الخدعة

لم تكن الفرقعة الشديدة التي حدثَت بالقرب من المنزل الذي يجتمع فيه الشياطين ويحرسه من الخارج «فيليب» ورجاله، سوى الصوت الذي أحدثه انفجارُ أحد إطارات سيارة كانت تقف بالقرب من المنزل.

نادى بعدها «أحمد» «فيليب» وشرح له تفاصيل الخطة ودوره فيها، واتفق معه على الاستعداد الكامل لاحتمال التنفيذ في أي وقت. وأخيرًا طلب منه التوجه بهم إلى الفندق حيث يقضون اليوم حتى الصباح الباكر.

استقل الشياطين السيارة «اللاند روفر» في طريقهم إلى الفندق. وسارَت السيارة التي يقودها «فيليب» في حواري ضيقة أثبت فيها «فيليب» براعتَه في القيادة حتى خرجَت إلى الشارع الرئيسي … ولم تمضِ سوى ربع الساعة فقط حتى وصل الشياطين إلى الفندق.

كان أول ما لفت نظر «أحمد» عدم وجود «شنج ياي» الحارس الليلي مكانه، بل وجد مكانَه شخصًا آخرَ طويلَ القامة بدينًا نسبيًّا … وكان يرتدي نفس الملابس التي كان يرتديها «شنج ياي».

رمقَه «أحمد» بنظرة سريعة وهو يهمُّ بدخول الفندق … ولم يُعِرْهم الحارس أدنى اهتمام، فنظر «بو عمير» ﻟ «أحمد»، ثم حوَّل بصرَه باتجاه الحارس وأكملَا السير وتبعهما بقية الشياطين ومعهم «فيليب» إلى داخل الفندق.

كانت الغرفة كما هي. لا شيء تغيَّر … وإن اكتشف الشياطين بعد التفتيش الدقيق أن غُرَفَهم قد تعرَّضَت للتفتيش، وأن هناك أجهزة تصنُّت أخرى قد وُضعَت في بقية الغرف بل وفي نفس المكان الذي وُضع فيه الجهاز بغرفة «أحمد».

كان كل ما يُقلق «أحمد» كيفية التصرف مع العالِم الذي يقوم بتجهيز الجراثيم القاتلة، في نفس الوقت الذي شغل تفكيره أيضا كيفية مواجهة هذه الجراثيم … وهل تكفي الأقنعة الواقية التي معهم لحمايتهم منها.

قضى الشياطين ليلتَهم في الحديث عن رحلة الغد الليلية إلى «تايوان» لشراء بعض الأشياء المهمة التي يحتاجونها في عملياتهم القادمة.

قال «مصباح»: إنني في أشد الحاجة لمثل هذه الرحلة … ويا حبذا لو لم يتأخر «فيليب» عن التاسعة مساء. فبعدها سيصير الوقت متأخرًا والجو باردًا.

كانت الساعة تُشير إلى الحادية عشرة حين أخلد الشياطين للنوم استعدادًا للغد، ونام كلُّ الشياطين ملءَ الجفون عدا «فهد» الذي انتابه القلق، فخرج في هدوء إلى بهو الفندق، وسهر بعض الوقت في مشاهدة بعض برامج التليفزيون «التايواني»، ألقى خلالها نظرةً خاطفة على الحارس الليلي، وكان قلبه يُحدِّثه عن شيء سيحدث وقد صدق حَدْسُه؛ فقد شاهد الرجل صاحب اللحية الصفراء واقفًا مع الحارس يتبادلان حديثًا هامسًا.

وسهر «فهد» طوال الليل وقد فارقه النوم وحلَّ مكانه القلق … فكان من الواضح أن هؤلاء الرجال في منتهى الخطر ثم ما هو دور رجال الأمن والحراسة بالفندق؟! ثم من يملك الفندق نفسه؟

أسئلة كثيرة هاجمت عقلَ «فهد» مما جعلَته يشعر بالقلق والخوف على بقية الشياطين … كان يقظًا لدرجةِ سماعِه كلَّ الخطوات في الدهليز المؤدي إلى الغرف، بل راح يعدُّ الخطوات ويعرف من خلالها أين توقَّفت الخطوات وأي الغرف دخلت.

كان آخر الليل قد حلَّ مع بداية الصباح حين شعر «فهد» ببعض الاطمئنان، فاستسلم للنوم حتى الصباح … عندما صحَا الشياطين من نومهم كانوا في غاية النشاط وبعد أن تناولوا طعام الإفطار … اجتمعوا بغرفة «أحمد» و«بو عمير». حتى جاءهم صوتُ «فيليب» وهو يستأذن للدخول، وقضى معهم بعضَ الوقت أكَّد خلاله للشياطين على موعد الرحلة إلى «تايوان» وهو في التاسعة مساء على نفس العربة «اللاند روفر» الزرقاء الكبيرة … كانت كلمات «فيليب» حسب اتفاق «أحمد». فخرجت طبيعية تمامًا.

قضى الشياطين بقيةَ وقتهم في أحاديث مختلفة، وعندما حان وقت الغداء ذهبوا لتناول وجبة الغداء بصحبة «فيليب» الذي أعطى «أحمد» ورقة صغيرة مكتوبًا فيها كل ما طلب «أحمد»، وعلامة () أمام كلِّ طلب … قرأها «أحمد»، وصاح مشجعًا «فيليب» بالفرنسية: «برافو»، ولمعت أسنان «فيليب» البيضاء بابتسامة واسعة، وصافح الشياطين وانصرف … على أن يأتيَ في التاسعة حسب الاتفاق … كان «فيليب» يدري تمامًا أنه مراقبٌ؛ ولذلك فقد سلك عدة طرق لتضليل مراقبيه.

كانت عقارب الساعة تُشير إلى الثامنة والنصف مساء حين استعد الشياطين لأداء مهمتهم الصعبة. ارتدوا ملابسهم بسرعة، ووقفوا في الشرفة ينتظرون وصول «فيليب»، وكان «بو عمير» في تلك الأثناء يتابع حركة الغرفة «٢٠٨» عند اقتراب الساعة التاسعة، ثم ألقى نظرة خارج الفندق … كانت هناك سيارة «ستروين» الفرنسية الصنع السريعة جدًّا وبداخلها شخصٌ في الكرسي الخلفي بينما كانت عجلة القيادة خالية، وشاهد «بو عمير» شخصين آخرَين يتجهان إلى السيارة «الستروين» السوداء، وينظران إلى ساعتهما.

كان الوقت يمضي ببطء شديد عندما اقتربت الساعة من التاسعة. صَعِد «بو عمير» إلى غرفة «أحمد»، وأبلغه بوجود السيارة السوداء.

كانت «إلهام» تنظر إلى ساعتها والعقرب الكبير يتجاوز رقم «١٢»، ويقترب رويدًا من العدد «١»، فقالت وهي تحاول أن تبدوَ طبيعية: لقد تأخر «فيليب»، ولم تكَد تنتهي من جملتها حتى طرق «فيليب» البابَ وصاح محيِّيًا الشياطين، ثم قال: السيارة بانتظاركم خلف الفندق، ثم أشار ﻟ «أحمد» … بأن كلَّ شيء على ما يرام.

كان اختيار «أحمد» لهذا اليوم موفَّقًا للغاية؛ فالسماء بلا نجوم وستائر الليل الكثيفة تُرخي بسدولها على الأماكن الخلوية فتصبح قطعةً من الظلام.

عندما هبط الشياطين السبعة ومعهم «فيليب»، واتجهوا حيث تقف السيارة «اللاند روفر» الزرقاء، كانت السيارة «الستروين» السوداء قد تحرَّكَت من مكانها … وشاهدها «بو عمير» من بعيد وهي تقترب منهم وتستعد للانطلاق في نفس اتجاههم … تَبِعتها سيارةٌ أخرى من طراز «بورش» الألماني.

صَعِد الشياطين إلى السيارة «اللاند روفر»، وجلس على عجلة القيادة «فيليب»، وأدار محركها ثم انطلق في الظلام الدامس لمائة متر بالتحديد، ثم انحرف يمينًا، وكانت أضواء العربة «الستروين» و«البوش» تطاردهم عن قرب … ولم يكَد «فيليب» ينحرف بالعربة حتى تَبِعها بانحراف آخر في شارع ضيق عندئذٍ … وفجأة انطلقَت في نفس الوقت الذي انحرفَت فيه سيارةٌ أخرى «لاند روفر» زرقاء كانت بنفس اللون والمواصفات.

وكان يقودها شخصٌ آخر يُشبه إلى حدٍّ كبير «فيليب» في ضخامة جسده ولون بشرته … ويرتدي نفس ملابس «فيليب»، وكانت دهشة الشياطين كبيرة عندما لمحوا فتاتَين تجلسان في الكرسي الخلفي كما جلسَت «إلهام» و«هدى» تمامًا … ابتسم «فيليب» ابتسامةَ سعادة ورضا وهو يشير ﻟ «أحمد»، وصاح «بو عمير» و«خالد» في نفَس واحد. برافو «فيليب». كانت السيارة «اللاند روفر» الزرقاء قد اختفَت في الظلام ووراءَها انطلقَت السيارة «الستروين» و «البورش».

بينما دار «فيليب» بسيارة الشياطين وانطلق صوب المحيط الهادي … حيث كان بانتظارهم أحد القوارب العملاقة ذات المحرك السريع، وهناك أبدل الشياطين ملابسهم، وارتدوا جميعًا الثياب السوداء. وأمسك كل واحد منهم بالكمامة، وأسرع «فيليب» إلى القارب ثم أدار المحرك وضبط بوصلة القيادة وغادر القارب «الياماها» الياباني شواطئ «تاييه» باتجاه جزر «ريوكيو».

كان القارب العملاق يشقُّ مياه المحيط بسرعة مسترشدًا بكشافاته القوية التي انعكست على سطح الماء الأزرق والذي أحاله الظلام الدامس إلى سائل أسود … واختفت بعد نصف ساعة شواطئ «تاييه» بأنوارها واستمر القارب السريع في انطلاقه دون توقُّف … حتى صاح «فيليب» بصوتٍ عالٍ كي يسمعَه الشياطين: باقٍ ثلاثون ميلًا.

أتاه صوت «أحمد»: أَطْفِئ الأنوار قبل الوصول بعشرة أميال وهدِّئ من السرعة.

فقال «فيليب» بلهجة عسكرية: أمرُك يا سيدي!

مما جعل الشياطين يضحكون برغم صعوبة مهمتهم وبرودة الجو وسط المحيط الواسع.

ظل القارب منطلقًا بنفس السرعة عشر دقائق أخرى ثم هدأ من سرعته وتَبِعها بالأنوار التي أطفأها عرف بعدها الشياطين بأنهم قد أصبحوا على مقربة عشرة أميال من جزيرة «ريوكيو» أو «جزيرة الجراثيم» كما أطلقوا عليها.

خمس دقائق مرَّت هي الأخرى أتم فيها الشياطين الاستعداد لاقتحام الجزيرة حين صاح «فيليب»: الجزيرة الآن على بُعد ميلَين فقط.

كان القارب «الياماها» السريع قد تفادَى في طريقه للجزيرة المقصودة مجموعة من الجزر التي يُطلق عليها جميعًا جزر «ريوكيو» … قال «فيليب» بصوت هامس: لقد وصلنا شاطئ الجزيرة!

ترك بعدها «فيليب» يدَ المقود، فسكت الموتور وأصبح القارب يسير بهدوء بقوة الدفع حتى اصطدم ببعض الأعشاب على شاطئ الجزيرة.

فقفز الشياطين بخفة ورشاقة بملابسهم السوداء وتلفَّت «أحمد» حوله ثم قال ﻟ «فيليب»: انتظر أنت بالقارب ومعك «هدى» و«مصباح»، وستكون «إلهام» على مقربة منَّا وقد نستدعيكم في أيِّ وقت بواسطة جهاز اللاسلكي … فكونوا مستعدين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤