الفصل السابع

في بيان المُغايَرَة بين أشخاص البشر من قِبَل القوى الثلاث١ المُختصَّة بالأشخاص البشرية وأول ذلك في المُغايَرَة من قِبَلِ القوَّة النُّطقيَّة

[١١] نقول: إن للإنسان ثلاث قُوى موجودة: القوة النُّطقية والغَضَبية والشهوانية. والقوة النُّطقية بها يُوجَد الإدراك والتمييز٢ والتعقُّل، وهذه على ضربين: أحدهما طبيعي والآخَر كَسْبي. فالطبيعي كقولنا: الاثنان٣ نِصف الأربعة والكلُّ أعظم من جُزئه والجسم الواحد لا يكون في مكانين في آنٍ واحد وأشباه هذه. وأمَّا الكسْبي فهو على قِسمين: أحدهما العلوم العقلية والنَّقلية والثاني العلوم الصناعية، وقليلٌ من البشر يُحيط بالأمرَين كامِلَين وكثير يَعدِم الأمرَين المَذكورين وبعضٌ يَجِد الأول ويَعدِم الثاني وبعض على العكس.
[١٢] وتَنحصِر درَجات المعارِف في ثلاثةٍ وإِن كانت كثيرة: فالأوَّل هو الماهِر في جميع المعارِف وهذا نادِر، والثاني عديم٤ الكلِّ وهؤلاء كثيرون، والثالث بالبعض ماهِرون وعن البعض عاجزون، وهؤلاء أيضًا كثيرون. فنرى إنسانًا يشرَح كُتُبًا شتَّى خُلوةً وفي الجمهور يَعجِز٥ عن إنشاء أدنى رسالة، ونرى قومًا آخرين بالعكس ممَّا ذكَرْناه، وبعضًا يعرِف الكتُب خُلوةً ويعجِز عن قراءة فصلٍ واحدٍ إذا التفَّ عليه الجمهور.
ثم من الناس من يُحدِّق بالعِلم سريعًا ولا يُدرِكه٦ النِّسيان أو يُدرِكه بعد مدَّة مديدة وهذا نادِر، ومنهم من هو بالعكس مما ذكرناه، وقوم يُحدِّقون٧ سريعًا ويَنسَون سريعًا، وآخرون يُحدِّقون بطيئًا ويَنسَون بطيئًا، وهذان الأمران مُتوسِّطان٨ لكن الأخير أرجَح إذ يُوجَد لأهل الجِهاد.٩

ومن الناس من يفهَم ما يتعلَّمُه وفْق ما ينبغي، وقوم ليس كذلك، والأوَّلون إِما أن يَستطيعوا الزيادة [١٣] على ما يُحصِّلونه أو أن لا يَستطيعوا ذلك، وأولو القِسم الثاني إِمَّا أن لا يفقهوا ما تَسلَّموه أو أن يفقَهوا يسيرًا وعلى عكس ما تسلَّموه، والقِسم الأخير مرَضٌ عَسِرٌ عِلاجُه ومُمتنِع كفانا الله إياه.

١  في الأصل: الثلاثة.
٢  في الأصل: والتميُّز.
٣  في الأصل: الاثنين.
٤  يريد «عادم».
٥  سقَط في الأصل: يَعجِز.
٦  في الأصل: ولا يُدرِك.
٧  أي «يُحدِّقون بالعِلم».
٨  في الأصل: وهذَين الأمرين مُتوسِّطين.
٩  أي «أهل الاجتِهاد».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤