الفصل السابع عشر

في بَيان خِلقة النفس وأنها حادثة موجودة بوجود الجسد وليست أزليَّة ولا قبل البدَن

  • البرهان الأول: نقول: لو كانت أزليَّة وقبل البدَن فإمَّا أن تكون واحدةً أو كثيرة. والأول باطِل لأنها إِما أن تَحلَّ في أبدانٍ كثيرة وهي واحدة وذلك مُحال لأنه يلزم أن يكون ما عَمِلَهُ الشخص الواحد عَمِلَهُ الجميع وهو باطل، وإِما أن تنقسِم النفس إلى أشخاص البشر [٣٦] وذلك مُحال لأن النفس ليست بجسمٍ وكل ما هو غير جسم فتقسيمه محال. والثاني أيضًا محال لأن الاختلاف مُزمِع أن١ يكون بالفصول أو بالأعراض، والأول محال لأنَّنا بيَّنَّا أنَّ النفوس واحدة بالطباع،٢ والثاني أيضًا مُحال لأن الأعراض لا تَلحَق إلَّا الأجسام والنفوس غير أجسام. فإذن النفوس غير قديمة ولا يُتصوَّر لها الوجود قبل الأبدان.٣
  • البرهان الثاني: إِن كانت النفس قديمةً فلا تخلو من أنها إِمَّا كانت٤ قد حلَّت في أبدان أخَر غير هذه الأبدان أو لم تكن قد حلَّت في شيء، والأول مُحال على ما سيظهر بعد في أنَّ التناسُخ مُحال،٥ والثاني أيضًا مُحال لأنه إِمَّا أن تكون عالِمة أو لا تكون،٦ فإن كانت عالِمة استحال حُلولها في هذه الأبدان الحيوانية وكان حلولها فيها مُحالًا٧ بعد علمها، وإِن كانت قديمة غير عالِمة فهو مُحال؛ لأنها تكون خاليةً من جميع المعارف فيكون وجودها باطلًا ولا باطِلَ٨ في الوجود.
[٣٧] فأما شواهد الكُتب الإلهية على حدوث الأنفس،٩ فمن ذلك ما قِيل: «صوَّر الله آدم ونفَخَ في وَجهه نسمة الحياة.»١٠ وقول أيوب: «أخذتُ طينًا من الأرض وصنعت حيوانًا ناطقًا ووضعتُه على الأرض.»١١ وقول زكريا: «خلق الله نفس الإنسان في ذاته.»١٢ وقول الإنجيل الطاهر: «الأب إلى الآن يخلق وأنا أيضًا أخلق»،١٣ وهذا دليل على وجود النفوس الحادِثة بحُدوث أبدانها. قال غريغوريوس: «أنا خائف من فِكر يدخُل إلى أحدٍ بأنَّ النفس عاشَت في مكانٍ آخر وبعد ذلك أتت إلى البدن الذي ارتبطت به.» وقال ساويرس: «ليس للنفس الناطِقة تَقدُّم على البدَن ولا للبدَن تقدُّم عليها.» وكذلك أيضًا يعقوب الرهاوي.
تنبيه: اعلَم أن عُلماء البَيعة اتَّفَقوا على أن النفوس حادِثة غير قديمة، لكنَّهم اختلَفوا في وقتِ خِلقتها، فإن مار أفرام [٣٨] ومار يعقوب وفيلكسينوس المنبجي وثاودريطا، زعموا أنَّ البدَن يتصوَّر أولًا وبعد ذلك تُخلق النفس فيه، وحملوها أيضًا على ما قِيل في التوراة: «إن التي تلِدُ ابنًا تجلِس على الدَّم أربَعين يومًا ووالدة الأنثى ثمانين يومًا.»١٤ لأنها حامِلة مَيِّتًا في تلك الأيام عاريًا عن النفس الناطقة. وأوريجانيس زعم أن النفوس قبل الأبدان لكن زَعم أنها مَخلوقة ليس مِثلما زعم الوثنيُّون أنها غير١٥ مخلوقة. أمَّا اليونانيُّون من أهل البَيعة فإنهم رفضوا هذين الرأيَين، أعني قِدَم النفوس وتأخُّرها عن الأبدان،١٦ وقالوا بل جميعها وُجِدَت معًا، وهذا الرأي أصحُّ الآراء بأسرِها وله نشرَح١٧ بزيادة الحُجَج والبراهين.
١  احذف «مزمع أن».
٢  راجع الفصلين الخامس والسادس.
٣  في الأصل: البدَن.
٤  في الأصل: فلا يَخلو إما أنها كانت.
٥  في الفصل التاسع عشر.
٦  في الأصل: أو لم تكن.
٧  في الأصل: محال.
٨  في الأصل: ولا باطلًا.
٩  لو قال «النفوس» لكان أفصَحَ.
١٠  سفر التكوين ٢: ٧.
١١  سفر أيوب ١٠: ٨ و٩.
١٢  نبوءة زكريا ١٢: ١.
١٣  إنجيل يوحنا ٥: ١٧.
١٤  سفر الأحبار ١٢: ٢ و٤ و٥.
١٥  سقط في الأصل: غير.
١٦  في الأصل: عن قِدَم الأبدان.
١٧  في الأصل: وإليه نشرح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤