خاتمة البحث

والآن، بعد هذا المطاف الشاق الطويل، والذي كانت نتيجته هذا البحث الذي يسعدنا اليوم التقدم به لطالبي الحق كل الحق لذاته، ومريدي القدوة الطيبة من إمام تجرد للحق والعلم والجهاد في سبيل الله، نشير في هذه الخاتمة إلى هذه الأمور:
  • (أ)

    إن رأي الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى في علوم المنطق والكلام والفلسفة معروف واضح، فهو لا يرضاها ولا يرضى عنها؛ ولذلك لم نرَ ضرورة أن نطيل البحث بالكلام عنها في باب أو فصل خاص.

    وبخاصة وقد تعرضنا لها في مواضع كثيرة في أثناء البحث، ولا سيما عند بحثنا الحياة العقلية والعلمية في عصره،١ وكذلك عند الكلام على خصومه ومحنته ووفاته.٢
  • (ب)

    ثبت لنا أن ابن تيمية هو إمام من أئمة المسلمين بلا ريب، فقد كان صاحب اللواء في كل علم من العلوم الإسلامية التي برع فيها ونبغ، وكان إليه المرجع في المشكلات التي رفعت إليه وأفتى فيها حتى بلغت فتاويه المجلدات العديدة الضخمة، والتي لا يزال الفقهاء في شديد الحاجة إليها والإفادة منها.

  • (جـ)
    ومع ذلك كله، فقد كان له خصوم كُثر رموه بما أعاذه الله من الضلال، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا! ولكنه داء الحسد والحقد بين العلماء المتنافسين المتعاصرين.

    على أن الشيخ الإمام وإن ناله كثير من الأذى في ذات الله والحق، فقد كان راضيًا كل الرضا بما حصل له من هؤلاء الخصوم والأعداء، ولعله كان يتمثل في هذه الناحية بقول الشاعر العربي المؤمن الذي عاش في حياة الرسول، وهو خبيب بن عدي الذي قال يوم الربيع:

    ولست أبالي حين أُقْتَلُ مسلمًا
    على أي جنب كان في الله مصرعي
  • (د)

    وإلى جانب أولئك الخصوم كان أنصاره لا يحصون كثرة، هؤلاء الأنصار والتلاميذ المخلصون، وعلى رأسهم الإمام ابن قيِّم الجوزية، هم الذين حملوا علمه وبثوه في كل مكان، حتى صار ذخرًا صالحًا لجميع المتفقهين والعلماء الباحثين.

ولكننا مع هذا كله، نرى من الواجب على القادرين من المسلمين أن يعنوا عناية جادة بتحقيق كتب الإمام مجدد الإسلام في عصره تحقيقًا علميًّا بكل معنى الكلمة، ثم نشرها بين الناس ليعمَّ النفع بها إلى يوم الدين.

•••

رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية، ورضي عنه وأرضاه، وجعله في جنة الخُلْد مع الذين أنعم الله عليهم، من النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وحَسُن أولئك رفيقًا.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ونسأله العون والتوفيق والسداد في كل حال.

١  راجع ما تقدم فى [الناحيه السياسية] وما بعدها.
٢  راجع ما تقدم [الناحيه الاجتماعية] وما بعدها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤