في أسباب التَّغيُّر العارِض للقوَّة النُّطقية المَوجودة^١ لنَوع البَشر

• أمَّا السبب الأول: فهو أنَّ دِماغ الإنسان له بُطون ثلاثة: الأول الذي فيه الحِسُّ المُشترَك، والثاني هو مَسكن القوة المُتخيَّلة، والأخير الذي فيه القوَّة الذاكِرة. والأول يَجِب أن يكون مِزاجه رَطبًا فيه قليل من اليُبُوسة حتى يَقبَل صورة المَحسوسات بسهولةٍ ولا تزول سريعًا لأجل اليُبُوسة الموجودة؛ ولأجل ذلك فُرِض التعليم للأطفال بحَيث ترسُخ العلوم في قُواهم الباطنة بسبب الرطوبة الغالِبة في تلك [١٤] القوى؛ فإنَّ سنَّ الكِبَر يُوجِد زيادة اليُبْس في تلك القوى فيَعْسُر عليها^٢ قَبول العلوم. فأمَّا مِزاج التَّجويف الأوسط فيجِب أن يكون مائلًا إلى الحرارة لأنه مَعدِن القياسات، وهي تَفتقِر إلى سرعة الحركة والحرارة ولكن بشرط الاعتدال؛ لأن الإفراط يُوجِب اختِلاط الحقِّ بالباطل والتفريط يُوجِب عدَم الحركة. وأمَّا التجويف الأخير فيجِب أن يكون مائلًا إلى اليُبْس ليحفَظ ما يرتَسِم من الصُّوَر العقلية.
• السبب الثاني: هو أنَّ بينَ البَطن الأول والأوسَط مَسلكًا^٣ فيه جِسم يُشبِه الدُّودة ويَعرِض له الانبِساط واللُّطف ويَنفتِح ذلك المَسلك وتَجري الرُّوح من الأول إلى الأوسط، وهناك تنتقِل الصُّور من المُشترَك^٤ إلى المُفكِّرة، ووقتَ يَجتمِع ذلك الجِسم ويغلُظ يَسدُّ ذلك المَسلك وتَنحبِس الرُّوح عن الجَرَيان^٥ ويَمتنِع انتِقال الصُّوَر، فَإذَن كلُّ إنسانٍ مِزاجُ دِماغِه غليظ يعْسُر فيه حرَكة الجِسم المذكور [١٥] ولذلك يكون قليلَ الفَهم بَعيد^٦ المَعرفة والذي دِماغه مائل إلى الحرارة بالعكس من ذلك.
• السبب الثالث: أنَّ شكل الرأس وأجوَد أشكاله ما كان مُسفَّطًا قليلًا بين اليمين إلى الشمال حتى يحصُل منه شِبْه دائرة مما يلي الجَبهة وأخرى أصغر ممَّا يلي القفا؛ لأنَّ المُقدَّم هو تَجويف فإذا امتنع المُقدَّم يحصُل الأذى للمُشترَك وإذا امتنع المُفكِّر^٧ تأذَّى المذكور وإِن امتنَعا تأذَّيا.
• السبب الرابع: هو أنَّ الرأس والبدَن إِمَّا أن يكونا كبيرَين، أو صغيرَين، أو الرأس صغيرًا^٨ والبدَن كبيرًا، أو بالعكس. والأول يكون فيه^٩ الدِّماغ والقلْب قَوِيَّين وذلك الإنسان يكون كاملًا في صُورته، وأمَّا الثاني فيكون^١٠ ناقِصًا فيهما، وأمَّا الثالث فيكون قلبه قَويًّا وغزيرَ الحرارة والدِّماغ صغيرًا قليل [١٦] البُرودة، وذلك يكون سريعَ الغَضَب والعَطَب، وأمَّا الرابع فيكون قلبه صغيرًا ودِماغه كبيرًا بسبب كَثْرة المادة ولذلك يكون قليلَ الفَهْم ضعيف القلب.