الفصل التاسع عشر

في إبطال آراء أهل١ التناسُخ بأسْرِها

[٤١] نقول: قد بيَّنَّا بالبراهين القاطِعة أنَّ وجود النفوس بوجود أبدانها،٢ فإذا وُجِدَ بدَن إنسيٍّ استحقَّ نفسًا تَفيض عليه، فلو حلَّت فيه نفس أخرى مُتناسِخة لوُجِدَ في البدَن الواحِد نفسان، وذلك مُحال لأنَّهُ لا يَشعُر أحدنا بأكثر من نفسه، فإذَن التناسُخ مُحال.
وأنا٣ أقول: لو أمكن النَّقل على النفوس فإما أن يُمكن مكثُ النفس بغير بدَن تنتقل إليه أوْ لا يُمكن، والأول باطِل٤ لأنها تبطُل عن أفعالها زمنًا ما ولا مُعَطَّل في الطبيعة، والثاني أيضًا باطِل لأنه يلزَم تَوافُقُ ما يفنى لِما يُوجَد من الأبدان، وذلك ظاهر البُطلان في قضية الطوفان.٥

إننا نقول: لو كانت أنفسنا في أبدانٍ قبل هذه الأبدان للزِمَنا أن نَذكُر أفعالَنا الأولى؛ وذلك لأن النفس ذاكِرة بالطبع لا سيما [٤٢] شيئًا تعاهدته كثيرًا، ونحن لا نرى لنا شيئًا ممَّا يدُلُّ على بعض هذه الأقوال، فظهر أنها بأسرِها باطِلة.

وأمَّا شواهِد الكتُب المقدَّسة التي تدلُّ على التصديق٦ بقولِنا وبُطلان التناسُخ فهي قول داود: «نفسي طامِحة إليك يا إلهي الحيَّ متى آتي وأنظر وجهك.»٧ وقول سليمان: «يعود الجسَد إلى الأرض والنفس تَرقى عند٨ الربِّ الذي أوجدها.»٩ والإنجيل الطاهر يقول عند وفاة لعازر: «نقلَتْه الملائكة إلى إبراهيم.»١٠ وقال إسطفانوس: «يا ربَّنا يَسوع اقبَل نفسي.»١١ وقال بولس: «أنا مُشتاق إلى الانتِقال لأكون مع المسيح.»١٢
١  سقط في الأصل: أهل.
٢  في الفصل السابع عشر.
٣  في الأصل: أنا.
٤  سقط في الأصل: باطل.
٥  كذا.
٦  في الأصل: التصدق.
٧  سفر المزامير ٤١: ٣.
٨  لو قال «ترقى إلى الرَّبِّ.» لكان أفصح.
٩  سفر الجامعة ١٢: ٧.
١٠  إنجيل لوقا ١٦: ٢٢.
١١  أعمال الرسل ٧: ٥٨.
١٢  رسالة القديس بولس إلى أهل فيلبي ١: ٣٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤