ما يفوق» مثل: «ما يفوق الطبيعة»، أو «أسمى» مثل: «تأمل أسمى»،١٣٧ وتحيل كل هذه المقاطع الأمامية إلى المفارقة، كما تُستعمل ألفاظ أخرى للإشارة إلى «الله».١٣٨

(ب) المساهمة الضئيلة للمنهج الظاهرياتي١٣٩

وفي فلسفة الدين يظل الشعور عالمًا مثل غيره دون أن تكون له أولوية مسبقة، تسوده أنماط أخرى للشعور مثل: المؤمن، غير المؤمن، الملحد … إلخ. وكلها تفسيرات في حياد الشعور المحايد، تستطيع الظاهريات إذَن أن تساهم في الشعور المحايد الضامن للحقيقة، وتخلو فلسفة الدين من أي إحالات إنسانية تسودها المؤلفات الحضارية، وتذكر جميع دور النشر تقريبًا! وتغيب التجربة الإنسانية والموقف المجدد، وكان يمكن للظاهريات التي تنتسب إليها فلسفة الدين جزئيًّا أن تقدم تجارب حية عديدة كإحالات إنسانية مع الإقلال من هذا الكم الهائل من الإحالات المكتبية لو أخذت الظاهريات مأخذًا جادًّا كعلم مستقل قائم بذاته وليس فقط كعمل حضاري مثل باقي الأعمال.١٤٠ وليست كل الأعمال على نفس المستوى،١٤١ وتعتمد على بعضها البعض على نحو دقيق ومحكم، وينتج عدم اتساق المراجع إلى غياب تحديد مسبق للتجليات الحضارية المختلفة للمعطى الديني.١٤٢
وقد استعملت الظاهريات كنظرية فلسفية مثل باقي النظريات التي تمتلئ بها الفلسفة المعاصرة، وبهذا المعنى تعلن فلسفة الدين أحيانًا عن انتسابها إلى الظاهريات دون أن تكون تطبيقًا مباشرًا وجذريًّا للمنهج الظاهرياتي في الظاهرة الدينية، استُعمل فقط «جزء من مصطلحاتها»،١٤٣ وقد تم الاعتماد على الدراسات الثانوية كمصدر وحيد للظاهريات الترنسندنتالية.١٤٤ وفي كل مرة تبدو المصطلحات أو المفاهيم الظاهراتية ملائمة وصالحة من أجل إكمال النظرة على الفلسفة المعاصرة فإنه يتم استعمالها، كما استُخدم «الرد» بمعنى القلب.١٤٥ «الأوضاع الخاصة بصورة الشعور» مجرد ألفاظ أخرى للتعبير عن الحلول العقلية،١٤٦ ونظرًا لاستعمال الظاهريات بين الحين والآخر مثل استعمال الفلسفات الأخرى، استعملت الظاهريات الدينية أيضًا مثل باقي فلسفات الدين.١٤٧ وعندما يثبت الله كتجربة حية، ففي هذه الحالة يتم الاعتماد على تاريخ الفلسفة دون الظاهريات.١٤٨ واستعمل «الرد» كثيرًا في تعارض مع البرهان؛١٤٩ فيوضع الله تحت «الرد» من أجل الإبقاء على «الحي» الذي يندُّ عن البرهان الفلسفي، كما استُعمل لفظ «الرد» وحده دون أخذ الظاهريات كعلم فلسفي.١٥٠ وبدلًا من أن يؤدي «الرد» إلى الله الحال انتهى إلى الله «فوق العادة»، فماذا يبقى من الظاهريات؟
وفي هذه الإشارات العابرة قد تنقلب الظاهريات طبقًا لحاجة تبرير العقائد القائمة؛ ففي الظاهريات الترنسندنتالية، الظاهريات النشوئية جزء من الظاهريات النظرية، والظاهريات الحركية جزء من الظاهريات السكونية، وتريد فلسفة الدين إدخال النظري في النشوئي؛ ومن ثَم يضيع الموضوع المثالي المستقل القائم بذاته في المضمون المادي.١٥١ وعادةً ما تؤخذ الظاهريات الأنطولوجية بدلًا من الظاهريات الترنسندنتالية؛ لأنها أكثر عرضة للتجريح في نقد أحكامها على العالم بعد إزاحة القوسين.١٥٢ وتظهر بعض التصورات والمفاهيم الظاهراتية بين الحين والآخر طبقًا للحاجة، وليست بالضرورة «صورة» أو «بنية» تصورات ظاهراتية، ومع ذلك ارتبطت بها،١٥٣ وتم التعرض للأنواع المختلفة من «الرد» الترنسندنتالي والنظري لمجرد المعرفة،١٥٤ وكذلك عرضت الأنواع الثلاثة من القصدية السلبية النفسية، والتضايف الذاتي الموضوعي، والتأكيد المنتج الخلاق لمجرد المعرفة.١٥٥ وبتعبيرٍ أدق أُضيفت ظاهريات الإدراك، والظاهريات الوجدانية، والظاهريات الأنطولوجية،١٥٦ وامتدَّت الظاهريات على تاريخها السابق حتى يُلحق بها اللاهوت العقائدي.١٥٧
وتستمر الظاهريات في مجموع الأعمال كلفظ وليس كمضمون، كفهم جديد لما هو قائم بالفعل وليس كعلم دقيق معروف بهذا الاسم،١٥٨ وتستعمل بعض الألفاظ الأخرى مثل έποxη على استحياء، وكان يمكن لمعركة الحلول أن تكون فرصةً أفضل لإبراز المنهج الظاهرياتي، ولكنْ سادتها فلسفة العمل.١٥٩ وقد سبق أن أخرج المنهج الظاهرياتي بالقوة من فلسفة العمل بالرغم من اختلاف الفلسفتين.١٦٠ ولم يتم تعميم «الرد» المنسوب إلى العمل على كل العقائد التاريخية، ولا تدفع الظاهريات نحو الصورية بل على العكس تحيي الظاهرة، وميزة الأنطولوجيا المنسوبة إلى فلسفة العمل على الظاهريات الترنسندنتالية ليست إلا افتراضًا مسبقًا من أجل تبرير اللاهوت العقائدي. والأنطولوجيا الوحيدة الممكنة هي التي أعطتها الظاهريات نفسها، وهي أنطولوجيا المناطق القائمة على مناطق الشعور، والتي على أساسها تقوم مناطق الوجود.
ولتطبيق منهج أيًّا كان في الظاهرة الدينية، يلزم أولًا وجود تجانس بينه وبين الموضوع، إذا كان المنهج أقل اتساعًا من موضوعه يكون التطبيق تصغيرًا لأبعاد الموضوع وتفكيكًا لمكوناته؛ إذ يرفع المنهج العقلي من معطى الوحي طابعه الحي، ويرفع المنهج الوجودي من معطى الوحي طابعه العقلي، ويرفع المنهج التجريبي من معطى الوحي طابعه القبلي … إلخ؛ لذلك قد تقع فلسفة الدين في عدم تناسب بين المنهج المختار والظاهرة الدينية. فلسفة الدين هي أولًا فلسفة تنتمي إلى نسق فلسفي معين، ومنه يخرج منهجه، وهو ديني لأن له تصورًا دينيًّا من طائفة معينة. المنهج الظاهرياتي وحده يعطي العقلي حقه في صورة الشعور، وللتجريب وجوده في مضمون الشعور، وللوجودي وضعه في الشعور، نص الوحي وحده هو مصدر الظاهرة الدينية، وليس النص المقدس الذي من خلق الجماعة الأولى، وليس النص الديني المؤلف من آباء الكنيسة، ظاهريات التأويل هو العلم الوحيد الذي يحقق التجانس بين المنهج وموضوعه.١٦١ ويرجع اتجاه فلسفة الدين نحو ظاهريات الدين إلى مقولة الذات ومخططات النفس؛ فالواقع أن الشعور هو البداهة الأولى والبداية لأي تكوين ممكن، وهذا هو سبب قطيعة فلسفة الدين مع اللاهوت القائم رسميًّا الذي يريد اعتبار العقائد وقائع مستقلة عن الشعور والذي توجد فيه، وتعود فلسفة الدين إلى حظيرة اللاهوت العقائدي من الباب الخلفي بعد أن أصبحت نوعًا من الدفاع الراقي، وليست الوقائع المستقلة عن الشعور، مع أنها توجد فيه، هي نفسها المنسوبة إلى العقائد التاريخية، بل هي التي يثبتها الشعور كحقائق؛ أي كوقائع إنسانية، وقد تم تفصيل فلسفة الدين وبإسهاب، وهي أقدم من ظاهريات الدين، وكل فلسفة منذ العصور الحديثة تتوج نسقها بفلسفة في الدين،١٦٢ أما فلسفة الدين اليوم فإنها تتجه إلى ظاهريات الدين.١٦٣
١  Ex. Phéno., pp. 482–543.
٢  Ibid., p. 482.
٣  Ibid., pp. 482-3.
٤  وتفسيرات دوركايم في «الصور البدائية للحياة الدينية» مثل على ذلك.
٥  ومن ثَم فإن «فلسفة الدين» عند هيجل أو برنشفيج ليست من نفس التيار الذي يمثله دوركايم. الخطوات Demarches.
٦  وذلك مثل القواعد الأربع «مقال في المنهج» لديكارت، أو القواعد الثلاث في «الأفكار» لهوسرل.
٧  Ex. Phéno., pp. 483–6.
٨  ويمثل ذلك القديس توما الأكويني والقديس بونافنتورا في العصر الوسيط، وبلوندل في العصور الحديثة Damery: Critique et Religion, pp. 82–112 التوقع، الاستباق Anticipation. تحول Metamorphose. نقل Transposition.
٩  اعتُبر بلوندل كمُناصر لمنهج المجابهة القائم على افتراض ثنائي، وكمُناصر لمنهج التوقع القائم على الخداع الصوري، والواقع أن بلوندل من بين ممثِّلي فلسفة الدين من النوع الأول؛ أي تبرير الدين بالفلسفة Ibid., pp. 99–112, 128–37.
١٠  لذلك لم يستطِع القديس توما الأكويني أو القديس أوغسطين القيام بنقد العقل الخالص.
١١  ومن ثَم تحول «الإيمان والعقل» في الفلسفة النقدية إلى «نقد العقل الخالص» للعقل و«نقد العقل العملي» للإيمان، ثم استُعمل القانون الخلقي، وهو تحول للدين، كأساس مباشر لتأويل مباشر للدين في «الدين في حدود العقل وحده».
١٢  ويوجد هذا الخلط بين الأنواع الثلاثة لفلسفة الدين في منهج التوقع القائم على الخداع الصوري. وهو منهج يضم في نفس الوقت أورتيجا (النوع الثالث)، وكانط (النوع الثاني)، وبلوندل (النوع الأول).
١٣  مثل المدرسة الاجتماعية عند دوركايم، أو الاقتصادية عند ماركس، أو النفسية عند فرويد.
١٤  مثل هيجل، وبرنشفيج وألان. الواحدي Moniste. الحلولي Immanentiste.
١٥  تاريخانية Historicisme.
١٦  Ex. Phéno., pp. 486–8. الاشتباه Ambiguité.
١٧  الحلول المثالي عند هيجل وبرنشفيج وآلان Alain.
١٨  الحلول المادي عند ماركس ودوركايم وفرويد.
١٩  Ex. Phéno., pp. 488–91.
٢٠  وذلك عند القديس بونافنتورا والقديس توما الأكويني.
٢١  وهذا عند بلوندل.
٢٢  وهذا هو فكر القديس بونافنتورا. يصحح Restaurer. سليم Saine.
٢٣  شعاع من صورة الشعور إلى مضمونه Rayon noético-noêmatique. شعاع من مضمون الشعور إلى صورته Rayon noêmatico-noétique.
٢٤  هذه فلسفة القديس توما الأكويني.
٢٥  تحتوي تأملات «ديكارت» هاتين العمليتين؛ التحول والنقل.
٢٦  في «نقد العقل الخالص» مثل العقل الخالص هو أساس معمار Architéchtonique العقل. وعلاقة «نقد العقل العملي» في علاقته مع «نقد العقل النظري» مثل علاقة الدين (بعد أن تحول إلى أخلاق) بالفلسفة.
٢٧  وهذا هو معنى «الدين في حدود العقل».
٢٨  ومن ثَم فإن التفسير الوحيد لفلسفة هيجل هو التفسير اللاهوتي لهيجل الشاب.
٢٩  هذه فلسفة برجسون.
٣٠  H. Duméry: op. cit., pp. 99–112.
٣١  Ex. Phéno., pp. 491–7.
٣٢  فيما يتعلق بالأهمية التي أعطاها هوسرل للدين خاصةً العهد الجديد. انظر Ostereicher: Sept Philosophes Juifs devant le Christ, pp. 95–166. انظر أيضًا سابقًا، الباب الثاني: محاولات في التكوين والفهم والتأويل، الفصل الثالث: تأويل الظاهريات، (٦) الظاهريات كاتجاه ديني، (ﺟ) الاتجاه الديني الضمني.
٣٣  Duméry: op. cit., pp. 50–62.
٣٤  وهذا هو الاتجاه المفترض عند أورتيجا.
٣٥  وهي النظرية المنسوبة إلى بلوندل.
٣٦  Duméry: op. cit., pp. 123–28.
٣٧  هذه هي فلسفة الدين عند أورتيجا Ibid., pp. 118–23.
٣٨  بالرغم من الاختلاف بين فلسفة الدين عند ديميتري وأورتيجا، فإنهما ينتميان إلى نفس النوع، وهو البحث المجانب للصواب؛ لأنهما يقومان على التبرير بالرغم من مظهرهما التأملي والتحليلي.
٣٩  هي الفلسفة المنسوبة إلى بلوندل Duméry: op. cit., pp. 128–34.
٤٠  ديكارت، «التأملات» الثالث والرابع. كانط، الدين في حدود العقل وحده. هيجل، دروس في فلسفة الدين. برجسون، منبعا الأخلاق والدين. وليم جيمس، أنواع الخبرة الدينية.
٤١  وهو ما يقال عنه إنه فلسفة القديس توما الأكويني والقديس أوغسطين، وهما أكبر فيلسوفين في العصر الوسيط.
٤٢  ديميتري، فلسفة الدين (الجزءان؛ الأول والثاني).
أورتيجا، فلسفة الدين (الجزءان الأول والثاني). وهما أهم شخصيتين معاصرتين.
٤٣  وهذا موجود عند ديكارت والديكارتيين، وكانط والفلاسفة بعد كانط، وعند هوسرل وبرجسون ووليم جيمس باعتبارهم من أكبر الفلاسفة.
٤٤  هذا هو وضع فلسفة الدين عند أورتيجا وديميتري.
٤٥  صحيح أن «الخلاصة الفلسفية» لديميتري هائلة، تسودها التحليلات الدقيقة والحجج التي تمنع أحيانًا واقع الأصالة في العمل، وهناك عدة نقاط مهمة خاصة بالعمل Praxis، مطمورة داخل كومة من النصوص والتحليلات والأعمال المعاصرة، وليست التعليقات الهامشية أقل حملًا بالمادة العلمية من النص الأصلي، ولا ضير من كثير من المصطلحات الجديدة Néologisme؛ لأنه يمكن ردها إلى اللغة العادية في معظم الحالات، ويمثل العمل دائرة معارف شاملة للعلوم الدينية والفلسفية، خاصة مثل تلك التي تظهر في الأعمال المعاصرة. وباستثناء حالة وجود خلط بينها يمثل العمل أداة بحث جيدة.
٤٦  Duméry: op. cit., p. 30.
٤٧  Ibid., p. 13. وأهمها:
  • (أ)

    كان يمكن لتاريخ الفلسفة والنصوص القديمة تحديد وضع المذاهب الفلسفية داخل الحضارة.

  • (ب)

    «الفلسفة العامة» في منتصف الطريق بين تاريخ النصوص والفلسفية والدراسات الثانوية. وكان بالإمكان، لو كانت فقط فلسفة عامة، وضع الفلسفة لعلم داخل الحضارة. وكان بالإمكان أيضًا، لو كانت تنتمي فقط إلى الدراسات الثانوية، عمل منطق للشرح، والتي لها أثر سيئ دائمًا حول النصوص الرئيسية.

  • (جـ)

    كان بإمكان «المنطق وفلسفة العلوم» أن تضع يدها على وضع العلم داخل الحضارة وتحديد علاقتها مع الفروع الأخرى في الحضارة.

  • (د)

    التربية.

  • (هـ)

    الأخلاق وفلسفة القيم.

  • (و)

    علم الاجتماع وفروعه المختلفة وباقي العلوم الإنسانية داخل الحضارة بين الدين والعلم.

  • (ز)

    التاريخ العام للأديان.

  • (ﺣ)

    النقد التاريخي للكتب المقدسة.

  • (ط)

    تاريخ المسيحية والعقائد والأخلاق المسيحية المادة الشاملة للنقد التاريخي، والتكوين التاريخي للعقائد خارج النصوص ومعانيها وتحقيقاتها العملية.

  • (ي)

    فلسفة الدين، وهي الجامع لكل هذا الخليط.

  • (ك)
    البواقي Varia مما لم يدخل تحت العلوم السابقة.
٤٨  Ex. Phéno., pp. 498–501.
٤٩  Duméry: op. cit., pp. 118–22. ألوهي Theiste.
٥٠  هذه هي فلسفة أورتيجا التي عرضها في «الحدس والدين» و«فلسفة الدين». انظر في هذا الفصل، أولًا: فلسفة التوسط.
٥١  ويوجد المصدر التاريخي للمذهب في فلسفات القيم عند ماكس شيلر M. Scheler، نيقولاي هارتمان N. Hartmann، وفي الواقعية الأنجلو سكسونية، وفي المدرسة الفرنسية، وفي الوجودية عند كيركجارد Ortega: Intuition et Religion, pp. 7–45.
٥٢  Duméry: op. cit., pp. 161–77. التشابك Entrelacement.
٥٣  التوبة أو الندم هي التجربة الوحيدة التي ندت عن النقد في الذاتية الإيمانية Ortega: Intuition et Religion, pp. 92–6. التأليه Deisme. الألوهية Devinite. حقيقة واقعة Réelle. صحيح Sans doute. ولم نشأ ترجمتها ولا شك لأن كل شيء عرضة للشك ويمكن الشك فيه.
٥٤  Ex. Phéno., pp. 501–4.
٥٥  Duméry: op. cit., pp. 162–5. نشوء Génèse. نظري Eidétique. الغاية Tєλos. العقل λoyos. عملية ظهور المقدس Hiérophanique.
٥٦  بالرغم من أن «المنطق الصوري والمنطق الترنسندنتالي» هي «محاولة في نقد العقل المنطقي»، كما يدل على ذلك العنوان الفرعي؛ فهو بحث في نشوء المنطق من المنطق الصوري إلى المنطق الترنسندنتالي. ويكتمل النشوء في «اللوجوس»، و«التجربة والحكم» هو أيضًا بحث في النشوء كما يدل على ذلك العنوان الفرعي «بحث في أصل المنطق وفصله» (جينايولوجيا)؛ فالأحكام نشوءُها في التجربة السابقة على الحمل المنطقي، كما تظهر الظاهريات النشوئية في تحليل بواعث الحضارة الأوروبية. انظر قبل ذلك، الباب الأول: المنهج الظاهرياتي، ملاحظات أولية، الفصل الأول: اللغة والقواعد والحركية، ثالثًا: الظاهريات السكونية والظاهريات الحركية.
٥٧  Duméry: op. cit., II, pp. 114–80, 181–205.
٥٨  Ibid., pp. 170–7.
٥٩  Ibid., p. 31.
٦٠  Ibid., p. 294. ما يفوق الطبيعة Surnaturel. تقويمية Judicative.
٦١  نصوص الوحي هي نصوص الإنجيل الصحيحة التي تتضمن فقط الأقوال المباشرة للمبلغ. والنصوص المقدسة هي باقي نصوص الأناجيل خاصةً نصوص الرسائل، والنصوص الدينية هي نصوص آباء الكنيسة والنصوص العقائدية بوجه عام.
٦٢  من صورة الشعور إلى مضمونه Noético-Noêmatique. من مضمون الشعور إلى صورته Noêmatico-Noétique.
٦٣  في تحليل مقولة الفضل، مخطط ما يفوق الطبيعة، توجد فصول عن القديس أوغسطين، والقديس توما الأكويني Ibid., pp. 215–26, 236–48.
٦٤  Ex. Phéno., pp. 504–13. الفصل Discrimination.
٦٥  عقلنة Conceptualisation ترتيب Canonisation. تراكم Résidu.
٦٦  منطلقات Prémisses. المبلغ Enonciateur. الشرعي Judicatoire.
٦٧  Duméry: op. cit., pp. 179–86.
٦٨  Ibid., p. 186. استقصائي Tâtonnante.
٦٩  لا يستطيع الإنسان أن يعيش دينه طبقًا لفلسفة توما الأكويني، في حين يستطيع الإنسان ذلك طبقًا لأخلاق كانط، وأيضًا طبقًا لظاهريات الدين حتى ولو كانت في طريق الاكتمال.
٧٠  Duméry: op. cit., pp. 186–93. التباين Différanciation.
٧١  نظام Structure، وتعني حرفيًّا بناءً.
٧٢  Duméry: op. cit., pp. 193–201.
٧٣  التبشير، الوعظ Prédication. تاريخ الأشكال الأدبية Formegeschichte Schule. تجلي المقدس Hiérophanie. في الواقع En fait. في المبدأ En droit.
٧٤  Duméry: op. cit., p. 203.
٧٥  Ibid., p. 207. الشرعي Judicatoire.
٧٦  Ibid., p. 207. العقلي Rationel، المعقول Intelligible.
٧٧  تحقق هذا القانون من قبل في الحضارة اليونانية؛ الوجود في فلسفة سقراط، والروح في فلسفة أفلاطون، والطبيعة في فلسفة أرسطو.
٧٨  انظر الملاحق I, II, III, IV.
٧٩  مهماز Leitmotive. الصورة الأصلية Image-mère.
٨٠  Duméry: op. cit., pp. 211–20. السلوك Agir. الفعل Acte. العمل Action . كلمات-مفاتيح Mots-clés.
٨١  op. cit., p. 216.
٨٢  Ex. Phéno., pp. 513–7.
٨٣  Duméry: op. cit., p. 32. الأشكال Morphologies.
٨٤  الكلمة Le Verbe.
٨٥  Duméry: x op. x cit., x pp. VII-VII. المعجز Prodigieux. الجامع Oecuménique. النظر Eidétique.
٨٦  Ex. Phéno., pp. 517–20.
٨٧  ويشير إلى ذلك العنوان الفرعي «محاولة في دلالة المسيحية» الجماعي Communautaire. الجذب Extase. المعجز Prodigieux.
٨٨  وحدات Entité.
٨٩  «المنطق الصوري والمنطق الترنسندنتالي» نوع من هذا التطبيق للمنهج الظاهرياتي في التصورات.
٩٠  Ex. Phéno., pp. 520–2.
٩١  الألوهية Hénologie.
٩٢  وذلك مثل فلسفات شيلرماخر، وفريس Fries. وأوتو Otto. وكيركجارد، ودلتاي، ومين دي بيران، وبلوندل، وبرجسون.
٩٣  يتكون العمل الفلسفي من تأسيس الفكر على الوجدان الخالص كما لاحظ برجسون، وتشير العلاقة بين صورة الشعور ومضمون الذات والموضوع في الشعور؛ أي إلى نفس الشيء بألفاظ أخرى عند برجسون.
٩٤  تأملات ديميتري في الله خليط من بلوندل وأفلاطون في الواقع وهوسرل في الظاهر. فلسفة الواحد Hénologie.
٩٥  Duméry: Le Probléme de Dieu, pp. 138–42. فوق العادة Transordinaire.
٩٦  Ex. Phéno., pp. 522–4.
٩٧  الأَسر Engrenage.
٩٨  Duméry: op. cit., pp. 139–54.
٩٩  Ibid., pp. 173–81. المتقابل Synoptique. الكتب Ecritures. تراث آباء الكنيسة Patristique. التراث Tradition.
١٠٠  Ibid., pp. 277–300. فيما يتعلق ﺑ «فحص فلسفي لمفاهيم الفصل»، وما يفوق الطبيعة ليس في الحقيقة إلا خليطًا بين تاريخ النص، وتاريخ العقائد، وتاريخ الفلسفة.
١٠١  انظر الرسالة الرئيسية «مناهج التأويل»، الجزء الثالث؛ والنص العربي «من النص إلى الواقع»، ج٢ بنية النص، الباب الثالث. القصد الشامل هو مقاصد الشارع، والقصد الفردي مقاصد المكلَّف، والفعل الواضع أحكام الوضع، وللفعل القصدي أحكام التكليف.
١٠٢  Ex. Phéno., pp. 524-5.
١٠٣  Ideen I, pp. 354–60. الصوري-المادي، الذاتي-الموضوعي Noétique-Noêmatique.
١٠٤  Ibid., pp. 345–9. نواة مضمون الشعور Noyau Noêmatique.
١٠٥  Ibid., pp. 352–4. الحضور Présentation. الاستحضار Présentification . الوجود الذاتي Autonomie. السلوك Pratique.
١٠٦  Ex. Phéno., pp. 525.
١٠٧  Ibid., pp. 525-6. الدفاع Apologétique.
١٠٨  ويمكن اعتبار «خاطرات» بسكال نوعًا من الدفاع الرفيع.
١٠٩  الحمل العذري L’Immaculée Conception.
١١٠  كُشف عن معجزة ليوحنا الثالث والعشرين، شفاء طفل عليل، وقُننت بعد موته وليس قبله. وهذا برهان آخر يثبت كيف يخلق الإيمان الجماعي بالقداسة وقائع ثم يحولها إلى حقائق.
١١١  هذا العمل نوع من الدفاع العملي. انظر مقدمة «ظاهريات التأويل»، أولًا: نشأة العمل.
١١٢  Ex. Phéno., pp. 526–33. علم كاذب Pseudo-science.
١١٣  أهمية «علم العقائد» Dogmatique عند كارل بارت هو إيجاد نقطة البداية في كلام الله باعتباره كلامًا إنسانيًّا. وأهمية اللاهوت عند بولتمان R. Bultmann هو أخذ النص المقدس الذي يزعم بأنه يتضمن الوحي؛ فكلا اللاهوتيين يتجنبان «الله» كشخص.
١١٤  علم إنسان Anthropologie, Homologie. علم الذات، علم الأنا Egologie . العقائد Dogmes. المعتقدات Doctrines. مذهب جامع Corpus.
١١٥  لذلك كانت مدرسة Fries وشيلرماخر وأوتو Otto التي تعتبر الدين كعاطفة خالصة ردَّ فِعل قويًّا على الدين كنسق لاهوتي، في حين أنه تاريخيًّا كان رد فعل على الصورية في الأخلاق عند كانط.
١١٦  من صورة الشعور إلى مضمونه، من الذات إلى الموضوع Noético-Noêmatique . ومن مضمون الشعور إلى صورته، من الموضوع إلى الذات Noético-Noêmatique. التبشير Prédication. قانوني Canonique.
١١٧  ويرتبط باللاهوت العقائدي، المسيحيات Christologie، والمريميات Mariologie، والإنقاذيات أو الخلاصيات Sotériologie، الشرعيات Permalologie، والأخرويات Eschatologie، والشيطانيات Démonologie ، والملائكيات Angélogie … إلخ. المعلن Enonciateur.
١١٨  ويرتبط باللاهوت العقائدي لاهوت آباء الكنيسة ولاهوت الكتاب ولاهوت المجامع الكنيسة. أصل Cas-type.
١١٩  Ex. Phéno., pp. 533–6.
١٢٠  Ibid., pp. 533–5.
١٢١  Duméry: Critique et Religion: p. 233. الرسول Enonciateur. المادي Brut.
١٢٢  هو جدل الشريعة (اليهودية) والمحبة (المسيحية)، والشريعة-المحبة (الإسلام).
١٢٣  بالرغم من استعمال دلتاي للمنهج المقارن فإن منهجه أساسًا يقوم على الفهم. غرض المقارنة الفهم. وكثيرًا ما يُستعمل المنهج المقارن في تاريخ الأديان المقارن Vancourts, p. 58.
١٢٤  Ex. Phéno., pp. 535-6.
١٢٥  Duméry: Critique et Religion, pp. 241–52.
١٢٦  Ex. Phéno., pp. 536–43.
١٢٧  Ibid., pp. 536–9. الجماعي Communautaire. الجمعي Collective.
١٢٨  Duméry., op. cit., p. 147. مصطلحات جديدة Néologism.
١٢٩  Log. For. Trans., pp. 27–71–9. علم الصور Morphologie. الاتساق Consequence. الحقيقة Vérité.
١٣٠  Duméry: op. cit., p. 155.
١٣١  وقد قام ديميتري بذلك في كتاب آخر، «نظرات على الفلسفة المعاصرة» Regards sur la Philosophie contemporaine.
١٣٢  فلسفة العمل عند بلوندل، وفلسفة الخلق عند برجسون؛ فالواقع أن الفلسفة عند ديميتري خليط من بلوندل بعد تصحيحه ببرجسون، وديميتري هو المتحدث الرسمي بلسان بلوندل في الفلسفة المعاصرة.
١٣٣  Duméry: op. cit., pp. 91–100.
١٣٤  ويعترف المؤلف نفسه بذلك قائلًا: «ربما يتساءل القارئ خاصة: فيمَ الحاجة لهذه الوفرة من التفصيلات المتعلقة بالذات الإنساني في إطار محدد وهو فلسفة الدين؟» Ibid., p. 121.
١٣٥  Ibid., p. 7. الدفاع الراقي Haute Apologétique.
١٣٦  Ibid., p. IX.
١٣٧  ما بعد Meta. فوق Trans. ما فوق Sur. أسمى، أعلى Supra.
١٣٨  Duméry: op. cit., pp. 37, 139, 294.
١٣٩  Ex. Phéno., pp. 539–43.
١٤٠  Duméry, op. cit., p. 16. صدر «فلسفة الدين» عام ١٩٥٦. وكانت الأعمال الكاملة لهوسرل Husserliana قد بدأت في الصدور، ومع ذلك استمد المؤلف معلوماته عن الظاهريات من الدراسات الثانوية.
١٤١  يتحدث ديميتري في نفس الوقت عن توما الأكويني وهيدجر، عن القديس بولس وميرلو بونتي.
١٤٢  يظهر عدم اتساق المراجع بوضوح في المصادر في آخر «النقد واللاهوت» بالرغم من تصنيفها طبقًا للعلوم الفلسفية والدينية المختلفة.
١٤٣  ملاحظة في الهامش Duméry: op. cit., p. 40.
١٤٤  اعتمد ديميتري على جيلسون Jeanson، وديفرين Dufrenne.
١٤٥  وهو نفس تفسير ماكس شيلر.
١٤٦  Duméry: op. cit., p. 91. الخاصة بصورة الشعور Noétique.
١٤٧  Duméry: Le Problème de Dieu, p. 25.
١٤٨  Ibid., pp. 41-2.
١٤٩  Ibid., pp. 46–8.
١٥٠  Ibid., p. 49. وهذا اعتراف واضح من المؤلف.
١٥١  Ibid., p. 145. ملاحظة في الهامش فوق العادة Transordinaire، النشوئية Génétiqué، النظرية Eidétique.
١٥٢  الظاهريات عند ميرلو بونتي وسارتر أكثر استعمالًا من الظاهريات عند هوسرل.
١٥٣  Duméry: op. cit., p. 24. السلبية Passivité. التأكيد Constatation . منتج Productive.
١٥٤  Ibid., p. 50. التضايف الذاتي الموضوعي Corrélation noèse-noême.
١٥٥  Ibid., p. 51.
١٥٦  Ibid., pp. 58–62.
١٥٧  Ibid., p. 84.
١٥٨  في «نظرات على الفلسفة المعاصرة» يخصص ديميتري جزءًا منه لتحليل الأعمال المعاصرة في «الوجودية والظاهريات» مثل: فرنو R. Verneaux، ومارسل G. Marcel، وسارتر، وميرلو بونتي، وميلر Müller، وكامو A. Camus. Duméry: op. cit., pp. 169–97.
١٥٩  Duméry: Raison et Réligion dans la Philosophie de l’Action, pp. 263–340.
١٦٠  ملاحظة في الهامش Duméry: Blondel et la Religion, p. 54. الرد έποχή. صورة الشعور Noèse. مضمون الشعور Noême.
١٦١  كان هذا هو هدف فلسفة الدين الذي لم يتحقق Duméry: op. cit., pp. V-VI. الدفاع الراقي Haute Apologetique.
١٦٢  يكفي ذكر التحولات الكبرى في تاريخ الفلسفة (الغربية):
  • (أ)

    ديكارت، التأملات في الفلسفة الأولى (الثالث والخامس).

  • (ب)

    كانط، الدين في حدود العقل وحده.

  • (جـ)

    هيجل، دروس في فلسفة الدين.

  • (د)

    برجسون، منبعا الأخلاق والدين.

١٦٣  Duméry: Philosophie et Religion.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤