رأس البر
أشرقْتِ راقصةً بغيرِ إِزارِ
وفتَنْتِ غانيةً عنِ الأزْهارِ!١
خلقَتْكِ أمواجٌ تَجُودُ بتِبْرِها٢
وطَهُرْتِ «بالنِّيلِ» الطَّهُورِ الجاري
في كلِّ عامٍ لا يضِنُّ بفَيْضِهِ
من ضاحِكِ الجنَّاتِ والآثارِ
يُهْدِي إليكِ حنانَها وسُؤالَها
وخصائصَ الأسرارِ والأخبارِ!
فكأنَّ رمْلَكِ في توهُّجِ نُورِهِ
سِيَرُ القُرُونِ تطلَّعتْ للقارِي!
وكتابةٌ للفيلسوف خفيَّةٌ
عن أعينِ الجُهَّالِ والأغرارِ
لله ساعاتُ السُّرورِ قضيتُها
متوسِّدًا كنفَ الجمالِ العارِي
متغزِّلًا بحُلَى الطبيعة لم تَدَعْ
ظمأً إلى المَتْرُوكِ من أوْطارِ
ومشبِّبًا بالبحر أحسبُ نثْرَه
لرشاشِهِ الضَّاحِي قشورَ درارِي٣
ومُناجِيًا شمسَ الغُروبِ تساؤلًا
عمَّا تحجَّبَ من جديدِ نهارِ٤
وإذا نزعتُ إلى السباحة لاهيًا
ألقَيْتُ همَّ النفس للتيَّارِ!
والناس حولي في حُبورٍ دافِقٍ
يأبَوْن ما اعتادُوه من أسوارِ
فأرى السماحةَ والرَّشاقةَ حُرَّةً
وتحرُّرَ الجنسين من أستارِ
وأرى الفضيلةَ في أحبِّ صِفاتِها
وأرى القناعةَ في أجلِّ إطارِ
أين الْتفتُّ فصورةٌ من لذَّةٍ
وبكل مرأًى مستطابُ قرارِ
ومجالسُ السُّمَّار٥ وهْي كثيرةٌ
تمتاز بالإِنعاشِ لا الإِسْكارِ
وفخورةُ الأعشاش في إعْزازها
وهنائها كمنازل الأَطْيارِ
مصريةُ القَسَمات٦ ليس يَشُوبُها
تحنانُ أهلِيها لبُعْد ديارِ
لم تَعدِمِ الإيناسَ رغمَ بساطةٍ
والكبرياءَ على العَزُوف الزَّارِي٧
وتقول «للمصري»: عندَكَ مُتْعَتِي
قبل النُّزوعِ إلى هوى الأَسفارِ!
١
يقال لغة: غَنِيَتِ المرأةُ أيْ صارتْ غانيةً. وهي الغَنِيةُ
بحُسْنِها وجَمالِها عن الزينة. وقوله: «غانية عن الأزهار»: مِن غَنِيَ
بالشيء عن غيره؛ أي اكْتَفَى.
٢
يعني رملَ البحر.
٣
رشاش: جمع رشٍّ وهو أصلًا المطرُ القليل. والضاحي: البارز للشمس.
والدراري: النجوم.
٤
أي عن النهار الجديد في النِّصْف الآخَر للكرة الأرضية الذي أخذَتْ
تُشرِق عليه الشمس الغاربة …
٥
السُّمَّار: جمع السامر، وهم القوم المتسامِرون.
٦
القسمات: الوجوه.
٧
العَزوف الزَّاري: الزَّاهد فيها المُحقِّر لها.
