الفصل الأول

حقيقة العمل

علمت في الباب السابق كيف يجب أن تسعى، وفي أي السبل تسير إلى باب الرزق؛ أو بالحري إلى باب الثروة. وفي هذا القسم تعلم ماذا تعمل، وكيف يجب أن تعمل؛ لتحصل على الرزق أو الثروة. السعي مقدمة العمل، فإذا استقام السعي وحسنت غايته استقام العمل، وأثمر ثمرًا صالحًا، فأحسن السعي حسبما علمت لكي تقدر أن تحسن العمل حسبما تعلم فيما يأتي:

(١) القُوى في العمل

من النواميس الطبيعية المقررة أن الحركة تساوي القوة مضروبة بالوقت، مثال ذلك: إذا كانت ساقية «ناعورة» دائرة بقوة حصان ترفع في الساعة مترًا مكعبًا من الماء مثلًا، فلكي ترفع هذا المتر المكعب في نصف ساعة يجب أن تدار بقوة حصانين، أو لكي ترفعه في ساعتين يكفي أن تدار بقوة نصف حصان، أو لكي ترفع مترين في ساعة واحدة يجب أن تدار بقوة حصانين، ولا يخفى أن العمل نوع من الحركة، فبحسب هذا الناموس لا بد أن تكون نتيجة كل عمل — ومن الجملة أعمال الإنسان — مساوية للقوة المبذولة فيه مضروبة بالوقت، بشرط أن يُحْسنَ استعمال القوة والوقت معًا؛ بحيث لا يذهب بذلهما سدًى. وأشهر القوات التي يعمل بها الإنسان:
  • أولًا: قوته البدنية، وهي مساوية لصحة الجسم، وقوة العضل، وبها يستطيع العمل الشاق وما هو من صنفه.
  • ثانيًا: قوته العقلية، وهي مساوية لسلامة العقل، والذكاء، والمعرفة، والاختبار، والحكمة، والاستقامة، وبها تحْسنُ إدارة العمل. ولهذه القوة تأثير في عصر المدنية أكثر جدًّا من تأثير القوة البدنية؛ لأن هذه يستعاض منها في أكثر الأعمال بالقوات الطبيعية، فلا تبقى ثمة حاجة إلا إلى القوة العقلية المدبرة.
  • ثالثًا: القوى الطبيعية كقوى انحدار الماء، والحرارة، والبخار، والكهرباء … إلخ، وهذه تنوب عن القوى البدنية، وهي من الحقوق المكسوبة ببدل؛ كثمن أو نحوه.
  • رابعًا: القوة المالية، وهي أقوى القوات عند ذويها؛ لأنهم يستأجرون أو يشترون بها سائر القوى؛ ولهذا يحرصون عليها، ويعملون لإنمائها، على أن المال لم يكن في الأصل قوة عاملة، بل كان بدلًا أو عبارةً عن حق أو قوةً؛ لسهولة المعاملة، ولكنه تحول إلى قوة مع الزمان بحكم الطبيعة على رأي الاقتصاديين، وبحكم الشريعة على رأيي الخاص، وصار يبذل المرء جهده لتثمير ماله ليقوى بقوته.

فبقدر ما يبذل المرء مما له من هذه القوى في العمل يحصل على نفع، ولا يحصل على أقل نفع ما لم يبذل ما يساويه من هذه القوى، فلا مناص إذًا من العمل؛ لتحصيل الرزق، ولهذا وجب الاجتهاد في إحراز القوى لاستطاعة العمل الكثير، والربح الوفير. وهذا الاجتهاد تابع لسعة المطامع والآمال، فيساويها عند أصحاب الهمة والنشاط، ويقل عنها عند الكسالى الذين يغرسون الآمال فيجتنون الأوهام، ويذوقون الخيبة.

(٢) تكافؤ القوى والمكاسب

الأجرة هي بدل النفع من العمل، وهي تساوي النفع في كل حال في البلاد المستقيمة الأحوال، المنتظمة الأعمال، وقد فهمت أن العمل يساوي القوة المبذولة عليه مضروبة بالوقت. والنفع والعمل متساويان أيضًا بحكم الطبيعة، وسنة الاقتصاد، فإذا كان النفع أقل من العمل تخلف عن ذلك العمل عمالُه؛ لأن أجرتهم عليه قليلة؛ لقلة نفعه، وإذ ذاك يصبح ذلك العمل قليلًا على الحاجة إليه، ومتى صار الشيء أقل من الحاجة صار عزيزًا، والعزيز ثمين، وبذلك ترتفع أجرة ذلك العمل؛ إغراء لعمال قليلين يشتغلون فيه سدًّا للحاجة إليه، وإذا كان النفع أكثر من العمل — وبالطبع تكون أجرة العمل أكثر منه — أقبل العمال على ذلك العمل طمعًا بوفرة أجرته، ومتى كثر العمل وزاد على الحاجة إليه رخص، فإن بقيت أجرته الرخيصة مساوية له بقي العمال مقبلين عليه، وإلا أحجموا عنه حتى ترتفع أجرته، وتعود مساوية له، وهكذا ترى أن سنن الاقتصاد الطبيعية تساوي بين العمل ونفعه وأجرته.

بقي إذًا أن تعلم قيم القوى الأربع الآنفة الذكر، وغني عن البيان أن قيمة الشيء تترتب على كمية الموجود منه والحاجة إليه؛ ولذلك يقال: «كل عزيز ثمين.» أي إذا كان الشيء قليلًا، والحاجة إليه كثيرة كان غالي الثمن، وكلما كثر حتى زاد على الحاجة رخص، وقيم القوى اللازمة للأعمال تجري على هذه القاعدة؛ أي أن أعزها أثمنها؛ ولهذا كانت «القوى البدنية» أقل قيمة لكثرة وجودها، وللاستغناء عنها بالقوى الطبيعية، وبالتالي كانت أجر الفعلة تختلف بحسب الحاجة إليهم.

و«القوى العقلية» أكثر قيمة؛ لقلة المستنير منها بنور العلم، ولكثرة الحاجة إليها لإدارة الأعمال العظيمة والخطيرة. و«القوى المالية» تتوسط بين هذه وتلك بالقيمة والأهمية، غير أن الاستقواء بها لا حد له؛ لاحتمال أن يحرز الفرد الواحد منها قدر ما يحرزه ألوف من الناس خلافًا للقوتين: البدنية والعقلية؛ فإن الإحراز منهما يقف عند حد، أما «القوى الطبيعية» فقيمتها قيمة المشقة اللازمة للحصول عليها.

وبما أن الحاجة إلى هذه القوى تختلف أيضًا باختلاف أحوال الزمان والمكان فقيمها أيضًا متفاوتة ومختلفة لهذا الاعتبار عينه، ففي مصر مثلًا أجرة الفاعل بضعة غروش، ولكن في كلونديك بلاد الذهب أجرة الفاعل جنيه؛ لشدة الحاجة إلى الفعلة، ولصعوبة الوصول إلى تلك البلاد، وفي إنكلترا فائظ المائة لا يتجاوز السبعة؛ لكثرة النقود بين أيدي الأغنياء هناك، وفي مصر يبلغ إلى ٣٠ أو أكثر؛ لقلة النقود، وفي أوروبا تباع قصيدة الشاعر بألوف، وفي بلادنا لا تكاد تقرأ مجانًا، ولو كانت نادرة الزمان! فيجب أن تراعى أحوال الزمان والمكان في تثمين القوى.

وقد علمت سابقًا أن فوائد الأعمال مساوية للقوى المبذولة في هذه الأعمال، فإذًا قيمة هذه الفوائد تساوي قيمة القوى المبذولة لأجلها؛ فالفاعل يبذل قوى عضلية كل يوم بيومه فيأخذ أجرته في اليوم نحو فرنكين، والنجار يبذل قوة عضلية وقليلًا من القوة العقلية، وقد بذل قبلًا في تعلم صناعته قوى عقلية للفهم، وقوى عضلية للتمرن، وأضاع أوقاتًا بلا أجرة، ولذلك يكسب الآن ضعفي أو ثلاثة أضعاف أجرة الفاعل.

والمحامي يبذل قوى عقلية لدرس القضية، وتصنيف مرافعة لها، وقد بذل قبلًا قوى عقلية كثيرة في دراسة العلوم وفن المحاماة، وأضاع أوقاتًا طويلة لأجل ذلك، وبذل أموالًا طائلة في سبيله، وعليه يأخذ الآن أجرة القضية عشرات الجنيهات مع أنه لم يشتغل فيها بحسب الظاهر إلا بضع ساعات، ولكنه بالحقيقة قد ابتدأ أن يشتغل فيها منذ دخل إلى المدرسة، وكذلك الطبيب يأخذ أجرة العيادة ريالًا أو أقل أو أكثر مع أنه لا يبذل قوى حين العيادة تستحق الاعتبار، ولكنه في أيام الدراسة بذل القوى والأموال الوفيرة، والتاجر يبذل القوى العقلية ورأس المال لكي يربح الأرباح الطائلة. وقس على ذلك كل الحرف والصناعات، الأمر الذي يدلك بعد التأمل أن الأجرة قلت أو كثرت مساوية للقوة المبذولة.

فمما تقدم فهمت جيدًا سبب تفاوت الناس في الأجور أو الأرباح مع عدم تفاوتهم بحسب الظاهر في بذل القوى، وثبتت لك هذه القاعدة «أن الأجرة تساوي القوى المبذولة على العمل حالًا أو سابقًا»، ولا ننكر أن كثيرين من العمال مظلومون بأنهم يشتغلون كثيرًا، ويكسبون قليلًا؛ ذلك لأن العمران يقتضي مثل هذه المظلومية! كما أنه يستثنى من هذه القاعدة من اعتسف العمل اعتسافًا، أو أخطأ في اختياره؛ بحيث جاءت الفائدة من نتيجة عمله في أي الأمرين طفيفة، فهذا يعمل كثيرًا ويأخذ أجرة قليلة كما سيأتي بيانه قريبًا.

ثبت مما تقدم أن الكسب ليس متوقفًا على التعب الظاهر، بل على القوى المبذولة في العمل مهما كان نوعها، وفائدته مساوية لهذه القوى، ولهذا كان المتمولون أقل تعبًا بالنسبة إلى أرباحهم من ذوي العقول المدبرة، والأجسام العاملة؛ لأن أولئك يعملون بقوة أجنبية هي المال، فيرتاحون به من تعب يساوي هذه القوة، وذوي العقول المدبرة أقل تعبًا بالنسبة إلى أرباحهم من ذوي الأجسام العاملة؛ أولًا: لأن قوة ذوي العقول ثمينة، وثانيًا: لأنهم يقدرون أن يستقربوا الطرق، ويستسهلوها للعمل، فيستخدمون الطبيعة، أو ينتفعون من قوى غيرهم، أو من أمور أخرى خفية عن سواهم.

ولذلك السبب عينه لا يقنع الذي يتاجر بماله بمعدل من الربح كما يقنع به الذي يقرض ماله بالربا؛ لأن ذاك يستعمل مع قوة المال القوى العقلية والجسدية، وهذا لا يستعملها. فإذا كانت مائة المرابي تربح ٥ مثلًا، فالبدال «البقال» لا يقنع بربح أقل من ٢٠ بالمائة؛ لأنه يبذل قوى عقلية وجسدية كثيرة مع قوته المالية، ولهذا السبب عينه يقنع التاجر الذي يبيع «بالجملة» بربح أقل مما يقنع به البائع «القطَّاعي».

ذلك هو سر أن المتمولين ذوي الثروات الواسعة يقنعون بربح قليل جدًّا من أموالهم لا يتجاوز الاثنين أو الثلاثة بالمائة؛ لأن قواهم العقلية والبدنية التي يبذلونها مع قوة ثروتهم لا تكفي للحصول على ربح كثير من أموالهم الوافرة، فإذا شاء صاحب المليون جنيه أن تربح مائته كما تربح مائة البدَّال، وجب أن تساوي قواه العقلية والجسدية قوى مئات من البدالين. وهذا يكاد يستحيل؛ ولذلك يستخدم أناسًا يشتغلون بتثمير ماله فيقاسمونه أكثر الربح جزاء أتعابهم.

يستفاد مما تقدم أن أكثر الناس ربحًا هم المتمولون؛ لأن القوة المالية أعظم القوى التي يمكن أن يملكها الفرد الواحد.

ولهذا ترى الناس يجتهدون بجمع المال؛ ليشتد ساعدهم، ويصيروا قادرين على ما لم يكونوا يقدرون عليه، وليستريحوا على ظهر المال.

(٣) أسرار نجاح العمل

أما نجاح العمل فيتوقف على بذل القوى في محالِّها وأوقاتها الملائمة بالحكمة وحسن التدبير، ولكن إذا استُعملت هذه القوى جزافًا، واعتُسف العمل اعتسافًا تذهب القوى ضياعًا، وينقضي العمل بلا ثمرة، فلكي ينجح العمل يجب أن يكون في الظروف الملائمة له، وعلى الخصوص في الزمان والمكان اللذين يُحتاج فيهما إليه، بحيث تكون للقوة المبذولة قيمة، وإلا فلا يُنتفع به؛ ولهذا ترى أن الأعمال غالبًا تنجح وتفيد في بلاد دون أخرى، وفي زمان دون آخر، مثال ذلك: الجرائد؛ فإنها في الغرب ناجحةٌ نجاحًا عظيمًا، وذووها يعدون من عظماء الأنام وكبار الموسرين وذوي الأهمية والتأثير في الهيئة الاجتماعية، وكلما حسنت الجرائد هناك أقبل الناس عليها وعادت على أصحابها بالأرباح الوافرة.

وأما في الشرق فتكاد تكون الصحافة بلا أهمية، ولا ذات ربح مهما اجتهد في ترقيتها وتحسينها، فإذا أنشئت في مصر جريدة على مثال جريدة التيمس ذهبت أتعاب صاحبها أدراج الرياح؛ لأن إقبال الناس عليها لا يعوِّض من النفقات اللازمة لها، ولا من جزء منها، وسبب ذلك أن البلاد لا تحتمل جرائد عظيمة كجريدة التيمس؛ لأن قراء الصحف العربية لا يكفون للقيام بنفقات جريدة كهذه.

وبناء على هذه الحقيقة لا يتاجر أحد بالآلات والأجهزة الكهربائية في القرى الصغيرة، ولا بالطرابيش في مدن أوروبا … إلى غير ذلك من الأعمال التي لا حاجة إليها حيث تُعرَضُ. على أن كثيرين من الناس، ولا سيما من الشباب الذين لم يستوفوا من الاختبار والعلم ما هو كافٍ للإصابة في العمل، تخفق مساعيهم أحيانًا وتذهب أتعابهم سدى؛ لأنهم يؤسسونها على آمالهم، وينجزونها حسب فروضهم الموهومة، لا حسب المعلومات المؤكدة.

مثال ذلك: خطر لبعضهم أن ينشئ منتدى عموميًّا «قهوة» في محل جميل تحيط به المناظر الطبيعية البديعة من غياض ومياه ونحو ذلك، وحسب أن الناس يقبلون عليه أيما إقبال، وقدر أكلافه ونفقاته ومكاسبه حسب فروضه وآماله، فوجد أن أرباحه وافرة، وبعد ملازمة المنتدى مدة وجد أن حالته غير منطبقة على حسابه؛ لأنه فرض أن الناس يقبلون على المنتدى لحسن موقعه وجمال المناظر الطبيعية حوله، ولكن هذا الفرض لم يصح؛ لنقص وسائل الإقبال؛ فالمكان كان بعيدًا عن الطرق العمومية، والطريق المتصل به غير ممهد، فلم يأتِ إليه إلا نفر قليل.

وإذا بحثت عن سبب تأخر المتأخرين، وحبوط مساعيهم، وجدت أنه على الغالب عدم مراعاتهم الزمان والمكان اللذين تروج فيهما أعمالهم. وبالحقيقة إن هذا الخطأ خفي في أكثر الأعمال يصعب الاهتداء إليه فيقع الكثيرون فيه؛ لغرورهم، ولقلة اختبارهم ومعارفهم، ولخداع أميالهم لهم، فالواجب إذًا أن يدقق المرء في عمل ميزانية مشروعه بحيث يسندها إلى مستندات مؤكدة لا إلى فروض وأوهام لا يراها إلا في الأحلام، وأن يكون بعيد النظر يعلم جيدًا ماذا يحيط بأطراف مشروعه من الظروف، والكيفيات، والأحوال؛ لكيلا يؤخذ على غِرَّةٍ، ولا يعتمد على ما يصوره له الأمل من النجاح أو الربح؛ لأن الأمل كثيرًا ما يخدع.

وإذا لم يكن بُدٌّ من مراعاة أحوال الزمان والمكان، فلا بد للمرء أيضًا أن يكيف ميله حسب تلك الأحوال، فإذا كان ميالًا إلى فن التصوير مثلًا، ولكن لا رواج للتصوير حيث هو قاطن، أو حيث يضطر أن يقطن؛ فلا بد من أن يحول ميله إلى مهنة أخرى رائجة في بلده، وإلا ساءت حاله؛ لكساد صوره. وإذا كان متقنًا هذه الصناعة، وليس في وطنه صناعة رابحة مثلها؛ فالأفضل أن يهاجر إلى حيث تروج صوره، فترى من ذلك أن على المرء أن يجتهد في التوفيق بين أمياله وأحوال الزمان والمكان؛ حتى يكون لعمله نفع له، فإذا لم يكن المكان موافقًا للمهنة التي يميل إليها، فعليه إما أن يحول ميله إلى ما يلائم المكان، أو ينتقل هو إلى مكان يلائم ميله. وتكييف الميل حسب أحوال الزمان ليس بمستحيل. نعم؛ إنه صعب، ولكن الحاجة تقتضي الإقدام على الصعب، والأمل بالانتفاع يخفف الصعوبة.

وبعض الناس بحذقهم وذكائهم يروِّجون من الأعمال ما لا ينتظر رواجه، فيتفننون فيه بحيث يلائم ذوق أهل الزمان والمكان، ويشوقونهم إليه، فيقبل الناس عليه ويألفونه، ويصبح بعد ذلك من الحاجات اللازمة لهم، وفي أوروبا وأميركا يَجِد كثيرًا من هذه التفننات والمصنوعات التي يكون الناس في غنى عنها قبل اصطناعها، وحينما يتداولونها تصبح من الحاجيات بعد إذ تكون من الكماليات التي يستغنون عنها.

مثال ذلك: كان الناس قبلًا يكتبون كتاباتهم المستعجلة خارج مكاتبهم بأقلام الرصاص، فاخترع حديثًا «القلم النابع» الذي يفرز الحبر أثناء الكتابة به، فأصبح كثيرون من الناس لا يستغنون عن هذا القلم. وإذا تحريت البضائع الأوروبية الواردة إلى بلادنا ترى أن أكثرها من هذه الاختراعات الحديثة التي متى رآها الناس شعروا بحاجتهم إليها، وأقبلوا عليها. فالتفنن بالعمل حسبما يلائم ذوق الناس وحاجتهم أمر جوهري للنجاح، ورواج العمل.

والخلاصة مما تقدم أن أسرار نجاح العمل بحيث تنتفع منه هي:
  • (١)

    أن تحرز من أفضل القوى اللازمة للعمل وأثمنها ما استطعت؛ لكي تقدر أن تمارس الأعمال الأكثر ربحًا؛ لأن الربح يساوي قيمة القوى كما علمت، ولهذا ألححت سابقًا بطلب العلم الكثير، والاختبار الطويل؛ لأن القوى العقلية أثمن القوى وأفعلها. ولسوف تجد أن الاقتصاد ضروري لإحراز المال؛ لأن المال هو القوة الثانية التي لا يقف الجمع منها عند حد.

  • (٢)

    أن تبحث عن الأعمال التي تستدعي بذل القوى الثمينة؛ لكي يكون الربح وافرًا، وأن تقدم عليها وأنت على تمام الأهبة لها بالحكمة والتدبير.

  • (٣)

    أن تختار من هذه الأعمال أروجها في زمانك ومكانك؛ لكيلا يذهب اجتهادك سدى.

  • (٤)

    أن توفق بين أميالك، وأحوال الزمان والمكان؛ لكي تقدر أن تختار الأعمال الرائجة؛ فإما أن تكيف الأميال حسب الأحوال، أو أن تذهب إلى الأماكن التي توافق أحوالها أميالك.

  • (٥)

    أن تتفنن بعملك بحيث تجعله موافقًا لرغبة الناس المحيطين بك، فيقبلون عليه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤