الفصل الثالث

المشهد الأول

شارع

(في الخلفية بيت تظهر نوافذه. في الوسط شرفة. في أسفل مقهى اصطفت أمامه ثلاث موائد، يقع أوسطها تحت الشُّرفة. إلى اليسار عمود للصق الإعلانات كُتبَ عليه بالخط الأحمر «جريمة قتل». الشحاذ يقف إلى اليمين في مواجهة العمود.)

(المساعد يجلس إلى المائدة اليمنى.)

(الشحاذ يعزف أغنية «السيدة نشيطة» على آلة البيان الشعبية «البيانولا» – الطبيب وليسي يظهران في الشرفة.)

(النادل العجوز يفتح شيش النوافذ في المقهى.)

(إسكندر يأتي حاملًا شواله ويقف أمام عمود الإعلانات.)

(الطبيب يغادر البيت ويجلس مع المساعد.)

المساعد : سوق الأوراق المالية في تحسُّن.

(إسكندر يجلس إلى المائدة اليسرى.)

بائع الجرائد : بنك القمر، مؤسسة جديدة.

(النادل العجوز يُحضر الطلبات ويشتري صحيفة.)

الطبيب : قهوة.
النادل العجوز (يتجه لإسكندر، يقرأ الجريدة) : القاتل.

(إسكندر يتطلَّع إليه.)

المساعد : رأس المال.

(الطبيب يهز رأسه.)

إسكندر : هل تؤمن بالله؟
النادل العجوز : نحن البشر.

(الشحاذ يدير آلة الغناء «البيانولا».)

(الصم البكم يجلسون إلى المائدة الوسطى.)

(النادل العجوز يذهب إليهم.)

(الصم البكم يشيرون بأيديهم ويحركون رءوسهم.)

الطبيب (ينادي) : أبكم وأصم.

(النادل العجوز يهز رأسه ويدخل المقهى.)

أجاثه (حافية القدمين، في الرابعة عشرة، تحمل صندوقًا) : كبريت؟

(المساعد يدفعها بعيدًا عنه.)

(الطبيب يضحك.)

(الصم البكم يتصدقون عليها.)

(إسكندر يأخذها من ذراعها.)

ليسي (تظهر في الشرفة وتشير للصم البكم) : الفلوس فلوس.

(تختفي.)

المساعد : نحن نعيش على المقدم.
إسكندر : ما اسمك؟
أجاثه : أجاثه.
المساعد : تشغيل الأطفال.
أجاثه : نحن جائعون.
المساعد : الأوراق.
الطبيب (يُخرج أوراق العملة من جيبه) : ونحن أصحاب أملاك.
المساعد (يُخرج أوراقًا من جيبه) : هل تشتري؟
الطبيب (يضع الأوراق المالية في جيبه، ينظر في ساعته) : إجهاض.

(ينهض.)

(الشحاذ يدير آلة الغناء.)

أجاثه : أمي تُحتضَر.

(الطبيب ينصرف.)

(المساعد يتبعه.)

أجاثه : ساعدني (تتناول يد إسكندر، ينصرفان).

(الصم البكم يشيرون ويهزون رءوسهم، يشيرون إلى الإعلان الذي كتب عليه «جريمة قتل».)

المشهد الثاني

غرفة في السطوح

(طرقة إلى اليمين تؤدي إليها سلالم، سطح مائل، للخلف نافذة تُطل على أسطح البيوت المجاورة، الأم إلى اليسار تُحتضَر على فراش الموت، مائدة في الوسط، حولها ثلاثة كراسي، يجلس الأب الأشيب على الكرسي الأوسط منها، إلى اليمين سلة من سلال السفر، تُضاء الغرفة.)

(الأم تتنهد.)

(الأب لا يتحرك. تُضاء الطرقة. أجاثه وإسكندر يصعدان السُّلَّم. تُظلم الطرقة.)

(إسكندر يدخل.)

الأم : أنت.
أجاثه : الحمى.
الأم : ولدي.

(إسكندر يقترب من الفراش.)

الأم (تُمسك يده) : أنا راحلة.

(أجاثه ترتب المخدات.)

الأم : القطار مسافر.

(إسكندر يتجه للسلة.)

الأم : احزمي الأمتعة.

(إسكندر يفتح السلة.)

الأم : زفاف.

(إسكندر يتجه للدولاب. يخرج منه بعض الأسمال التي يضعها في السلة.)

الأم : البروش.

(إسكندر يتجه للكومودينو، يجد البروش.)

الأم : الكتاب المقدس.

(إسكندر يتجه للمائدة، ويُخرج الكتاب المقدس.)

الأم : النقود (تجذب من المرتبة بعض الأوراق المالية وتحشرها في فمها)
أجاثه (تعقد يديها على صدرها) : لتكن مشيئتك.

(إسكندر يقفل السلة.)

الأم : التذكرة (أجاثه وإسكندر يجلسان إلى المائدة).

(الأم تتنهد).

أجاثه : أبي.

(الأم: حشرجة … هدوء … تفتح النافذة.)

الأب : ماتت.

(يجلسون جامدين، تُضاء الطرقة، بعض الناس يصعدون السُّلَّم، ينظرون من ثقب الباب، ويتهامسون، تُظلم الطرقة، يدخلون، تمتلئ الغرفة بالظلال.)

رجل يلبس السواد : الدفن.

(يقتربون، يضغطون المائدة، الأب وأجاثه وإسكندر يتصافحون، تختفي الأشباح، تظلم الغرفة، تضاء المائدة.)

الأب : من أنت؟
إسكندر : أبحث عن نفسي.
الأب : إنسان.

(إسكندر ينحني أمامه.)

(أجاثه تبتسم. تُظلم المائدة. أسراب من الطيور تحوم فوق الأسطح.)

المشهد الثالث

مستشفى

(حجرة الاستقبال في الوسط. قاعة العمليات إلى اليمين. محطة الإجهاض إلى اليسار. تضاء قاعة العمليات وحجرة الاستقبال.)

(الممرضة تجلس في حجرة الاستقبال.)

(الطبيب في قاعة العمليات. يتجه للدولاب الزجاجي ويُخرج منه جنينًا، يعرضه للضوء. يضعه على مائدة العمليات.)

(الممرضة تغزل.)

الطبيب (يفتح الباب) : استقبال؟
الممرضة : ثلاثة (تتصفح دفترًا) في الشهر التاسع.

(الطبيب يُغلق الباب. تُظلِم قاعة العمليات. تُضاء محطة الإجهاض.)

(البغايا يرقدن على ثلاثة أسرَّة. السرير الرابع خالٍ.)

تيا (في يدها إصبع «الروج» ومرآة صغيرة) : كلام فارغ.
جيلدا : شوكولاتة (تأكل).
لينا : أمير الذهب مات (تشم باقة زهورٍ).
جيلدا (تشدُّ الزهور من يدها) : زهوري.
تيا (تنقر بأصابعها على بطنها) : يرن.
جيلدا : أدخل (يضحكن).

(الفتاة تدخل حجرة الاستقبال مترنِّحةً، تتلمس الحائط، تنهار.)

(الممرضة تسحب الفتاة المغشي عليها إلى محطة الإجهاض وتضعها في السرير الرابع.)

(الطبيب يدخل حجرة الاستقبال.)

(الممرضة تعود، إجهاض.)

جيلدا (تفرد ذراعيها) : رقص.
تيا : الطبيب (يخفين أشياءهن).
الطبيب (يدخل، يتجه للفتاة، يرى الدم) : إجرام.
الفتاة (تفتح عينيها، ترى الطبيب، تصرخ) : حيوان.
الطبيب : القناع.

(الممرضة تدفع عربة صغيرة عليها أدوات وآلات طبية.)

الفتاة (تقاوم) : لا أريد.

(الطبيب يمسكها بقوة.)

(الممرضة تضع قناع التخدير على وجهها.)

الطبيب : عدِّي.
الفتاة (تصاب بالإعياء؛ تئنُّ) : واحد وعشرون، اثنان وعشرون.
الطبيب : هيا.

(الممرضة تضع الفتاة المخدَّرة على عربة المرضى.)

(الطبيب يعبر حجرة الاستقبال إلى قاعة العمليات.)

(الممرضة تدفع العربة. يُغلق الباب المؤدي إلى قاعة العمليات.)

(تيا تتنهد.)

جيلدا : الكماشة.
لينا : أصوات.

(تيا تتقايأ.)

جيلدا : بطني!
لينا (تشبك يديها) : أماه.
جيلدا : إلهنا الذي في السماء (تنكمش تحت اللِّحاف، هدوء)

(تسقط إحدى الآلات في قاعة العمليات. ويصدر عنها رنين حاد).

تيا (تنهض فجأة) : ولد طفل.
الطبيب (يخرج من قاعة العمليات، يغسل يديه الملوثتين بالدم) : قذارة.

المشهد الرابع

شارع

(الشحاذ جالس أمام عمود الإعلانات. الصم البكم يجلسون إلى المائدة التي في الوسط. المائدتان الأخريان خاليتان.)

(الصم البكم يلوِّحون بأيديهم ويهزون رءوسهم. يشيرون للإعلان الذي كتب عليه بخط كبير «جريمة».)

بائع الجرائد : ملحق.

(النادل العجوز يكنس أمام الباب.)

بائع الجرائد : آثار المجرم.

(النادل العجوز يشتري صحيفة.)

(بائع الجرائد ينصرف.)

(الشحاذ يدير «البيانولا».)

(تظهر الجنازة آتية من اليمين؛ رجال يرتدون السواد ويحملون المائدة التي عرفناها في غرفة السطوح، الأم ملفوفة في الكفن، ترقد على المائدة، ويداها معقودتان على صدرها على هيئة الصليب، القسيس يمشي خلف المائدة، يتبعه الأب ومعه أجاثه، ووراءهما إسكندر ومعه شوال. يظهر ناس قادمون من اليسار يصطدمون بالجنازة في منتصف الشارع فيسدون عليها الطريق، ويكورون قبضاتهم مهددين، ويُلوِّحون بقوائم الحساب.)

الناس : الديون.
رجل : الخباز.
امرأة : الإيجار.
الناس : المال (يهجمون على الجثة ويُفتِّشونها).
القسيس (متوسلًا) : يا مؤمنين!

(الناس يُلقون المِزَق الباقية من الكفن على الأرض. الجثة عارية.)

رجل يرتدي السواد : لا مال، لا دفن.

(الرجال الذين كانوا يحملون المائدة يتركونها في مكانها.)

(القسيس يتنهد، يصافح الأب ويهزُّ يده. الجثة وحيدة على أرض الشارع.)

(إسكندر يتقدم فيتراجع الجميع إلى الوراء. ينتزع ثوبه من على جسده ويغطي به الجثة.)

(القسيس يهزُّ رأسه وينصرف.)

(إسكندر يحمل الجثة بين ذراعَيه.)

(الناس يختفون ومعهم المائدة.)

(الصم البكم ينهضون من أماكنهم، يزحزحون أحجار الطريق، ويحفِرون قبرًا بأيديهم.)

(إسكندر يضع الجثة في الأرض. الناس ينظرون من كل النوافذ. ليسي تُطل من الشرفة.)

(الصم البكم يردمون القبر.)

بائع الجرائد (يعود) : آثار المجرم.

(إسكندر يضع الشوال على كتفَيه.)

بائع الجرائد : الرأس في الشوال.

(أجاثه تركع أمام إسكندر، تُقبِّل يديه.)

(النادل العجوز يتطلع إليه باهتمام.)

المشهد الخامس

مهد
الفتاة (تغني) :
نمْ يا ولدي نمْ، يا حبة قلبي نم،
أغمِض عينيك الزرقاوين، العالم يسبح في النوم.
يا ولدي نم، وسأدفع عنك طيور الشؤم.
وسيهبط ملكٌ بسَّام ويزور خيالك في الحُلم،
هذي أيامك من ذهبٍ، والغدُ لن يأتيَ كاليوم!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤