الفصل الثامن عشر

الخليفة عمر بن الخطاب

وسفره إلى الشام
وطوى الرسول عدة ليال لم يذق فيها طعم الكرى * وكان وصوله إلى «المدينة» ليلًا * فكره أن ينزل عند أحد من الناس فأناخ ناقته على باب المسجد وعقلها، ودخل المسجد فسلَّم على القبر النبوي وقبر أبي بكر، ثم أتى مكانًا في المسجد ونام فيه نومًا عميقًا * فلم يستيقظ إلا على صوت عمر يؤذن، وكان يغلس في الأذان * ثم دخل الإمام إلى المسجد وهو يقول «الصلاة رحمكم الله» * فنهض الرسول في من نهض، وتوضأ وصلى خلف عمر صلاة الفجر، وبعد الصلاة انحرف عمر عن محرابه، فقام الرسول إليه وسلم عليه. فلما نظر عمر إليه صافحه واستبشر، وقال «ميسرة ورب الكعبة. ما وراءك يا ابن مسروق.» * فدفع إليه الرسول الكتاب. فقرأه الإمام على المسلمين الحاضرين في المسجد وفيهم الأمراء والصحابة يتقدمهم علي وعثمان بن عفان * فاستبشر الجميع به؛ لقرب وقوع عاصمة الروم الدينية وبلد الأنبياء في أيديهم. فقال عمر يستشيرهم في الرحيل أو الإقامة: «ما ترون رحمكم الله فيما كتب أبو عبيدة.» * وكان أول من تكلم عثمان بن عفان * فقال: «يا أمير المؤمنين، إن الله قد أذلَّ الروم، وأخرجهم من الشام، ونصر المسلمين عليهم، وقد حاصر أصحابنا مدينة إيلياء وضيقوا عليهم، وهم في كل يوم يزدادون ذلًّا وضعفًا ورعبًا. فإن أنت أقمت ولم تسر إليهم رأوا أنك بأمرهم مستخف، ولقتالهم مستحقر، فلا يلبثون إلا اليسير حتى ينزلوا على الصغار ويعطوا الجزية.» * فقال عمر: «جزاك الله خيرًا» * ثم التفت إلى باقي المشيرين، وقال: «هل عند أحد منكم رأي غير هذا؟» * فيظهر أن المنافسة كانت موجودة بين علي وعثمان قبل وصول عثمان إلى الخلافة، ولذلك كان علي يتعرض أحيانًا لعثمان كما تقدم. فأجاب «نعم، عندي غير هذا الرأي، وأنا أبديه لك رحمك الله.» * فقال عمر: «ما هو يا أبا الحسن؟» * فأجاب علي: «إن القوم قد سألوك، وفي سؤالهم ذلك فتح للمسلمين، وقد أصاب المسلمين جهد عظيم من البرد والقتال وطول المقام، وإني أرى أنك إن سرت إليهم فتح الله هذه المدينة على يديك، وكان في مسيرك الأجر العظيم في كل ظمأ ومخمصة وفي قطع كل واد وصعود كل جبل حتى تقدم عليهم. فإذا أنت قدمت كان لك وللمسلمين الأمن والعافية والصلاح والفتح، ولستُ آمن أن يبأسوا (أي الروم) منك ومن الصلح، ويملكوا حصنهم، ويأتيهم المدد من بلادهم، فيدخل على المسلمين من ذلك الهم والبلاء. لا سيما بيت المقدس عندهم وهو معظَّم وإليه يحجُّون فلا يتخلفون عنه، والصواب أن تسير إليهم إن شاء الله تعالى.»١ * فقال عمر حينئذ: «لقد أحسن عثمان النظر في المكيدة للعدو وأحسن علي المشورة للمسلمين فجزاهما الله خيرًا، ولست آخذ إلا بمشورة عليٍّ.» * ثم أمر الناس بالاستعداد للمسير معه.

فيا له من زمن صغير كبير ذلك الزمن الذي كانت فيه ملوك الأمم وقوادها يرجعون إلى رجال العقل والفكر في سياسة ممالكهم، ويفصلون في الأمور السياسية الجسام التي عليها تتوقف حياة ممالك ودول عظيمة في مسجد صغير ساذج في مدينة صغيرة ساذجة بدون كلفة بين أفراد من الأصحاب والأصدقاء كأنهم عائلة واحدة.

على طريق الشام

ولما فشا الخبر أن عمر مسافر إلى الشام خرج الناس في المدينة؛ لتوديعه وتشييعه * فأتى عمر المسجد فصلى فيه أربع ركعات، ثم قام إلى القبر النبوي فسلم عليه وعلى قبر أبي بكر * واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب * ثم خرج «على بعير٢ له أحمر وعليه غرارتان؛ في إحداهما سويق، وفي الأخرى تمر، وبين يديه قربة مملوءة ماء، وخلفه جفنة للزاد.» * وكان مرتديًا «بمرقعة من صوف وفيها أربع عشرة رقعة بعضها من أدم.» * «وعلى رأسه قطعة عباءة قطوانية وقد عصب بها رأسه». *

هكذا كان لباس الأمير العظيم الذي فتحت له كنوز قيصر وكسرى.

وكان معه جماعة من الصحابة ممن شهدوا واقعة اليرموك، وعادوا إلى المدينة بعدها في جملتهم الزبير وعبادة بن الصامت. *

وانطلق بعير عمر ووراءه مطايا أصحابه في رمال بلاد العرب، وقفارها وسهولها وجبالها يقصد بيت المقدس، وكان عمر إذا نزل منزلًا لا يبرح منه حتى يصلي الصبح. فإذا انفتل من الصلاة أقبل على المسلمين وخطب فيهم يحضهم على الاتحاد * وشكر الله على نعمه «ثم يأخذ الجفنة فيملأها سويقًا ويصفُّ التمر ويقرب للمسلمين، ويقول: كلو هنيئًا مريئًا. فيأكل ويأكل المسلمون معه». *

هذه كانت مائدة صاحب السلطنة العربية التي كانت آخذة بالامتداد من شاطئ البحر الأحمر إلى ما وراء الفرات. فلا طباخ ولا تأنق ولا تمتع، وإنما الطعام طبيعي وبسيط يأكله الإنسان ليعيش، بدل أن يعيش ليأكل ويفعم جوفه بالأطعمة المختلفة التي تفسد صحة النفس والبدن.

وبعد مدة وصل الإمام إلى ماء لجذام يدعى «ذات المنار» * وكان هنالك طائفة من عرب جذام. فنزل الأمير على الماء. فبعد حين جاء قوم منهم وقالوا: «يا أمير المؤمنين، إن عندنا رجلًا له امرأتان وهما أختان لأب وأم. فغضب عمر وقال عليَّ به. فأتي بالرجل إليه. فقال له عمر: ما هاتان المرأتان؟ فقال الرجل: زوجتاي. قال: فهل بينهما قرابة؟ قال: نعم هما أختان. قال عمر: فما دينك. ألست مسلمًا؟ قال: بلى. قال عمر: أوما علمت أن هذا حرام عليك، والله يقول في كتابه: وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ. فقال الرجل: ما علمتُ، وما هما عليَّ حرام. فغضب عمر وقال: كذبتَ والله إنه لحرام عليك، ولتخلينَّ سبيل إحداهما وإلا ضربت عنقك. قال الرجل: أفتحكم عليَّ؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو. فقال الرجل: إن هذا الدين ما أصبنا فيه خيرًا ولقد كنتُ غنيًّا عن أن أدخل فيه. قال عمر: ادنُ مني. فدنا منه. فخفق رأسه بالدرة (السوط) خفقتين وقال له: أتتشاءم بالإسلام يا عدو الله وعدو نفسه. خل يا ويلك سبيل إحداهما وإلا جلدتك جلدة المفتري. فقال الرجل: كيف أصنع بهما وأنا أحبهما، ولكن أقرع بينهما فمن خرجت القرعة عليها كنتُ لها وهي لي وإن كنت لهما جميعًا محبًّا. فأمر عمر فاقترع. فوقعت القرعة على إحداهما فأمسكها وطلق الثانية. ثم أقبل عليه عمر وقال له: اسمع يا ذا الرجل، وعِ ما أقول لك: إنه من دخل في ديننا ثم رجع عنه قتلناه. فإياك أن تفارق الإسلام، وإياك يبلغني أنك قد أصبت أخت امرأتك التي فارقتها فإنك إن فعلت ذلك رجمتك.»٣ *

ثم انطلق عمر فمر في طريقه بحي من بني مرة «فإذا بقوم قد أقيموا في الشمس يعذَّبون. فقال لهم عمر: ما بال هؤلاء يعذبون؟ فقيل: عليهم خراج. قال: فما يقولون؟ قال: يقولون: ما نجد ما نؤدي. فقال عمر: دعوهم ولا تكلفوهم ما لا يطيقون.» * فخلوا سبيلهم.

ثم سار «حتى إذا كان بوادي القرى أخبروه أن شيخًا على الماء، وله صديق يودُّه فقال له صديقه: هل لك أن تجعل لي في زوجتك نصيبًا وأكفيك رعي إبلك والقيام عليها؟ قال له الشيخ: قد فعلتُ. فلما أخبر عمر بذلك أمر بهما فأحضرا فقال: ويلكما ما دينكما؟ قالا: الإسلام. قال عمر: فما الذي بلغني عنكما، أما علمتما أن ذلك حرام في دين الإسلام؟ قالا: لا والله ما علمنا ذلك. فقال عمر للشاب: إن بلغني عنك شيء من ذلك بعد ضربت عنقك». *

وكان عمر قد كتب إلى أمراء الجند في بيت المقدس أن يلاقوه بالجابية٤ ليوم سماه لهم. فلما بلغ جند الشام خبر قدومه «ارتجَّ الناس وهموا أن يركبوا لاستقباله بأجمعهم. فقال لهم أبو عبيدة: «عزيمة على كل رجل أن لا يخرج من مركزه.» * ثم سار أبو عبيدة في أناس من المهاجرين والأنصار. فلما وصل عمر إلى الجابية كان أول من لقيه يزيد بن أبي سفيان، وأبو عبيدة، ثم خالد بن الوليد، وهم على الخيول وعليهم الديباج والحرير * فنزل عمر وأخذ الحجارة ورماهم بها للبسهم ملابس الروم، وقال: «ما أسرع ما رجعتم عن رأيكم. إياي تستقبلون في هذا الزي، وإنما شبعتم منذ سنتين؟ وبالله لو فعلتم هذا على رأس المائتين لاستبدلت بكم غيركم.»٥ فقالوا: «يا أمير المؤمنين إنها يلامعة» أي (سلاح يلمع) قال: «فنعم إذن»٦ ثم ركب حتى دخل الجابية.
وما استقر المقام بعمر في الجابية ليستريح من وعثاء السفر حتى تقدم إليه رجل غريب الزي وقال: «يا أمير المؤمنين، إنك لا ترجع إلى بلادك حتى يفتح الله عليك إيلياء٧ فالتفت عمر إلى أبي عبيدة وسأله: من هذا الرجل؟ (— فأجاب أبو عبيدة: هو يوسف اليهودي الذي طلب أن يتقدمنا إلى بيت المقدس. فلم يلتفت عمر إليه، وعند الفجر صلى عمر بالمسلمين صلاة الفجر، ثم خطب فيهم خطبة حسنة حض فيها الحاضرين على الاتحاد وشكر الله وقرأ الآية: مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا * وكان قس من المسيحيين حاضرًا فقال: «إن الله لا يضل أحدًا.»٨ * فلما كرر القس هذا القول قال عمر: «إن عاد إلى قوله فاضربوا عنقه.» * فسكت القس * وحينئذ همس أبو عبيدة (— في أذن الأمير عمر: حيا الله الأمير وبيَّاه فإنه كره العقاب إلا بعد الإنذار مع أن الرجل عاد علينا. فلا عجب في أن يحبنا مخالفونا؛ لتساهلنا إلى هذا الحد.

ثم أخذ أبو عبيدة يحدث عمر بما لقي الجند من الروم، وعمر باهت؛ فتارة يبكي وتارة يهدأ. فلم يزل كذلك إلى أن حضرت صلاة الظهر. فقال الناس: يا أمير المؤمنين، اسأل بلالًا أن يؤذن لنا * وبلال هو العبد الذي كان مؤذن النبي، وكان قد حضر إلى بيت المقدس اغتنامًا لأجر القتال في سبيل فتحها. فقال عمر لبلال: «يا بلال، إن أصحاب رسول الله يسألون أن تؤذن لهم وتذكِّرهم أوقات نبيهم.» * «فقال بلال: نعم.» ثم أخذ يؤذن الظهر. «فلما قال: الله أكبر خشعت جلودهم واقشعرت أبدانهم. فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله بكى الناس بكاءً شديدًا حتى كادت قلوبهم تتصدع عند ذكر الله ورسوله». *

ويظهر أن بلالًا رأى في جند المسلمين شيئًا جديدًا لم يره من قبل، وفي الحقيقة أن هذا الشيء ليس بالجديد فإنه أزلي لوجوده منذ وجود الإنسان تقريبًا، وهو أن أكابر المسلمين وأجناد الشام كانوا «يأكلون لحوم الطيور والخبز النقي.» * والضعفاء كثيرًا ما كانوا لا ينالون شيئًا، وبما أن بلالًا قد نشأ في أحضان النبوة فقد رأى لنفسه حق الشكوى من هذه الحالة الجديدة. فشكى ذلك بعد الأذان إلى الإمام عمر * مختتمًا قوله بهذه العبارة: «الكل يفنى، ومآله إلى التراب، ومصيرنا إليه.» * فأجابه يزيد بن أبي سفيان «إنَّا لنصيب ما قاله بلال ها هنا مثل ما كنا نقوت به أنفسنا مدة من الزمان في الحجاز؛ لأن الأسعار رخيصة في بلادنا هذه.» * فقال عمر: «إن الأمر كما ذكرتَ فكلوا هنيئًا مريئًا» * ولكنه أردف ذلك بقوله: إنه سيفرض لكل أهل بيت ما يكفيهم من البر والشعير والعسل والزيت وما يحتاجون إليه.

فنحن إذا رمنا أن نسمِّي هذا الأمر باسمه العلمي المألوف اليوم فإننا نقول: إن الإمام باهتمامه هذا كان يهتم بالمسألة الاجتماعية العظمى، وغني عن البيان أن المبدأ المسيحي والمبدأ الإسلامي في هذه المسألة مناقضان لمبدأ المدنية الحاضرة القائمة على مبدأ تنازع البقاء وبقاء الأفضل، ولكن المدنية الحاضرة بدأت تعود إلى المبدأ المسيحي والمبدأ الإسلامي من حيث اهتمام الهيئة الاجتماعية بجميع الأفراد، وهو مبدأ الاشتراكية الجديد الذي قد طما سيله على أوروبا، ولا يُعرف مستقبله الآن معرفة جلية.

ولما سمع أبو عبيدة جواب يزيد وحكم عمر انحرف نحو الأمير، وقال: «لقد أحسن أمير المؤمنين، ورأيه الموفق إن شاء الله في إسعاد أحوال فقراء المسلمين. فإن المسلمين إخوة وهم بعضهم لبعض كالبناء المرصوص، لا كالروم الذين يتمتع أغنياؤهم بملاذ الدنيا ويتركون فقراءهم كالكلاب».

ولكن أبا عبيدة كان يجهل ويا للأسف أن ما حل بالروم في مدينتهم الواسعة سيحل بالمسلمين أيضًا عند اتساع مدينتهم ويقوم يومئذ «حق الملكية٩ المطلق» الذي عليه مدار المعاملات في هذا العصر مقام كل شيء.
ولما هم عمر بالرحيل إلى معسكر المسلمين قرب بيت المقدس، وهو على بعيره وعليه مرقعته، قال له بعض الأمراء: «يا أمير المؤمنين، لو ركبتَ بدل بعيرك جوادًا ولبست ثيابًا بيضًا.» * لاستقبال الروم بها. فأجابهم عمر إلى ذلك: «فلبس ثيابًا مصنوعة في مصر تساوي خمسة عشر درهما١٠ وطرح على عاتقه منديلًا من كتان ليس جديدًا ولا بالخلق دفعه إليه أبو عبيدة، وقدم إليه برذون أشهب من براذين الروم.» * فلما صار عمر على ظهر البرذون يهملج به ويتجلجل ويختال. فأسرع عمر إلى النزول عنه وضرب وجه البرذون وقال: «لا أعلم من علَّمك هذه الخيلاء»١١ ثم التفت إلى أصحابه وقال: «أقيلوا عثرتي أقال الله عثرتكم يوم القيامة فقد كاد أميركم أن يهلك بما دخل قلبي من العجب والكبر، وإني سمعت رسول الله يقول: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر» ولقد كاد أن يهلكني ثوبكم الأبيض وبرذونكم المهملج.» * ثم إن عمر خلع الثوب الأبيض وعاد إلى مرقعته وبعيره.

فيا لجمال هذه الحركة التي نبذ بها عمر الثوب المصري الأبيض؛ ليعود إلى لبس المرقعة الصوفية، وأبعد الفرس المختال؛ ليعود إلى البعير الذلول المتضع، وربما يظهر ذلك لأبناء هذا العصر حتى المسلمين أنفسهم أمرًا غريبًا صغيرًا، ولكن الذين يعرفون سر فعل عمر لا يستغربون صنعه. نعم، إن كل ما في الأرض من شقاء وشرور وفساد مصدره شيء واحد وهو «كبرياء الإنسان» فالإنسان لا يحلل كل المحرمَّات في سبيل جمع المال وإنماء الثروة إلا إرضاء لكبريائه. لا يسطو فرد على فرد أو شعب على شعب لإذلاله وسلب ما في يده إلا لإرضاء كبريائه. لا يُرى الإنسان متصدرًا مختالًا فخورًا كأنه مفرد في الدنيا كلها وكأن الدنيا كلها ملك يده مع أنه أصغر من فيها، إلا إرضاء لكبريائه. لا تُسخَّر الألوف من البشر في بناء المدن والقصور وصنع الزخارف وحشد الجنود وإقامة المعامل التي تشقى فيها فئة من البشر لتستعد بها فئة أخرى، إلا إرضاء لكبريائه. فمتى محيت هذه الكلمة «الكبرياء» من قواميس البشر ومن نفوسهم فحينئذ تصبح الأرض مكانًا طيبًا ويبطل أصل الفساد فيها. حينئذ لا يعود فيها سيد ومسود، وعبد وحر، وكبير وصغير، وغني وفقير. بل يكون الجميع أخوة في الاتضاع والدعة والسذاجة ومكارم الأخلاق كما يكون الأولاد في طور سذاجتهم، فلنخفضنَّ هنا رءوسنا احترامًا للإمام الجليل الذي رام بتلك الحركة الجميلة سحق أفعى الكبرياء في نفسه ونفس أمته، ولنؤاخينَّ بين هذه الحركة الجميلة وقول كتاب المسيحيين: «إن لم ترجعوا وتصيروا كالأولاد فلا تدخلوا ملكوت السموات» — فإن هذه بمعنى تلك وتلك بمعنى هذه.

١  أما رواية ابن الأثير فإنها تناقض هذه الرواية. فإنه روى أن عليًّا قال لعمر إذ رام المسير إلى الشام: «أين تخرج بنفسك إنك تريد عدوًّا كلبًا. فقال عمر: أبادر بالجهاد قبل موت العباس، إنكم لو فقدتم العباس لانتقض بكم الشر كما ينتقض الجبل».
٢  يقول ابن الأثير: إنه قدم على فرس.
٣  رواه الواقدي نقلًا عن عمر بن مالك العبسي الذي كان مع عمر في هذا السفر.
٤  من أعمال دمشق في شمالي حوران.
٥  ابن الأثير.
٦  ابن الأثير.
٧  روى ابن الأثير والطبري وغيرهما أن يهوديًّا اسمه يوسف لقي عمر بالجابية، وقال له هذا القول. فجاء هنا محكم الانطباق على أبي أستير.
٨  الواقدي.
٩  أي حرية الإنسان في أن يمتلك ما يشاء، ويتصرف به كما يشاء، وما دام هذا حقه المطلق ففرض الإحسان والزكاة عليه من قبل العبث واللغو؛ لأن ذلك معلق بإرادته.
١٠  الواقدي عن الزبير.
١١  ابن الأثير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤