الحذر!

كان الشياطين قد فرغوا توًّا من مباراة في كرة القدم حين سَمِعوا النداء عبر الإذاعة الداخلية للمقر السري … يدعوهم إلى الاجتماع في القاعة الكبرى … بعد نصف ساعة توجَّه الشياطين إلى قاعة الاجتماعات الكبرى … المزوَّدة بشاشة العرض العملاقة … وما كادوا يخطون داخلها حتى سَمِعوا رقم «صفر» يرحِّب بهم ويدعوهم لمشاهدة هذا الفيلم الذي تم تصويره منذ وقت قريب.

جلس الشياطين في صمتٍ يراقبون المشاهد التي يعرضها الفيلم، وكان واضحًا أنها لجزر «ريوكيو»، وتجوَّلَت الكاميرا في المناطق التي تجاور هذه الجزر، وعرف خلالها الشياطين موقع تلك الجزر تمامًا؛ فهي تقترب بالفعل من «الصين» وخاصة «شنغهاي». وكذلك من «اليابان» بالقرب من مدينة «نجاساكي» الساحلية … وقد ظهرَت «تايوان» أيضا من خلال الفيلم، وهي أقرب هذه البلدان إلى جزر «ريوكيو».

كان المصور بارعًا وقد وضح أن التصوير تمَّ من طائرة وتركَّزَت الكاميرا أخيرًا على مجموعة الجزر التي تحيط بها المياه من كلِّ جانب.

كان المشهد بديعًا، وكان من الواضح أن المصور يقصد جزيرة بعينها وسط هذه الجزر … من كثرة تركيزه عليها وأخيرًا ظهر على الشاشة الضخمة ما يُشبه المنزل أو الكوخ الصغير.

توقَّف المشهد عند هذا المنزل فترة قبل أن تتوقف ماكينة العرض وينتهي الفيلم … لتُضاء قاعة الاجتماعات … ويأتي صوت رقم «صفر» العميق يقول: لعلكم شاهدتم ماذا يقصد المصور الذي قام بتصوير هذا الفيلم … وقد قام بذلك طبعًا بتكليف منَّا.

إن الجزيرة المقصودة أو التي يُقيم عليها العالِم الذي يقوم بإنتاج هذه الجراثيم … تتوسط مجموعةَ الجزر التي يطلق عليها اسم «ريوكيو» … وبالتحديد هي الجزيرة الرابعة على التوالي من ناحية «تايوان».

صمت رقم «صفر» للحظات قليلة … سمع الشياطين خلالها صوت الأوراق التي أمامه وهو يقلبها قبل أن يتحدَّث قائلًا: لقد وصلَتنا معلومات جديدة بشأن هذا العالِم، وجراثيمه الغريبة!

لقد توصَّل رجالنا في «تايوان» إلى معلومات في غاية الأهمية؛ إذ شاهدوا أكثر من مرة أحد القوارب الصغيرة ذات المحرك المتعدد السرعات وهو يغادر شواطئ «تايوان» باتجاه تلك الجزر، وقد تابعوها بواسطة النظارات المكبرة، واستطاعوا تحديد الهدف بدقة … وأكمل رقم «صفر» حديثه قائلًا: إن صناعة هذه الجراثيم تتم بهدوء وبمنتهى السرية … الأمر الذي يجعلكم دائمًا في منتهى الحذر والتخوف أيضًا منها.

ويتوقف رقم «صفر» عن الكلام، بينما تلاقَت أعينُ الشياطين بنظرات غلَب عليها الاستفسار والتعجب، وقطع رقم «صفر» تبادل هذه النظرات بقوله: أعلم أنكم في غاية التعجب من كلمة «خوف» التي لم تعرف طريقها إليكم من قبل … والتي أقولها بشأن هذه الجراثيم … فالتعامل معها لا بد أن يتبعَه خوفٌ شديدٌ لتكونوا أكثرَ حذرًا من ذي قبل. في نفس الوقت الذي أحذركم فيه من نشاط جهاز المخابرات لهذا البلد المعادي لنا … فهو مشهورٌ بخداعه وكثرة ألاعيبه.

أخيرًا: أكرِّر … كونوا في منتهى الحذر وسأوافيكم غدًا بتفاصيل المغامرة … بعد وصول آخر معلومات من عميلنا في «تايوان» وكذلك عملائنا في «اليابان».

لقد طلبتُ منهم موافاتنا بأكبر قدر من المعلومات عن جزر «ريوكيو» وكيفية الوصول إليها وأقرب الطرق إلى ذلك، وهي بكل تأكيد أشياء مهمة قد تساعدكم إلى حدٍّ كبير في إنجاز مهمتكم.

واختتم رقم «صفر» الاجتماع بقوله: أتمنى لكم التوفيق وإلى اللقاء!

سَمِع بعدها الشياطين أقدامَ رقم «صفر» وهي تبتعد … فنهضوا بسرعة وتوجَّهوا إلى غُرَفهم للنوم مبكرًا استعدادًا للغد.

نام كلُّ الشياطين عدا «أحمد» و«بو عمير»؛ فقد ظلَّا ساهرَين يتجولان بالمقر السري الفسيح، ويتناقشان في تفاصيل المهمة القادمة … كانت توقعات «أحمد» تشير بأن السفر سيكون إلى «تايوان» بينما كان رأي «بو عمير» على عكس ذلك؛ إذ رجح فكرة السفر إلى «اليابان» كنوع من التمويه … وظل الاثنان حتى منتصف الليل يتبادلان الأفكار ويتخيلان المواقف القادمة … حتى غلبهما النوم، فاتجهَا إلى فراشهما وعلامات الترقب والإصرار تكسو وجهَيهما.

كان صباح هذا اليوم مشحونًا بالنسبة للشياطين فبدأ المقر السري وكأنه خلية نحل … «عثمان» يجهز الأسلحة اللازمة و«فهد» يطمئن على الأجهزة التي قد يحتاجون إليها … و«إلهام» … تُعيد مراجعة دفتر الشفرات الخاصة بالسفر. بينما انهمكَت «زبيدة» و«هدى» في تجهيز ملابس الرحلة … وبعض الأقنعة التي تستخدم ضد الجراثيم والميكروبات.

كانت الساعة تُعلن العاشرة حين اتجه الشياطين إلى قاعة الطعام لتناول الإفطار وما كادوا ينتهون منه حتى دق الجرس وأعلنَت سماعات الإذاعة الداخلية للمقر السري … بموعد الاجتماع الهام.

في تمام الحادية عشرة كان الشياطين بالقاعة الصغرى بمقر الشياطين بالدور الأول، ولم تمضِ سوى دقائق حتى سَمِع الشياطين صوتَ أقدام رقم «صفر» وهي تقترب من المنصة.

حيَّاهم بكلمات سريعة … ثم بدأ في شرح تفاصيل الرحلة: ستغادرون المقر السري اليوم في الساعة السابعة مساء، وستتجهون إلى المطار حيث تستقلون الطائرة المتجهة إلى «تايوان» مباشرة، وهناك سيكون بانتظاركم أحدُ رجالنا … وستتعرفون عليه بسهولة … فشكلُه مميزٌ ويختلف تمامًا عن الشكل العادي بالنسبة لأهل «تايوان» … فهو أسمر اللون … يرتدي حلة بيضاء، وهو حليق الرأس تمامًا … ستقترب منه «إلهام» وتُلقي عليه التحية وسيُجيبها على الفور باسمها، وسيصحبكم هذا الرجل ويُدعَى «فيليب»، وهو أفريقي الأصل إلى مدينة «تاييه»؛ حيث ستكون إقامتكم الدائمة … وستجدون هناك كثيرًا من التفاصيل التي تحتاجونها في مهمتكم … وسيكون «فيليب» رهنَ إشارتكم، وسيقدم لكم كلَّ العون الذي تحتاجونه.

أخيرًا أكرِّر … كونوا حذرين … وإليكم الآن الأسماء المسافرة والتي ستقوم بهذه المهمة الصعبة … «أحمد» … «بو عمير» … «مصباح» … «خالد» … «فهد» … ثم «إلهام» و«هدى».

اختتم رقم «صفر» كلماتِه قائلًا: أتمنى لكم التوفيق وإلى اللقاء … وتلاشى بعد هذه الكلمات صوتُ أقدامِه وهي تبتعد، بينما نهض الشياطين في خفة وسرعة لإكمال بقية الاستعداد للسفر.

عندما دقَّت ساعة الحائط السابعة تمامًا … كان الشياطين أمام البوابة الصخرية العملاقة بانتظار ساعة الرحيل … وسرعان ما انفتحَت البوابة أتوماتيكيًّا ووقفَت السيارة الميكروباص المجهَّزة بداخل المقر ليصعدَ الشياطين المكلفون بهذه المهمة، بينما وقف باقي الشياطين لوداعهم.

تحرَّكَت السيارة الميكروباص خارج المقر لتعود البوابة الصخرية إلى الانغلاق بصوتها العملاق، بينما كانت السيارة التي تنقل الشياطين تطوي الأرض … كانت السماء صافية في هذه الليلة ونجومها تلمع على صفحتها الزرقاء، وبعد ساعات استقل الشياطين الطائرة المتجهة إلى «تايوان»، وسرعان ما نادَت المضيفات في الطائرة: الرجاء ربط الأحزمة وعدم التدخين. ثم تحركَت الطائرة ببطء وازدادت سرعتُها تدريجيًّا حتى بلغَت أقصى سرعة لها قبل أن تغادر عجلاتُها الممرَّ الطويل وتُحلق في الجو تاركةً خلفها أزيزها العالي وهو يتلاشى في الفضاء الرحب ليبدأ الشياطين مهمتَهم الصعبة بجزر «ريوكيو»!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤